زيارات قيس، لماذا هي ليلية؟ وما وظيفتها؟


وأبدأ بتفسير طابعها الليلي الذي صدر عنه. وأثني بتعليل وظيفتها التضامنية الذي صدر عن مستشارته.
فهو فسر الطابع الليلي بتجنب الاشهار اقتداء بالفاروق.
وهي عللت وظيفة الزيارات لتوزيع الإعانات بعدم ثقة المواطنين في غيره.

لا احتاج للتعليق الطويل على التفسير.
فمن البين ألا أحد يصدقه بعد أن انكشف المشروع بالكامل.
والدليل أن كبار المدافعين عنه تخلوا عن “المحاماة” أو يكادون حتى قبل كورونا.
سواء ممن تشيعوا أو ممن يبحثون عن تعويض بعد فقدان المزايا التي حصلوا عليها في عهد المرزوقي.

لذلك استعيض عنهم بطبالين أكثر منهم حمقا ربما لصغر سنهم أو لأنهم غير مشهورين للتنكر والتظاهر بالدفاع عن مصلحة تونس والحياد في المعارك السياسية.

فأحدهما كتب معلقا على ما عرضته من أفكار حول الجائحة دون أن يفهم شيئا ولعله لم يقرأ حتى فسماني “شيخا” وهو من حيل استعمال تأثير التوارد لخلق الصورة في الأذهان، فبهذا يسهل نسبة ما كتبته في دميتهم إلى توظيف نهضاوي: وهو القصد بشيخ.

والثاني سماني “دونكيشوت” المرازقة حتى يقنع نفسه وجماعته بأن ما كتبته في دميتهم حملة عديمة الفائدة من جنس الحرب على نواعير الطواحين. ولا يدري أن في وصفه شيئا صحيحا. فمشروع دميتهم دون نواعير الطواحين متانة في الثقافة التونسية بدليل زوال دولة الباطنية فيها.

ولا أحتاج للرد على تعليل مستشارته فهي أكثر المستشارين بلاهة.
لأنه من البين ألا أحد يصدقها بعد انكشاف الامر في معركة وحدانية الرئيس.
فالتعليل الذي قدمته اعتراف رسمي بأن حرب رئيسها لم يكفها التشكيك في باردو والنواب بل هو يشكك في القصية والوزراء.

فالتعليل يريد أن يوحي بأن الشعب أصبح متقنعا بأنه لا يوجد إلا رئيس واحد وأن البقية لا يستحقون ثقته.
وإذا كان الشعب لا يثق في الحكومة وفي النواب في أمر من هذا الجنس وهو ظرفي لا يسمن ولا يغني من جوع فكيف به في ما يتعلق بمهام الحكم قوامة للرعاية الحماية. خاصة وهو قد استبد بالحمايتين (الداخلية والدفاع).

التعليل يفيد بأن الدمية يسعى للاستبداد بالرعايتين (الاقتصادية والثقافية) ليصبح “الوالي الفقيه” المقدس الذي يسجن بأمره أو بأمر توابعه من يتهم بما وصفوه قانونيا بالامر الفاحش “لاز ماجاستي”.
لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ولا خاصة تمنيه يدل على أنه بلغ ما يريد تكريسه بسلوكه.

ومعنى ذلك أن الزيارات الليلية وتوزيع المعونات ليس لهما ما قد يفهم في بادئ الرأي.
واعتقد أنهما يفيدان أن الرجل بدأ يشعر بأنه خسر معركتيه:

  1. معركة المشروع أو لم يعد واثقا في من كلفهم بترتيب أمر المليشيات.
  2. ومعركة وحدانية الرئاسة حتى صار يعبر بصبيانية عن الغيرة من أي وزير ناجح.

كما بدأ يشعر أنه خسر معركة التغطية على خياراته التنكرية بدعوى محاكاة أحد أكبر الرموز السنية لتعليل حاجته لمراقبة الامر بنفسه.
لكن اضطراره للزيارات الليلية ليس لأنه يحاكي الفاروق بل من أجل سرية المهمة حتى لا يعرف من يلقاهم في جنح الظلام ويبقى هدف اللقاء سريا.

وفي المعونات نكتشف أنه لا يقلد عمر ابن الخطاب بل يقلد من زعم أنه “لن يطيق معه صبرا” متصورا نفسه الرجل الصالح ومحاوره موسى. ففي حوار الدور الثاني مع القروي تفوه بهذه الحماقة.
لكن توزيع المعونات هدفه الخفي هو محاولة استرداد الشعبية التي تآكلت وخاصة في الأماكن التي ليس له فيها حضور كبير.

فالزيارات ليليلة علتها لحاجة إلى تفقد مراحل تحقيق اللجان الشعبية والميلشيات التي يعدها لتنفذي المشروع.
وهو أمر يفيد معنيين: عدم الثقة في توابعه والحاجة لتفقد العمل بنفسه وهو ما يحوجه للظلام.

والمعونات لتعليل الزيارات واسترداد الشعبية وخاصة في المناطق التي ليس له فيها حظوظ في المنافسة مع من اعتمد بجدية ومنذ سنوات على المساعدات حتى قبل أن يتطور هدفه من صدقات باسم ابنه إلى مقفز سياسي.

لكن ما حصل هو العكس تماما.
الزيارات الليلية جعلت تفسيرها علة لجعل سعيد مسخرة لأن مقارنة بعملاق مثل الفاروق لا يمكن ألا تصبح فرصة للتندر وابراز الفروق وهي طبعا ليست لصالحه،

والصدقات ليست لوجه الله لأنه ليس هو ما لك ما يوزع وليس ساعيا لجمعه ما يعني أنه حتى بالمقارنة مع القروي يبقى دونه منزلة وذلك لعلتين، فالقروي لم يستغل مال الدولة ليتصدق بل استعمل ماله ومال من أقنعهم بالتصدق لما اتسعت المبادرة،

وحتى عندما وظف القروي مسعاه فسيسه فإن ذلك قد يعتبر مشرعا لأن التقرب من قلوب الناخبين وخاصة إذا كان خدماتي وعلني يختلف عن شراء الضمائر المافيوزي الذي تلجأ له جل الاحزاب وخاصة وهو يعالج مشكل حقيقي: الفقر والمرض،

لكن لما رئيس دولة يقوم بمثل هذا العمل فهو من حيث لا يدري يعترف بأنه مهزوم وبانه يريد التقرب من شعب اعطاه ثلثي الناخبين فلم ير منه إلا الجعجعة فأصبح عمله ليس تقربا من الناخب بل اعتراف بالخوف من هروبه وعدم تكرار الخطأ في التصويت له.

وأخيرا ألم أقل إني لم أعد بحاجة لخوض المعركة: فهو بـ”ذكائه” وأعوانه “بخبرتهم” يكفونني مؤونتها خاصة وكبار الطبالين بعضهم أصبح خجلا من الدفاع عن هذا الذكاء النادر والخبرة العميقة وبعضهم يئس لأن الكراسي حجزت فلم يبق لهم أدنى حظ حتى في سترابنتا.

والغريب أن الحمق وصل إلى حد فضح الاعتراف بالفشل في أعماقه: فعندما يدمن على التواصل مع الثورة المضادة العربية فليس لأنه “استعرب” بل لأنه يئس من حاميه الفارسي وربما الفرنسي. ذلك أن الحسم في المغرب كله جار على قدم واسق في الجارة ليبيا.

فسقوط حفتر هو بداية سقوط مستطيلات الدومينو المضاد للثورة بعد أن أفلس ممولوهم: فلا إيران ولا الإمارات ولا السعودية يمكنها أن تمد له يد المساعدة، وحتى فرنسا فلها الكثير من القطط التي عليها نشها بالسياط. فتخليها عن حفتر يرعبه ويرعب كل أصدقاء حفتر في تونس بمن فيهم “المزروب” الذي ترشح للمساعدة الدبلوماسية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي