كريشان اعرفه وأظنه قد درس الفلسفة واعتقد أنه اذكى من أن يتذاكى لعلمه أن ظن الآخرين أغبياء ليس من الحكمة ولا من الذكاء.
ليته يتخلص من منهج “ويل للمصلين” في محاولاته التحليلية والتعريض بالإسلام السياسي عامة دون تمييز.
صحيح أن الصحافي ليس مطالبا بأن يكون باحثا عن الحقيقة في الأمر الواقع حتى وإن كان ذلك واجبه في الأمر الواجب.
لكنه ليس مطالبا كذلك بأن يصبح باحثا عن تأييد الباطل: فليكن على الأقل محايدا قدر المستطاع خاصة إذا أراد عرض مصادر أحكامه.
فعرضه اليوم حول علاقة الإرهاب بالاسلاموية يكتفي بنصف الحقيقة. فلكأنه يقول إن الإسلاميين بهاليل يطلبون هذه الطريقة بوصف التوحش مطلوبا لذاته وليس لأنهم يردون الفعل على نفس الفعل ولكن بطرق غبية وبوسائل بدائية: طريقة مقاومة التوحش بالتوحش المضاد في رؤيتهم دون فهم المآل.
كلنا يعلم أنهم صاروا برد فعلهم أداة للفاعل الذي يدخلهم في حرب أهلية بتقنية تعديد أمراء الحرب.
ولا أعتقد أن الإسلاميين كلهم بهذا الغباء بحيث لم يفهموا خطط أعدائهم حتى لو تصورنا أنهم بدأوا بما ينسب إليهم ثم تعلموا فنون المقاومة الأكثر نجاعة والغنية عن الحاجة إلى التوحش.
نعم المصادر التي عرضها كريشان لا أحد يشكك فيها-وهي منشورة وقد كتب كوك أهم ما يتعلق ببعض آراء كبار المنظرين للتوحش وتوهين قوة أمريكا والأنظمة التابعة لها.
وقد ترجم كتابه ابني عن الانجليزية: وفيه مقارنة بين الإسلاميين ومن يشبههم بين المسيحيين والهندوس في المقاومات التي من هذا الجنس.
وقصد أصحابها معلوم لكل باحث وهم لا يخفونها: والهندوس نراهم ومثلهم البوذيون في علاقتهم بالمسلمين ولا أحد وصف سلوكهم بالإرهابي رغم أن ما ينسب إلى الإسلاميين لا يساوي واحد في المائة مما ينسب إليهما خاصة وهو رسمي تقوده حكومات وليس حركات معارضة: لكنه مبرأ سلفا لأنه ضد المسلمين.
ثم إن هذه النظريات في المقاومة عند الإسلاميين لا تعني أن كل إسلامي يفكر بهذه الطريقة فلم يدرك أنها ليست استراتيجية مفيدة وأنها في النهاية ترتد على أصحابها فتكون من أدوات اعدائهم بما يترتب عليها من حروب أهلية التي رمزها تكوين أمراء الحرب كما في الصومال وافغانستان وحتى في فلسطين وفي سوريا واليمن.
والسؤال هو حتى عند متبعيها: هل هذه الطرق من أدوات الفعل أم رد الفعل؟
يعني هل من يحاربونه بهذه الطريقة لا يقبل مثلهم الوصف بالإرهاب؟
فما هي الطريقة التي تجعل أمريكا محتلة لكل بلاد العرب مثلا إن لم نقل لكل بلاد المسلمين؟ ذ
أليست نفس الطريقة؟ يعني هل أمريكا تحتلهم بالمحبة والسلام أم بطرق ارهابية من عدة أصناف أهمها:
- بعضها باستعمال الحكام الذين تنصبهم والامثلة صارت واضحة بعد الثورة
- وبعضها مباشرة بتدخلاتها المخابراتية
- وحتى العسكرية
- وبعضها بالعقوبات الاقتصادية
- وبعضها بخلق حروب أهلية؟ فماذا تسمي ذلك هل هو إرهاب أم سياسة سلمية؟
لو قلت إن قانون الصراعات الحالية كلها فعلا ورد فعل ارهابي من الجهتين لكان كلامك مقبولا ومسموعا ولأضفيت عليه “صبغة” العرض العلمي الموضوعي الذي تظاهرت به اليوم في كلامك على مصادر الفكر ونسبه إلى الإسلاميين وحدهم ثم عممته على بعض اعضاء الائتلاف.
لكن كلامك يتهم الضحايا عندما يردون الفعل بغباء ويتجاهل المجرمين لأنهم يفعلون بذكاء.
والفعل ورد الفعل من طبيعة واحدة من حيث صفة الإرهاب.
لكن إرهاب الضحية بدائي وإرهاب المجرمين الذين تسكت عنهم شديد التقدم الاستراتيجي إلى درجة تحول إرهاب الضعفاء ضد اصحابه.
فمن أدراك أن ما يحدث في تونس ليس من هذا الجنس وكلنا يعلم من ا لمستفيد منه ما يجعل من العسير حسبانه على أصحاب نظرية التوحش إلا بوصفهم قد صاروا أدوات الارهاب المتحضر لمخابرات المستفيدين منه.
وتلك هي الاستراتيجيا التي خلقت ما يسمى بأمراء الحرب.
فكل ثورة لا تتحول إلى حرب أهلية يقتتل أصحابها والخراج يذهب إلى القوى الاستعمارية بالصدفة بل إن الاذكياء حولوا محاولات التحرر عند الشعوب بالمقاومة البدائية إلى حرب على المقاومين بفضل استراتيجيات مخابراتية ولعل أبرز مثال هو داعش: فكلنا يعلم أنها صنيعة أمريكا وروسيا والانظمة التوابع لهما.
وما أظنك يا أستاذ كريشان تجهل ذلك وأنت تبحث في الكتب فضلا عن كونك اعلامي بارز وإن في حدود المحل ودارس الفلسفة.
فإذا كنت قد حافظت على قيم ما تعلمته لما درست الفلسفة بوصفها محاولة قدر المستطاع لقول الحقيقة وليس لخدمة الباطل فلا تنحز للظلم وتخف الحقيقة. هل تفعل ذلك لوجه الله؟
ولما كنت لا تفعل ذلك عن جهل بل على علم فانت إذن تخدم الإرهاب الأذكى ارهاب الاقوياء والمحتلين ولست ضد الإرهاب من حيث المبدأ كما ينبغي أن يكون موقف أي إنسان نزيه ومؤمن بالحرية والكرامة.
فتكون حماس مثلا هي الإرهابية وليس الاحتلال الاسرائيلي الذي يحاصرها ويحتل أرضها ويهجر شعبها. ولم أستعمل حماس لأني موافق على طبيعة المقاومة التي تستعملها بل لأبين مآل تحليلك. أما موقفي من حماس فمعلوم للجميع وأولهم قادتها الكبار قبل الصغار.
فهل أنت ضد الضعفاء في استعماله وإن بغباء ولست ضد الإرهاب الذي يسيطر على العالم بفعل الاقوياء وإن بذكاء فيدفع الضعفاء إلى “طمز” أعينهم بأصابعهم؟
ألا تكون أنت في هذه الحالة طامزا لعينيك؟
فما الذي يضطرك لهذا؟