زلزال الخليج أو في التحول الثقافي العميق – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله زلزال الخليج

تكلمت على زلزال الخليج و”لحاق” أهله ببقية العرب وتوهم التقدم يكفي فيه شكليات العيش كالخواجات دون شروطها وعلي الآن أن أنظر فيما سيترتب عليه. وأولى النتائج هي ما سنلاحظه من أحداث تشبه سلوك الجائع إذ يوجد أمام مائدة فيها كل ما لذ وطاب من مستهلكات تزيد العرب لهيث المخلدين إلى الأرض. وهذا الوجه الأول كان عسيرا بسبب فقر العرب فبقي لهيثا نتج عنه داءان: 1. استغلال ثروة البلاد لإشباع نزوات القلة. 2. واقتسامها مع حاميهم. والاشباع يكون بالتسيب وباستيراد الدنايا للشعب الجائع وقتل ثقافة العمل واقتسام الحكام ثرواته مع حاميهم فيضخونها إلى بنوكه ويهملون التنمية. ولتقارن مقاهينا بمقاهي الغرب وحاناتنا بحانات الغرب. وكان ذلك من خصائص البلاد العربية التي استعمرت استعمارا مباشرا فلم تأخذ إلا دناياه. لكن الثراء المفاجئ لبعض بلاد العرب-البترولية في الخليج وفي ليبيا والجزائر والعراق- جعل الظاهرة أكثر فحشا لأن المال السائل عقيم وسهل التبذير. فتحقق التغريب القشوري بخلاف ما حدث في بلاد الشرق الاقصى وجنوب شرق آسيا حيث كان التغريب من جنس ما مر بها الغرب في التنمية والتحديث. وما كان يخفي الظاهر في الخليج وخاصة السعودية هو دور المحافظة المنافقة على قشور التقاليد: فما يحدث فيه سرا يفوق علنا المحميات العربية الأخرى. طال النفاق كثيرا وغباوة حفظ التقاليد بلغت حدا لا يطاق فصارت المؤسسة الدينية شبه بوليسية فأختنق الجميع ليس من الحرمان فحسب بل من الفصام. كيف يمكن أن يعيش المرء حياتين؟:  ظاهرة كلها نفاق التقاليد  وباطنة كلها تسيب التغرب من دون شروطه: فالغرب يعمل ويستمتع والشرق يستمتع ولا يعمل. النتيجة، الشرقي كالوارث الذي يبذر ثروة لم ينتجها تركها له جدوده ولم يعد قادرا حتى على حمايتها فيحتمي باحتلال غربي يقتسمها معه ليحميه. وإذا كان بعض الخليجيين لم يعد لهم حياء فأصبحوا يسترزقون من أرذل تجارة فإن المشكل في السعودية عسيرا بسبب وجود الحرمين. فماذا سيحدث لهما؟ الحكام هم من سيجعل الحرمين من جنس الفاتيكان للجمع بين التحديث الاستهلاكي وتقليد بلاد العرب التي اخذت شكليات الحداثة ومطلوب الحرمين. سيحدث ما حدث في المجموعة السوفياتية بعد سقوط جدار برلين: الزلزال لن يبقي ولن يذر وسيفرض نموذج دبي نفسه و”سيفتكنون” الحرمين بالتدريج. ظاهرة جعل التدين فرض كفاية مثل المسيحية هي الخطر الذي يهدد الإسلام وهي حاصلة منذ أن أصبح رجال الدين سلطة شبه بوليسية فشابه السنة الشيعة. وعدنا إلى التحريف: ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام فرض عين وليس فرض كفاية. وقد أصبح فرض كفاية فصار الدين بحاجة لشرطة. وما يحتاج إلى شرطة ليس وازعا ذاتيا بل هو وازع الأجنبي بلغة ابن خلدون. والوازع الأجنبي أحكام سلطانية وليس أحكام ضمير وخلق: الحاكم مشرع ديني. يفاخر بعض العرب إيران بتمتيع شعوبهم ولا يرون أنهم يبذرون ورثة لم ينتجوها بعمل وهو ما سبقهم إليه باشوات مصر: ونحن نرى النتيجة في مآلها. لكن النتيجة هي التالية: كان منافقو العرب يعايرون عرب البلاد العربية التي جعلوها مواخير سياحتهم فإذا بهم صاروا يحلمون بجعل بلدانهم مثلها. وأملي ورجائي هو أن يصبح العرب الذين تماثلوا في الفهم العقيم لشروط التحديث أن يعوا أن تقليد الخواجات في النهايات من دون البدايات غباوات. الخواجة عمل خمسة قرون ليحقق التنمية المادية والعلمية والعرب نيام. افاقوا للاستمتاع بالغايات دون الشروط والأدوات: قرنان من الغباوات والبهامات. وإذن فلا جديد فيما يجري في الخليج عدا الطابع الزلزالي الناتج عن تهدم السدود الزائفة التي نتجت عن الفصام بين ظاهر محافظ وباطن مستهتر. والمعلوم أن من يشعر أنه كان محروما مما صار يعتبر حياة عادية في زمن العولمة سيتسيب أكثر ممن مارسها بالتدريج. لكن التوازن سيحصل بالتدرج كذلك. المهم أنه لا عربي أفضل من عربي: كلهم في الهوى سواء وأزمة البترول ستجعل العرب مستاوين في الفقر وفي ضياع البوصلة طلبا للنتائج دون المقدمات. هذه محاولة في تحليل ظاهرات خلقية وتحول انثروبولوجي في ثقافة العرب الذين يريدون أن يعيشوا مثل الغرب ولما يغادروا البداوة: استهلاك بلا عمل. البداوة هي أن تعيش على ثروة الطبيعة. والعرب اليوم أكثر بداوة من جدودهم: فهؤلاء كانوا على الأقل يتعبون في جمع ما تنتجه الطبيعة ليعيشوا. عرب اليوم من الخليج إلى المحيط حتى ما تنتجه الطبيعة وورثوه عن آبائهم يستوردون من يجمعه لهم وهم يتثاءبون ويتناحرون على فضلات الغرب المنتج. كتبت مرة ضد تقارير التنمية العربية التي كتبها من يتصور النتائج ممكنة من دون مقدماتها: طلبهم دولة حاضنة بقيم دولة ليبرالية. عين السخف والغباء. لما تزور بعض المدن العربية وأنت جاهل بما وراءها تظن العرب صاروا أكثر تقدما من اوروبا. ولو علمت أن العرب لا دخل لهم فيما ترى لعلمت المصيبة. أرضنا لم تصبح غنية إلا بفضل غيرنا. وموقفنا هذا سيجعلنا لا نرى قيمة الإسلام حتى يراها غيرنا مثلما لم نر قيمة أرضنا حتى رآها غيرنا: ماذا حل بنا؟

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي