لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله زلزال الخليج
قد يعجب الكثير مما سأقول عما يجري حاليا في الخليج: لا شيء يجري فيه يختلف عما جرى في كل بلاد العرب عدى نسق السرعة المذهلة لتدارك ما فات. آثار التحديث بالمحاكاة القردية بدأ بالشام وانتقل إلى مصر ثم إلى المغرب العربي وهو وصل أخيرا إلى الخليج. والتدفق المحير سببه التراكم والانسداد. فلكأن كل السدود انهارت دفعة واحدة: فلا التقاليد البدوية ولا القيم الإسلامية ولا حتى الحياء الفطري بقادر على تزاحم الغرائز التي انفجرت معا. يوجد ما يشبه تراكم الخيانات التي أخفاها التدرج في بلاد العرب التي تغيرت بالاستعمار المباشر وحضور المستعمر في بلادهم أو جالياتها في بلاده. ولما حصل اللقاء المباشر بحضور الاستعمار في بلاد الخليج بعد طفرة البترول وكثرة البعثات للتعليم والزيارات للسياحة صارت نفس الخيانات متسارعة. لذلك فما يجري في الخليج ليس فيه جديدا إلّا نسق السرعة والانفجار المفاجئ للتخلي عن آخر السدود أعني دور المؤسسة الدينية في بلاد الحرمين خاصة. ولعل رمز المفاجأة ليس الظاهرة نفسها بل “الوقاحة” و”السينيسزم” الذي انفجرت به منذ أن اصبحت الصدارة بعد الثورة لدور الخليج في الثورة المضادة. عندئذ باتت الانظمة التي تدعي المحافظة والإسلام هي تقود جهرة الاستسلام النهائي للتطبيع مع إسرائيل ومع التبعية التامة لإرادة خونة الأمة فيها. كل ذلك كان موجودا خفية. لكنه الآن صار علنيا: بدأ بالأقطار الصغيرة في الخليج ثم انتهى إلى أكبرها السعودية حيث صار التشبيب قطيعة مع الأصول. ما يجري حاليا هو الغاية التي كانت ذروة السعي إليها سياسة الملك عبد الله: ورمزها دون شك تعميم التعليم الحديث وسياسة ابتعاث الجنسين المكثف. والظاهرة حدثت كما أسلفت في بلاد العرب الأخرى ببطء فلم يبرز أثرها بروزه في الخليج. وعلة البروز مضاعفة: 1. حجمها الكبير. 2. وكبر القطيعة. فأن يمر بلد تغلب عليه البداوة في لمح البصر إلى اقصى مظاهر الحداثة انفجار مخيف بدأ بالعمران وناطحات السحاب وطبيعي أن ينتهي بتغير أخلاقي. والتغير الأخلاقي لا يعني المفاضلة بين ما تقدم على التغير وما تلاه بل هو انتقال رؤية سابقة بقيم من نوع معين الى رؤية لاحقة بقيم من نوع ثان. وغالبا ما يكون الفرق شديد التقابل وخاصة في حالة من كان يشعر بالحرمان من أمور صار ميالا إليها ويشعر أنه كان مضطهدا ولا يجرؤ على تعاطيها. وكلمة واحدة تجمع كل هذه الأنواع من الحرمان: حرية العيش دون النفاق الذي كان مضطرا إليه في الوضعية السابقة: الثورة على قيود التقاليد. وفي الحقيقة هي انتقال من تقاليد إلى تقاليد وليس تحررا من التقاليد: والعلة هي اغراء النموذج الأمريكي مثل ما حدث بعد انهار الاتحاد السوفيات. ما يجري هو انهيار زلزالي لمنظومة القيم التي كانت مسيطرة على المجتمع الخليجي. وقد انهارت قبلها في كل بلاد العرب. وبه نفهم السياحة الخليجية. فالسياحة البحرين ودبي والمغرب ولبنان ومصر هي الغرب القريب بالنسبة إلى السعودي ذي الثراء المتوسط والاثرى يفضل الغرب على الأقل قبل 11سبتمبر. ويمكن القول إن الذين ينصحون حاكمهم الجديد قد أدرك فاعلية هذا العامل فأراد أن ينافس بلاد العرب التي تغربت وقد يندمون لأنه يمكن أن ينافسهم. لكنهم لا يخافون على تجارتهم في المدى القصير والمتوسط فهي حكر عليهم إذ قليل من السعوديين ذكورا وإناثا يقبل أن يعمل فيما لايزال يعتبره محطا.
الكتيب