زلازل الإقليم الخمسة أو شروط استكمال ثورة الاستئناف


فرغت أمس من آخر فصول “الثورة أو الإصلاح الدائم: البنية النظرية للإصلاح الدائم الاسلام نموذجا” وهو الفصل الحادي عشر. وسأتوقف عن التغريد لأفرغ إلى مواصلة تجويد ترجمتي لميتافيزيقا أرسطو الكاملة (14 مقالة من الألف إلى النون بالترتيب اليوناني) ما لم يحصل أحد الزلازل الخمسة التي انتظرها.

ولأذكر هذه الزلازل التي انتظر وقوعها في القريب العاجل بما يقرب من هذا الترتيب:

  1. اعتقد أن أولها سيكون نهاية حفتر في ليبيا واراها قد قربت.
  2. وثانيها الذي يليه هو نهاية بشار في سوريا.
  3. وثالثها هو نهاية الانقلاب الشيوعي الجنجويدي في السودان لأنه كان انقلابا على محاولة تحرير السودان من براثن الثورة المضادة الخليجية تحريره مع القرن الافريقي بمساعدة تركيا.

وإذا تمت هذه الزلازل الثلاثة فستكون مقدمة للزلزالين الاكبرين:
4. ورابعها سيكون سقوط صاحب المنشار الذي خرب بلاد الحرمين
5. وخامسها وآخرها هو سقوط بلحة الذي خرب مصر وقزمها حتى اخرجها من التاريخ والجغرافيا تقريبا بسبب حمق نخبها الدينية والعلمانية.

ولن أعود إلى التغريد في المسائل السياسية والتاريخية قبل بداية هذه الزلازل لأتابعها.
واعتقد أنها ستحصل ما لم تقم حرب عالمية حول تقاسم العالم استعماريا لتجاوز نتائج كورونا الاقتصادية المدمرة.
وأول من قد يشرع في ذلك هو النظام الذي يشعر بالتهديد الأكبر في أوروبا أعني فرنسا وليس بالأمر الجديد في تاريخ علاقة الإسلام بأوروبا من الصليبيات إلى اليوم وخاصة بعد أن صارت مركز أداة الصهيونية الاقوى: السيطرة على النظام البنكي العالمي.

ففرنسا تعلم أنها إذا هزمت في ليبيا وتونس والجزائر فقد خرجت نهائيا من افريقيا. معركتها مع تركيا في ليبيا أصبحت مصيرية لتغلبها على ما أصاب اقتصادها بسبب كورونا.
وهي إذن ستحاول تأليب العالم الغربي على تركيا والجزائر.
وقد يتوهم الكثير أن الجزائر هي الحلقة الضعيفة في هذه القضية بسبب أزمة البترول.
لكني أريد أن أبشر الثورة بأن ذلك عامل قوة وليس عامل ضعف. ضعف الجزائر هو الاعتماد على الطاقة المادية بشعب فقد العنفوان الذي يميزه.
ذهاب الثروة الزائفة سيحرره فيعيد إليه الثروة التي لا تنضب: نيف الثوار المؤمنين بقيمهم الحضارية والروحية.

ولهذه العلة فإن الضربة في ليبيا ثم في تونس والجزائر ينبغي أن تكون قاصمة وسريعة وينبغي أن تليها ضربة قاصمة في سوريا وما حولها للتدخل الفرنسي والإيراني والروسي.
وذلك لن يكون إلا بالحرب الخاطفة المصحوبة بعدم حصر المقاومة الشعبية فيهما في بؤرة الحرب التقليدية (طرابلس وادلب) بل ينبغي أن تشمل كل الارض الليبية والسورية للجمع بين نوعي الحرب: المناجزة حرب الجيوش والمطاولة حرب المقاومات الشعبية.

ولما كنت واثقا من أن المقاومة العراقية التي توقفت بسبب كورونا ستستأنف خاصة واختها في إيران آتية لا ريب فيها بمعنى أن الفرع الثاني من الثورة المضادة في الإقليم بقيادة إيران -والفرع الأول بقيادة اسرائيل وذيليها الخليجيين-قد بدأت بعد في ما يبدو أضعف حلقة أي لبنان لكنها هي المركز الاصلي.
ففي الظاهر القيادة إيرانية. لكنها في الجوهر تنبع من باطنية لبنان وفتات دولتهم الفاطمية.

سقوط حزب الله في لبنان وسوريا هو البداية في انهيار المشروع الإيراني كله بل والتشيع الذي عاد مع الدولة الصفوية منذ القرن السادس عشر منطلقا من باطنية جبل لبنان.
ومنه كذلك بدأت النهاية بفضل ثورة شعب لبنان الذي فقد بريقه منذ أن استبد بأمره هذا العميل “لسان الجرو” سفيه المقاومة المخادع.

وقد كنت شخصيا معارضا لكل ثورة في السعودية ليس حبا في نظامها بل خوفا من تفتيت أرض الحرمين.
فلو حدثت ثورة في زمن قوة المؤامرة الإيرانية على السنة وقدرتها على تحريك شيعة الخليج لتفتت الجزيرة العربية كلها مثل اليمن والهلال الحاليين. لكن ذلك بعد ما وصفت سينتهي بنهاية كل الطموحات الإيرانية بفضل فشلها في عقر دارها لأن شعب إيران سينهي حكم الملالي ودكتاتورية مافية الحرس المزعوم ثوريا.

نهاية فرعي الثورة المضادة -وكلتاهما عربية-واحدة تقودها إسرائيل وأمريكا ويمولها الخليج والثانية تقودها إيران وروسيا ويمولها الخليج وشيعة العرب فيه والعراق لأن إيران لم تنفق مليما واحدا في تهديم العراق وسوريا واليمين بل هي تسترد امبراطورية الأكاسرة بمال العراقيين الذين صاروا أفقر من الصوماليين: أغنى بلد عربي ينخره الاستعمار الفارسي وساسته ونخبه الفاسدين.

وما أتوقعه لإيران أتوقع جنيسه لإسرائيل. فروسيا لن تستطيع بعد كورونا والتردي الاقتصادي العالمي مساعدة بشار وحفتر وإيران.
ومثلها أمريكا لأن الخطر الذي يهددها من الصين ومن ينافسونها على قيادة العالم أهم مستقبلا من حماية غيرها بما في ذلك إسرائيل من خطر وهمي على الأقل قبل هذه الزلازل: العرب وإيران.

لم يبق لإسرائيل إلا أحد حلين: إما الاندماج في الإقليم بتطبيع تابع لمنطقه الجديد الذي يقوده أهله بعد أن بدأ الاستئناف وهو عسير عليهم أو شد الرحال والعودة من حيث أتوا. والغالبية ستغادر لأن الأمر بالنسبة إليهم بخلاف أكاذيبهم لا علاقة له بعقيدتهم بل بجيوبهم.
ولن يبقى إلا يهود الشرق وقد يعودوا إلى أوطانهم الشرقية كل بحسب ماضيه في الإقليم وهم مرحب بهم وقلة منهم في فلسطين.

وحينئذ فالتطبيع ليس تطبيعنا نحن معهم بل عودتهم هم إلى تطبيعهم معنا كما كان قبل الاغتصاب الصهيوني لأرض فلسطين. فيعود اليهودي المغربي والتونسي مثلا أو العراقي والفلسطيني مطبعا مع ثقافة الأغلبية وليس أهل الإقليم مع الواردين من أصقاع العالم تحت تهديد السلاح الذي لن يبقى لهم فيه التميز لأن السلاح النووي في متناول المسلمين أيضا.

هذا توقعي وهو عندي شديد الوضوح حتى إني اراه ماثلا للعيان على أرض الواقع التاريخي القريب. وسواء عشت لأراه أو لم أعش فهو بإذن الله وعونه ما سيكون حتى لو وقعت الحرب العالمية الأولى الحقيقية حول توزيع العالم ليس بين الغربيين مثل الاولى والثانية بل بينهم وبين بقية العالم على دار الإسلام التي لن يكون دور أهلها فيها تابعا بل سيكون هو المؤثر الأساسي.

فكونها ستكون من اجل السيطرة على دار الإسلام ليس صدفة.
وكون هذه السيطرة مستحيلة ليس صدقة كذلك.
فشروط الاستئناف الاقتصادي العالمي بحاجة إلى شيئين كلاهما يعتبر من مزاياها.
فهي أولا مركز العالم وقلبه بين قطبيه الأكبرين من حيث الجغرافيا السياسية الجوية والبحرية والأرضية.
وهي ثانيا خزان الطاقة العالمية شرط الاستئناف الاقتصادي.
صل أحد الزلازل الخمسة التي انتظرها. لكنها لم تعد عزلاء كما كانت عاجزة عن الرعاية والحماية كما حدث في احتلالها سابقا.

وإذن فكلا العملاقين سيكون عاجزا عن أخذ ذلك عنوة لأن المسلمين لم يعودوا كما كانوا في الماضي عزلا. لذلك فسيتنافسان على التحالف مع المسلمين. واعتقد أن المسلمين إذا فهموا هذه الظرفية-وأظن أن المخمس فهم ذلك في لقاء ماليزيا-فإن المستقبل للإسلام فضلا عن الحاجة الروحية التي عليه الإنسانية: وطبعا فسيختارون التحالف مع الغرب الذي يكون قد فهم أنه من دون ذلك سيصبح تابعا أكثر من المسلمين للعمالقة الجدد.

وحان الآن الوقت لشد الزمام والتوقف عن التغريد والعودة إلى تجويد ترجمة ميتافيزيقا أرسطو باعتماد أهم ترجمة استند إليها احياء الفلسفة القديمة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وهي أفضل ترجمة فضلا عن كونها لم تقطع مع التقاليد الارسطية التي كان فكرنا من أهم الحاملين لها وهي أفضل حتى من ترجمة دواد روس الذي يعد من أكبر المختصين في الفلسفة الأرسطة.
وهذه الترجمة ضرورية.

ذلك أنه إذا كانت علوم الملة الدينية لها قرآن هو كتاب الرسالة الخاتمة فإن علوم الملة الفلسفية لها قرآن هو كتاب الميتافيزيقا. فيمكن القول إن فكر الحضارة العربية الإسلامية طيلة قرونها الماضية تعود إلى تفسير كتابين هما مرجعية كل العلوم والقيم: القرآن والميتافيزيقا. ولا يمكن فهم تراثنا واثرائه بتجاوزه من دون العودة إليهما.

لما خصصت اطروحة الدكتوراه الحلقة الثالثة -تعدل البي أيتش دي الانجلوسكسونية في النظام الفرنسي القديم-لمنزلة الرياضيات في علم أرسطو (بالفرنسية لكنها نقلت إلى العربيةLe statut des mathématiques dans le discours scientifique d’Aristote) كان الهدف فهم يتجاوز الكلام على فلسفة أرسطو إلى علة حصر فلاسفة العرب فكر ارسطو تقريبا في الميتافيزيقا دون فلسفة الرياضيات وثمراتها.

ومن اطلع على الشروح العربية لكتاب الميتافيزيقا وترجماته يكتشف أمرا مذهلا. فالمقالتان الأخيرتان منه المخصصتان للرياضيات لم يترجما ولم يشرحا (مقالتا الميم والنون).
وأهم المنشغلين به -ابن سينا-لم يكتب فيها في الشفاء بل ترك ذلك لاحد تلامذته ما يعني أنها لم تكن عنده أمرا مهما في حين أنها هي اساس الثورة العلمية.

ولما خصصت دكتوراه الدولة-لا نظير لها في النظام الانجلوسكسوني -لمنزلة الكلي في الفلسفة العربية (الجزء الاساسي) وإصلاح العقل في الفلسفة العربية (الجزء التكميلي) منها كان الهدف فهم محاولات التحرر من الميتافيزيقا في المدرسة النقدية العربية التي يمثلها الغزالي وابن تيمية وابن خلدون: أول دكتوراه فلسفة بالعربية في تونس.

ولم تكن الميتافيزيقا مترجمة إلى العربية بشكلها الذي استكمل تهذيب لغة الفلسفة خلال قرونها الستة في تاريخ فكرنا أي من بداية القرن التاسع (من الكندي) نهاية القرن الرابع عشر (إلى ابن خلدون) لأن ابن رشد اعتمد الترجمة القديمة التي فيها الكثير من التعثر وشبه الترجمة الحرفية ذات الصقالة المتعثرة.

فكان من الواجب الاستفادة من صقل اللغة الفلسفية العربية ومن تقدم الدراسات الفلسفية الغربية واعتماد أهم نقولها إلى لغات أوروبا الحديثة اي الألمانية والانجليزية والفرنسية والإيطالية. وهي ولله الحمد في متناولي فقررت القيام بالواجب مع السيطرة على اصطلاح اليونان دون التمكن من لغتهم الميتة (فضلت اللغات الحية للأهمية ولان العمر قصير).

والفكرة هي كيف يمكن فهم تاريخ الفلسفة العربية لو افترضنا أن الميتافيزيقا التي هي قرآن الفلاسفة الذين كتبوا فلسفتهم باللسان العربي كانت مترجمة بلغة مماثلة للغلة الغزالي وابن سينا وهما فارسا العربية الفلسفية دون منازع-حصرا لأن لغة الآخرين دونهما جودة وهي تقنية تعليمية سمجة-مع الترجمة بلغة مماثلة لفلاسفة ألمانيا.

ذلك ما أستأنفه من اليوم رغم أني اتممت في رمضان السنة الماضية خمس مراجعات متوالية للترجمة التي بدأتها في رمضان المتقدم عليه وأنهيتها في سنة. واغادر التغريد إلا بشرط حصول ما توقعته فحينها سأعود للتغريد حول الاحداث. فالفلسفة التي تقلو التاريخ ليست فلسفة بل هي هروب صوفي جبان من مواجهة مصير الإنسان والتخلي عن فرض عين-هو جوهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر-أعني المشاركة في تحقيق شروط الإصلاح الدائم الذي كان آخر مقال كتبته حول جوهر السياسة بمعناها الإسلامي بل هي عين الإسلام من حيث هو سياسة عالم الشهادة بقيم عالم الغيب التي هي معنى العقيدة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي