رمز العته، توظيف عنف الدولة لتهديم تراث الأمة

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله رمز العته توظيف عنف الدولة لتهديم تراث الأمة

ما الذي يُلجئ شيخا تجاوز التسعين، منَّ عليه شعبه باختياره رئيسا بعد ثورة على جرائم جيله وكان من المشاركين فيها، أن يعود إلى نفس التذاكي الغبي ليستعمل ما بين التاريخ إفلاسه من مناورات من يدعي محاكاته في السياسة دون كياسة بالجرأة على عقائد شعبه كما قال فيه المرحوم الحسن الثاني؟ وحتى لا أظلم الشعب فإن من أهداه هذا الشرف الذي لا يستحقه هو فقدان البصيرة لدى “متعلمي الحجامة في رؤوس اليتامى” ومتصوري تغير العادات تكفي فيه عصا موسى والشعارات غفلةً عن سنن التاريخ ومسار كل الهزات ناهيك عن الثورات وما تحييه من نعرات وردات عند غياب الحذر وبعد النظر. لا يخلو الجواب من إحدى فرضيتين: 1. الأولى عاهة نفسية هي أساس عقد السبسي إزاء بورقيبة يمكن أن نصفها بمحاولة قتل الأب بدعوى التفوق عليه في ما عرف به أي الحداثوية التي تقتصر على محاربة تقاليد شعبه فيجمع كل المعقدين ممن يعانون من نفس المرض إزاء المستعمر من أرباع المثقفين حوله. أما الفرضية الثانية: 2. فهي أنه عبد مأمور من قبل المستعمر الذي يسنده -وقد سماه هو نفسه بالمسؤول الكبير-وهي فرضية لا تتنافى مع الأولى لأنها قد تستند إليها بوصفها تمثل هوى في نفسه ونفس مؤيديه من أرباع المثقفين ومرتزقة الصحافة والمنظرين والمحليين ولذلك وظفهم الاستعمار غير المباشر. والظاهرة ليست خاصة بتونس بل هي عامة في كل المستعمرات المباشرة سابقا وغير المباشرة لاحقا من الماء إلى الماء في ما يسمى بالوطن العربي. وهي ظاهرة يمكن أن تعتبر طبيعية لو كانت ضمن برنامج حزب يتقدم بها للانتخابات لأن كل الاجتهادات ممكنة وتصبح قابلة للتنفيذ إذا أيدها الشعب بحرية. أما أن تستعمل قوة الدولة والسند الاستعماري لفرض أضغاث أحلام المعقدين من حثالة “النخب” و”حمقى القيادات السياسية” في حرب شعواء على ثقافة شعب مقهور ومغلوب على امره كما نرى ذلك في كل بلاد العرب فذلك هو ما يعنيني في ما يجري: مشكل شرعية الانتقال من الجدل الفكري إلى التنفيذ السياسي وحتى أكون مطلق الوضوح فليس عندي شيء اسمه المقدس (اسم مفعول) لأن القرآن الكريم لا يصف شيئا بالمقدس بل يصف الله ذاته بكونه “المقدس له” بمعنى أن الإنسان يقدس لله. ويقدس لله يعني يخضع له. قالت الملائكة في تعجبها من استخلاف آدم: {…وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}. التقديس للشيء هو ما يكنّه من يقدس له من احترام وتقدير. لذلك فيمكن أن أتصور العلماني لا يقدس لله وهذا حقه ما دام الله قد وضع مبدأ لا إكراه في الدين. لكن ما لا يمكن قبوله هو أن يفرض العلماني عقيدته على غيره ممن يريد أن يقدس لله بخداع مضاعف يقدم عليه رئيس دولة في أرذل العمر. فرئيس الدولة في كل الأنظمة السياسية المعلومة يمثل إرادة الشعب على الأقل رمزيا. ولا يمكن أن يبقى ممثلا لإرادة حزب حتى لو كان للحزب أغلبية فكيف وهو لا يمثل إلا حثالة القوم وبقايا النظام الذي ثار عليه الشعب وبعض الانتهازيين من اليساريين والقوميين بالاسم والشعار وحمق تخريب الديار. والخداع مضاعف: 1. فهو أولا لا يضع ما ينوي فعله بتراث شعبه في برنامجه الانتخابي لعلمه أن ذلك سيجعله مثل اليسار والقوميين صفر فاصل. 2. ثم ثانيا يستعمل قوة الدولة ليفرض ما كان يخفيه من حرب على ثقافة شعبه بدعوى التقدمية والحداثوية وكل تخريف أدعياء التقدمية والعقلانية بسطحيات مرتزقة الصحافة. فإذا كان العلماني من القائلين إن القيم كلها إضافية وهي أحكام ذاتية فمن المفروض أن تكون حصيلة تصورية تنتقل من التصور إلى الانجاز بمنطق انتقال الفكري إلى الفعلي في الأنظمة الديموقراطية بمعنى أنها تكون مشروعا في برنامج انتخابي يعرض على الشعب فإذا نال رضاه يصبح شرعيا فينفذ. لكن إذا لم يعرض ولم ينل رضا الشعب فإن الانتقال من رأي صاحبه إلى التنفيذ يعني أحد أمرين: 1. إما أن صاحبه يحكم بالحق الإلهي (مثل الإمام المعصوم عند الشيعة). 2. أو بالحق الطبيعي (مثل كل دكتاتور يستعمل عنف اجهزة الدولة لفرض إرادته كما في نظرية المتغلب). وفي الحقيقة حكام العرب من الجنسين. فهم يستندون إلى دعاة الدين ودعاة العلمانية من المرتزقة في الإعلام والمنابر داخليا وإلى التأييد الدولي الذي يحتاج إليهم في فرض النمطية الثقافية بمنطق التاريخ الطبيعي الذي يحتكم إلى البقاء للأقوى. وكلاهما يرد في آن إلى “الحق الألهي” تحريفا للدين والحق الطبيعي تحريفا للفلسفة. ولست ممن يلوم الصحافيين الذين يبدون آراء ساذجة وسطحية في المسائل الدينية والفلسفية فكلامهم لا يختلف عن قتال المرتزقة: المرتزق في الحرب يعلم أن شرط الارتزاق خوضها دون القبول بإحدى نتائجها (الموت) لتناقضها مع أهم دوافعه (الأجر): إذا قبل الموت فقد الأجر المادي معناه. لذلك فلا أحد يلوم المرتزق عن جبنه ولا أحد من ذوي العقل يلوم الصحافي عن انتهازه. كلاهما لا يدخل المعارك وهو مؤمن بغايتها بل هو يعتبر اللعبة من جنس الميسر. كيف يربح ولا يخسر. المرتزق في الحرب شرطه ألا يموت والمرتزق في الصحافة شرطه أن يبقى قابلا للتأجير ممن يربح المعركة. ولا ألوم أصحاب العناوين الأكاديمية الرنانة ممن يدعون العلم اللدني في كل شيء فمن خصائص حرية الفكر والحوار أن يكون للجميع حق الكلام في كل ما يريد لأن اللسان كما يقول المثل الشعبي المصري ليس فيه “عظم”. ثم إن الله نفسه لا يحاسب على اللغو. وإذن فالإشكال ليس في الاقوال بل في الأفعال. وعندما يحاول المرء أن يطلب الغاية من هذه المعارك التي يثيرها السبسي بالذات لم يبق بعد الحلين الذين ذكرت إلا المناورة السياسوية لعل ذلك يوقع الإسلاميين في ورطة خوضها بصورة تمكنه من الاستناد إلى التحريض الخارجي من قبل الثورة المضادة ومسانديها في الغرب لتحقيق الاستئصال مرة أخرى. والمقارنة بين مرتزق السيف ومرتزق القلم تبين أن النوعين يشتركان في الانتهازية والجبن بالمقابل مع المجاهد بالسيف والقلم الذي يدفعه الإيمان بما يتعالى على قيم الإخلاد إلى الارض. ولذلك فالأولان يصفهما القرآن بأخلاق الكلاب التي تلهث دائما وراء الفاني لفقدانها جوهري المعاني. والسياسي الذي من جنس ما أصف يجمع بين النوعين: فهو مرتزق سيف يستعمل اجهزة الدولة لخدمة أعداء الأمة حتى لو كان بغير وعي يتصور نفسه ثوريا كما فعل أتاتورك وبورقيبة ناهيك عن النسخ الممسوخة والمتسخة منهما وهو مرتزق قلم لأنه مستعد لقلب “الفيستة” كما فعل من ساهم في نقل السلاح لثورة ليبيا. وآخر ملاحظة حول ما قيل عن “تقوى” الرياضيين من سخافات بعض الصحفيين. فأولا تعليقهم دليل جهل بطبيعة الإيمان: فهو من السرائر التي لا يعلم صدقها إلا الله. لكن الظاهر في كل ما له علاقة بما لا يقبل التوقع العلمي الدقيق هو “دوزة” من الإيمان حتى لو كان “خرافيا” كالإيمان بالحظ والتطير. ولذلك فلا يمكن خوض الحروب من دون هذا النوع من الإيمان ولا يمكن لعب القمار من دونه ولا يمكن خوض المباريات الرياضية من دونه ولا يمكن الانتظار من دونه ولا يمكن أن يأمل الإنسان في ما قد يبدو مستحيلا من دونه ولا يمكن أن نفهم غباء الصحفيين المنبرين من دون إيمانهم بعقلانية السذج. فإذا كنت تسمع من يدعون الاختصاص في الفلسفة في هذا القرن ويعتبرون ابن رشد والمعتزلة عقلانيين فأنت في عصر الفكر فيه ما يزال يحبو حتى عند “دكاترة” عقاب الزمان في بلاد التررني. لكأن الفلسفة ما تزال في القرون الوسطى فـ”كبار المختصين” لم يسمعوا بثورة كنط فضلا عما بعد حداثة نيتشه. ولأعد إلى الفرق بين “قدس له” وبين “المقدس”. فقدس له تعني نتطهر من أجله حتى نكون أهلا لعبادته. أما المقدس فمعناه أن صفة الطهارة صفة يضفيها الإنسان على الله مقابلة بينه وبين المدنس. وهذا بنحو ما أشبه برأي فيورباخ الذي يعتبر صفات الله مجرد استكمال وهمي يسقطه الإنسان على الله. الله ليس مقدسا بل مقدس له. والمقدس له هو من لا يدركه إلا من تطهر من الإخلاد إلى الارض فتمحض للتعالي الذي لأجله كان الإنسان مستخلفا أي ما به يكون الإنسان طالبا للإرادة الحرة وللعلم الحقيقي وللقدرة الخيرة وللحياة الجميلة وللوجود الجليل حتى يعمر الارض بدلا من تخريبها. اما من وصفت في كلامي فهم المخلدون إلى الأرض مثلهم مثل أي دابة تفسد فيها وتسفك الدماء لأنهم لا ينفكون عن اللهيث وراء “اللامتناهي الزائف” بمصطلح هيجل و”الخرج” بمصطلح ابن خلدون أي التخابث الدائم من أجل التفاهات التي يتصورونها غنما وهي عين الخسر. لست أدري ما الذي يناله من في أرذل عمره يناور من أجل مخادعة شعبه وإدخاله في حرب أهلية حول قيمه التي هي زبدة تراثه وتجربته التاريخية وكيانه الحر والسيد. فما جناه أتاتورك وبورقيبة على بلديهما هو أنهما أرادا جعل شعبين عظيمين بتاريخ كوني قردة تحاكي مستعمرها بالتذاذ من اجل قشرة موز. فقد وصل الامر بتردي أوضاع الفكر والأخلاق إلى حد التناسب العكسي بين الكفاءة والجرأة. فلست أدري ما الذي يخول صحفيا قد يكون من مطاريد المدارس يتجرأ على أهم القيم التي يؤمن بها شعبه دون حسيب ولا رقيب. ولكن كيف لي أن أعتب عليه إذا كان حاميها حراميها؟ فمن يمثل رمز قيم الأمة يتصابى. لا أريد أن أناقش لجنته للحريات الفردية لأني لا أعلم بأي المعايير اختير المعينون فيها. والثابت لي ألا أحد منهم له أدنى قدر من الاهلية لعلاج مثل هذه المسائل الجوهرية في مرحلة دقيقة مرحلة ينطبق عليها المثل التونسي “عريان التوق وفي يده خاتم”.أفلسوا البلاد وشردوا العباد. منذ متى صار من يرمز لوحدة الجماعة ساعيا للحرب على معتقداتها؟ خرافة الإصلاح الديني ليست من مهام السياسيين خاصة إذا كان لهم ما نعلم من ماض أدنى ما يقال فيه هو عدم الأمانة للمسؤولية بشهادته هو نفسه  بأنه كان شاهد زور ترأسا لمجلس نواب اعترف هو نفسه بتزييف انتخابات أعضائه. فمن مسؤوليته أن يحمي لحمة شعبه أصبح أول الساعين لمناورة سياسية كلنا يعلم أنها من أرذل المناورات لأنها تعبث بـ”أقدس المقدسات” عند عموم شعبه. ولا معنى للمقدسات غير ذلك على الاقل عند من يتصورون أنفسهم علمانيين وعقلانيين فلا يؤمنون إلا بالدقازة وزوايا الدجالين من الوسطاء والأوصياء.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي