رسالة لم يحدد المرسل إليه فيها

ه

أستاذ عبد اللطيف العلوي:
ما دمت لم تحدد المرسل إليه فسأعتبر الرسالة موجهة إلى كل المواطنين.
وما دمت واحدا منهم فمن حقي أن أرد على رسالتك المليئة حماسا واخلاصا.

لكن اسمح لي أن أقول لك إني كنت انتظر من ظاهرة الائتلاف شيئا أبعد غورا.
فمن يترك الداء ويعالج الأعراض يمكن أن يبقى طيلة حياته يجري لاهثا وراءها لأنها بالجوهر لامتناهية.
وهذا يثلج صدر أصحاب الفيروس الذي يضخ الداء في جسد الجماعة ويلهيهم بأعراضها لينسيهم علتها.

ودون أن أنسى الفارق فإن القياس مع سنن التاريخ عامة دينيا كان أو لا دينيا وتاريخ الأمة خاصة – ونماذجه بالأساس دينية – يمكن القول إن الرسول وهو مثالنا الأعلى في المستويين الديني والدنيوي – وهما بعدا السياسة الرفيعة – بدأ العمل تقريبا في سنك أو أقل بعقد.

لكنه صبر عقدا كاملا ليحقق المرحلة الأولى من كل ثورة وليس من ثورة الإسلام وحدها:
تكوين الرجال القادرين على قيادتها برؤية استراتيجية تتحرر من التكتيك والرماية التي يلتهمها العاجل فينسيها الآجل المقدم في البناء الاستراتيجي للأمم.

فالرجال يمثلون القيمين على المؤسسات التي تعالج العلل ولا تكتفي بالأعراض.
ولا يمكن التصدي للداء من دون ما يشبه المرحلة المكية التي تكون القيمين على تحقيق أهداف الثورة.
ولا يكفي في ذلك لقاء الصدف أو تلاقي النوايا بين الاخوة الذين كونوا الائتلاف.

فهل الائتلاف – وأنت من قياداته على ما فهمت من سماع بعض مداخلاتك – صبر لمثل هذه المهمة وأعد لها العدة وخاصة الاستراتيجيا طويلة النفس؟
كيف تريد الشروع في المرحلة المدنية دون انجاز المرحلة المكية؟

فأنتم جماعة لم تتألف إلا في شكل رد فعل خلقي سميتموه حالة وعي بتخل النخبة السياسية عن أهداف الثورة بل بخيانتها.
لكنكم تصورتهم أن تخليها عن قيم الثورة قضية ناتجة عن إرادة نفسية لكأن التاريخ هو حصيلة إرادات نفسية وليس نتيجة عوامل تتجاوزها إلى أدواء أعمق مما تحدده إرادة زيد أو عمرو.

وقد حاولت مخاطبة الائتلاف مرتين.
لكني شعرت بأن كلامي كان صيحة في واد بدليل الميل إلى المشاركة في الحكم بدل الاستعداد العميق له بتوفير شروطه وأولها تكوين المؤسسات التي من دون يكون الفعل السياسي رماية في عماية.
ذلك أني أعتقد أن تقديم السياسي المباشر على شروطه ظاهرة يعسر تجاوزها في بلاد العرب لسوء الحظ.

ملاحظة اخيرة:
لعلك ممن يعجبون من موقفي من المرزوقي.
ولعلك واجد في هذه الرسالة سر رفضي للمرزوقي لمعرفتي بما يغلب عليه من عجلة وخلط بين المنشود والموجود. ورفضي له لم يكن في سنة 2014 فحسب بل منذ الفترة الأولى في 2011 وذلك لعجلته في كل شيء.

كما أن استقالتي من العمل السياسي كانت لنفس العلة لأن الجماعة بدلا من الالتزام بالتعهد الخلقي بالبقاء سنة واحدة تأتي بعدها الانتخابات مططوا كتابة الدستور الأغبى في تاريخ الدساتير وظنوا أنهم قد تمكنوا حتى توهموا أنهم سيحكمون “وحدهم” دون أن يكون لهم لا الرجال ولا المؤسسات التي تكونهم لتسيير دولة حديثة.

والمعلوم أن الفساد والبلطجة في الدولة – إن صحت تسمية تونس دولة لأنها ما تزال محمية تحكمها مافيات – من الأعراض وليست هي جوهر الداء.

وما أظنك مثل جماعة البسكلات الذين يدعون الحرب على الفساد بحثا عن سهم فيه لأن دعوى محاربة ظاهرة من هذا الجنس لا يمكن أن يكون بالاعتماد على شرعية الفاسدون هم من يضع قوانين مكافحتها هدفها اخفاء الكبير بمحاكمة الصغير منها لأن اصحاب الشوكة الفاسدة هم واضعو القانون الذي يحمي الشوكة الفاسدة.

والسلام.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي