رئاسة الحكومة – ما معاييرها وكيف يمكن اختيارها؟

– ما معاييرها وكيف يمكن اختيارها؟ –



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



أيا كانت طبيعة النظام (اليونان يحددونها بعدد المسهمين في الحكم) وأسلوب الحكم (اليونان يحددونه بأخلاق الحاكم) والمصفوفة ينتج عنها ستة أنظمة يكون فيها الحكم للواحد أو القلة أو الأغلبية من الأفاضل أو من الأراذل.

وهذا التصور اليوناني على قدمه مايزال صالحا رغم أن المزج بين معيار الطبائع (عدد من بيده الحكم) ومعيار الأساليب (أخلاقهم) بينت التجربة أنه هو الأصح إذ لا وجود لحكم الواحد ولا لحكم الأغلبية كما لا وجود لفاضل مطلق أو لراذل مطلق في السياسة:
فلا بد من أقلية بيدها الحكم الفعلي بسبب استحالة اعتناء الأغلبية به
والفاضل يحتاج للأراذل ليتعامل مع جل المحكومين الذين هم أراذل في الغالب
والراذل يحتاج للافاضل ليغالط حتى يبدو فاضلا في أعين الجماهير التي تحب المنافقين عادة والتكاذب المتبادل في مسرحية الحكم.

فإذا جئنا إلى الوضعية التونسية فإن الوضعية كانت قبل الثورة الوضعية الوسطى أعني حكم أقلية شبه مافيوزية بل والغالب على الظن أنها مافيوزية حتى النخاع.
لم يكن الحكم بيد الواحد الفاضل ولا بيد الواحد الراذل بل كان بيد قلة راذلة.
لكنها كانت قادرة على أن تمسك بيدها الأمر والنهي وإن من وراء حجاب وتسيطر على المافيات الجزئية التي كانت تعد فروعا منها.

ولما حدثت الثورة وأزيحت المافيا الكبرى انفرط عقد المافيات الصغرى -ولعل الانفراط سبق الثورة وساهم في نجاح موجتها الأولى بسرعة- لكنها بعد الثورة دخلت في صراع علني ترجمته إلى تكوين أحزاب ولوبيات ومافيات إعلامية ودخلت في صراع هو ما نعيشه اليوم.
ولا يمكن الكلام على رئاسة حكومة من دون اعتبار هذه العناصر المقومة لوضعية القوى السياسية في تونس وما وراءها في الخارج صاحب المصلحة المباشرة في مواصلة تسيير تونس عن بعد.
لذلك فينبغي أن نسأل أنفسنا قبل الكلام على اختيار رئيس الحكومة السؤال التالي:
هل نريد التخلص من هذه الوضعية فنواصل الثورة؟
أم نقبل بها ونريد التعامل معها سعيا لأخف الضررين لأن محاولة التخلص منها ومواصلة الثورة قد تجر البلاد إلى وضع أكثر هشاشة بل وتعفنا مما هي عليه الآن؟

وطبعا فاختيار رئيس الحكومة متناسب المعايير مع أحد هذين الخيارين.
والحسم للمفاضلة بينهما ليس يسيرا:
ذلك أن تونس ليس لها ما يمكن من صمود الثورة لأن كل ثروتها مبنية على العمل وكل ثورة تؤدي إلى شبه توقف للعمل وهو ما قد يؤدي إلى إجاعة الشعب فيصبح الكلام على مواصلة الثورة وهما لأن الشعوب إذا جاعت تصبح أميل إلى الحكم الدكتاتوري حتى تسد حاجات الأولية أعني:
آمنهم من خوف وأطعمهم من جوع.

وهذا يعني أن الأرجح هو الخيار الأول:
تونس لا تتحمل تواصل الثورة لمدة طويلة ولهذه العلة كانت نصائحي تدعو من البداية إلى قلب الصفحة ومحاولة تحقيق الصلح بين القوتين السياسيتين الاكبرين أي الإسلاميين والدساترة.
لكني نصائحي لم يعمل بها.
ولست مستغربا ذلك لأن أصحاب الحل والعقد كانوا أميل للمواجهة ولم يحسبوا حسابا لأخلاق شعبهم:
فالاستبداد والفساد ليس في الحكام وحدهم بل هو أخلاق موضوعية بالمعنى الهيجلي للكلمة ليس من اليوم فحسب بل منذ أن انحطت الأمة ذاتيا ثم زادها ذلك الاستعمار وعملاؤه الذين حكموها بمثل هذه الأخلاق.

إذن ما الحل؟
لما كان التغالب بين القوى السياسية هو بدوره لا يمكن أن يبقى سلميا وكانت لا توجد قوة قادرة على حكم تونس بمفردها فإن الحل هو
إما التوافق بين القوتين الأكبرين إذا كان قادتهما صادقين في إخراج تونس من وضعها
أو -وهو ما بت أخشاه- وصول البلاد إلى التعفن المعهود في هذه الحالات وهو ما قد يترصده أحد الماسكين بقوة الأجهزة الحامية داخليا (الأمن) وخارجيا (الجيش) فيوقف الحياة السياسية ويفرض النظام على الجميع وهو ما قد يعيدنا إلى أكثر مما كانت عليه البلاد قبل الثورة.

كل المناورات التي يقوم بها رئيس الدولة حاليا لا تهدف لإخراج البلاد من أزمتها:
فلا يمكن الحصول على توافق بين مكونات الطيف السياسي من دون أن يكون لها قوة سياسية فعلية.
فباستثناء الإسلاميين والدساترة كل الأحزاب الأخرى “عسكر كردونة” ولا وزن لها شعبيا.
والعمل على الاتحادين خداع:
فلا واحد منهما يمكن أن يفيد لأن قيامه مبني على ما هو علة البلاد الأساسية.
فاتحاد العمال والموظفين يحلب الدولة سواء دخل الحكومة أم لم يدخل وهو يتمعش من المزايدة على ترضية قاعدته.
واتحاد ارباب العمل يحلب الدولة كذلك وإذا منع من نهبها فيركعها إما بالهروب والتهريب أو “بالرقود في الخط”.

ولما كان الإسلاميون مضطرين لتجاوز المحلي واعتبار الإقليمي فإن المناورة لديهم محدودة جدا وهم من ثم لا يملكون شروط فرض الحل.
ولما كان الدساترة ليس لهم قيادات حازمة لمعرفة أن تونس لن تخرج من أزمتها من دون حلف صادق بينهم وبين إلاسلاميين فإن اللعبة كلها أصبحت بيد القوى الثانوية والتدخل الأجنبي.

عندما نفهم ذلك لن يبقى اختيار رئيس الحكومة مشكلا:
فالتوازن بين مكونات الحكومة والاتفاق بين مكونيها الإسلامي والدستوري يجعل رئاستها أمرا يسيرا ويجعل قدرتها على فرض النظام أيسر لأن الأمر عندئذ يكون بين حالتين لا ثالثة لهما:
إما قبول البقية اللعبة السياسية الديموقراطية
أو مواصلة استعمال الشارع والنقابات للفوضى
فإن تم الامر الاول فبها ونعمة وإلا فإن القوتين إذا كانتا صادقتين في حلفهما تكونان قادرتين على فرض القانون ولو باستعمال القوة الشرعية للدولة.
وذلك كاف لاسترداد مهابتها ومنع إمكانية الانقلاب عليها إذا كان يوجد من يتربض بها لأن غالبية الشارع عندئذ (أكثر من 80 في المائة) تكون مع الشرعية فيحسم الخلاف بسرعة وتخرج تونس من عنق الزجاجة

ذلك هو رأيي وذلك هو موقف كل من يفهم معنى رجال الدولة وأصحاب المسؤولية الحقيقية في الأزمات الوجودية لحماية الشعوب ورعايتها.
واعتذر للقراء لما في النص من الصراحة شبه “الكلبية” (السينيزم) المطابق للطابع الكلبي لواقع البلاد والعباد في تونس منذ مرض بورقيبة إلى اليوم وخاصة منذ أن بدأ الحكم الحالي للباجي بما انتهى به الحكم البورقيبي:
مشكل السن
ومعركة الخلافة في الحزب الهجين
والحكم المريض والوضعية المعفنة.

لم يبق إلا أن ندعو الله أن يمن على البلاد بمثل ما وصفت أو بوجود قيادات في أجهزة الحماية تسهم في الدفاع عن الديموقراطية الناشئة كما فعل سوار الذهب وهو أمر شبه مستحيل لأنه قل أن تجد أجهزة تصطاد لوجه الله.
ونحمد الله أن جيشنا وطني وقياداته مؤمنة بالشرعية وربيت على أخلاق خدمة الوطن بخلاف غالب الجيوش العربية التي صحرت البلاد وأفسدت العباد.


– ما معاييرها وكيف يمكن اختيارها؟ –


يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي