“دولنا الوطنية” محميات استعمارية تعوق النهوض والاستئناف – الفصل الرابع

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله “دولنا الوطنية “

أبدأ الفصل الرابع بدور مقومات الفعل الإنساني في بناء الاحياز وسأعتمد خطة ابن خلدون الذي كان أول من تصورها وأسس عليها نظرياته في المقدمة. ولا بد أن القراء قد لاحظوا أني دائما أبعد عن أصل لما أقدم في الثقافة العربية الإسلامية وذلك لغايتين: 1. يسترجع الشباب الثقة في عظمة حضارتهم 2. والأهم: جبر الكسر بين ما تقدم على الانحطاط ما تلى محاولات النهوض والاستئناف. فهم لن يبدعوا ما ظلوا مشدودين إلى ماض ذاتي ميت وحاضر أجنبي. فابن خلدون بدأ بالجغرافيا والمناخ الطبيعيين وهو محق. لكنهما مجرد مكان وزمان. ويصبحان جغرافيا وتاريخ بعمل الإنسان فيهما بفعل الذوق والعلم. الذوق يطلب الغذاء مثلا. والعلم يبحث عنه لتوفيره: داية العلاقة بين الأحياز وعمل الإنسان بذوق بدائي (الغذاء) وعلم بدائي (طلبه من الطبيعة). فيكون الذوق البدائي بداية الاقتصاد والعلم البدائي بداية الثقافة التي لها صلة بالاقتصاد. وبفضلهما يصبح المكان والزمان جغرافيا وتاريخ. فينتج حيزان آخران هما: 1. فعل الجغرافيا في التاريخ (التراث). 2. وفعل التاريخ في الجغرافيا (الثروة). الذوق والعلم بداية وضع المرجعية الروحية الرمزية وهذه المرجعية الروحية الرمزية رؤية للجغرافيا والتاريخ مصدري الحياة الروحية (التراث) والمادية (الثروة) وهما مدار كل الرؤى الإنسانية البدائية. لكن للذوق والعلم مستوى ثانيا ليس ذوق الأكل بل ذوق الفن وليس علما يطلب الأكل بل يطلق الجمال والحقيقة والخير والحرية والانشداد إلى المطلق. بهذا تصبح الجغرافيا عمرانا والتاريخ اجتماعا وهذه هي غاية الحضارة. فالحضارة هي ما بين المستوى الأول من الذوق والعلم والمستوى الثاني منهما. وللمستوى الاول علاقة مباشرة بالمكان والزمان لجعلهما بداية الحضارة وللمستوى الثاني علاقة غير مباشرة بهما لجعلهما غاية الحاضرة. ما شرط المسار؟ الأصل هو المرجعية الروحية والرمزية أو شرط المسار. إنها تبدأ دينية وتنتهي فلسفية اي فلسفة وجود وفلسفة رمز: والقرآن جامع بين البداية والغاية. والقرآن بوصفه جامعا بين الفلسفتين هو فلسفة دين وفلسفة تاريخ بوجهين: نقدي لتحريفات الدين البدائي والمنزل وبنائي لفلسفة الدين وفلسفة التاريخ. والمسلمون عامة والعرب خاصة علاقتهم به مثل علاقته بداره: لم يكتشفوا قيمة ثرواتها إلى بفضل تقدم الإنسانية كلها ولن يكتشفوا قيمة تراثه إلا به. ما تزال نسبتنا إلى قيمة ثروة دار الإسلام وإلى قيمة مرجعيته (القرآن والسنة) نسبة الجاهلية الإنسانية: لمن نفهم بعد علاقتهما بالذوق والعلم. فمستواهما الاول ما يزال بدائيا لأنه يكتفي بالأكل ذوقيا مما تنتجه الطبيعة علميا ومستواهما الثاني ما يزال علوما زائفة تجهل الشهادة وتدعي علم الغيب. وبين مستويي الذوق الغذائي والفني يوجد الجنسي وبين مستويي العلم طلبا للغذاء وطلبا للقيم توجد كل معاني الحياة أغراضا لكل الإبداع الإنساني. فيكون الجنس ومعنى الحياة حدا أوسطا بين المستويين الذوقي والمعرفي ولا لهما من واصلة بينه وبين الاول وبينه وبين الاخير: والوصلتان هما سر الرمز. فالرمز لا شيء أو عدم حضوره الوحيد هو ما يغيب فيه وما به يكون نائبا للمرموز: الفرد يغتذي بما تنتجه الأرض والحياة تغتذي بما ينتجه الفرد. الفرد يأكل الطبيعة والحياة تأكل الفرد: والذوق شعور بالحاجة ودافع للبحث عن سدها: الوعي بحضور الحاجة وبالسعي لطلبها نائبان رمزيان قبليا وبعديا. والقبلي توقع للحاجة ولطلبها والبعد تذكر لتوقعها وتوقع طلبها وكل ذلك بنيابة الشعور الحاضر الذي يحيط بالشعور الماضي والشعور المقبل بنائب رمزي، والنائب الرمزي حديث حدث في الماضي يحضر تذكرا نيابة عما زال من الوجود الفعلي وهو حديث عن حدث المستقبل يحضر توقعا نيابة عما لم ينشأ بعد فيه. والعالم الرمزي يصل الإنسان في الحاضر بالعالم الطبيعي: صلة الفرد بالعالم الطبيعي تمر بوسيط رمزي هو الثقافة الإنسانية الذوقية والعلمية. نغتذي من الطبيعة بفضل أدوات الثقافة ونغذي الثقافة بفضل أدوات الطبيعة: الأفراد مجرد حوامل لهما يحاولون أن يكونوا غايات بذوق الحياة: وصلة أولى. الوصلة الثانية هي التي تجعلنا نسمو على الحياة أسمى من الوصلة الاولى. فهذه تصل حياة الفرد بحياة النوع لبقاء الحياة والجزاء هو اللذة الجنسية. أما الوصلة الثانية فهي تسام لحياة خالدة هي أصل كل إبداع وخاصة ابداع مفهوم الآخرة بعد الأولى أو جوهر الدين وصلا مباشرا بين الإنسان والله. المعادلة: حداها الله والإنسان وسيطاها الطبيعة والتاريخ والتواصل بين الحدين مباشرة وبتوسطهما ذلك هو أصل الترميز والتسمية: حقيقة الإنسان. اكتشفنا الآن السر الأول: الذوق والعلم وبينهما الجنس فيكون ما بين الذوق والجنس في المستوى الاول طلب الخلود العضوي وطعمه اللذة الجنسية. السر الثاني: بين الذوق والعلم في مستواهما الثاني كل القيم طلبا للخلود الروحي في عالم آخر غير الدنيا. والإسلام يجمع بينهما بخلود روحي وبدني. البعث في الإسلام حياة خالدة بدنية وروحية وفيها بعد رؤية وجه الله أسمى جزاء هو الجنس. والغربي عامة لم يفهموا أهمية هذه الثورة إلى الأن. وأغرب ما أعجب له هو سخافة ادعياء الحداثة العرب الذين يتهمون الإسلاميين بالهوس الجنسي: وهم ضحايا تحريفه بعد أن صار برنوغرافيا فرجوية كونية. وقد بينت في استراتيجية الجعل الذهبي للاستعباد الدور الذي ابتذل المرأة فجعلها مجرد حامل لتسويق البضائع والخدمات ومغر لجمع المعلومات. وسنرى أن كل الانظمة العربية قد أخذت من الحداثة رذائلها وتركت فضائلها: ومنها هذه العلاقة بين الأمرين بالسيطرة على الغذاء والجنس للاستعباد. لكن ما يلاحظه ثاقب النظر هو أن الطفل الإنساني سبق بافلوف في اكتشاف الانعكاس الشرطي: يجوع الطفل فيبكي حتى تأتي امه لترضعه. هذا هو المنطلق. بعد تكرار ذلك يستعمل الطفل البكاء قبل الكلام ودون أن يجوع حرف نداء لامه. فيكون الصوت أول رمز لأول وظيفة للكلام: النداء وطلب المساعدة. وله علاقة بدلالة التلفظ الإضافية إلى دلالة اللفظ. وهذا أمر ليس مكتسبا ولا معنى للكلام على التطور فيه حتى بمهرب ما يشبه لا تناهي زمان التطور. وجعل البكاء حرف نداء للأم أول رمز يكتشفه الطفل رمزا في غياب المرموز: لو كانت الأم حاضرة للبصر لكان التعبير البدني مغنيا عن التعبير الصوتي. فالفعل الرامز وخاصة فعل النداء يتوقف بمجرد حصول الاستجابة. لذلك اصطلحت على تسمية الكلمة فعل الرمز. وقياسا عليه سميت العملة رمز الفعل. وهما الرمزان المطلقان لكل الأفعال الإنسانية: الكلمة تعوض المعاني الثقافية والعملة تعض القيم الاقتصادية: والثقافة والاقتصاد أداتا كل سلطان. وهكذا الغذاء وطلبه يجعل المكان جغرافية. فينتج التراث (بقاء جماعة في مكان معين وتواصلها) وبتذكر الماضي وتوقع المستقبل فيصبح الزمان تاريخا. والتراث من أهم أركانه هو التذكر والتوقع الحائلان دون مطالب الذوق وطلبه: الثروة التي هي ما يدخر من الإنتاج وهو مفعول التاريخ في الجغرافيا. تلك هي فروع الأحياز الأربعة التي يوحد جغرافيتها وتاريخا وتراثها وثروتها مرجعيتها الروحية التي بينا كيف ينتجها الوجود الجمعي إبداعا أو وحيا .

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي