لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله“دولنا الوطنية “
ماذا فعلت المحميات العربية التي يسمونها دولا وطنية وعجز دونه الاستعمار وكل أعداء الأمة طيلة قرون من استضعافنا في الأحياز ومقومات العمل؟ كان يمكن أن يكون الجواب مباشرا من البداية دون حاجة للفصول الأربعة السابقة لو كنا نطلب الجواب السطحي الذي لا يشخص الداء ويعد لعلاج علله. فمن منا لا يرى الحدود الحديدية بينها؟ ومن منا لا يرى أنها الألغام متفجرة لنزاعات حدودية بين كل محميتين؟ هذا في الجغرافيا العربية مثلا. ومن منا لا يرى المرجعيات التاريخية لكل محمية؟ ومن منا لا يرى حتى التقويم المختلف واسماء الأشهر المختلفة المستمدة مما تقدم على الإسلام؟ والتراث، من منا لا يرى أن دستور جلجامش صار أهم حتى من تشريع القرآن؟ ومن منا لا يرى أنها جعلت التراث الفرعوني أهم ألف مرة من تراث الإسلام؟ ومن منا لا يرى أنه حتى القبائل العربية التي لا تراث لها يعتد به قبل الإسلام أعادت فلكلور العرب البائدة؟ والثروة هل لها فاعلية بعد التفتيت؟ وأخيرا هل بقي للمرجعية المشتركة قيام فاعل بحق أم إنها هي بدورها عوضها التفصي منها بالمقابلة بين الإسلام وفلكرته المحلية في بلاد العرب؟ وهل بقي للعربية (الكلمة)وجود بعد أن اصيب الجميع بالرطن السخيف بلغات المستعمر وبالإبداع المفلكر باللهجات المحلية وبأمية بعي جل الحكام العرب. وهل عند العرب رمز فعل (العملة) تجعل ثروتهم ذات فاعلية في الاقتصاد الدولي أم إن عملاتهم مجرد أوراق لا معنى لها إلى بالتبعية للدولار واليورو. هل يوجد ذوق عربي في الغذاء أو في الفن وعلم عربي لطلب الأول ولإبداع الثاني؟ أم هم أمة فقدت ذوق المائدة وذوق السرير وذوق الفن والوجود؟ وأخيرا لا داعي للكلام على مدارس فكرية أو معرفية أو حتى تجارب وجودية حية يمكن القول إنها ممثلة لأسلوب حضاري متميز بقي عند العرب يعتدون به. أما الفنون فهي أضحوكة الدهر: ما ليس بمسروق فيها لا يساوي واحدا في المليون من كلفة إنتاجه. إما فلكلور وواقعية فجة للأسافل أو مسروقات غير مفهومة. والعمران خليط دال على فقدان الذوق والعلم لأن ذوي الوفرة تصوروا الأمركة والأوربة هي الحضارة وذوي الندرة عوضوا الخيام بالمدن القصديرية. وملخص ما وصفت بكثير من الوسطية يجعل الوطن العربي مجرد مزبلة لفضلات من تتبعهم الانظمة والنخب من حماة هذه المحميات فاقدة السيادة والمشروع. ولأشر إلى مستوى التردي الذي وصلنا إليه لتعلقه بأسمى ما يميز هذه الحضارة. فرؤية الأحذية أمام المصلين أمرض من دلالتها: نفي تام لوظيفة الصلاة. فإذا كانت اخلاق المسلمين وصلت إلى درجة الخوف على الحذاء في المسجد فاعلم أن كل العيوب الخلقية قد سيطرت على أسمى ما في حضارتنا روحيا وماديا. هل بقي معنى للنهي عن الفحشاء والمنكر بمثل هذه الحال وبأئمة أغلبهم منافقون لا علاقة لهم بالتقوى التي يمكن أن تجعلهم قدوة لغيرهم ومعلمين. أما المدارس الحديثة فتدنت خلقيا وعلميا إلى حد ليس بعده قرار وخاصة في الجامعات التي حول الحداثيون جلها إلى محال فجور وغرور بلا علم ولا عمل. وما من أحد راقب ما أصف يمكن أن يجد وصفي مبالغا فيه بل هو قد يعتبرني قد أهملت ذكر الكثير من العيوب التي تبين حال التربية في بلاد العرب. وحتى من يتصورون أنفسهم اغنياء من العرب فيمكن أن تكون القاعدة الأساسية المادية للتعليم جيدة. ما يجري فيها من تعليم لا يخرج إلا العاطلين. وطبعا ففي كل نظام لا بد أن يوجد من يبرز بمواهب فطرية. لكن وظيفة التعليم ليست مقصورة على العباقرة بذاتهم بل على مستوى محترم لكل الخريجين. وشرط ذلك نظام محترم لكل المعلمين. ولو كان ما أقوله غير صحيح لما أمكن لأمة تعدادها يفوق أربعمائة مليون لم يخرج منها علماء إلا ما ندر من هجر. أظن أن هذا كاف إذ لو واصلت لما توقفت. فهذه عينات مما حصل بعد ما سمي استقلالات وتكون ما يسمونه دولا وطنية وهي نقيض ذلك محميات لا وطنية. وبهذا أعود لبيان الاضرار: بمآل الأحياز وبمآل الأفعال وبمآل الفاعليتين الرمزيتين فعل الرمز (اللغة والثقافة) ورمز الفعل (العملة والاقتصاد). لكن قبل ذلك فلأجب عن علة عجز الاستعمار المباشر عن تحقيق هذه الأهداف الهدامة؟ العلة: الشعوب كانت تعتبره عدوا وكانت تقاومه بقيم مرجعيتها. ولما أصبح الاستعمار غير مباشر حقق نوابه بدعاية النهوض والتحديث ما عجز عنه. بعضهم لجهل وبعضهم لخيانة هدموا شروط المقاومة بلا نهوض ولا تحديث. ذلك أن الامم لا تنهض بالطلاء الخارجي الحديث. فعلوه بالأحياز وبالأفعال وبفاعليتي الرمز أصبح حائلا شبه مطلق دون شروط السيادة النهوض والتحديث. ففي عصر العماليق يزداد العرب تشبثا بالقزمية: كل محمية عربية مهما باعت من بترول لا يكفيها لتغذية ذاتها وعبيدها الوافدين الذين يخفون كسلهم. الدول ذات السيادة لا تبنى ببيع المواد الخام والتراث السياحي بلصوص والمافيات التي تهرب الثروات وتستورد البضائع والخدمات وتعطل شبابها. فالدخل القومي للعرب كلهم لا يساوي الدخل القومي لدولة أوروبية متوسطة الثراء والحجم ومع ذلك لا أحد في أوروبا مازال يؤمن بالدولة الوطنية. إذا كانت ألمانيا وهي ماهي قد قبلت الوحدة الأوروبية فذلك ليس تساهلا مع فرنسا عدوتها التاريخية بل لأنه لا سيادة في عصر العماليق دون عملقة. الأمم اليوم تتقدم بالعلم. والعلم له قاطرتان: غزو الفضاء والسلطان على الطبيعة وغزو العالم والسلطان على السلاح. انظمتنا تحمي ذاتها لا السيادة. ليس لأنظمة عدو خارجي إذ هي تحتمي به عدوها هو إما بقية العرب أو شعبها. وحتى يرضى عنها حاميها ويطلق يدها في شعبها واخوتها تعطيه كل ما يريد. استراتيجية طبقها الغرب في العالم كله. المثال الهنود الحمر: جعل قبائلهم مثل قبائل الجاهلية العربية في حرب أهلية دائمة. وهي جارية بين انظمتنا. في المغرب: ماذا يحول دون تقدمه؟ حرب باردة بين الجزائر والمغرب. وقبلها فوضى نزواتية للقدافي وفي المشرق انظر الخليج حاليا والهلال سابقا. ومن العجائب أن اقزام العرب تسمع عكاضيات أبواقها تتنابز حول المساحة أو عدد السكان أو ضع فضلات ما ينهب من الثروات: وهم جميعا توابع ذليلة. ما دفعوه في السلاح لحماية أنظمة خربة ومخترقة تحكمها مخابرات إسرائيل مباشرة أو ببعض الخونة منهم كان سيجعلهم قوة عظمى لو أنتجوه بأنفسهم. ما يستوردونه من خردة للترفيه أو للعيش يكفي لأن يخرج كل العرب من التخلف والانحطاط: مارشال أخرج أوروبا من نكبة الحرب الثانية وهم أقدر عليه. وعندما يتفضلون فيمنون على بلد عربي ماذا يفعلون؟ يريدون فنادق ومواخير وليس بنية اقتصادية تخرج الجميع من التبعية. حكام ونخب من لعنات التاريخ. يكفي. القلب يعصر. لم أعد أطيق الكلام في الانذال الذين سلطهم التاريخ على من كان ينبغي أن تكون خير أمة أخرجت للناس فصارت أذل أمة اخرجت للناس. .