لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله دور الترميز في كل ماهو انساني طبيعي او تاريخي
ليس القرآن من نوع الإبداع الرياضي والفني أو ما يمكن تسميته بالتقديرات الذهنية (مصطلح تيمي) ولا هو من نوع علم الموجود الطبيعي والموجود التاريخي بمعنى أن موضوعه خارجي مثل العلم الفعلي للموجود الخارجي (مصطلح تيمي).
فما هو إذن؟ هل نكتفي بهذا التعريف السالب؟
التعريف السالب لا يقول ما الشيء بل يقول ما ليس هو. وعندما نستعمل التعريف السالب فقد يكون القصد تحديد ما ليس هو باستثنائه استثناء مطلقا أو ببيان الفرق مع المحافظة على ما يمكن أن يكون مشتركا لأن كون القرآن خطابا للإنسان لا بد أن يكون فيه ما من دونه لا يمكن للإنسان أن يفهمه.
ولذلك فالذين تعاملوا مع القرآن بمنظور علم الموجود الخارجي سواء كان علما طبيعيا أو تاريخيا فلموقفهم بعض الوجاهة ومن تعاملوا مع بوصفه علم مقدرات ذهنية سواء كان فنا رياضيا أو فنا أدبيا فلموقهم بعض الوجاهة لكنها في الحالات الأربع وجاهة ناتجة عن اعتبار الشكل دون المضمون.
ذلك هو لغز الاسترماز القرآني الذي يعرف نفسه بكونه رسالة خاتمة وتذكيرا أخيرا للإنسانية. فما موضوع هذا التذكير الاخير الذي يوجه للإنسانية كلها والذي يخلو من المعجزات بالمعنى المتعارف في الرسالات السابقة والذي لا ينفيه لكنه يعتبره للتخويف وليس للإفهام أو للإقناع.
وهذا هو الأمر الغريب الذي جعل التحريف يحصل: لم يكن في وسع المسلمين أن يفهموا دينا مختلفا تماما عن كل الأديان الاخرى وكتابا ليس له مثيل بين كتبها ومع ذلك فهو لا ينفي ما تقدم عليه حتى وإن كان مليئا بنقد مآلاتها في سياسة الكونين الطبيعي والتاريخي وصلتهما بما ورائهما: فعاملوه مثلها.
وكان ذلك أول شكل من التفسير بالأثر الذي ملأ القرآن بالإسرائيليات وبكل ما يمكن للخيال العامي أن يضيفه بمعنى التعظيم لأنه لم ير حقيقة العظمة التي فيه والتي هي نوع فريد من الاسترماز أو من الصوغ الرمزي للرسالة بوصفها إشارات وتنبيهات إلى شروط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف.
وكون الرسالة تصف نفسها بكونية كونية للإنسانية كلها بل ولكل الموجودات -وخاصة لنوعيها اللذين لم يخلقا إلا للعبادة الحرة لأنهم أحرار ومكلفين -الانس والجان-من عجائب هذه الرسالة: ذلك أن كل الرسالات الأخرى كانت لقوم الرسول دون سواهم ومن ثم فكونها بلسانهم أمر مفهوم.
ومن ثم فالمشكل الترميزي في القرآن هو هذا التقابل بين المخاطب بالرسالة -كل الإنسانية على الاقل – واستعمال لسان خاص بقوم منها. لذلك فلا بد من التسليم بأحد أمرين:
الترجمة المطابقة بإطلاق حتى يتساوى المرسل إليهم في العلاقة بالرسالة.
للقرآن وراء اللسان لسان كوني هو نوع استرمازه.