دمية قرطاج، من صنعها؟ وكيف صنعت؟

****،

سؤالي لا يمكن أن يوجد من لا يستغربه: فالدمى عادة ما يصنعها الاطفال.
ولذلك فالجواب الذي ساد هو أن الرجل صنعه الشباب الذي أوصله إلى سدة داموس قرطاج الذي يقطنه حاليا عملاء فرنسا وإيران.

وعملاء فرنسا وإيران في تونس أمر لا يحتاج إلى دليل حتى لو صح ما قيل بأن فيهم بعض المنتسبين إلى النهضة. فهي مثل كل الاحزاب والمنظمات مخترقة منهم إلى الأذقان. وفي الحقيقة فأكبر أدلته أن كل من يشير إليها يتهم بأنه عميل تركيا وقطر.

فالرد على أمر جلي بتهمة لو صحت لكانت مساواة بين من يبحث عمن يحرره من نكبة عمت بلاد العرب أي التدخل الاستعماري الغربي والشيعي ومن يسهم فيه: هبني اعترفت بأني فعلا أطلب مساعدة تركيا وقطر ضد الاحتلال الفرنسي القديم وسنده الإيراني الحديث هل ذلك يقاس بهما؟

هل محاولة التخلص من الاحتلال كما فعل الاخوة في ليبيا مثل مواصلة الخضوع للاستعمار الغربي ومع الأجرام المليشياوي الذي لنا مثال منه في العراق واليمن وسوريا وترهونة؟

دميتنا ذهبت إلى فرنسا لتدين ما فعله الاخوة في ليبيا لإنهاء حرب دامت عشر سنوات لم نسمع فيها أحدا ممن يدعون الآن إلى وقف القتال والحوار قولا في ذلك حتى إذا هزمت فرنسا والمليشيات التي تمولها الثورة المضادة العربية بشقيها التابع لإيران والتابع لاسرائيل استنجدت فرنسا بدميتنا ليقدم لها فتويين دالتين على الحمق المطلق:

  1. التشكيك في شرعية الحكومة وضمنيا اعتبار حفتر أكثر شرعية ويدعو إلى بديل منها هو عين ما تقوم عليه حجج حفتر: العودة بليبيا إلى القبلية والفرق الوحيد بين افغانستان وليبيا هو أن من سيقود اللوياجرقا فرنسا وليس أمريكا وفي الحالتين ألمانيا مجرد “بوسطاجي”.

  2. اقتراح الحل الليبي الليبي في الظاهر وهو ضمنيا ترك الحكومة عزلاء أمام الدعم الفرنسي والروسي والمصري والتمويل الإماراتي والسعودي والسكوت العالمي لأن الشرعية مؤقتة ولأن الدمية وجدت الحل وهو ما تنتظره فرنسا التي دعته لهذه المهمة واشترته بما يشترى به أحقر خلق الله: قرض مقابله الارض والعرض.

أعود الآن إلى سؤالي: من صنع هذه الدمية التي ستجر على تونس أكثر مما جره الامير الحفصي الذي استنجد بشارل الخامس فصار جامع الزيتونة “كوري” لخيل الغزاة واستبيحت الأعراض لمدة سبعين سنة أو لما حصلت “الحماية” التي ارادت دمية قرطاج أن تبرئ بها الاحتلال.

جوابي لن يعجب أحدا وخاصة من الاصدقاء قبل الأعداء. ذلك أن الدمية صارت رئيسا بصنع داخلي وخارجي وكلاهما مضاعف:

الصنع الداخلي المضاعف: مباشر في الحملة الانتخابية وغير مباشر في ما أعد لها:

  1. المباشر في الحملة: من صنع قيس مباشرة هم المترشحون لرئاسة الانتخابات الرئاسية الذين نعقد فيهم “النوارة” ممن نتصورهم على وعي بالوضعية.

فترشح المرزوقي والجبالي ومخلوف يعتبر عندي خطأ سياسيا لا يليق بمن هم في مقامهم. فالأولان لهما خبرة كان من المفروض أن يكون لهما نضج سياسي يحول دون ما قاما به. والثاني ليست له الخبرة لكنه يقول بحالة الوعي وإن لم يفهم الوضع حينها.

وكلهم كانوا يعلمون أن المحصلة كانت ستكون كما كانت أو قريبا منها. كلهم كانوا يعلمون أن احرص الناس على سقوط مورو هي قيادة النهضة بسبب المعركة الداخلية في الحركة وأن أي مرشح آخر سيكون معاديا للثورة فضلا عن كونه يمثل السيستام.

وكل من له حتى خبرة صغيرة مثلي كان يتوقع ان لن يبقى إلا الاثنان اللذان بقيا لأن القروي قام بعمل فعلي يحقق له شروط النجاح والثاني حضوره كان بسبب غيابه بمعنى أن الجهل به صار لصالحه.

  1. غير المباشر في الاعداد للانتخابات:

والأغرب من ذلك هو أن سقوط هؤلاء الثلاثة صار لصالح الدمية بسبب ما حصل في مرحلة الاعداد للانتخابات. فشيطنة منافسه بحجة الفساد دون معرفة ماضي الدمية جعلت الشاهد والغنوشي بصورة غير مباشرة شاهدي زور لصلاح الدمية للمهمة. فشيطنة القروي من قبل الشاهد ومشاركة النهضة حتى بالسكوت على سجنه قبل الانتخابات ثم بصراحة في الانتخابات النيابية بحجة الثورية والحرب على الفساد كل ذلك جعل الدمية تصبح ملائكية وخاصة عند الشباب الذي ذاق الامرين.

لكن ذلك كله لم يكن كافيا لتفسير النسبة الكبيرة التي حصل عليها والتي بلغت السبعين في المائة ونيف. لذلك اعتبرت أمرا خارجيا ساعد على حصول هذه النتيجة لأني لا اعتقد في الصدف ولا اعتقد في المعجزات فللأمور عللا ينبغي الكشف عنها.

ولما بحثت عرفت أن للدمية علاقات خفية مع من تبين لاحقا من هم وكنت احدس أنهم حتما من اعداء الثورة في الخارج وممن لهم علاقات بأعدائها في الداخل: ولا يمكن أن يكون هؤلاء إلا ثلاثة أصناف:

  1. اليسار الذي خسر المعركة الانتخابية وعليه طلب البديل والتشبث بأداتيهم أي العمالة للنظام القديم وللاتحاد.
  2. القوميون الذي هم حلفاء ما يسمى بحلف “المماتعة” والسند الإيراني وظاهرة التشيع التي تخترق كل الأحزاب وكل المنظمات الثقافية والمدنية.
  3. حزب فرنسا وهم مجموعة من فتات النداء وممن ينافسونهم على الترشح لنيل رضا فرنسا في الدول التي بات ما يوافق النداء فيها خانة شبه خالية بعد نهايته.

لكن العامل المؤثر حسب رأيي هو الأوسط أي العامل الشيعي لعلتين:
أولا لأن نفس ما يجري في تونس وفي المغرب الكبير لنا منه أمثلة في لبنان وفي المشرق الكبير بمعنى أن مشروع لبننة تونس بدا لي هو المعنى المطابق للوضعية.

ثانيا التعاون بين إيران وروسيا يمكن أن يحيلني إلى استعمال مافية بوتين بنفس الطريقة التي استعملت في إيصال ترومب لرئاسة أمريكا: لا بد من دمية مثل ترومب في تونس.

تلك كانت فرضيتي التي بنيت عليها تحليلي وكنت أنتظر بداية الاقوال ثم الأفعال.
وكانت بداية الاقوال من مؤيدي الدمية وهم خمسة أصناف:

  1. المصدقين بأن الدمية تمثل الطهرية والنظافة وهؤلاء لم اكن اعيب عليهم لأني احترم صدقهم وحسن الظن به ولذلك فمن حقهم ألا يصدقوني بمجرد تقديم فرضية ليس لي عليها دليل.

  2. بعض الانتهازيين ممن خسروا مواقع كانت لهم مع المرزوقي وسبق أن بدأوا التعبير عن خيانته حتى قبل أن يفقد كل مصداقية انتخابية لأنه لم يفلح في استمالة من يسميهم “شعب النهضة” والإنسان لا يكون جنرالا في حرب دون “تروب”. وهؤلاء كلامهم دليل ضد الدمية لأنهم ليسوا مثل النوع الأول تعنيهم النوايا الحسنة بل المزايا “الخشنة”.

  3. المتمذهبون بالتشيع وهؤلاء هم من عينوا الجهة التي كانت الدمية تحرص على اخفائها أكثر من جميع الجهات الاخرى لأنها هي بيت القصيد في المشروع. الكثير يدعي أني اتهمت سعيد بأنه متشيع. وهو ما لم يحصل أبدا لسبب بسيط لأني أومن بحرية المعقد ولا ادعي العلم بالسرائر. ما يعنيني هو أني لا أقبل أن يرأس تونس باطني يخفي ما يبطن.

  4. المتمذهبون بالتمركس. واخترت التمركس لأنه لا يوجد بين التونسيين بل وبين العرب كلهم من هو ماركسي لا معرفة بالمارسكية ولا خاصة إيمانا بقيمها. فكلهم ثقافتهم بدائية وكلهم من أكثر النخب انتهازية ولا يؤمنون إلا بأن يكونوا في خدمة ما يرمي لهم من فتات مائدته أكثر.

  5. مافيات تونس التي تخفي حزب فرنسا وتحتمي به وهؤلاء مشكلهم عين مشكل نظرائهم في لبنان: يعلمون أن فرنسا لم تعد قادرة على السيطرة المباشرة بمفردها وتحتاج إلى حلف مع الملالي كما في لبنان. وفرنسا ليس من اليوم بل منذ الحروب الصليبية وخاصة في غزو مصر والهلال كان حلفها مع الدولة الفاطمية والحشاشين معلوما للجميع.

ولما كنت متابعا للتاريخ وقارئا لماسينيون وللمختص في الحشاشين برنار لويس فإني أعلم ما بين بقايا الحشاشين والفاطميين من العلوية والنصيرية -حزب الله منهم- فإني ربطت ذلك كله وقرأت ما يجري في تصعيد الدمية: لم تكن صناعة أطفال بل أصحابها “مضرسون”. لكن ذلك لم يكن ليمر دون أن أفك ألغازه.

ثم عملت بما يوجبه الصبر في انتظار مؤيدات الفرضية. وكنت واثقا من أنها آتية لا ريب فيها وأن من سيثبت فرضيتي هي الدمية نفسها: وبدأت الأدلة تتوالى. كانت قولية ثم صارت فعلية مرتين في ترذيله مؤسسات الدولة أولا ثم في مد يده محاولا توظيف أدوات فعل الدولة أي السلطة التنفيذية والامن والجيش لخدمة مشروعه.

لكن الدليل الحاسم هو ما حصل في رحلته “الموفقة جدا” للدلالة على صحة فرضية اللبننة: تبين أنه مثل دمية لبنان. كلاهما معجب “بالجنرال دوجول” وبحماية فرنسا وبوحدة المصير معها ليس من اليوم بل منذ “المسألة الشرقية” التي تتدخل فرنسا بمقتضاها في الخلافة العثمانية.

اليوم فرنسا تعتبر تركيا خلافة عثمانية وتبحث عن عميل مثل عميل لبنان وحليف حزب الله الذي هو ذراع إيرانية في الهلال. وما لم يفهم سياسيو تونس هذه المعطيات فهم يتعلمون الحجامة في رؤوس اليتامى أو هم قراء مثل الدمية لكتب ماكرون التي لم يكتبها بل وقراء لما يقرؤه ماكرون تقربا من أمي لم يقرأ حتى أبجديات اختصاصه المزعوم. ولله في خلقه شؤون.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي