دلالة نص أتالي الذي أورد بعض الزملاء ترجمته


كل هذه التوقعات -الواردة في نص أتالي-ليس لها ما يسندها من تجارب التاريخ الإنساني الماضية. فكلما سيطرت الندرة عاد الإنسان إلى ما يقرب من أخلاق الصراع المحتد على مصادر الرزق.

ما يحكيه أتالي يجانس ما يحكى عن أخلاق البداوة.
لكنه لم يأخذ منها إلا ما تقوله عن نفسها من صلات أسرية وقبلية.
لكنها خارج الأسرة والقبيلة هي التوحش بعينه. وهذا هو عين ما يجري في المجتمعات التي تدعي الديموقراطية.

فهي في الداخل تتصرف تصرف القبيلة الواحدة أو ما يقرب من ذلك.
لكنها في السياسة الدولية تتصرف مثلها مع القبائل الاخرى. ولكن بأسلحة أقوى وأقدر على فرض ارادة الأقوياء.

وهذا لن يتغير إلا إذا حصل ما يشبه ما حصل في تاريخنا لما جاء المغول فقضوا على كل من يمكن أن يكون له قدرة على الإنتاج المعرفي والعلمي والتقني. وهذا مستبعد جدا.

فلن تصبح أمريكا ضعيفة أكثر من الصين ولا خاصة أكثر من أوروبا أو منا نحن. لذلك فعندي أن كلامه أماني لا غير.
ما دام الداء كونيا فإن الحصيلة ستبقي على النظام الحالي بعدها بل واسوأ منه.

بل أكثر من ذلك فإن الدول الغربية ستتخفف من كلفة رعاية كبار السن وستصبح مؤسساتها الاقتصادية أقدر على المزيد من القوة لأن كلفة الرعاية الاجتماعية ستوجه إلى أدوات الحماية الجماعية أي إلى البحث العلمي الأساسي وتطبيقاته وخاصة منها التسلح للإغارة من جديد على ثروات البلاد الضعيفة.

ما أتوقعه هو موجة ثانية من الاستعمار إذا بقينا مفتتين كما نحن الآن.
ولا أرى فكرا يدعو للخروج بل العكس هو الجاري لأن النخب الإسلامية هي بدورها بدأت تدعي الوطنية القطرية وتتخلى عن المشترك الإسلامي.

فالجزائر مثلا وهي أقوى بلد مغربي ستزداد عزلة وهي تستورد أكثر من 90 في المائة من شروط عيشها.
فكيف عندما يصبح ذلك مصحوبا بالمدافع كما حصل في ثلاثينات القرن التاسع عشر؟

كلام أتالي قد ينطبق على بعض بلاد أوروبا أو في بينهم.
لكنه لن ينطبق على بقية العالم الذي لم يحقق شروط الرعاية والحماية مثل العرب خاصة. وحتى أوروبا فعودة القوميات الضيقة ليست مستبعدة.

والعرب هم أكثر شعوب المعمورة حمقا لأن نخبهم التي تقودهم من أفسد خلق الله فجلهم منتحلو صفة: أسماء ليس لها مسمياتها إلا ما ندر. ويكفي أن ترى ساسة تونس وجامعييها وخاصة فنانيها وأرباب العمل فيها ونقاباتها. وينبغي الاعتراف أن أتالي حتى وإن بدا معمما قوله على العالم فهو بإشارات واضحة لمن يفهم الفرنسية بدقة يعني الغرب بالأساس.

ذلك أن نسب القوى وتوازناتها في مثل هذه الجائحة يختلف عما كان عليه في الجوائح القديمة لما كانت البشرية متقاربة من حيث سر القوة العلمية والتقنية وخاصة في شروط المحافظة على ما لديها منها بعد الجائحة.

والمعلوم أن الغرب اليوم وإن كان يعاني من مشكل الديموغرافيا فإنه يبقى متقدما كثيرا على غيره وخاصة علينا نحن في العلوم والتكنولوجيا وفي التنظيم السياسي والاجتماعي ليس على مستوى الأفراد لأن ما عندنا منهم لو توفرت لهم شروط استعمالهم المناسب لزال الفرق.

فالعدد منهم كاف إذ إن من تقدم ليس له أكثر منا وخاصة في أوروبا وفي آسيا عند بداية النهوض الحديث. ولما كانت الشروط منعدمة فإن الكثير سيهاجر أو سيموت “بالحمصة” لأن الأراذل هم من يحكم ويفعل ما يريد بالأفاضل منهم.

وقد بينت ذلك عندما تكلمت على الحجوم المتعلقة بالأحياز الخمسة:
• الجغرافي السياسي الذي جعل كل بلد عربي لا يمكن أن يكون دولة بل هو محمية.
• التاريخي السياسي الذي جعل كل بلد عربي تعتبر نخبه أنها ذات تاريخ مختلف عن تاريخ اجوارها.

النتيجة الأولى من هذين الرؤيتين استحالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لضعف الإمكانات: فالدخل القومي لأكبر بلد عربي دون الدخل القومي لأصغر بلد غربي وهم يتحدون ونحن نتناحر.

النتيجة الثانية من الثلاث السابقة هو استحالة التنمية العلمية والتقنية لأن العلوم الحديثة مكلفة جدا إذ هي تتقدم برأسها أي بأعلى ما فيها وهما غزو الفضاء والدفاع.
وأخيرا فإن العرب فقدوا وحدة المرجعية أو رؤية العالم فصاروا في صدام حضاري داخلي ما يحول دونهم وبناء شيء يعتد به.
والله أعلم.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي