لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهدلالة الجواب
لم أذكر إسرائيل وإيران لأن لعبتهما مفضوحة وهي ليست متعلقة مباشرة بالثورة وأحداث الأسبوع الذي سئلت عنه ولا تقتصران على تونس بل تشملان كل البلاد العربية والإسلامية قبل الثورة وبعدها لأن ما يسعيان إليه يتعلق بمعركتين تاريخيتين ملازمتين للإسلام منذ نشأته.
ولما كان السؤال متعلقا بالأحداث والظرفية الحالية اقتصرت على صاحبي الدور المباشر الذي يحدده نوع الدوافع التي حركت عملاء هذين المتدخلين المباشرين في بعدي المعركة الجارية:
افكار الثورة التي هزت عروش نوعي الأنظمة العربية (القبلية والعسكرية)
وفكرة ما يشترطه التحرر من اتمام التحرير
فخلف التحريب الذي صاحب الاحتجاجات التي هي حق مشروع للمواطن الحر دعوتان واضحتا المعالم:
الأولى ضد الثورة ويمثلها عملاء حلف الأنظمة العربية القبلية والعسكرية ضد التحرر أو الثورة المضادة العربية وطبعا فهي بقيادة خلفية لأمريكا وذراعها إسرائيل لبعضها وروسيا وإيران للبعض الآخر.
أما الثانية ففرنسا هي السند للذين جعلوا من تونس ساحة صدام حضارات أو ما يسميه أصحابه نمط المجتمع. فهؤلاء جعلوا الأصل فرعا: فعندهم الإسلامي دخيل وهم أصل البلاد ونمط المجتمع الذي اختاروه هو الذي ينبغي أن يفرض على الجميع بالقوة مواصلة لما يسمى مهمة التحضير العنيف للأنديجان.
فلا أحد ينكر أن الذين يريدون فرض العلمانية على شعب تونس يؤمنون بدكتاتورية اللائكية اليعقوبية أو تنكر سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على الأرواح لفرض رؤيتها للعقائد رغم الزعم بفصل الدين عن الدولة: اللائكية تبشير كاثوليكي عنيف يجعل الدولة تتدخل في عقائد الناس ورؤاهم للعالم.
تلك كانت مهمة الاستعمار المباشر بالحرب على هوية الشعوب وعقائدهم وتراثهم وهي اليوم في عهد الاستعمار غير المباشر مهمة نوابه من النخب المستعمرة ذهنيا والتي تخلط بين الحداثة المستقلة والتحديث المستبد الذي يجعل تونس إلى اليوم فاقدة لشروط السيادة الروحية والمادية بسبب التبعية.
ولم يكن الجمع بين الإمارات وفرنسا صدفة فما يجمع بنيهما هو ما يجمع بين المهمتين: مهمة التصدي للثورة ومهمة التصدي للتحرر الثقافي والحضاري مع ما يستوجبه من التحرير الذي بقي منقوصا. فالثورة بينت أن عمادها الأساسي هو هذا الوعي لدى الشباب بأن تونس لست دولة مستقلة إلا في الظاهر.
وفهم الشباب لهذه الظاهرة جعلهم يدركون أن التحرر مشروط بإتمام التحرير: فمن ليس له سيادة على مكانه وثروته وعلى زمانه وتراثه تصبح هويته ومرجعيته الروحية مهددة من محاربي تحرره وتحريره ومن ثم فطبيعي أن يمول عملاء العرب مشاريع الاستعمار للعرب على التحرر وعلى التحرير في بلاد العرب.
ذلك هو قصدي من الكلام على دور هذين المتدخلين فيما صاحب الاحداث الجارية في تونس -والتي هي طبيعية-من تخريب لا يمكن أن ينسب إلى شباب الثورة بجنسيه: فهو على نوعين. التخريب الذي لا يخلو منه احتجاج في كل المجتمعات (الكسارون) والتخريب الهادف إلى دفع الشعب لتفضيل الموجود على المنشود.
لم يكن وقتي يسمح بأن يكون جوابي دقيقا لذلك تداركت حتى يعلم القارئ أني لم أبسط الأمر عندما اشرت إلى هذين بل اقتصرت على المتدخلين في المعركة ببعديها التحرري (الإمارات) والتحريري (فرنسا) وطبعا فإسرائيل وإيران معركتهما أبعد غورا وهي تتعلق بالإسلام ذاته ودوره في التاريخ الكوني.
ولهما دور مساعد في المعركة الظرفية المتعلقة بثورة العرب (الإمارات) بهوية تونس الحضارية (فرنسا) لأن ذلك يصب في صالح معركتهما الأعمق كما أن هذين يؤديان دورا في معركة ذينك: فمن يحول دون التحرر ومن يحول دون التحرير يسهمان في الحرب على الإسلام لأنه هو أصل المقاومة تحررا وتحريرا.
ومن ثم فمثلما أن تونس كانت بؤرة الشرارة التي تمثلها معركة التحرر (الحرية والكرامة للمواطن) فهي كذلك سبابة الإشارة إلى أن التحرر ممتنع من دون اتمام التحرير. حرب التحرير لم تذهب إلى غايتها لأنها صارت في الحقيقة أخطر من الاستعمار على مقومات الكيان المستقل في كل بلاد العرب.
وما عرفه المغرب من استلاب اصاب هذه المقومات ومكنت الثورة من بيان أنه ناتج عن عدم اكتمال معركة التحرير نراه معكوسا في المشرق: مسعى الانظمة العربية القبلية (تمويلا) والعسكرية (تنفيذا) علته أنهم يسعون بإرادتهم للاستعمار: لا يكتفون بطلب حمايته بل هو يحدد الإسلام الذي يناسبه.
والجامع بين هذين الرؤيتين هو الإعلان الصريح للحلف مع إسرائيل. ولا أحد يصدق أن إسرائيل ستحميهم من إيران لأن مشروعهما واحد: تقاسم الإقليم بوصفهما ذراعي القوتين اللتين تستعدان لنظام العالم الجديد وتحتاجان لمنع عودة الإسلام للتاريخ الكوني ومساهمته في هذا النظام الجديد.
حلف الأنظمة القبلية والعسكرية مع إسرائيل واضح القصد: هو إيقاف ثورة التحرر وما تستوجبه من ثورة اتمام التحرير. وكلاهما يقتضي أمرين:
منع الاستعمار الأمريكي من تحقيق ما فشل فيه الاستعمار الاوروبي للإقليم: ضرب وحدة الامة الروحية.
استعادة قوتي الحضارة الإسلامية المؤسسة والمحافظة.
وهذان الهدفان اللذان اتضحا للشباب بجنسيه بفضل الثورة لا يخطئهما البصر فضلا عن البصيرة: فليس من الصدفة أن يكون الشعب الذي أنشأ دولة الإسلام (العرب) والشعب الذي حافظ عليها إلى الحرب الثانية (الأتراك) في فوهة مدفع كل من ذكرت من أعداء الامة: ضرب العرب والاتراك قوتي حضارة الإسلام.
الاستعمار الأوروبي عامة -والفرنسي والإنجليزي خاصة-سعيا لتحقيق ذلك وفشلا لأن القرن الماضي رغم ما عليه له أن يفخر بأنه مكّن الأمة من البقاء حيّة أولا ومن استعادة عنفوانها ثانيا. ومن استعمر أوروبا بعد أن فقدت مستعمراتها (أمريكا وروسيا) يريد أن يتم المهمة: ضرب سر قوة الحضارة الإسلامية.
وتلك هي مهمة أمريكا وروسيا وذراعيهما إسرائيل وإيران وعملاؤهم من الانظمة العربية القبلية والعسكرية وطباليهم من النخب العميلة: الحرب على شروط التحرر وشروط التحرير. تلكما هما المعركتان اللتان يخوضهما شباب الأمة والنصر آت لا ريب فيه لأن ثورتهم كشفت لهم الداء ومكنتهم من الدواء.