دعوة لوحدة وطنية – أم جبهة إنقاذ جديدة متنكرة؟



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تمهيد:

لما دعاني رئيس الدولة بعد رسالتي المفتوحة السابقة وسمعت إليه مدة ساعة ونصف طُلب مني عند الخروج التصريح بشيء (للتلفزة الوطنية أو للإذاعة لم أحدد هوية الطالب) فلم أقبل وقلت الدعوة كانت شخصية والمجالس بالأمانات وإذا كان هو يريد جعلها علنية فله أن يفعل لأنه هو صاحب الدعوة.

لماذا ذكرت بذلك؟
لأني فعلا -وكما هو بين من تعليقاتي السابقة على التارزي الروماني- لا أطمئن كثيرا لما وراء ما يعلن الأستاذ باجي قائد السبسي.
فما يبطن باعتباره سياسيا محنكا ليس بالضرورة ما يظهر وأفهم ذلك لأن السياسة أساسها الخداع خاصة عندما يكون صاحبها في موقع ضعف بعد أن تأكد للجميع أن “ظهر البهيم وفا” ولم يبق مفر من مصارحة الشعب بأن الأمر يقتضي وقفة صادقة وحقيقية لحلول لا يمكن استمدادها من العودة إلى الماضي حتى لو أعدنا تمثال حنبعل:

المصالحة مع الذات هي الأساس وليس فرض وصاية أقلية على الشعب كله باسم النموذج التونسي اي عادات بعض المنبتين ومقلديهم ممن نسوا أصلهم وجلهم من المناطق المحرومة ظنوا أنفسهم قد تبرجزوا.

وبينت الأيام أن ما تكلمنا فيه -بعد الاستماع إلى سردية أيام الشخص ومنجزاته- لم يثمر شيئا.
فما يمكن أن يفيد تجاوز المناورات السياسية وتأسيس المعالم التي تمتن أركان الدول ولا تركز على الأشخاص بل على الرموز لم يحصل منه شيء.
فما يحقق الصلح مع الذات ومع التاريخ لئلا يبقى الشعب في حرب أهلية روحية بدعوى تمثيل جبهة ديموقراطية وحداثية بعقلية فاشيات القرن العشرين المبنية على إيديولوجيات القرن التاسع عشر كان “كلاما مطلي بالزبدة” طلعت الشمس فذاب.

دواعي التوجس

وقد برهنت المراحل الأربع التي طبعت سلوكه السياسي بعد الثورة على صحة توجسي:

  1. فقد دُعي للحكومة بعد فشل حكومتي الغنوشي و حرص على وضع ما يمكن وصفه خططا تقيد كل حكومة تلي حكومته بالإختيارات التي فرضها
  2. ثم في معركة جبهة الانقاذ الأولى -كان أول من بارك شراء النواب ليصبح له وجود في مجلس لم يشارك بحزب في انتخابه-
  3. ثم بعد انتخابه تفجر حزبه فكون الحكومة الرباعية دون اعتبار للتوافق السليم
  4. ثم الآن في هذه الدعوة العجيبة التي أريد فهم مغزاها ومعناها.

لكن المحافظة على القليل الذي حققته الثورة وخاصة المناخ الديموقراطي و النصوص التأسيسية للجمهورية الثانية اقتضت أنه من الحكمة ألا ندخل في مغامرات قد تفسد كل شيء.
ولما كان العمل السياسي ينطلق دائما من الموجود فيختار أخف الضررين كنت ولازلت أعتقد أنه أفضل اختيار للمرحلة وخاصة لاعتبارات السن بهدف وضع الرستوراسيون في امتحان سريع يحد من تواصلها الطويل.

المبادرة العجيبة

لم يسبقها إعداد يفهم مضمونها و توقيتها.
فقد قال الرئيس في حواره المتلفز الأخير إنه تشاور في الأمر مع الكثير ولم يجد اعتراضا حول فكرته أو على الأقل حول الأولويات التي يعتبرها برنامج ما سماه حكومة الوحدة الوطنية.
لكن الجميع ممن لهم اعتبار في دعوته أعلنوا أنهم لم يعلموا بالأمر إلا من خلال حواره التلفزي.

وسبق أن قلت لما عين الحكومة الأولى ثم الثانية بقيادة السيد الصيد أن هذا عمل تارزي لا يريد تحمل المسؤولية لا على الفصالة ولا على الخياطة (كلمتي في المركز الدبلوماسي بعيد تكوين الحكومة الحالية):
فلا هي حكومة الحزب الأغلبي ولا هي حكومة شراكة حقيقية مع النهضة ولا هي خاصة حكومة وحدة وطنية رغم محاولة ترضية اليسار بإدماج بعض رموزه حتى صار بيدهم الحل والعقد رغم أن وجودهم السياسي هامشي إلى حد كبير إذا ما استثنينا الحضور الإعلامي والتشويش الشارعي.

لكن إذا وصلنا كل ذلك بهذه الدعوة مع ضم الاتحادين فهمنا أن الأمر ليس دعوة لوحدة وطنية بل هو لخلط الأوراق والهروب من المسؤولية وهو في الحقيقة جبهة إنقاذ بأسلوب جديد أعني تقريبا ما قلت إني “اشم فيه رائحة الغدر”.

الخلط بين السياسي والمدني

لا شك أن الاتحادين لم ينتظرا هذه الدعوة ليكونا غارقين في السياسي ومتجاوزين لدورهما النقابي.
لكن الفصل بين المجالين تحقق منذ الثورة لأن الأحزاب التي حكمت لم يكن لها وجود يذكر في الاتحادين.
وكان ذلك مفيدا لانه حررنا من الخلط بين المجالين الذي كان مفهوما في نظام فاشي تقدم خلال مراحل ما قبل الثورة.

وما تصورنا أنفسنا قد تجاوزناه بوضع نظام الجمهورية الثانية يراد العودة إليه باسم الوحدة الوطنية المزعومة.
لذلك فهذه الدعوة ليس الهدف منها تحقيق الوحدة الوطنية. فمشاركة الاتحادين في الحكم لن تمنع المطالب النقابية بل هي ستقضي على التوازن بين السياسي والنقابي وستجعل النقابي مسيطرا عليهما معا فيكون الطالب والمطلوب:
فنعود إلى فاشية من جنس ما حصل بضم الحبيب عاشور لقيادة الحزب الحاكم سابقا: الديوان السياسي.
ونعلم ما كان مآل ذلك من طموح في أخذ الحكم وأحداث 78.

ما القصد إذن؟
فهل النية هي:
الاستقواء بالاتحادين على منافس بيّن تماما كما حدث في بداية القطيعة مع الخط التوافقي للحزب الدستوري خلال مفاوضات الاستقلال والمعركة التي حسمت بدور الاتحاد ومساعدة فرنسا؟

الدوافع المحتملة

ما الدافع؟
هل هو الخوف من أن يكون انفراط عقد الحزب الحاكم قد بلغ حدا بات أهله عاجزين عن تحقيق ما سعى إليه السيد السبسي بجبهة الانقاذ الأولى ففكر في جبهة انقاذ ثانية ولكن هذه المرة بالاعتماد على نفس التقنية المستمدة من الماضي لأن من هو في هذا العمر عادة ما لا يتزود إلا من الماضي كما يبين ذلك إعادة تمثال رجل كان من الأفضل احترامه ميتا بعد العبث به حيا:
فإعادة تمثاله قد تؤول إلى جعل التمثال عرضة لما حدث لتماثيل كل الدكتاتوريين عندما تصل الثورة إلى أوجها.

الوحدة الوطنية التي تنقذ البلاد

إذا كان الرئيس يفكر حقا في وحدة وطنية فالواجب أولا أن تكون بين القوى السياسية وأن تستثنى منها القوى المدنية لتبقى عامل تعديل واقتراح نقدي حتى لا نقع في الكليانية باسم وحدة مغشوشة:
فالوحدة الوطنية ينبغي أن تكون معبرة عن إرادة الجماعة ممثلة بنوابها الذين انتخبوا لهذه المهمة.
أما الاتحادان فمن فيه لم ينتخب لهذه المهمة بل للدفاع عن مصالح فئوية ولا يمكنه أن يكون ممثلا للإرادة الجماعية الشاملة لكل الشأن العام.

إذا كان الرئيس يفكر حقا في وحدة وطنية فينبغي أن تتكون الحكومة بحسب الأوزان الفعلية لتمثيل الإرادة الشعبية وليس بعقلية التفضل على الإسلاميين لكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية:
ينبغي أن يكون هو أول من يسعى حقا للمصالحة العميقة بين التونسيين لتجاوز الميز العنصري ضد من يرى الشعب رؤية أكثر ملاءمة لتاريخه الروحي والحضاري.
فهذا هو الصلح الحقيقي وليس فتح الباب لتواصل الفساد باسم الحاجة إلى تحريك الاستثمار:
فلو كان من يراد العفو عنهم برجوازية وطنية حقيقية لما بلغ بهم الحد إلى إيصال البلاد إلى الإفلاس شبه التام ونهب ثرواتها وتهديم جهاز تمويل الاستمثار بالقروض غير المسددة.

إذا كان الرئيس يفكر حقا في الوحدة الوطنية فلا ينبغي أن يبقى الناطق الرسمي باسم من يتصورون أنفسهم أوصياء على الشعب التونسي وأصحاب الحق في إعطاء شهادة التونسة لغيرهم لكأن ما يسمونه بنموذج المجتمع التونسي هو ما ورثوه هم في أسرهم وطبقتهم من عادات المستعمر وليس ما ورثه الشعب التونسي من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال من عادات أجداده وآبائه ومن القيم التي يؤمن بها ويراد نزعها منه اتباعا لنزوات بعض المنبتين من العائشين على إيديولوجيات شبعت موتا عند أصحابها ولم تبق إلا عند من أفعالهم تناقضها ولا يطابقها إلا قولهم الدال على سخافتهم وعقم فكرهم وانتهازيتهم.

أظن أن التارزي بدأ يخلط بين “الغرز” لأن البلاد تحتاج إلى المشروعات الصادقة لا إلى المناورات الفاشلة فالشعب التونسي لم يعد يفكر مثل “خروتشوف”:
الرئيس يذكر قصته دون شك لأنه رواها يوم عين رئيس حكومة بعد الثورة وذكر لي أنه لم ينسها وتأويلها في متناول القارئ.



يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي