لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
مقدمة
ختمنا الدرس السابق بالإشارة إلى مسألتين ينبغي الكلام عليهما تمهيدا لاستكمال البحث في فلسفة الدين من منطلقات إسلامية
- الأولى: كيف نقوم راهن فلسفة الدين في الدراسات الاسلامية؟
- والثانية: وكيف نستشرف مستقبل دراسات فلسفة الدين في بلادنا؟
إن الجواب عن السؤالين في وجههما الخاص بفلسفة الدين عند المسلمين يتفرع إلى مسألتين أهميتهما أنهما لا تقتصران على علاج أدواء الحضارة العربية الإسلامية فحسب بل هما تدوران حول أهم قضية في الثيولوجيا المسيحية التي تسيطر على فلسفة الدين المعاصرة والتي كان الدخول إليها من الثيولوجيا فصار من الأنثروبولوجيا بعد أن تمسح الفكر الغربي كله علم كلام ناسوتي:
- المسألة الأولى: كلمة الله
- المسألة الثانية: منزلة الإنسان الوجودية
وهما مسألتان متمايزتان في الكلام الإسلامي. لكنهما تعتبران مسألة واحدة في الثيولوجيا المسيحية للزعم بأن المسيح هو ابن الله.
وحتى نتجنب متاهات تأويل كل الفلسفة الحديثة بمجرد ترجمة خطاب الثيولوجيا بمفردات خطاب الأنثروبولوجيا كما هو شأن الفكر الديني المسيحي مع تكرار نفس المسائل والحلول بمجرد وضع الإنسان في الخطاب في الخانة التي كان يشغلها الله سنعالج المسألة من منظور آخر.
ولما كنا نريد أن نتحرر من علم الكلام بكل أصنافه فسنعالج مسائل فلسفة الدين متحررين من الحكم المسبق الساعي إلى الإبقاء عليه في شكل جديد بمجرد إخفاء العلاقة بين قضايا ما يسمى بعلم الكلام القديم وقضايا ما صار يسمى بعلم الكلام الجديد لرفضنا استبدالها بما يسمى بعلم الكلام الجديد لأنه ليس جديدا فضلا عن أن التجديد لا يقع من دون الشرطين التاليين إلا إذا كان مجرد تغيير في الأسماء:
- الأول هو أن عملية تجاوز الكلام الثاني للكلام الأول لا تكون بمجرد القطع والتناسي بل لا بد من بيان كيفية الانتقال ببيان أسلوب العلاج الجديد لما اعتبر الكلام القديم قد فشل في علاجه.
- والثاني أنه لا بد من النقلة المفهومة من حال كان عليها الفكر إلى حال أخرى آل إليها بمقتضى ما أدرك من الحال السابقة وما اكتشف فيها من موجهات موجبة أو سالبة توصل إليها.
ذلك أن جل قضايا علم الكلام الإسلامية يمكن إرجاع ما استعوص منها إلى تأويل الرموز القرآنية فضلا عن سوئه الناتج عن العجلة في تحليل خصائص اللسان العربي عامة والأسلوب القرآني خاصة. كما أن جل قضايا الكلام المسمى جديدا مصدرها سوء فهم الأمر الذي يجعل الأزمة الإسلامية الفكرية والحضارية والوجودية الحالية تمثل لأعماق الأزمة البشرية في عصرنا بحيث إن مصير العالم كله رهين علاج بؤرتي الثورة الإسلامية لصلة ذلك كله بالثورة القرآنية التي أفسد شروط فهمها الخطاب الكلامي:
- بؤرة تحرير البشرية من التحريف وأهم عناصرها نظرية الله الذي حل في الإنسان
- وبؤرة تحريرها من الطاغوت وأهم عناصرها نظرية تعين هذا الحلول في التاريخ من حيث هو تاريخ الروح.
لذلك فنحن نرى أن ما تصوره هيجل نجاحا في عملية الإصلاح المسيحي ليس إلا إطلاقا للتحريف والطاغوت اللذين حاولت الثورة القرآنية تحرير البشرية منهما وأجهضها الكلام ثم استؤنفت في الفكر الغربي الحديث: وذانك هما وجها العولمة الحالية.
فما يعتبره هيجل فشلا في عملية الإصلاح الإسلامي هو الذي سيستأنف التاريخ الكوني ليحرره فعلا وليس فقط قولا من التحريف والطاغوت. وتلك هي مهمة ما يمكن أن يسمى الاستئناف الفعلي للثورة القرآنية وهو إن أردنا المحافظة على اسم الكلام عين الكلام القرآني المتحرر من علم الكلام قديما كان أو جديدا.
ولكي نثبت ذلك سنتكفي بعلاج قضيتين عويصتين في ما يسمى بالكلام الجديد نقدم عليهما قضيتين أكثر عواصة مما يسمى بالكلام القديم كانت ثانيتهما سبب المحنة الثانية في تاريخ حضارتنا محنة إحكام الاستبداد بالسلطتين باسم العقل في الجدل الكلامي للمفاضلة بين التأويلات قصدت: قضية خلق القرآن أو قدمه.
وكانت أولاهما سبب المحنة الأولى التي أوجدت الاستبدادين عند المسلمين باسم النقل قصدت: قضية توريث الخلافة.
فأصبحت الدولة باسم النقل “أو- و” باسم العقل ثانيا ثم باسمهما معا جهازا جهنميا يواصل الدولة الساسانية والدولة البيزنطية اللتين ثار عليهما الإسلام لجمعهما بين سلطة روحية تتحكم في حرية الفكر والاجتهاد وسلطة زمانية تتحكم في حرية الإرادة والجهاد.
فأما مسألتا الكلام الجديد اللتان نؤخرهما فهما:
- أثر منزلة الإسلام من تاريخ الأديان في منظورنا الديني الحالي
- وأثر منزلة الحضارة الإسلامية من التاريخ الحضاري البشري في منظورنا التاريخي الحالي.
وبين لكل من يحسن تحليل المعاني أن مسألتي الكلام القديم هما أصل مسألتي الكلام الجديد رغم ما يبدو من تباعد بين الأمرين. فطبيعة كلام الله ومنزلة الإنسان الوجودية هما اللتان بمناسبتهما في تاريخنا الفكري والسياسي وقعت المحنتان: تأسيس الاستبداد نقلا من منطلق علاج مسألة القضاء والقدر أي مسألة اختيارية الإنسان أو جبريته وتأسيسه عقلا من منطلق علاج مسألة قدم القرآن أو خلقه.
لكن مسألة منزلة الإنسان في صلتها بالقضاء والقدر (قضية كلام قديم) ليست مقصورة على الوجه الذي يبدو خاصا بتاريخ المسلمين بل هي تحدد منظور الإسلام الديني بإطلاق في علاقته بالأديان الأخرى جميعا وخاصة بالمسيحية لانها سلبا تحدد تنافيه مع تحريف العقيدة أو مع سلطان الباطل الوجودي بتأليه الإنسان كيانا تأليها تكون الحقيقة بمقتضاه نسبية إليه من خلال التجسد الخَلقي (كلام جديد). ومسألة كلام الله (كلام قديم) ليست مقصورة على الوجه الذي يبدو خاصا بتاريخ المسلمين بل هي تحدد منظور الإسلام لعلاقة الحق بالتاريخ وتحدد بالتالي تنافيه مع تحريف الشريعة أو مع سلطان الباطل القيمي بتأليه الإنسان معيارا تأليها يكون الحق بمقتضاه نسبيا إليه من خلال التجسد الأمري (سلطان الظلم: قضيةكلام جديد)1.
والمعلوم أن الأمرين (كلمة الله ومنزلة الإنسان) موضوع واحد في الفكر المسيحي لكنهما أمران مختلفان في الفكر الإسلامي2. فعلاج أولاهما مرتبط بعلاج الاستبداد الزماني أو اغتصاب السلطة التنفيدية في مجال كل القيم الذوقية والرزقية والنظرية والعملية والوجودية. وعلاج ثانيتهما مرتبط بعلاج الاستبداد الروحاني أو اغتصاب السلطة التشريعية في مجال كل القيم.
فتكون المسائل أربعا الأوليان من الكلام القديم والأخيرتان من الكلام الجديد: 1- منزلة الإنسان الوجودية 2- ثم كلام الله 3- ثم التحريف أو سلطان الباطل 4- ثم الطاغوت أو سلطان الظلم. وكلاهما ضديد الحق بمعنى الحقيقة وبمعنى الحقوق 5- وتتحد هذه المسائل جميعا في العلاقة البينة بين الآية 255 و256 من سورة البقرة.
فآية الكرسي (البقرة 255) تعالج مسألتي الكلام القديم من المنظور الإسلامي وهي مسألة واحدة من المنظور المسيحي. وآية تبين الرشد من الغي (البقرة 256) تعالج مسألتي الكلام الجديد أو التحريف والطاغوت.
لكن مسألتي الفرع أو الكلام الموسوم بالكلام الجديد (مسألة التحريف الخَلقي أو الوجودي ومسألة التحريف الأمري أو المعياري) غير قابلتين للفصل عن المسألتين الأصل مسألتي الكلام الموسوم بالكلام القديم (مسألة خلق آدم واستخلافة رمزا لمنزلة الإنسان الوجودية ومسألة كلام الله حدوثا وقدما) .
لذلك فسنعالج الكلامين معا: في مسألتين أصلها قديم وفرعها جديد.
المسألة الاولى:
ويرمز إليها في القرآن الكريم خلق آدم واستخلافه منزلةً للإنسان. ونتيجتها الأساسية هي قضية شروط تعالي الحقيقة على علم الإنسان. ويهدف علاجها القرآني إلى تحرير البشرية كلها وليس المسلمين وحدهم بالتصدي إلى التحريف الوجودي أو الخَلقي بلغة علم الكلام3. وبكلمة واحدة: كيف تكون الحقيقة متعالية على علم الإنسان فلا تكون خاضعة لتحكم عقله؟
ولنشرح هنا دلالات رمز خلق آدم كما يصوغه القرآن الكريم.
فكل من يقول إن الإنسان مؤلف من جوهرين ينبغي أن يعتبر النفخ الإلهي جزءا من جوهر الإله حل في الإنسان. فيكون قائلا بحلول بعض الله في آدم. وينتج عن ذلك ضرورة القول بأن جوهر العبادة هي السعي إلى الفصل بين الجزء الرفيع من الذات البشرية والجزء الوضيع منها وهو معنى المقابلة بين الروح والجسد ومعنى الفهم الصوفي للفناء والتنكر للبدن والدنيا. أو عند النقلة من الكلام القديم إلى الكلام الحديث يصبح الله قد تنازل فصار إنسانا ليرفع الإنسان الذي تأله بفضل ذلك.
- والتصور الأول يفهمنا مقصود كلام المتصوفة الذين يسعون إلى قتل الجسد ويتكلمون على فتوة إبليس الذي لم يرفض السجود حسب رأيهم عصيانا بل تمحيضا للسجود لله وحده وبصورة أدق رفضا للسجود لما في الإنسان من جزء وضيع ذكره عند المقابلة بين النار والتراب.
- والتصور الثاني يفهمنا كل التخريف عن تقديس الإنسان في الثقافة الغربية دون ملاحظة أن هذا التقديس مشروط بأن يكون الإنسان غربيا !كما يفهم طغيانه لإفساد العالم كله من أجل سد حاجاته بل وكمالياته فينتقل من راعي العالم في القرآن إلى مفسده في هذه الإيديولوجية التي آل إليها التصور المسيحي وخاصة في فلسفة التاريخ الهيجلية التي هي عين فلسفة الرأسمالية وخاصة ذروتها الهدامة أو العولمة.
وطبعا فهذا كله من سوء التأويل. فالنفخ من الروح ليس نقلا لجزء من جوهر الله وإحلاله في التراب بحيث يبقى التراب ترابا ويبقى الألهي إلاهيا وكأنه سجين التراب فيستدعي التخليص بالرياضة الصوفية (وبدور المسيح المنجي والمهدي المنتظر) بل هو رمز لفعل بث الحياة المبينة التي اختص بها آدم في التراب: وإلا لكان خلق الله عيسى من جنس تناسل الطيور الداجنة إذ ينفخ الديك في فرج الدجاجة فساءً!
لكن القرآن يعتبر ما حصل من فعل النفخ فعلا يقلب الجوهر الترابي إلى الآدمية التي لم تبق ترابا بل أصبحت جوهرا ثانيا تماما كما يحصل من عملية تحويل أحد العناصر الطبيعية إلى عنصر آخر في ما نقوم به صناعيا عند التدخل في البنية الذرية للمادة دون أن يصبح الحاصل من التحويل مؤلفا من مادتين هما فعل التحويل والمادة المحولة. كما أن تكريم آدم لا يعني أنه صار ربا للكون يفعل فيه ما يريد.
فخلقه ليس متميزا عن خلق غيره من الموجودات. ومعنى ذلك أن رمز النفخ يصح على كل الموجودات على مقدار ما تحتاج إليه من ملكات. وعند الله لا فرق بين البشر والحجر إلا بقدر ما يطابق كلا المخلوقين ما أعد له. فيكون المتأله من البشر ما ينحط على ما أعد له وتكون الحرية مشروطة بالشر كما يتصور شيلنج ويكون مكرم آدم الشيطان الذي هو مصدر العصيان رمز الحرية لا الرحمن الذي هو مصدر الإيمان رمز التقوى4.
لكن القرآن يعتبر هذا التميز بالشر علة مآله إلى حطب جهنم لأن كل الموجودات تأتي الله طوعا أو كرها: أي إنه لا يمكن لأي موجود أن يخرج عما أعد له دون أن يعني ذلك أنه ليس حرا في حدود ما يحول دونه وتخطي مفطوريته. فلايكون الانسان حتى بالانحراف عن فطرته اي بالسقوط فضلا عن السمو !
لذلك ربط الله التكريم بالتقوى. فهي شرط الكسب أو جهد التوجه إلى القيم (لها ما كسبت) وعكسها الاكتساب أو ارتخاء الاخلاد إلى الدنيا (وعليها ما اكتسبت).
ليس الخلق كما آل إليه أمر تصوره الذي نتجت عنه هاتان القراءتان المحرفتان بتأثير من فلسفة الهيولومورفية (=تصوير المواد في النظرة الصناعوية نموذجا تفسيريا لتكون الظاهرات الطبيعية) حيث تكون الصورة من جنس صورة الصناعة تضاف إلى مادة بل هو تصوير وجودي إن صحت هذه التسمية ينتح عنه تحول جوهري في المخلوق فيكون الحاصل بعدها جوهرا موحدا لا يمكن أن نميز فيه بين مادة وصورة: لذلك كان البعث في المنظور الإسلامي بعثا للكائن كله بجسده وروحه.
ومعنى ذلك أن فعل النفخ -ونحن نعيد النظر في تأويل رمز ولا ندعي قول الحقيقة إذ إن طبيعة الخلق من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله- ليس إضافة صورة إلى مادة أو جوهر إلى جوهر بل هو تحريك إيجادي لتفاعل ذاتي لمادة هي بدورها مخلوقة.
وفعل التحريك يحولها من تراب إلى آدم مثل ما نفعل عند تحويل أي مادة إلى طاقة. وطبعا فالصلصال الذي نفخ فيه هو بدوره سابق الخلق بعملية أخرى جعلته صلصالا وهكذا دواليك عودة إلى الشيء العدم الذي أمره الله بكن فكان.
لذلك فالإنسان جوهر واحد يحيا بجسده ونفسه اللذين يشتركان في الترابية وما النفخية إلا فعل التصوير الإيجادي وليست جزءا ماديا من كيان الإنسان والإنسان لا يبعث إلا بمادته المصورة حتى وإن كانت المادة والصورة تمران بفترات انفصال مؤقتة كما ينص على ذلك القرآن الكريم نصا صريحا يغني عن كل تأويل لأن أثر التصوير الإلهي في الإنسان لا يمكن أن يكون مصدر الشرور التي تطرأ في حياة الإنسان: ثم إن الروح نفسها جزء مادي صوره النفخ وهي ضرب وجود للذات البشرية الواحدة وليست جزءا منها كما أنها ليست كما يتصور صاحب الورقاء جزءا من الذات الإلهية هبطت من المحل الأرفع لتحل في المحل الأوضع أو الجسد. أما التمنع والتدلل فهما من بقايا وسواس ابليس رفضا للسجود أمام من صور من تراب!
والاعتراض الممكن الذي هو في نفس الوقت عين علاقة المسألة الأولى (منزلة الإنسان رمزا إليها بآدم) بالمسألة الثانية (مسألة كلام الله) هو: كيف يخاطب المعدوم فيؤمر بكن ؟
فلننس -قبل الجواب- المسألة اللاهوتية ولننظر في أفعالنا نحن المتناهين. ألسنا نميز بين الصانع والمبدع؟ فبم نميز بينهما؟ أليس الأول يصور مادة بصورة والصورة والمادة كلتاهما عنده متقدمتا الوجود على صناعته وعلى مصنوعه فيكون عمله الجمع بين الأمرين ؟ أما الثاني فهو الذي يتقدم على الصانع فيبدع له الصورة تسليما بأن المادة لا يبدعها أحد؟
إذا نفينا ذلك سنكون كمن يقول إن الحضارة كلها مثل الطبيعة -تسليما جدليا بأن الطبيعة متكررة ولا تتجدد- ليست قد كانت بعد أن لم تكن بل هي دائمة الوجود على الحال التي هي عليها فلم تتجدد. فلننف كل تطور حضاري إذن !
ولنعد الآن إلى الخلق عن عدم الذي ننسبه إلى الله تقديسا ولا نجد له أصلا في القرآن الكريم عند الكلام على خلق العالم5: الخلق عن عدم يخص الأعيان وليس كل الكيان لأن الله يقول إنه خلق الإنسان ولم يك شيئا ولم يقل إنه خلق العالم ولم يك شيئا بل هو خلقه من دخان وكان كرسه على الماء.
ما نتصور بعضه ممكنا للإنسان المبدع لم لا يكون كله ممكنا للخالق وكل العلوم الآن باتت تهزأ بالنظرية القائلة بقدم العالم (بالعدد وبالنوع) وتسخر من ثبات الجواهر ؟
العدم المأمور هو عدم الوجود. ومثله ممكن وقابل للخطاب حتى عند البشر. فلما ينظر المرء في بيته فيرى ما فيها يرى ما ليس فيها من منظور ما يزيدها كمالا دون تحديد: مثال الكمال يقتضي ضرورة العدم الذي يمكن أن يكتمل بالاشرئباب إليه.
وإذن فالله يرى عدم الموجود دون تعيين أي إنه يرى الوظيفة التي ينبغي أن يوجد لها ما يحققها فيكون الأمر كن موجها للعدم ليصبح موجودا معينا يقوم بتلك الوظيفة.
ثم أليس الشيء في العربية هو ما يُشاء (بضم الياء) ومن ثم فهو ليس تعبيرا عن موجود خارج المشيئة قبل تشيئته خاصة إذا فهمنا الكلمة كما هي في الأصل أي مصدر فعل شاء؟
ولما كانت الوظائف تتحدد بالقياس إلى المتعاليات وكانت المتعاليات الأعلى هي صفات الله كان علم الله بذاته ونظره إلى صفاته علة خلقة من العدم لما يقوم بالوظائف التي تحقق الكمالات الناتجة عن إسقاط الصفات على العدم المأمور بكن (بالمعنى الهندسي للإسقاط). إذا كان نظير ذلك كذلك بالنسبة إلى الإنسان فما بالك بالنسبة إلى الخالق؟
وفي كل الأحوال فلسنا نقول إن الأمر هو كما نصف بل نقول إن مثله ليس مستحيلا عقلا6. وإذن فهو يمكن أن يكون هكذا أو نحوه. وليس هذا من الكلام القديم فحسب لأننا سنرى أن الكلام المزعوم جديدا لا يزال دائرا حول نفس القضية في ترجمة انثروبولوجية. والفرق الوحيد هو أن هذه النسخة أقرب إلى الذهن العامي من ذلك الأصل الذي لا ينفذ إليه الجمهور. فلو نفينا في الترجمة الانثروبولوجية خلق الجديد لنفينا التجديد ولو قلنا بالأصل القديم المطلق لادعينا ما ينفيه العلم كله: العالم محدث بحسب كل النظريات الكوسمولوجية لانه ذو سن قابلة للتحديد.
الهوامش
-1- الكلام المسيحي لا يميز بين المسألتين المتميزتين في الكلام الإسلامي لأنهما تعودان إلى مسألة واحدة هي مسألة التثليث. لذلك فهم لا يرون نوعي التحريف العقدي والشرعي أو التأليه الوجودي (طبيعة الإنسان وينتج عنه نسبة معايير العلم إليه ) والتأليه القيمي (تشريع الإنسان وينتج عنه نسبة معايير العمل إليه. ونحن نعتذر للقارئ غير المختص لاستعمالنا مصطلحات خرجت من التداول العادي لموت التقاليد التعليمية الفنية في مؤسساتنا الجامعية ذات التحديث الطلائي.
-2- وهذا هو أصل الصراع العقدي بفروعه الخمسة بين الإسلام والمسيحية. والغربيون فيها جميعا مسيحيون إلى الأذقان وخاصة من كان منهم علمانيا كما نبين وكما يمكن أن ندعم ذلك بشهادة هيدجر الذي يفهم حضارة الغرب أفضل من أي مسلم مهما كان متشربا للحضارة الغربية ( انظر هذه الشهادة في كتابنا الشعر المطلق): 1- منزلة كلام الله 2- ومنزلة الإنسان 3- وأثر المنزلة الأولى في المنزلة الثاني أو منزلة المتعاليات في التاريخ 4- وأثر المنزلة الثانية في المنزلة الأولى أو أثر التاريخ في المتعاليات 5- وأخيرا أصل كل هذه المسائل هو الصراع بين التوحيد المسيحي بين كلمة الله والإنسان ( وهو جوهر التحريف كما هو بين من سورة آل عمران) والتمييز الإسلامي بينهما. فالإنسان ليس كلمة الله بل بعض المخاطب بها خلال توجهها إلى كل الكائنات.
-3- وفيه إحالة إلى خلق عيسى بأسلوب داحض لان القرآن اعتبر خلق عيسى من جنس خلق آدم ودونه إعجازا لانعدام الجنسين في آدم ووجود أحدهما في عيسى. فلا بد أن يكون النفخ في التراب لخلق آدم أكبر أثرا من النفخ في فرج مريم لخلق عيسى. ومعنى ذلك أن الله لو كان أبا لأحد لكان الأولى أن يكون أبا لآدم. ثم إن الحاجة إلى الشفيع من الخطيئة منعدمة من منظور الإسلام لأن الخطيئة جبت بعد أن تاب آدم وعفا الله عنه ثم اجتباه. لذلك فرسالة عيسى جعلوها تحريفا لرسالة آدم: آدم برأ الجنس وأغنى الناس عن الشفيع وعيسى صيروه محرما الجنس على حوارييه ومعيد الحاجة إلى الشفيع.
-4- انظر شيلنج F.W.J. Schelling, Ueber das Wesen der menschlichen Freiheit, Saemmlichen Werke, hg. v. K.F. A. Schelling, Bd. VII, Stuttgart/Augsburg 1960 s. 331-416
-5- نقول هذا لنحسم المعركة الزائفة بين القائلين بالحدوث المطلق والقائلين بالقدم النوعي للعالم. فالقرآن يقول بالقدم النوعي للقرآن وبالحدوث المطلق للأعيان. والآيات الصريحة في ذلك تتعلق بخلق العالم كيف كان وبخلق الإنسان كيف يذكر الله به الإنسان. ومن يجادل في ذلك يؤول ليثبت الحدوث المطلق باسم تنزيه الله من أن يكون له شريك في القدم. والقرآن لم يفعل ونحن لسنا أكثر معرفة بالله من نفسه: ومن يحاول أن يثبت عكس ذلك يكذب القرآن باسم التنزيه تماما كما رفض إبليس السجود باسم رفض الشرك. ونحن هنا نقدم حجة أساسية للقائلين الخلق عن عدم ضد نفاته رغم عدم قولنا به دون أن نكون من نفاة إمكانه ولذلك فنحن نبين أنه ممكن عقلا لكن الله لم يقل في كلامه العزيز إنه فعله.
-6- وهو كلام على كل حال لا يقدم ولا يؤخر في معرفة الحقيقة إذ كله ترجيح عقلي بلا مرجح يمكن من الحسم في المفاضلة بين الافتراضات العقلية. لذلك كانت الخلافات بين الفرق الكلامية بل وحتى في نفس الفرقة غير قابلة للحسم.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/