دروس في فلسفة الدين د 03 من 35 – مفهوم فلسفة الدين و نبذة عن تاريخ الإختصاص 02 من 02

دروس في فلسفة الدين د 03 من 35 – مفهوم فلسفة الدين و نبذة عن تاريخ الإختصاص 02 من 02 – أبو يعرب المرزوقي

المسار الثاني: منطق تطور الفكر الفلسفي
إذا كان تطور الفكر الديني الذي آل إلى ما وصفنا (مراجعة العقيدة أو الفلسفة النظرية الضمنية التي أدت إلى فساد الشريعة أو الفلسفة العملية ) قد تعلق بأمرين هما مراجعة طبيعة النظر وما يترتب عليه في العمل الفعلي متحققا في نظام السلطان الروحاني والزماني فإن ما حصل في الفكر الفلسفي آل إلى نفس المآل من الاتجاه المقابل (مراجعة الفلسفة العملية أو الشريعة الضمنية التي أدت إلى فساد الفلسفة النظرية أو العقيدة).
وقد تعلق بأمرين هما مراجعة طبيعة العمل وما يترتب عليه في النظر الفعلي متحققا في نظام السلطان الزماني والروحاني. وبذلك يتطابق المساران التطوريان في الفكر البشري فيصبح التلازم بين النظر والعمل فلسفيا وبين العقيدة والشريعة دينيا شرط كل تلازم بين فلسفة الدنيا وفلسفة الدين.
فكيف تطور الفكر الفلسفي ليؤول إلى هذا المآل أي كيف راجعت الفلسفة النظرية علاقتها بالفلسفة العملية التي أفسدت منظورها النظري في مستويي التجربة الوجدانية ممثلة بالتصوف خاصة والتجربة الخلقية ممثلة بالسياسة خاصة ؟ ولا بد للجواب عن هذا السؤال من النظر إلى مستوييه (الجواب موجز لأن الدرس يتعلق بفلسفة الدين وليس بالفلسفة):
مستويا مراجعة الفلسفة النظرية لعلاقتها بالفلسفة العملية
فأما المستوى الأول فيتعلق بتطور الفكر الفلسفي في صلته بالفكر الديني. وهو يسير التحديد فضلا عن كوننا إلى حد الآن لم يدر كلامنا إلا عليه. والحصيلة الحاسمة في هذا المستوى هي أن مدخل الفكر الفلسفي إلى كل موضوعاته أصبح جنيس مدخل الفكر الديني إليها. لم يعد الفكر الفلسفي يبني نظرياته الشاملة على تحليلات الطبيعة ومابعدها بل بات يبنيها على تأويلات التاريخ وما بعده.
أما المستوى الثاني فهو جوهر الإشكال في الفكر الإنساني الحالي الذي أفسده المستوى الأول بما أصاب المسيطر منه من بتر ناتج عن مكبوتاته. ولنقل إنه يتعلق بالظاهرات التي أوجدت الفكرين أولا ثم جعلتهما يتلاقيان لقاء صدام ولقاء تعاون بسبب المشترك بينهما من أغراض في التنافس بين البشر على القيم بأصنافها الخمسة في العمران البشري التنافس الذي أحدث المؤسسات المنظمة لهذا التنافس ومنها مؤسسات الفكرين الديني والفلسفي.

ويمكن بصورة واضحة التخوم أن نعتبر تاريخ تطور هذه الظاهرات تطورها الذي آل بالفكر الفلسفي إلى هذا المآل بالصورة التالية:
مراحل تطور الظاهرات التي أوجدت الفكرين الفلسفيين
1- مرحلة الماضي المكبوت بطوريه: تأسيس ضربي الخطاب باكتشاف الرقم والحرف والدولة والأمة.
1.1- الحقبة الإفريقية: مركزها ما يقارب مصر الحالية خاصة من ق. 40 قبل الميلاد إلى ق. 3. قبله.
2.1-الحقبة الآسيوية: مركزها ما يقارب العراق الحالي خاصة نفس الحقبة تقريبا.
2- المرحلة القديمة بطوريها: مركزها الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط خاصة
1.2- الحقبة اليونانية: من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثالث قبله.
2.2- الحقبة الهلنستية: من القرن الثالث قبل الميلاد إلى نزول القرآن.
3- المرحلة الوسيطة بطوريها: مركزها كل البحر الأبيض المتوسط خاصة
1.3- الحقبة الإسلامية: بدء الاعتراف بالمرحلة المكبوته وبالمرحلة المتقدمة على الحقبة الإسلامية.
2.3- الحقبة المسيحية: المعاناة من كبتين: كبت ما تقدم على المرحلة الثانية (نكران دور الحضارة الشرقية القديمة) وكبت ما توسط بينها وبين المرحلة الثانية (نكران دور الحضارة الإسلامية)
4- المرحلة الحديثة بطوريها: الغرب الحديث واستعمار العالم الذي يم يعد صامدا روحيا فيه إلا الإسلام.
1.4-الحقبة الأوروبية: تحويل الكبت الرمزي إلى محو فعلي للمكبوت بحركة السطو والتنميط الثقافيين.
2.4-حقبة مستعمرتي أوروبا الحديثة أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا: أداتا المحو السياسي الايديولوجي والاقتصادي الإعلامي.
5- مرحلة المستقبل أو عودة المكبوت بطوريه: انبعاث الشرق.(3 ارباع البشرية)
1.5- حقبة التحرير والتعمير: من الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة
2.5- حقبة الاستيعاب والتجاوز: من نهاية الحرب الباردة فصاعدا.

المسار الأخير : تطور الجدل بين الفكرين
ما مراحل اندماج الفكر الفلسفي في الفكر الديني واندماج الفكر الديني في الفكر الفلسفي بالاستناد إلى التجربة العربية الإسلامية نموذجا لما حدث ؟ ولمِ َ ينبغي أن يحدث ذلك كذلك في كل حضارة جمعت بين السنن النقلية التأويلية (ذات الفكر الذي بلغ إلى مرحلة التنظير للآداب والأديان وما ورائهما أعني للأصل المخيالي لكل إبداع) والسنن العقلية التحليلية (ذات الفكر الذي بلغ إلى مرحلة التنظير للعلوم والفلسفات وما ورائهما أعني لعودة كل إبداع على ذاته لفهمها) ؟
مراحل اندماج الفكرين الفلسفي و الديني
لم ينتظرنا ابن خلدون. فقد أجاب عن هذا السؤال عند الكلام على تطور علم الكلام الإسلاميi فعين مراحله التي هي عينها مراحل تطور الفلسفة في حضارتنا بحقبتيها المتقدمة على عصر الانحطاط والموالية لعصر النهضةii.
ويمكن اعتبار هذا التحليل كونيا: فهو قد حصل بنفس الصورة تقريبا في تقاليد الأديان المنزلة الثلاثة التي نعلم وهو يحدث الآن في الأديان الشرقية غير المنزلة منذ أن اتصلت بالفكر الفلسفي الغربي القديم والحديث. وكذلك كان الشأن بالنسبة إلى اليونان أيضا في صلتهم بالأديان الشرقية وبأديانهم الأسطورية التي هي مزيج منها وإن بأسماء مختلفة.
1- مرحلة العداء بين الفكرين الديني والفلسفي بمعنييه الخاص بالتنافس على سلطة التوسط بين العامة والحكام والخاص بالتنافس على مناظير الحقيقة وتوظيف أحدهما في الآخر.
2- التعايش بين الفكرين مع التنافس في خدمة أمراء العصر سواء كانوا حاكمين أو متربصين بالحكم.
3- التعايش بينهما مع التنافس السلطاني وتقاسم المهام لأن مجرد الحصول على قدر من السلطان يؤدي إلى الحذر العملي ومن ثم إلى الحلول الوسطى.
4- مرحلة التوظيف الأداتي: الفلسفة أداة منهجية للدين (المنطق في الفقه والكلام والميتافزيقا في التصوف والكلام) والدين أداة تبريرية للفلسفة (لبيان عدم تعارضها مع الشرع بل وشرعيتها).
5- اكتشاف الوحدة الجوهرية والتكامل الوظيفي بحسب تقابل الموضوعات التأسيسية من علوم الطبيعة إلى علوم التاريخ أو من علوم التاريخ إلى علوم الطبيعة: وهذه هي المرحلة الرئيسية التي تفسر ضرورة ختم الوحي دون ختم العلم. وهو مماثلة للبداية التي نفترض فيها عدم الفصل بين ضروب الإدراك الإنساني بحسب هذه المقابلات التي تحرر منها في النهاية.

ظاهرتا التطابق التنافسي بين الفكرين الفلسفي و الديني
ولولا هذا التطابق المساوق للتنافس لامتنع أن نفهم ظاهرتين يتعين فيهما التطابق التنافسي نفسه ويصعب تفسيرهما من منطلق القول الفلسفي معزولا عن تنافسه مع القول الديني أو من منطلق القول الديني معزولا عن تنافسه مع القول الفلسفي:
الظاهرة الأولى هي ظاهرة الوجوديات التي صورة قولها فلسفية ومادته صوفية دينية في الغالب حتى عندما تدعي الإلحاد كما في حالة سارتر, إذ هي جميعا تؤكد على التجربة الوجدانية (الشعور بمعاناة الحياة والوجود) والالتزام الفعلي بالقيم الخلقية والسياسية ودلالتهما الروحية في الممارسة اليومية.
الظاهرة الثانية هي ظاهرة الفلسفات العملية التي صورة قولها فلسفية ومادته اجتماعية سياسية في الغالب حتى عندما تدعي الإلحاد كما في حالة ماركس, إذ هي جميعا تؤكد على الوعي العملي (الممارسة السياسية) بالشروط الموضوعية لنفس القيم ودلالتها الإنسانية.

والمعلوم أن نسبة الظاهرة الأولى إلى الظاهرة الثانية تشارك نسبة التصوف والحياة الباطنة إلى الفقه والحياة الظاهرة مع تغليب الشخصي وما يتعالى على التاريخ في حالة التصوف والحياة الباطنة وتغليب العام وما يندرج فيه والحياة الظاهرة في حالة الفقه.
لكن أساس هذه العلاقات تغير فهو قد بات الحق الطبيعي في الظاهرة الثانية مع تعويض براغماتية الفكر الفقهي باسكاتولوجية الفكر الصوفي ومعاناة التجارب الوجودية لفهم معاني الحياة الدنيا بدل الهروب منها لطلب معان تحرر الوجدان من المعاناة في حياة أخرى. فأصبحت الظاهرة الثانية تشارك التصوف في الموقف الاسكاتولوجي (البعث الأخروي) والموقف الفقهي في الاهتمام بالعام. وأصبحت الظاهرة الأولى تشارك التصوف في معاناة التجارب الوجدانية والموقف الفقهي في الاهتمام بالحياة الدنيا. لذلك فمن الحري أن نعتبر الظاهرتين جامعتين لخاصياتهما وخاصيات نظيرتيهما في التاريخ الوسيط: إي إن الوجودية من الظاهرة الأولى مثلا تصوف دنيوي والماركسية من الظاهرة الثانية مثلا فقه دنيوي.

فلسفة الدين من المنظور القرآني
فإذا وجد دين منزل مثل الإسلام يرفض الفصل بين الدين الطبيعي والدين السماوي لتخلصه من المميز الأساسي الذي يقابل بينهما كما يرمز إلى ذلك مفهوم الفطرة الدينية ذات المدى الكوني لاح في الأفق منظور يتعالى على هذه الأصناف الأربعة من القول الديني. الكلام العقلي والكلام النقلي غير المحرفين أولا ثم فلسفة الدين والدين الفلسفي المتحررين من التحريف ثانيا ينبغي أن تصبح جميعا بمقتضى ما يأمر به القرآن الكريم متجهة إلى هذا الأفق الذي يوحد بينها أربعتها. ذلك أن الاستعاضة عن السلطة الروحية بسلطة تشريعية يكون فيها التشريع فرض عين على كل المؤمنين بهذا الضرب الجديد من الدين والاستعاضة عن خرق العادات (سورة الإسراء)iii بالنظام الكوني للاستدلال على المعتقدات ثم استكمال ذلك كله بالتوكيد على كونية الرسالة تصديقا لما تقدم عليها وهمينة عليهiv فتختم النبوات والرسالات تلك العوامل التي تلغي ثلاثتها المقابلة بين أصناف القول في العقلي والنقلي من الأصلv.
فلا يبقى إلا الاجتهاد البشري الذي يعتبر التجربة الدينية الكونية استقراء لتاريخ البشرية الروحي واستنباطا عقليا لمقومات هذا التاريخ محكوما بالإيمان بحدود العقل أو بضرورة شهوده ما يتعالى عليه تسليما بالغيب: ذلك هو مضمون القرآن الكريم ولا شيء غيره ولذلك فهو كتاب الرسالة الخاتمة. ويكون تحقيق ذلك كله بممارستين جماعيتين (العلم بآلية الاجتهاد والعمل بآلية الجهاد) حددت سورة العصر معياري عملها شرطا في الاستثناء من الخسر:
1- معيار التواصي بالحق للعلم والاجتهاد
2- ومعيار التواصي بالصبر للعمل والجهاد.
وهذان المعياران يمثلان المصدرين الوحيدين للعلم والعمل الممكنين للفرد من حيث هو أحد عناصر الجماعة الخاصة (ذات ثقافة معينة) والجماعة العامة التي هي كل البشرية (لتوارث الحضارات المتوالية ولتفاعل الحضارات المتساوقة) توكيدا للوعي الصريح بالطابع الوهمي للمعيارين اللذين يخدعان العقل البشري حتى بعد تنبيه الإسلام إلى طابعهما الكاذب والمغشوش:
1- معيار المطابقة المستحيلة مع الموضوعات بمعزل عن علمها لكأن الإنسان يمكنه أن يخرج من علمه ليعلم الأشياء بمعزل عنه: كل ما نعلمه منها يتضمن حدود علمنا من خلال التسليم بتعاليها أو بعدم استنفاذ المعرفة موضوعها مهما اكتملت.
2- ومعيار السلطة الروحية المعصومة لكأن الإنسان يمكن أن يتخلص من الشك في مصادر العلم التي لا يؤيدها الدليل العقلي ببعديه العيني والمجرد: كل علم ليس قابلا للامتحان الدائم ليس بعلم بل سلطان باطل وتلك هي خاصية كل ما تدعيه السلط الروحية من علم لدني ينتهي إلى الاستثناء من المناقشة والمحاسبة اللتين يتضمنها التواصي بالحق.

لذلك ففلسفة القرآن الدينية تتضمن أصناف القول الديني الأربعة التي أشرنا إليها وتتعالى عليها لكونها تشير إلى أصلها جميعا: فلسفة القرآن هي أصل كل فكر إنساني تام متحرر من الفصام بين الروحي والمادي وبين الأخروي والدنيوي وبين النقلي (ما يصدر عن التجربة الحية) والعقلي (ما يعود على التجربة الحية ليفهمها سواء كانت حدسية في الدين أو حسية في العلم). فهي منظور لفلسفة الدين ودين فلسفي (الوجه الصوري والوجه المادي من نفس الفن الذي يمكن أن نسميه التعالي من منظور العقل أو الفرقان) وهي علم عقلي وعلم نقلي (الوجه الصوري والوجه المادي من نفس الفن الذي يمكن أن نسميه التعالي من منظور الوحي أو الوجدان) فروعا لوحدة الدين الكوني المستند إلى الفطرة (=الإسلام) التي تدرك حدسيا من حيث هي تجربة دينية معيشة وعقليا من حيث هي علم نسقي ومن ثم فهي أمر يزول فيه التقابل بين الصورة والمادة المعرفية لكونها هيئة وجودية أو تحققا للحقيقة في ذات مدركها بمصطلح ابن خلدون في فصل التوحيد.
وكل ذلك ينبغي أن يتعين بمقتضى تعين التجربة النفسية العقلية ( فرديا ) والتجربة الرمزية الثقافية ( جمعيا ). وبهذا المنظور التوحيدي يعترف الدين الإسلامي بتعدد الشرائع والمناهج في تحقيق تعينات ذلك الدين الفطري الواحد كما هو بين من الآية 48 من المائدةvi بل هو يعتبر التعدد من شروط التحقق التاريخي للقيم الدينية. لذلك كان القول الديني الإسلامي حتى قبل محاولات الصياغة النظرية التي سعى إليها الفكر الإسلامي في فنونه الأربعة التأسيسية للفلسفة الدينية (الكلام والفلسفة في فلسفة الإسلام الدينية النظرية والتصوف والفقه في فلسفة الإسلام الدينية العلمية). فنص القرآن الكريم مؤلف من مستويين لا يختلف اثنان في التمييز بينهما. ومثله نص الحديث الذي هو مؤلف كذلك من مستويين يجمع عليهما كل العلماء في السنة:
1- القرآن المكي تحديدا للأسس ما وراء التاريخية للوجود الإنساني ولعلاقته بالوجود الإلهي وللأسس ما بعد الطبيعية للعالم وعلاقته بالوجود الإلهي.
2- والقرآن المدني تحديدا للأسس التاريخية للوجود الإنساني ولعلاقته بالله وبالطبيعية والعالم.
3- الحديث القدسي: تفسيرا أو تأويلا للقرآن المكي خاصة.
4- والحديث العادي: تفسيرا أو تأويلا للقرآن المدني خاصة.
والمعلوم أن نصي الحديث يمثلان عودة تفسيرية أو تأويلية قولا وعملا لمستويي القرآن الكريم. فتكون نسبة الحديث القدسي (3) إلى القرآن المكي (1) هي عينها نسبة الحديث العادي (4)  إلى القرآن المدني (2). وتلك هي علة تعويل التصوف في المقام الأول على القرآن المكي وعلى الحديث القدسي وتعويل الفقه في المقام الأول على القرآن المدني وعلى الحديث العادي.
5- التاريخ المقدس: ويدور القول المقدس بمستوياته الأربعة حول التجربة الدينية الفردية والجمعية في المثال الأعلى غير القابل للتحديد النهائي والمحدد خلقيا وسياسيا في التاريخ الفعلي من خلال التجربة المحمدية الحية أولا ومن خلال تجارب الرسل المقصوصة في النصوص ثانيا. فتكون النصوص المقدسة في الإسلام وكأنها خاضعة لجدليتين:
أولاهما جدلية نازلة من ما وراء التاريخ والطبيعة إلى التاريخ والطبيعة (بعدا القرآن اللذان يمثلان مرحلتي الاعداد النظري المتقدم على الفعل والانجاز العملي المحقق له ).
والجدلية الثانية صاعدة من التاريخ والطبيعة إلى ما ورائهما (بعدا الحديث المصاحبان للوجهين السابقين من القرآن ).
أما النواة التي تلتقي فيها الجدليتان فهي التجربة التاريخية الحية الفردية للوعي الديني والجميعة لتعيناته الخلقية والسياسية: 1- فعلا (الحدث التاريخي: في الأعيان) 2- أو قصا (معنى الحدث: في الأذهان). وذلك هو مضمون كل تجربة يعيشها الشخص الإنساني المتعين في أي زمان معين عيشا حيا حقا فيكون في نفس الوقت تجربة وجودية وجدانية روحية وتجربة تاريخية خلقية وسياسية تنحرف بمجرد أن تقتصر على أحد الوجهين بنفي الوجه الثاني إخلادا إلى الأرض ونفيا للمتعاليات أو استعلاء عليها ونفيا لصلاتها بالمتحايثات. فهل يمكن القول إن المسلمين كان تاريخهم الفعلي مطابقا لتصور القرآن الكريم للتاريخ؟ الجواب عن هذا السؤال يحيلنا مباشرة إلى مسألتين أخرين ننظر فيهما لاحقا:
مسألة حاضر الإسلام ومستقبله في صلته بدور المسلمين في التاريخ.
ومسألة حاضر فلسفة الدين ومستقبلها في الحضارة الإسلامية.

الملاحظات

  1. انظر ابن خلدون المقدمة فصلي علم الكلام والتوحيد من الباب السادس.
  2. فكرنا الحالي عاود الكرة فقطع نفس المراحل ولكن بصورة أكثر صراحة مع المر بها مرا سريعا والقفز على ما لم يعد متاحا له منها. فلم يعد فلاسفة عصرنا منجمين ولا أطباء ومن ثم فهم أجهل خلق الله بالعلوم الدقيقة بل وحتى بالعلوم الإنسانية: فأغلبهم يتكلم في السياسة والاجتماع والشرائع بزاد المدرسة الثانوية في علوم هذه الموضوعات. ولم يعد متلكمو عصرنا نحاة ولا أدباء بل إن أغلبهم عيي في اللغة القومية فضلا عن اللغات الأجنبية التي يكتب بها العلم سواء كان دنيويا أو دينيا. فأولئك ليس لهم علم بطليموس ولا فن جالينوس. أما هؤلاء فأين هم من فصاحة واصل بل إن أغلب قادتهم ينتصر في الفهاهة على باقل إذا أخرجته عن الثرثرة حول المنهجيات ونقد الإسلاميات تكرارا لمبتذلات المستشرقين والردود عليهم وتشفيات المبشرين دون فرقان عقل يشرئب إلى الآفاق ولا وجدان دين يغوص إلى الأعماق مع صلافة عديمي الحياء والأخلاق !
  3. العدول عن استعمال المعجزات لإثبات النبوة يعلله النص القرآني بأمرين أولهما هو عدم جدواه كما تثبت تجارب الماضي في تكذيب الأنبياء رغم المعجزات والثاني وهو الأوضح أمره تعالي نبيه بالقول ردا على المعاجزات:” …قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا” ( الإسراء 93).
  4. المائدة 48
  5. وذلك هو معنى المعيار التيمي للوحدة بين صريح المعقول وصحيح المنقول الذي يعارض به قانون التأويل أصل كل تحريف في المعرفة الدينية (تقديم الرأي التحكمي على التجربة الروحية) وحتى الدنيوية (تقديم الرأي التحكمي على التجربة العلمية).
  6. وقل أن تجد عالما من علماء الدين المسلمين لا يصرح بهده الحقيقة المتعلقة بوحدة الدين وتعدد الشرائع. ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية قد ذهب بالأمر إلى حد التمييز الصريح بين القرآن المكي والقرآن المدني بهذا المعيار معتبرا الأول متعلقا بالدين الواحد خاصة والثاني متعلقا بالشرائع المختلفة خاصة دون أن يخلو احدهما مما يغلب على آخرهما.

دروس في فلسفة الدين د 03 من 35 – مفهوم فلسفة الدين و نبذة عن تاريخ الإختصاص 02 من 02 – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي