ه
لعل “دوجة” غررت بـ”الماريشال” فأقدم على “تغفيسة” أمس.
ولو بقي ساكتا لكان أفضل له حتى يحافظ على ما يخفي خلاء وطابه.
فزيارته لسيدي بوزيد وخطبته العصماء خاصة أثبتت ما حاولت بيانه في كل ما كتبته بخصوصه.
لذلك فكل من شكك في موقفي لم يعد له سبب للشك بعد أن رأوا بأم أعينهم وسمعوا بآذانهم الدليل الساطع والقاطع بأنه لا يصلح لشيء.
“خرنان” يردد خرافات ثورية لا تتجاوز الشعارات الخاوية.
وآمل أن يكون ذلك دليلا كفايا – على ما أعتقد – حتى لمن لم يكفهم الدليل الذي قدمه قبله رديفه الماركسي
▪︎ في جلستيه “شهادة للتاريخ”
▪︎ وفي جلسته التي اتهمني فيها بمحاربة حرية الرأي.
فتونس لن يخرجها من أزماتها التغني بالقوانين.
القوانين لا تعمل وحدها.
ولا يكفي فيها قرار فوقي غني عن التداول فيه أخذا وردا كما يستشف من سعيه هو وصاحبه لألغاء القوى السياسية أو الأحزاب التي يعتبرانها علة هذه الأزمات.
لكأنه يكفي أن يقلبا نظام الدولة حتى يحلا الأزمة الاقتصادية والخلقية والتربوية إلخ… التي ورثتها تونس عن ستة عقود من
▪︎ التبعية
▪︎ والاكفاء بفترينة لإخفاء الاستبداد والفساد.
إنهما يتهمان “هم” في مقابل “نحن” بالتآمر على الشعب وعلى سيادة الزعيم الرئيس بوصفه إماما معصوما ومهديا منتظرا خاصة
▪︎ وهو يمثل الدين
▪︎ ورديفه الفلسفة.
وهما لا يدريان أنهما أجهل من حذائيهما وأن فكرهما أفرغ من فؤاد أم موسى.
لا يعلمان
▪︎ أن ما يجري في محاولات الوصول لتوافقات هو جوهر الديموقراطية
▪︎ وأن أساسه سليم حتى وإن شابه أحيانا تلاعب بعض المراهقين.
لأننا لو قارناه بما يجري في أي بلد اختار النظام البرلماني مع نظام الانتخابات الفاسد الحالي لرأينا
▪︎ أن الأمر طبيعي
▪︎ وأن إصلاحه ممكن
إذا قبلنا بأن الديموقراطية تستمد قوتها وفضلها من التعدد الذي تحكمه المصلحة العامة.
فإسرائيل مثلا مقدمة على ثالث إعادة للانتخابات لتعذر الحصول على توافق في تشكيل الحكومة.
وأزمات الحكم في إيطاليا وحتى في ألمانيا معلومة للجميع.
وغالبا ما تكون التحالفات او الائتلافات سابقة عن الانتخابات حتى لا تتعطل عملية تشكل الحكومات.
لم يضف الماريشال في خطبته أمس شيئا لبطولاته الدونكيشوتية خلال أيام الثورة الأولى وخلال حملته.
ما يزال جامدا في نفس الخطاب الذي لا يقبل حتى في مرحلة الترشح ناهيك عنه لما أصبح رئيسا يمثل الجماعة كلها دون مقابلة بين “هم” و”نحن” لأنه ليس رئيس حزب في حملة انتخابية.
لذلك فإني اعتقد أن كل من كان ينسب موقفي منه إلى ما يقبل الوصف بكوني ربما “نساله مغرفة دقيق” – بل ذهب البعض إلى أني “غاير” منه – رغم أن الجميع يعلم أنه ليس لي معه “لا حرثة ولا ورثة” وأني ما فكرت يوما في امتهان السياسة.
والدليل أني استقلت منها بمجرد أن رأيتها من قرب وعلمت أني لست مؤهلا لها.
ولو كنت من محبي السياسية لنافقت مثل غيري لأبقى بأي شكل ملتصقا “بالحكم”.
لكن عندي ما هو أهم وأبقى ولله الحمد.
ولا شيء أمقته أكثر من النفاق السياسي الذي هو جوهر العبودية التي تنتج الاستبداد والفساد في القوى السياسية أو الاحزاب ومنها يمر إلى الدولة.
إنه سرطان تونس الحالية.
إنما موقفي من قيس لا يختلف عن موقفي من الدكتور المرزوقي قبله رغم ما بين الرجلين من فروق شبه مطلقة. ففضائل المرزوقي تقابلها رذائل سعيد.
وفي اجتهادي – وهو تنظير سياسي وليس ممارسة سياسية – حول مميزات من اعتبره أصلح لرئاسة دولة في مرحلة ثورة أو على الأقل في مرحلة الانتقال الديموقراطي هي من أعسر مراحل تاريخ الأمم هو دافعي للكلام في الرجلين.
ذلك أن تمثيل الإرادة الوطنية مسؤولية الجميع.
والكلام فيها فرض عين.
ورغم كل ما أعيبه على الدكتور المرزوقي تعليلا لموقفي منه ▪︎ في تعيينه الأول
▪︎ وفي ترشيحه الثاني
▪︎ ناهيك عن الثالث
فإني اعتبره أفضل مليون مرة من قيس رغم “العنتزية” التي تجعله يظن أنه لم يولد إلا ليكون رئيسا.
لكني مع ذلك ما شككت أبدا في خصاله التالية.
وحتى عندما وصفته بكونه القذافي المفلس فإن كلامي لم يكن على خصاله الفكرية أو الخلقية بل كان متعلقا بالمقارنة بين
▪︎ ما يستند إليه القذافي في عنترياته أعني ثروة ليبيا
▪︎ وما هو مفقود في عنتريات المرزوقي بسبب فقر تونس
على الأقل في الحالة التي ورثناها بعد خمسين سنة من الاستقلال.
1-فالمرزوقي رجل مثقف حقا.
وقيس جاهل حتى في اختصاصه.
2-والمرزوقي رجل صادق.
وقيس كذاب وخاصة في دعوى النظافة والطهرية.
3-والمرزوقي رجل مناضل منذ قبل الثورة.
وقيس كان من أزلام النظام السابق.
4-والمرزوقي حقوقي فعلا.
وقيس لم يدافع عن أي مظلوم.
5-والمرزوقي مستقل الفكر وليس دمية.
وقيس تابع ودمية لرفيقه ومن ورائه.
وإذن فأنا لم أعارض الدكتور المرزوقي استنقاصا في خصاله الخلقية أو المعرفية بل – وهذا من المفارقات في الأهلية السياسية وأول من لاحظها هو ابن خلدون – بسببها.
لأنها لا تناسب الممارسة العينية التي تقتضي
▪︎ الكثير من المرونة
▪︎ والقليل من الذكاء
ومجموعهما هو الانتهازية.
والتي لا يمكن أن تتوفر عند أي شخص له الخصال المثالية التي يتصف بها المرزوقي.
وقد يكون عذري أني أتهم نفسي بمثل هذا العيوب.
أو أظن أن لي منها شيئا.
فهو يمكن أن يكون منظرا لا ممارسا للسياسة.
وشتان بين الأمرين.
فليس من اليسير أن يكون كل إنسان مثل ابن خلدون. فيجمع بين الأمرين.
لذلك عارضت
▪︎ تعيينه سنة 2011.
▪︎ وترشيحه لانتخابات 2014.
ولم أولي أهمية لترشحه الأخير رغم أني كتبت مرة أن الجبالي والمرزوقي وابن جعفر من المفروض أن
▪︎ يسهموا في إعداد الشباب
▪︎ ويتجنبوا المنافسة السياسية
لأن فرصتهم ضاعت.
وقد نصحت
▪︎ بأن يعتزل السياسة حينها
▪︎ وأن يتفرغ لكتابة مذكراته حول التجربة التي خاضها رئيسا للدولة لما طلب منيىأحد مستشاريه الدخول في هيئة ترشيحه.
وهو ما أعتقد أنه قد اقتنع به بعدما أكدت له النهاية الأليمة في انتخابات 2019.
وإذا كان هذا موقفي من المرزوقي.
فكيف لا يكون موقفي من سعيد أشد.
خاصة وما لدى المرزوقي من فضائل ليس عنده شيء منها.
إن لم يكن ما عنده هو نقائضها بإطلاق.
والخصال الخمس التي ذكرتها في كلامي على المرزوقي غياب جلها عند سعيد لا يحتاج مني إلى استدلال لأنها معلومة للجميع.
لكني مع ذلك سأتلكم في ما يبدو وكأنه يعبر عن ظلم للرجل وليس مثل الثابت لدى الجميع بسبب خفائه أو بسبب تحوله إلى عاهة لا يخلو منها جامعي في تونس.
وما قلته في المرزوقي لا يحتاج لدليل.
وإذن فأدلتي تتعلق بقيس:
1-الثقافة:
من سمع منكم من قيس كلاما في غير خرافة القانون الدستوري البدائي كمحفوضات تملى على الطلبة في درس أو في عمل تطبيقي؟
هل هذه ثقافة؟
وحتى في القانون الدستوري هل قرأ أحد منكم شيئا كتبه فضلا عن شيء يكون متميزا بحيث يمكن أن نعتبره قد أضاف لمجال اختصاصه ما يثريه؟
2-الصدق:
كلنا يعلم أن أجر الأستاذ الجامعي ينقسم بحسب دوريه:
▪︎ كمدرس
▪︎ وكباحث.
صحيح أن العادة جرت بالاقتصار على الدور الأول.
لكن من يدعي النظافة والصدق والطهرية يتجنب العادات الفاسدة التي تخفي السرقة الموصوفة.
لا بد ألا يقبل ذلك.
ومن ثم فلا بد أن يعتبر الحصول على الأجر كاملا من دونه سرقة موصوفة.
وإذن فالنظيف والطاهر والمتدين حصل على ضعف ما يستحق طيلة حياته الجامعية دون مقابل لأنه لم يبحث ولم ينشر أي بحث علمي في مجلة علمية محكمة.
3-النضال:
لا أعتقد أني بحاجة لاثبات خلو وطابه منه قبل الثورة.
وما ساهم به في الثورة لم يكن لصالحها بل كان لصالح الثورة المضادة.
والدليل ادمان اعلام عبد الوهاب عبد الله على استشارته في كل ما يتعلق بالدستور.
والاستشارة لو كانت علمية بحق
▪︎ لكانت متنوعة
▪︎ ولكانت من الخبراء فعلا فيه.
لكن لا شيء يثبت أنه خبير أو صاحب نظريات في الدساتير وإلا لكان قد كتب شيئا في الأمر سابقا.
4-الحقوقيات:
هل احتاج لبيان ذلك؟
ففي العقدين ونيف اللذين حكم فيهما ابن علي وعذب وقتل ونفى ما يقارب ثلاثين ألفا من التونسين ومن جميع التوجهات السياسية وخاصة من التوجه الإسلامي هل سمع أحد منكم شيئا أو رأى فعلا في المجال للثوري في آخر العمر؟
ما الفرق بينه وبين صبابة ابن علي من اليسار الذي ساهم في سياسة تجفيف المنابع واستئصال الإسلاميين؟
5-الدمية:
لا احتاج إلى أثبات.
فيكفي مقارنة تصريحات لينين في حواراته التي ذكرت وخطب الرئيس “الفصيح”.
وإذا جمعت كل ما سبق وخاصة هذا العنصر الأخير ثم وصلته بكلامه أمس فهمت حقيقة المأزق الذي وصلت إليه تونس بسبب نجاح مثل هذا الرجل ليكون رئيسا يمثل سيادتها ووحدتها.
فمن وصل إلى أعلى رتبة في النظام السياسي وصار يمثل الطابع الرمزي لوظيفة رئيس الدولة باعتباره الحريص على وحدة الشعب كيف يمكن أن يكون بحق أهلا لهذه الوظيفة إذا أصبح من دعاة تفريقه بصورة قد تؤدي إلى التوجه السريع نحو حرب أهلية بين “نحن” و”هم” التي استعملها بتأثير من قراءة ماركسية وباطنية للسياسة وللتاريخ بوصفهما صداما دائما كما في اليعقوبية والماركسية الاستصالية للمعارضين أيا كانت التهم التي يمكن أن تستعمل.
وخاصة إذا طبعت بطابع المؤامرة على الحاكم الذي يتخيل نفسه إماما معصوما بل ومهديا منتظرا.
لذلك فلما حاول بعض الأصدقاء جس نبضي
▪︎ لمعرفة موقفي من ترشح السيد سعيد
▪︎ ومحاولة اقناعي بمساندته
أعلمتهم بكل صراحة بأن الرجل لا يصلح حتى لرئاسة نفسه.
وهذا بالاعتماد على
▪︎ معرفة به حصلت خلال أيام الثورة الأولى
▪︎ ولقاءات به في مناسبات عدة ليس هنا مجال ذكرها
رغم أني لم أسمع به سابقا.
لأنه لم يكن له نشاط في مقاومة الظلم والاستبداد والفساد قبل الثورة.
بل بالعكس كان من المستفيدين من النظام السابق.
وحتى بعدها لأن الإعلام الذي أدمن عليه هو اعلام عبد الوهاب عبد الله الذي كان يحارب الثورة.
ولقاءاتي به عديدة ومتنوعة.
اطلعت فيها على زاده العلمي ومميزات شخصيته التي لا تصلح لقيادة الدول.
وخاصة إذا كانت محدودة الإمكانات مثل تونس للفرق بينها وبين الدردشة مع الشباب العاطل في المقاهي أو في خيام الشباب الثائر بعد هروب من كان يعمل له من شهود الزور في مجلس دمى السلطة التشريعية في عهده.
ولما كان العيان أفضل طرق المعرفة بالأعيان
وخاصة إذا صحبتها الفراسة وفهم شروط القيادة عامة والقيادة السياسية خاصة
فإن موقفي كان حاسما.
وأعلمت الأصدقاء
▪︎ بأني ضد ترشحه
▪︎ وأنه إن فعل فسأكون ضده بلا هوادة.
وذلك هو ما أفعل منذ ترشحه لاعتقادي أن رجلا بهذه الصفات يمثل خطرا
▪︎ على تونس
▪︎ وعلى ثورة شبابها.
وخاصة بعد أن تبينت علاقته بافسد فكر سياسي على الأطلاق بنوعيه
▪︎ الماركسي
▪︎ والباطني
لأن هذين يمثلان تحريفا
▪︎ للفلسفة
▪︎ والدين
في آن.