لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله
خطاب الامير
لا يحتاج أمير قطر لمن يطبل له. لن أقول شيئا في وصف الرجل. ما أريد بيانه هو ما بدا لي أهم شيء جاء في كلامه: الوعي الدقيق بمعضلتي الأمة.
وصف الرجل يكفي لبيانه عقلانية إدارته للأزمة وانتصاره فيها.
لكن ما قد يغفل عنه الكثير هو ما بدا لي من وعي حاد بمعضلتي الأمة الأعمق والأدق.
المعضلة الأولى أن شرطي السيادة يعسر أن تكون متناول الأقطار الصغيرة وأن صراع الأنظمة العربية حتى في نفس المجموعة يحول دون العلاج الشافي
فكلامه على الجبهة الداخلية وخاصة على ما استفاده القطريون من الأزمة من لحمة وخطة مستقبلية دليل على المعضلة الثانية حلا ظرفيا للمعضلة الأولى
ذلك أن الشرطين اللذين اكتفى بهما للسعي في الحل الودي بالحوار هما جوهر معضلتي العرب:
فهو يعلم أن محاصري قطر لم يفعلوا بقوة ذاتية حتى وإن كانوا أكثر عددا وعدة من قطر بل لأنهم صدقوا ترومب وعميل ناتن ياهو مصدر لغة الالتيماتوم
حذر الأمير دليل حكمة ونظرة بعيدة لعلمه بهذين المعضلتين: فالأعداء يمكن أن يدفعوا بالعرب إلى حرب أهلية لن تتوقف وإذن فمضمر خطابه هو الأساس.
واضح أن وعيه بالمعضلتين هو الذي جعله يواصل الدبلوماسية الهادئة ولم يستثمر النصر في الجولة الأولى من الأزمة لوعيه بالفخ الذي ينصب للعرب بالعرب
أما الكلام على الاستراتيجية المستقبلية فهو دليل على وعي حاد بأن الطرف المقابل لن يرعوي ومن ثم ففيه إشارة للبديل في حال فشل الوساطة المتوقعة
ذلك أن الجميع يعلم أن دعوى خليجية الأزمة غير صحيحة: فوجود السيسي فيها يعني وجود إسرائيل وهما لن يرضيا بحل خليجي لا يلزم قطر بالصفقة الكبرى
ودليلي الذي لا أكاد أصدق أنه بالصدفة هو الموقف الألماني الحالي من تركيا: فالصفقة الكبرى تقتضي اخضاع قطر وتركيا معا لتحقيق صفقة العصر.
ومن ثم فعندي أن فكرة الأمير الرئيسية هي استراتيجية الثبات لمقاومة صفقة العصر وهي مقاومة لا تكفي فيها قطر وتركيا بل لا بد من شروط المطاولة
لذلك فالخطاب دبلوماسي هدفه تحقيق أفضل فرصة للمطاولة بمعنى أن الأمير يعلم أن الأمر لن يقف عند هذا الحد وأن السعي يتجاوز الأسرة الخليجية
إنه يتعلق بصفقة العصر وضرورة تصنيف حماس والإخوان أو على الأقل تحييدهما لتمريرها وهذا يقتضي تحجيم قطر وتركيا: لن يوقفهم قانون ولا أخلاق.
هدوء الأمير وعقلانيته دليل وعي بضرورة المطاولة ومرونة المناورة. فهو غير غافل بأن صفقة العصر هي مطلب الأعداء والشرط نهاية المقاومة والثورة.
كلمتي الأخيرة: لست متشائما لكني حذر وأمل الأمة متعلق بصمود قطر وتركيا.
لحمة الشعب القطري تعادل لحمة الشعب التركي وسيفشلان المؤامرة بصمودهما.
تكلمت على شرطي السيادة وهما علتا الحصار:
فالحماية والرعاية المستقلتان لا يقدر عليهما إلا العماليق. والأنظمة العربية تخرب كل محاولة لخلق عملاق عربي حتى نصف عملاق كوحدة الخليج.
مرونة الأمير لحرصه على حفظ هذا الحل الثاني على الأقل في غياب الحل العربي هو الذي يفهمنا تلطفه رغم أن الجميع يعلم أنه مظلوم ومعتدى عليه.
ولو لم يكن مدركا لهذا الخطر لتشفى بأن ارتمى في أحضان من ينتظر منه ذلك فيصبح العرب كعادتهم يتنافسون في خدمة من يبتلعهم من اعداء محيطين بهم.
عروبته وإسلامه وخاصة وعيه بمنطق العصر يجعله يراعي كل الحساسيات فيجنح إلى السلم مع دمى تحركهم أياد خفية كلنا يعلم من هي بحضور العميل السيسي.
هذا ما قرأته من نبرة الخطاب وهدوئه ومرونته لأنه تضمن رسائل تفيد بأنه يريد منهم أن يعلموا أنه يعلم ما يخفونه بأكاذيبهم: مطلبهم الوحيد الصفقة.
الكتيب