لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله خدعتان
كيف خدعت الأمة بصورة تتنافى مع شعار “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” لأنها لدغت مرات ومرات من نفس الجحر أي من توظيف الحقيقة لخدمة الباطل.
صدقت حكامها وطباليهم من كاريكاتور التأصيل في النظم القبلية وحكامها وطباليهم كاريكاتور التحديث في النظم العسكرية في القرن الماضي.
وهي تبدأ القرن الحالي بنقض النظامين لغزلهما انتقالا من أحد وجهي كاريكاتوري الأصالة وكاريكاتوري الحداثة إلى الوجه الثاني على النحو التالي.
وجها كاريكاتور التأصيل:
سياسة الجماعة بطاغوت تحالف سياسي ديني في الحكم (التغلب) والتربية (الكنسية)
ثم سياسة دعوى التحرر من الثاني بالأول
ووجها كاريكاتور التحديث:
سياسة الجماعة بطاغوت سياسي علماني في الحكم (دكتاتورية حزب) والتربية (حضانة اشتراكية)
ثم دعوى التحرر من 2 بـ1.
وتبين الخدعة الأولى تؤول حتما إلى نفس الخدعة بوجه التأصيل والتحديث الثانيين اللذين يواصلان نفس السياسة بكاريكاتوري الدين والحداثة.
فالانتقال من كاريكاتور الاشتراكية إلى كاريكاتور الرأسمالية في سياسة السيسي ليس لعلاج أمراض دولة ناصر الشعبوية بل هو يجمع الثروة بيد المافية.
والانتقال من كاريكاتور السلفية إلى كاريكاتور الليبرالية في سياسة ولي العهد الحالي ليس لعلاج أمراض الدولة الدينية بل لجمع الثروة بيد المافية.
ولذلك فمن الطبيعي أن يتحد المافيتان في مصر السيسي وسعودية ابن سلمان وأن يصبحا خادمين لسياسة إسرائيل ضد الأمة وشباب ثورة الحرية والكرامة.
ومعنى ذلك أن ما يزعجني فيما يعملان ليس ما يعلنان عنه فهو ضروري لو كان صادقا بحق: التحرر من الدولة الحاضنة ومن الدولة الدينية أمر ضروري.
لكن مستعمليه شعاريا هم أعداؤه فعليا: فالسيسي لا يريد حقا بناء دولة حديثة تتحرر من جعل الحضانة حائلة دون شروط القدرة عليها بتعميم الفقر.
وأمير السعودية لا يريد حقا بناء دولة حديثة تتحرر من توظيف الدين ضد غايتيه الحقيقيتين الحرية الروحية والحرية السياسية بطاغوت الحكم والتربية.
مدرسة السيسي ومدرسة الامير لم تغير إلى شعارات الخدعة للإبقاء على أسلوب واحد في الحكم والتربية لاستعباد الشعوب لا تحريرها روحيا وسياسيا.
فلا يمكن تحقيق هذين الهدفين بنفس الاستبداد والفساد وبخدعة تغيير الشعارات: فكلا النظامين لن يبني دولة سيدة. فشرطها حرية الشعب وكرامته.
والداء أعمق: فالخدعة الشعارية معلومة لكنها كما كانت سابقا ليست صادرة عنهما ونخبهما بل هي إملاء ممن ينصبهم ويحدد لهم ساستهم لمواصلة التبعية.
فلا يمكن أن أصدق أن إسرائيل وامريكا يريدان لمصر والسعودية الأصالة والحداثة للتحرير بل هما يريدان شعاراتهما دون حقيقتهما للتنويم والتخدير.
لا يمكن لأنظمة ونخبها في محميات تابعة أن تكون قادرة على الإصلاح بحق بل هي أدوات في لعبة تواصل الاستتباع والاستضعاف لسيطرة المافية الخادمة.
وفي المرحلة الحالية أجد نفسي أمام مفارقة. فأنا أرى وجوب التحرر من إيديولوجية الدولة الحاضنة إذا كان ذلك سياسة حقيقية لشعب واع بشروط سيادته.
كما أرى وجوب التحرر من إيديولوجية توظيف الدين توظيفا سياسيا مباشرا رغم إيماني بمرجعيته القيمية للحكم والتربية في شعب يحكم نفسه ويربيها.
أما الشعارات التي تؤدي إلى المزيد من الاستعباد والاستضعاف لفائدة مافيات حاكمة ونخب خادمة تملأ بنوك سويسرا بحلب الشعب فتخريب وليس إصلاحا.
فالسيسي وابن سليمان لا يحركهما فهم شروط الدولة التي تجعل كل المواطنين مسهمين في إبداع شروط قيامها المستقل بل يبحثان عما يرضي حاميهما.
كيف يرضيانه ويبقيان لأنفسهما ما يكفي لإشباع نهمهما للسلطة والمال؟
الطريقة الوحيدة هي المزيد من حلب الشعب وانتزاع ثروة من ليسوا أفسد منهما.
فالمافية الخارجية الحامية للمافية الداخلية هي التي تفرض عليهما المزيد من حلب الشعوب بالاستبداد والفساد واستئصال شريف العباد لنهب البلاد.
وطريقتهم للخداع من جنس استعمال مخربي البلاد ومفسدي الجهاد والمقاومة اللذين تحولا إلى شعارات خداع للشعوب تلهيها عن التحرر الروحي والسياسي.
المشكل أني أؤيد إصلاح الدولة بصورة تلغي مفهوم الحضانة. فهي علة الفقر لأنها تبخس الأعمال قيمها فتقتل الشعبوية شروط التنمية المادية والعلمية.
وهذا الاصلاح لا يحققه نظام دكتاتوري يلغي دور الجماعة في رعاية نفسها بنفس وحكمها بالشورى والتنافس المشروع بين قوتي الإنتاج المادي والعلمي.
فأي شعب حر ينبغي أن يحرر دولته من ذهنية التكية للعاطلين بمجرد أن توهمهم بالحضانة فيتوقف التنافس المبدع في التنميتين الاقتصادية والثقافية.
لكن ذلك لا يعني عدم الحرص على الوظيفة الاجتماعية للتنميتين في دولة نظامها يشجع على العمل والإبداع المنتج لشروطها والمحرر الفعلي للمواطنين.
أما بخصوص ما يجري في السعودية فإني أذكر أني لما أملت من الملك سلمان توجها ظننته منصفا للثورة وساعيا لحماية السنة مع تركيا اقترحت حلين.
الأول تعلق بعاصفة الحزم وقد شرحته.
والثاني يتعلق بتحديث الدولة بأمرين: دمج الأسرة في الشعب وجعل الأمراء مواطنين عاديين لتحقيق المساواة.
وقد أشرت إلى أن حل محمد علي مع المماليك لم يعد ممكنا والحل هو في تمكين من ليس له تكوينا من مشروع يسترزق منه ومن له تكوين يعمل كغيره.
ويقتضي ذلك إصلاحا دستوريا يحدث الدولة دون أن يمس من مرجعيتها الدينية التي يمثله دورها حارسة للحرمين. ذلك أني كنت متوقعا شروعهم في الاقتتال.
ولما كانت الدول تسقط بمجرد دخول النخبة السياسية في اقتتال داخلي وخاصة إذا كانت محمية من ألد أعدائها فإني توقعت ما نراه وهو نكبة كبرى.
فما يبدو فيه من موجبات ستغلبه السلبيات: ذلك أنه كما في حالة مصر لن يصلحها عملاء إسرائيل وأمريكا ففي السعودية ما أخشاه هو من نفس الجنس.
وكلامي على ما يحصل في مصر علته أنها أكبر دولة عربية من المفروض الا تسقط بيد من هدفه القضاء على الاستئناف العربي: اسرائيل وأمريكا.
وكلامي على ما يحصل في السعودية علته أنها حارسة الحرمين ومن المفروض ألا تسقط مثل مصر بيد من هدفه القضاء على الاستئناف الإسلامي.
فإذا قضي على الاستئنافين فالحصيلة ستكون افتكاك القيادتين العربيتين للأمة الإسلامية: حماية العرب الذي يمثلون مع الأتراك حصن الامة الحصين.
تلك هي علل سعيي ما استطعت إلى ذلك سبيلا لتقديم بعض الافكار التي يمكن أن تسهم في فهم الظرف الحرج للامة والاستراتيجيا الضرورية للاستئناف.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها