خداع التحالف أو حصر المعادلات المؤثرة في الحدث

لما عقد ما يسمى بالحلف ضد داعش. ونحن نعيد نشره بعد قمة منتجع داود التي أوضحت بصراحة أن اعتماد العرب على أمريكا وهم لأن خيار الشرطي الإسرائيلي ومساعده الإيراني للسيطرة على المنطقة أصبح علنيا.
لذلك فالنص ما يزال مطابقا بصورة شبه كلية لما يجري حاليا في حرب أمريكا على الثورة بدعوى محاربة الإرهاب بحلف صريح مع إيران ومليشياتها العربية المحيطة بالخليج : الهدف الأول والأخير لحلم الامبراطورية الإسرائيلية والإيراينة ذراعي الغرب لمنع استئناف المسلمين أي السنة دورهم في التاريخ بقيادة العرب الذين أمدهم الله بكل شروط القيادة المادية والروحية حتى وإن حالت نخبهم المستلبة دونهم وأداء هذا الدور.
والخدعة هي نفسها : استعمال العرب للقضاء على قوتهم نهائيا بما بقي لديهم منها بخدعة تخويف الأنظمة لتمول هذه الحرب وتوريط جيوشهم فيها. والعلة أنهم لا يدركون أن هذه الحرب هي في الحقيقة ليست لحمايتهم من الإرهاب الذي صنعته مخابراتهم بل هي حرب إعداد المنطقة لتكون تحت وصاية شرطيها الإسرائيلي ومساعده الإيراني واخراج كل اللاعبين العرب ومعهم تركيا من أجل التفرغ لما يحيط بالوطن العربي ودار الإسلام من منافسين للغرب عليها بين أقطاب القرن الحالي.

النص

مقدمة

تخضع وضعية الحدث العراقي -(إضافة :وهو ما يزال في القلب من كل ما يجري إلى الآن)- إلى خمس معادلات نحددها ونحدد علة تدخلها فيه ونوردها بترتيب المنطق الذي يحدد علاقاتها بعضها بالبعض بمقياس التأثير الذي لها فيه (إضافة : ومن ثم فهو نفس المنطق الذي ينبغي أن يحدد الاستراتيجية التي علينا اتباعها لأنه يرتب العداوات والصداقات في المنازلة).

فهذه المعادلات تتحدد بحسب خمس دوائر:
اثنتان نتجتا عن ضعف الوطن العربي والأمة الإسلامية الذاتي وتتقدمان المعادلة العراقية بوصفها قلب المعادلات المؤثرة في الوضع العراقي.
واثنتان نتجتا عن العدوان الخارجي المستفيد من ضعف الوطن والأمة وتتأخران عن قلب المعادلات.
والأخيرة تجمع بينها جمع أدوات فيها غاية من كل العمليات التي تتضمنها المعادلات: انشغال الغرب بتكون أقطاب منافسة أو المعادلة الدولية التي يستعد لها (الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية أي تعويض المحيط الهادي للمحيط الأطلسي في المعادلة الجيواستراتيجية).

وهذه المعادلات هي التالية بترتيب يراعي الدور والعلاقة الجيوستراتيجية في المنطقة التي يراد تمهيدها وإعدادها قبل تكليف الشرطي ومساعده بإدارتها بعد إفراغها من عوامل قوتها.
وسيكون الترتيب بتقديم المعادلتين الأقرب من القلب لانتسابها إلى اطار الأمة الحضاري ثم المعادلتين المتدخلتين فيه من خارجه:
المعادلة التي تمثل قلب كل المعادلات:
1- المعادلة العراقية ذاتها التي هي قلب كل المعادلات في راهن الظرف العربي والإسلامي ومن ثم راهن منزلة أمريكا ودورها في العالم: هزيمتها التي لا ريب فيها ستكون بخلاف هزيمتها في فياتنام الهزيمة النهائية التي ستأتي عليها.
المعادلتان الأهليتان للإطار الحضاري العربي الإسلامي:
2- معادلة الطوق المباشر المحيط بالعراق.
3- معادلة الأمة العربية في علاقاتها الداخلية والخارجية.
المعادلتان الأجنبيتان على هذا الإطار:
4- معادلة الحلف الإسرائيلي الأمريكي,
5- المعادلة الدولية التي هي بصدد التحدد لما بعد الحرب الباردة معادلة النظام العالمي الجديد.
معادلة الطوق المحيط بالعراق : والقصد بهذه المعادلة الصيغة النظرية التي تحدد دور الدول التي توجد على رؤوس الخطين الاعتباريين المتعامدين اللذين يقطع أولهما العراق من فوق إلى تحت ( تركيا والسعودية), والخط الذي يقطع العراق من اليمين إلى اليسار ( إيران وسوريا).
الخط الأول من المفروض أن يكون طرفاه حريصين على وحدة العراق. وليس ذلك لوجه الله. فتمزيق العراق يهدد وحدة بلديهما.
والخط الثاني حريص طرفاه على تمزيق العراق. وليس ذلك لوجه الشيطان. فوحدة العراق تلغي وزن بلديهما وقوته تغني المنطقة عن الدور السياسي الذي يحلمان به.
أما الدولتان الأخريان فإن احداهما انتهى دورها بانتهاء عملية تهديم العراق المادية باسم تحريره السياسي (الكويت) وأخراهما وعدوها بدور في عملية تهديمه الروحية باسم بنائه الاقتصادي والمدني (الأردن).

ومن لم يعتبر هذه التعريفات التشخيصية الدقيقة في معادلة الطوق لن يستطيع التعاطي مع الحدث العراقي من منطلق الحقائق التي أغلبها يعمل في السر (وخاصة من قبل الدول العربية والإسلامية التي تدعي الغيرة على القضايا العربية الجزئية أكثر من أصحابها المباشرين) والقليل منها يعمل في العلن.
كل الأطراف باتت تحاول ترضية الوحش الأمريكي وتلهيته بمساعدته على نهش الجسد العراقي عله ينساهم فيتركهم وشأنهم في لهوهم ولغوهم لا يصدرون. ولو كانوا يعلمون أن الفراغ من العراق لو حصل لا قدر الله سيكون بداية النهاية بالنسبة إليهم جميعا.

المعادلة العربية

والقصد منطق علاقات العرب الداخلية ( الأنظمة فيما بينها وفيما بينها وبين شعوبها والشعوب فيما بينها داخل القطر والتجمع الجهوي والوطن ككل) وعلاقاتهم الخارجية بالمحيط المباشر وخاصة بالطوق المحيط بالأمة العربية وبمحاولات أمريكا تقزيم كبارهم نفخا في طبول صغارهم وأبواقهم.

وهي عملية تجري على مستويين لعل ثانيهما أخطر من أولهما.
فأما مستوى الدول فأمريكا تريد أن تجعل من بعض الجزر وحفنات الرمال دولا تفاوض في مصير الأمم وتحاول الظهور بمظهر من يسهم في السياسة الدولية وكأنها قوى عظمى رأيها مسموع وإرادتها مطاعة.
وأما مستوى التيارات السياسية والفكرية فأمريكا تسعى بحفنات من الدولارات إلى خلق معارضات ومثقفين يتكلمون باسم الديموقراطية التي يحققونها بـ”قلعة” الدبابة الأمريكية بعد التأكد من امتناع النجاح لو استعمل “صندوق” الورقة الانتخابية. إذا لم تستح…

ولا يمكن للمرء أن يفهم السلوك المحير في المعادلة سلوك التنكر للتاريخ إلى حد معاداة البعض منا تركيا والتحالف مع إيران ومعاداة البعض الآخر إيران والتحالف مع تركيا وخلق البعض منا لجارنج وسعي البعض الآخر لخلق شبائه للدولة التي كان التأييد الناصري لنشأتها علة وجودها وبصورة مباشرة علة للقضاء على كل البناء العربي كالتأييد الجزائري للصحراء الغربية والتأييد الذي لا يغفل أحد اسمه في العراق الشمالية والتأييد العراقي للفزات البيروتية والتأييد الذي لم يحضرني اسم صاحبه للنعرات في السعودية الشمالية والشرقية الخ…من دون تفحص ما ذكرنا في أثر معادلة الطوق العراقي والعربي وفهم ما آل إليه تمزيق الأمة الذاتي وقطعها مع محيطها نتيجة للتحليلات الإيديولوجية الخاطئة منذ محاولات النهوض والصحوة. ولا فائدة من مزيد الشرح.

قلب المعادلات: المعادلة العراقية ذاتها.

ما هي القوى الفاعلة في هذه المعادلة وما طبيعة التفاعل بينهما؟
يمكن حصرها بالإضافة إلى الحدث الحالي في نوعين:
النوع الأول هو ما سعت أمريكا بحربها للقضاء عليه ماديا بعد تأكدها من العجز عنه روحيا خلال سنوات الحصار.
والنوع الثاني هو ما تسعى إلى القضاء عليه روحيا بتوريطه في مشروعها مستغلة الاغراء المادي والحفيظة التاريخية التي له على النوع الأول من القوى.

ويتألف كلاهما من فرعين.
1- فالنوع الأول
فرعه الأول يمثله النسيج الذي تكون خلال الحكم البعثي من أصحاب المصالح الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يسعى المشروع الأمريكي إلى ضرب مصالحها ورأس الحربة منهم هم المنتسبون عن عقيدة وإيمان إلى حزب البعث: فأمريكا تريد تصفيتهم جسديا ومن ثم فعليهم القتال حتى النصر أو الشهادة.
ويمثل الفرع الثاني من النوع الثاني الذي له صلة بالأول رغم كونه غيره المستفيدون من مؤسسات الدولة العراقية وأهمها الإدارة وأجهزتها المدنية والاستعلامية ورأس الحربة منهم هي القيادات المتوسطة والدنيا من الجيش وأجهزته العسكرية والاستخبارية: أمريكا تريد تصفيتهم اجتماعيا وسياسيا ومن ثم فعليهم نفس ما على رأس الحربة السابق.
2- والنوع الثاني
فرعه الأول يمثله الرأي العام المستند إلى العصبية الدينية ورأس حربته شيوخ الدين ومراجعه السنية والشيعية.
وفرعه الثاني يمثله الرأي العام المستند إلى العصبية الدموية ورأس حربته شيوخ القبائل.

وهذه الفروع التي تريد أمريكا الاعتماد عليها أعني القيادات الدينية (السنية والشيعية) والقيادات التقليدية (رؤساء القبائل والعشائر) كانت قد فقدت السلطة في محاولات التحديث العلماني. وقد يغريها العدو بوهم استرداد النفوذ والجاه مستفيدا من حفيظتها على العهد العربي التحديثي عامة والعهد البعثي خاصة وغريزة الطمع المادي وحب الجاه المتأصلة في كل البني التقليدية من مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي ربيت على التبعية للمرتزقة من متحكم السلاطين الذين بدأوا في الأغلب على منوال الاحتلال الأمريكي واستقروا بفضل التواطؤ مع هذين النوعين من السلط الروحية بسبب نفس الآليات.

وتبرز من هذا التحديد بصورة جلية طبيعة التفاعل بين عناصر المعادلة وكيفية التوظيف الأمريكي الممكن لما تسعى لتوظيفه من القوى.
فليس القصد الأمريكي بالطبع من رد وهم السلطة إلى صنفي الشيوخ التقليديين الاعتراف بمقومات الأمة العميقة بل القصد إرجاع الأمة إلى الوراء لتسهيل عملية “تخليج” العراق.
القصد هو إيهام بعض العراقيين بأنه يمكن أن تغدق عليهم أمريكا أموال البترول فيعيشوا مثل البعض من سكان الخليج في جنات اصطناعية بديموقراطية البطن والفرج ليبقى العقل والارادة للمستشار الأجنبي عامة والإسرائيلي الأمريكي خاصة من وراء حجاب أو في العلن.

وفي كل الأحوال فأمريكا تبحث عن آليات مثيلة لما استعمله الاستعمار القديم من فنيات توظيفية للقوتين التقليديتين:
1-القيادات الدينية (وخاصة الزوايا الصوفية ),
2-والقيادات القبلية (وخاصة البدو الذين نعلم جميعا رأي القرآن الكريم فيهم).

فغاية أمريكا الجوهرية هي القضاء على نهضة الحضر و رد العرب إلى انحطاط الوبر بمحاولة نفس اللعب ببعض قيادات النوع الثاني بفرعيه ( شيوخ القبائل وشيوخ الأديان ) من المعادلة العراقية كما لعبت ببعض قيادات النوع الأول بفرعيه (شيوخ الجيش وشيوخ الآجهزة إذ لا يعقل أن يشترى الأولون من دون مشاركة الثانين في الغنيمة فضلا عن العلم بالصفقة) قبل المعركة وخلالها.
لكن هذا المخطط فاشل لا محالة. وذلك لعلتين.
فأما العلة الأولى فنراها في افغانستان. ما كان ممكنا في الاستعمار القديم أتى بعيد الغفوة والانحطاط وقبل الصحوة والنهوض. لذلك أمكن توظيف نوعي الشيوخ. أما بعد الصحوة والنضهة فإن كلا النوعين من القيادات صار أغلبهم مدركا لدوره ووظيفته. ولعل انتساب النوعين إلى نفس ” سن النضوج الروحي= أعني أنهما من القيادات التقليدية” يجعلهما مترابطين بحيث ستنكسر على ثبات الواعين منهم العنجهية الأمريكية. ولولا هذه الظاهرة الصحية في القيادات التقليدية لتمكنت أمريكا من النصر الحاسم في افغانستان ولأفنت قيادات المقاومة التي كانت تكون غير قادرة على الاحتماء بالشعب خاصة وقد أغدقت أمريكا بالرشاوى كل من يشير إلى مخابئهم: شرف القبيلة التي تؤمن بالجوار وعزة الانتماء الديني الذي يؤمن بالجهاد حالا دون مخططات أمريكا.
وإذا كانت هذه العلة الأولى يقتصر دورها على المحافظة أكثر مما هي للفعل المستقبلي فإن العلة الثانية ستكون بداية الثورة الفعلية. فمرؤوسو النوع الثاني من القوى بفرعيه من شيوخ الدين والقبيلة سيندمون من دون شك ندم مرؤوسي النوع الأول بفرعيه من الشيوخ العلمانيين حيث لا ينفع النحيب والعض على الأصابع كما نشاهد ذلك بعد حل الحاكم الأمريكي للجيش العراقي. ولحسن الحظ فالصلف والتهور جعل أمريكا تتسرع فتقلب ظهر المجن لمن استعملتهم. إن في ذلك لدرس سيعيه كل المرشحين للاستعمال فضلا عن أن البعض ممن انتظر بحسن نية وغفلة التحرير والديموقراطية لم ير بقرصة حية وجفلة إلا الفوضى والكوليرا. وهذه الأنواع الأربعة من مرؤوسي الشيوخ وشرفاء الشيوخ بأصنافهم الأربعة هم الذين سيمثلون النواة الثورية بالطبع وسيكونون محركات المعادلة العراقية التي هي قلب المعادلات في الحدث المعني هنا.

قد تتمكن أمريكا من شراء بعض شيوخ القبائل والعشائر كما حصل في جل ما بيع من فلسطين واغراء بعض شيوخ العمائم والضفائر من العلماء الذين أغلب الظن أن مرجعهم الإيراني بالنسبة إلى الشيعة والخليجي بالنسبة إلى السنة سيردعهم في البداية عن مساندة الثورة إما باسم التهدئة التكتيكية للتنفيس على الأخ الأكبر (الشيعة) أو باسم التلهية الانتهازية للحفاظ على شيكات الخليج والدفتر ( السنة ).
وستبدأ المعركة الحقيقية في هذه القوى الأربع بين الأقلية من أعضائها من أصحاب الخيانة الممكنة في سعي أمريكا إلى جعلهم أداة القضاء الروحي على الصمود العراقي والأكثرية منهم في الجماعات الأربع التي يتألف منها نسيج المجتمع المدني العراقي باعتباره رحم المجتمع السياسي الذي سيذيق أمريكا علقم الهزيمة الأكيدة: الهزيمة العراقية المؤقتة ستتحول إلى بداية النهاية للصلف الأمريكي والشروع الفعلي في التوحيد العربي المشروط في النهضة الحقيقية.

معادلة الحلف الأمريكي الإسرائيلي

إذا أدركنا دور هذا الحلف وفهمنا أنه شرط ” بقاء ذاتي” بالنسبة إلى عنصر المعادلة الثاني (وجود إسرائيل) وشرط ” بقاء صفاتي” بالنسبة إلى عنصرها الأول ( صفة أمريكا قوة عظمى ) أمكن لنا أن نفهم منطق هذه المعادلة. فإسرائيل تستمد قوتها من زعم تمثيلها للمبدأ الروحي من الحضارة الغربية. لكن الفشل البايولوجي جعل المنتسبين إلى العقيدة المزعومة أساسا روحيا للغرب لا تفوق نسماتهم نسمات دويلة عربية صغيرة فألجأهم إلى الحل البايولوجي الوحيد الممكن: منطق التطفل على الكيانات القوية مادية لامتصاص دمها والعيش على طاقاتها.
وهذا من ثوابت كل من هو في وضعهم وليس خاصية عرقية لهم: فهم لقطاء واللقطاء لا عرق لهم. وبحسب هذا المنطق يتحول المبدأ الروحي العاجز بايولوجيا إلى تطفل ترجمته الوحيدة في مستوى الفعل السياسي والحضاري هي التحيل المافياوي الذي يتعين في شكل ابتزاز مادي دائم.

وأمريكا هي العكس تماما من حيث الحجم رغم كونها من نفس النوع من حيث الطبيعة: فهي كبيرة ماديا رغم الفشل البايولوجي إذ إن نسماتها ليست بنت خصبها بل كلها مستوردة ومن ثم فهي فاقدة للتجانس الإثني والحضاري. لا عرق لها كذلك. وهي صغيرة روحيا رغم النجاح الحضاري والثقافي. فهو نجاح مستعار: إذ إن ثقافتها خليط هجين من التراكم التجميعي للنازحين وليس من التراكم التاريخي المعتق.
لذلك فهي بحاجة إلى التطفل المقابل للتطفل الاسرائيلي: هذه تتطفل على تلك ماديا وتلك تتطفل على هذه روحيا. وكلاهما لا يمكن أن يبقى إلا بالحفاظ على مبدئه أعني التطفل على العالم كله روحيا وماديا.

تلك هي العبارة الفلسفية والعلمية لطبيعة العلاقة بين أمريكا والصهونية ودورهما في العالم عامة وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي خاصة.
وقد تحير الكثير في فهمهما صوغا لها في الإشكالية الزائفة: من يقود الآخر من الزوج الرذيل أمريكا أم أسرائيل. وطبعا فالمعادلة هنا هي معادلة الإنسان الآلي الكوني: جسم آلي جهازه المادي أمريكا وجهازه الروحي اسرائيل رغم أن العلاقة تبدو معكوسة تماما في المشرق العربي لكون اسرائيل تبدو ذراعا للإرادة الأمريكية.
وهذا الإنسان الآلي لا بد أن يسعى لتحقيق شرطي بقائه. وقد تعين الشرطان ربما لسوء حظنا – وأنا اعتقد أن ذلك من حسن حظنا لكونه علة التكليف بتحرير الإنسانية منه – في الوطن العربي. فلا يمكن لمن يزعم تمثيل المبدأ الروحي أن يبقى كذلك من دون السعي إلى إزالة العقيدة التي تدخض هذا الزعم ( الإسلام). ولا يمكن لمن يمثل المبدأ المادي أن يبقى كذلك من دون السعي للاستحواذ على أصل القوة المادية ( الطاقة). لذلك فلا عجب أن يصبح مدار الصراع الكوني عند ممثلي المبدأين المزعومين كونيين بؤرته الوطن العربي ممثلا للمبدأين المقابلين تحريرا للبشرية من كل الشرور: عقيدة العرب (الإسلام) ودارهم ( الوطن العربي ).
وهذا الوصف مطابق لما عليه الأمور لكونه ليس مجرد كلام: إنه التوصيف الفلسفي المستند إلى التحقيق العلمي حول المقومات التي تتألف منها المعادلات المشار إليها في المحاولة.

المعادلة الدولية

القصد تحديد المعادلة الدولية في صلتها بالحدث المدروس. لا تهمنا المعادلة المطلقة إن سلمنا بوجودها, فضلا عن كوننا قد عالجناها في دراسات علمية لا يتسع لها مجال المقالات الصحفية. وبهذه المعادلة ينتهي البحث أنى بدأ. فالمطلوب تحديد العناصر المقومة للمعادلة الدولية وعلاقات التفاعل بينها من منظور المعادلة العربية في صلتها بالمعادلة العراقية التي فرضها الحدث الظرفي.
وبهذا التحديد يمكن فهم شروط توظيفيها فعلا وانفعالا في التأثير التاريخي الكوني الذي صرنا القائمين بأهم الأدوار فيه حتى وإن كان ذلك بالسلب (تصديا لإسرائيل وأمريكا) لما يسيطر علينا من عدم الفهم أولا ومن الضعف الناتج عن رداءة توظيف أدوات التأثير الفعلية اقتصارا على التأثير الفعلي ثانيا ( نحتا من “رد فعل” مع النسبة بحسب قوانين القياس العربي الفصيح كما فعلنا بالنسبة إلى “شرق أوسط” التي اشتققنا منها شرسطي بدلا من الكلمة الممجوجة”شرقأوسطي” السارية في الصحافة المرئية والمكتوبة الجاهلة, حرصا منا على أحد مقومات الهوية أعني اللغة العربية التي بدأ الانحطاط بما ألم بها من تدن لعل أفضل علاماته أن جل الحكام العرب ليسوا على علم بوجود الخليل وسيبوية: يشتق فعل رباعي من الكلمات التي تنحت بحسب الذوق العربي ثم تطبق عليه كل قواعد الاستقاق مثل ذلك حوقل وبسمل وحمدل الخ… ).

المعادلة الدولية في صلتها بالحدث هي المعادلة المؤلفة من المعادلات الأربع السابقات. فنسبة المعادلة الأولى في ترتيبنا إلى الحدث هي عينها نسبة المعادلة الرابعة فيه إليه: أمريكا واسرائيل لا تفعلان في الحدث العراقي إلا بتوسط المعادلة الأولى, معادلة محيط العراق. ونسبة المعادلة الثانية إلى المعادلة العراقية هي عينها نسبة المعادلة الخامسة التي نحاول تحديدها هنا إليها. معادلة فعل العالم في العراق تمر من خلال المعادلة العربية: مثال ذلك عجز فرنسا في فعل شيء سببه الأساسي أنها لا تستطيع ارضاء طرف عربي إلا باغضاب طرف آخر. لذلك ففرنسا توجد دائما في وضعية لا تحسد عليها في التعاطي مع الشأن العربي عامة والعراقي والفلسطيني خاصة. لا تستطيع حتى التحدث صراحة بما تراه فضلا عن التخطيط للعمل المؤثر: فما يمكن ان تقوله قد يصل إلى أمريكا واسرائيل قبل أن يفرغ المتكلم من ممثليها من كلامه مع ممثل الطرف العربي.
ولما كان الطرف الذي قد تغضبه هو المؤثر في مصلحتها القريبة (الاقتصادية والتجارية الآنية ) والطرف الذي قد ترضيه هو المؤثر في مصلحتها البعيدة (التحرر من الهيمنة الأمريكية في الاقتصاد والتجارة ) فإن المسألة تصبح بالنسبة إلى الفرنسيين مسألة داخلية. وذلك هو الأمر الذي يفهمنا علة الصراع الأمريكي الفرنسي. لو لم يكن الأمر ذا صلة بأمور ذات أهمية ذاتية لفرنسا لتوصلت قياداتها إلى حلول وسطى مع أمريكا ولما غامرت بالعداء الصريح لمن يستطيع أن يضرها خاصة وأوروبا ما تزال هشة يجري فيها تقريبا ما يجري في المجموعة العربية بسبب دائين هما مؤامرات ما بقي من الامبراطورية الانجليزية المضمحلة ومداهنات البقايا الأوروبية من الأمبراطورية السوفياتة المنحلة فضلا عن سياسة تقزيم الكبار وعملقة الصغار التي تنتهجها فيها أمريكا: من الغباء الظن بأن فرنسا تعادي أمريكا من أجل بعض العقود البترولية أو أن أمركيا تعادي فرنسا من أجل نفس العلة, إذ يعلم الجميع أن كل ما هو تجاري يقبل التفاوض وينتهي عادة إلى حلول وسطى ترضي الجميع.
وهذه المسألة الداخلية هي: أي المصلحتين أولى بالتقديم مصلحة فرنسا العاجلة أم مصلحتها الآجلة. إذا مالت فرنسا لفقراء العرب أغضبت أغنياءهم وفرطت في مصلحتها العاجلة. وإذا مالت إلى أغنيائهم فرطت في مصلحتها الآجلة. وإذا حاولت التوفيق خسرت على الواجهتين: والموقف الشجاع لديغول فرنسا الثاني هو تقديم مصلحة فرنسا الآجلة على مصلحتها العاجلة. من هنا يصبح الدور الدولي في المسألة العراقية ( والفلسطينية كذلك ) تمثيلا له بدور فرنسا- لكونه الأبرز- محكوما بالمعادلة العربية. وما قلناه عن فرنسا يمكن القيس عليه بالنسبة إلى الدور الروسي والصيني والهندي فضلا عن دور الدويلات الافريقية والإسلامية التي تقتات على المعونات الدولية.

الخاتمة

ستكون الخاتمة في هذه المرة بأهمية الفاتحة: فيها ينجلي مبدأ المبادئ. فسر الأسرار هو أن المعادلة العربية عين أو مثال متعين من المعادلة الدولية والمعادلة العراقية عين أو مثال متعين من المعادلة العربية. لذلك فالحرب الأهلية العراقية التي شرعت في الوجود الفعلي بعد أن كانت في الوجود بالقوة بسبب الغزو الأمريكي مقدمة لتحرير العراق من الاحتلال هي التعين الفعلي للحرب الأهلية العربية التي ليست إلا حالة مصغرة من الحرب الأهلية العالمية التي سيكون فيها النصر بتحرير الإنسانية من زاعمي تمثيل المبدأ الروحي والمادي للحضارة الغربية: إسرائيل وأمريكا.
العالم كله وليس العراقيون والعرب وحدهم هو الذي سيحارب الصهونية بشكليها الإسرائيلي (زعم بعث الأرض الموعودة القديمة) والأمريكي (زعم تأسيس الأرض الموعودة الجديدة) في العراق أولا وفي الوطن العربي ثانيا وفي العالم الإسلامي ثالثا وفي العالم كله أخيرا. وبذلك نفهم أن العراق -بما هو محل الفتنة الكبرى التي لم تحسم إلى الآن-هو الدمل الذي لا يمكن للأمة العربية أن تستأنف دورها من دون الحسم فيه. وبذلك يعود العرب لدورهم قلبا للعالم الإسلامي الذي هو قلب العالم في الحرب التحريرية من المافيتين الروحية والمادية الحرب على وحدتهما في شكل مرضي هو شكل الإنسان الآلي العالمي الذي تمثل اسرائيل روحه أو “السوفتوار” وأمريكا جسمه أو “الهارد وار”. وبهذا المعنى فنحن قد صرنا كما كنا وكما سنبقى مستقبل كل الآفاق الإنسانية: ذلك هو الأفق المبين الذي يمثله الإصلاح الإسلامي للتحريف.
وبذلك تصبح الصحوة استئناف الدور الكوني للامة وليست مجرد إصلاح للشأن الداخلي: فشأننا الداخلي هو عين الحياة الروحية للبشرية.


خداع التحالف أو حصر المعادلات المؤثرة في الحدث – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي