حلف الفجار يخفي الهزائم ببروباغندا الانتصار

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله حلف الفجار يخفي الهزائم ببروباغندا الانتصار

أقرأ أحيانا مجبرا لضرورة المتابعة بعض مليشيات القلم العربية في تونس و غيرها ممن يطبلون لما يسمونه صف الممانعة وانتصاراته وخاصة من يدعي القومية أو الإسلامية منهم لا أستطيع ألا افرك عيني لافهم مستندات فرحهم بنصر حققته بعد أن تهدمت سوريا وصارت أثرا بعد عين وقبلها العراق وبعدها آت.

وكنت سأجد لموقفهم هذا بعض الوجاهة لو كانت النتيجة المحافظة على سيادة أو استرداد سيادة أو تحقيق شروط استردادها. أما والهلال كله أصبح محتلا من قوتين اقليميتين ومن قوتين تسندهما فهذا لعمري ليس دليل فهم استراتيجي يمكن للمرء أن يقدمه بزهو بل هو دليل فقدان البصيرة والعقل.

وكان الكثير من هؤلاء الطبالين للممانعة المزعومة أو مليشيات القلم يعتبر تشخيصي غير موضوعي وناتجا عن موقف يصفونه بالطائفي لأني قلت إن ما سمح به لإيران لم يكن إلا لأن حنين أهلها لمنزلة سابقة على الإسلام تحول دونهم وفهم سكوت أعداء الإسلام عليهم لا يتجاوز توظيفهم في دور الجرافة لصالحهم هم.

فهذا من ثوابت تاريخ الإسلام منذ أن تكونت فرق الباطنية التي ألغت بعدي ثورة الإسلام واستعادت ما تجاوزته أعني سلطة الوساطة الروحية (الكنسية) وسلطة الوصاية السياسية (الحق الإلهي في الحكم) ما أدى إلى الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التي لم تتوقف بين الإسلام والطائفية الناكصة لما قبله.

وهذه الحقيقة التاريخية التي لا يجادل فيها إلا معاند ليست هي موضوع بحثي الآن بل وجود نخب يمكن أن تصدق الاستراتيجية الدعائية لهذه النزعة فتعتبر أن احتلال الهلال كله والتفكير في التبشير بالسلاحين اللطيف والعنيف في بقية أرض العرب يقبل بحجة دور إيران في مقاومة إسرائيل بالكلام.

لذلك فكم كانت فرحتهم وازداد تطبيلهم لأن النظام  أسقط طائرة إسرائيلية بعد سكوت تجاوز نصف قرن على احتلال الجولان وحرمانه من بالبحيرة ناسبين ذلك إلى استراتيجية جديدة لصف المقاومة. وطبعا فمن قبل بكل ما تقدم على الثورة من عنتريات حزب الله ونجاد يقبل سعيه لاسترداد مصداقية وهمية.

الحقيقة التي لا يمكن اخفاؤها الآن هي أن اللعبة خرجت من أيدي أهل الاقليم كلهم وأن سوريا صارت مستعمرة أمريكية روسية مباشرة مع حلف استراتيجي بين أمريكا وإسرائيل وحلف تكتيكي بين روسيا وإيران وليس لتركيا في المعادلة إلا ما  يغضب أمريكا وروسيا بخصوص ذراعيهما التابعين حتما.

وكنت أعتقد أن النظام السوري لو بقي له بعض سيادة والنظام العراقي والنظام الإيراني لو كان لهم استشراف خطة القوتين الكبريين أن يتحدوا لمنع الخطة البينة التي تجعل أمريكا وروسيا يتقاسمان سوريا مع حظ أوفر لأمريكا من روسيا لأنها لها إسرائيل وتسعى لخلق دولة كردية تهدد وحدة دولهم.

لكن حمق القيادات الإيرانية وتبعية القيادات السورية يقدمون المنافسة مع تركيا على مقاومة الخطة الأمريكية البينة حتى يحافظوا على عنترياتهم الكاذبة والتي تدعي أنهم انتصروا على تركيا وأمريكا لكأن أمريكا صديقة لتركيا في هذه المسألة. والأصلح لتركيا ألا تغمر وحدها لمقاومة المشروع.

ذلك أن الاطمئنان لروسيا والاعتماد عليها فيه قصر نظر. فلا يمكن لروسيا أن تقف ضد إسرائيل وأمريكا لأنها حتى لو تصورناه تريد ذلك سياسيا -وأنا اعتقد أنها لا تريده لأن سلطان إسرائيل فيها لا يقل عن سلطانها في أمريكا-فإنها لا تستطيعه لضعفها البنيوي اقتصاديا وعسكريا ولهشاشة السياسية.

وفي هذا المضمار كتب أحد اللحاسين للملالي -مغربي تشيع-أن من علامات جهلي أني اعتبر روسيا ليست قوة عظمى. لكأن عظمة الدول تكمن في ملكية سلاح الدمار الشامل وكفي. فبهذا المعنى كوريا الشمالية قوة عظمى والقذافي الذي كان ينوي شراء قنيبلة قوة عظمى وإيران قوة عظمى وهلم جرا..

عظمة الدول لها معايير يعلمها الصينيون الذين هم الآن أكبر دولة من حيث الديموغرافيا ويسابقون الزمن للوصول إلى مستوى الندية مع أمريكا ولا تسمع أحدا منهم يجعجع فيدعي أنه قادر على منازلة أمريكا في القوة بكل معانيها الراجعة إلى عاملين لا ثالث لهما: الإبداع العلمي لشروط الحماية والرعاية.

وليس في ذلك تقزيم لأمريكا بل تقدير لمقومات القوة الفعلية وليس الدعية: فإذا كانت ميزانية الدفاع الأمريكية تساوي الدخل القومي الخام لروسيا فكيف يمكن المقارنة بينهما في معنى القوة العظمى ولست بحاجة للإشارة إلى علاقة الإبداع العلمي والتقني بمتطلبات الحماية والرعاية أي مقومي السيادة.

وإذا كان الدخل القومي الخام لإيران لا يتجاوز خمس ميزانية الدفاع الامريكية فإن من يصدق عنتريات الملالي ينبغي أن يكون قد بلغ درجة من الحمق والسخف ما لا يتصور عاقل دونه مستوى. دور إيران واضح: جرافة لما يمكن أن يهدد مصالح أمريكا وإسرائيل البعيدة يعني الاستئناف الإسلامي.

والغرب يعلم منذ قرون من يمكن أن يحققوا ذلك: هم يعلمون أنه خلال كل تاريخ أوروبا المسيحية والإقليم الإسلامي لم يكن لهم صدام لا مع إيران ولا مع أي شعب آخر من المسلمين بل كان صدامهم بداية مع منشئي دولة الإسلام (العرب) وغاية مع آخر حماتها (الاتراك): والتاريخ لا يرحم.

خاصة إذا أضفت إليه زرع إسرائيل في قلب هذا الاقليم الذي هو قاطرة دار الإسلام كلها: فإذا استأنف العرب والاتراك دورهم التاريخي الكوني دون أن يكون من جنس ما كان سابقا بل بمنطق العصر الحديث وبمعايير نظام العالم الجديد الذي لا يعيش فيه إلا العماليق استأنف المسلمون كلهم دورهم الكوني.

لذلك فالاستراتيجيون الغربيون يعلمون أن السماح باستئناف الاسلام دوره في الإقليم يعني السماح بتكون عملاق بمقياس العصر الحالي وبإمكانات لا يملكها أي عملاق في العالم بمن فيهم أمريكا والصين وهما أكبر عملاقين فيه حاليا. وذلك بمعيار الأحياز الخمسة لقيام الأمم والدول.

فلا مثيل لجغرافية دار الإسلام موقعا في المكان أرضا وبحرا وجوا وثروات ولا مثيل لتاريخ الإسلام موقعا في الزمان تراثا ووصلا بين قديمه وحدثه ولا مثيل لمرجعيته التي هي رسالة للبشرية كلها وليس دينا من بين الاديان لأنها أسست لحرية الإنسان الروحية (لا وساطة) والسياسية (لا وصاية).

لا أنكر أن المسلمين لم يبق لهم علاقة حقيقية بهاتين الثورتين: نكصوا إلى ما دون قيم الإسلام فصارت لهم وساطة (علماء السلطان) ووصاية (شرعية المتغلب) وعطل الدستور المعرفي (علما ومنهجا) والدستور السياسي (حكما وتربية) فصارت أمة القرآن في ذيل جماعات الإنسان.

لكن ذلك بصدد الانقشاع: من هنا تحالف الجميع ضد ثورة الشباب بجنسيه لأنها ثورة بدأت بمطالب التحرر واكتشفت أن ذلك مشروط بمطالب استكمال التحرير وحينها أدركت أن ما يحول دون التحرر والتحرير هو تفتيت الجغرافيا الإسلامية وتشتيت التاريخ الإسلامي لمنع ثمرتيهما المادية والروحية.

ومن ثم كانت الحرب على الإسلام ذات فرعين: لطيفة بالتشويه والأدلجة المضاعفة عند من يدعون تمثله والدفاع عنه وعند من يدعون تمثيل الحداثة والحرب عليه كلاهما يحاربه بتشويه قيمه وقيم الحداثة لئلا يتطابق الكوني فيهما لتعطيل الاستئناف. ثم عنيفة بإحياء الفتنة الكبرى وزرع الفتنة الصغرى.

فأما احياء الفتنة الكبرى فرمزها ما يزعم ثورة تنسب إلى الخميني وجهادا ينسب إلى أمراء الحرب. وأما زرع الفتنة الصغرى فيمثله أدعياء العلمانية والليبرالية وهم مليشيات إسرائيلية تماما كمليشيات الفتنة الكبرى التابعين لإيران. فأمراء الحرب ليسوا إلا دمى غير واعية تستعملها الخمينية.

لعل ما أبينه هنا يبدو وكأنه تكلف شديد التجريد ولا يعبر عن معطيات ملموسة. وطبيعي أن يبدو الأمر كذلك. ذلك أن النخب الحاكمة ومليشيات القلم التابعة لها قيادات عمياء صماء بكماء لا تقدر على شيء لأنها في الحقيقة مجرد عملاء نصبهم الأعداء توابع في محميات يتوهمون أنها دول.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي