حلف الفجار من عبيد الاستعمار وأسباب الدمار

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله حلف الفجار

لما انعقد ذلك اللقاء الكبير الدي سمي تحالفا إسلاميا لخمسين دولة في استعراض صبياني لبعض الأسلحة المستوردة توقعت أنه ليس للحرب على القوى الأجنبية لأنها هي الحامية للملتقين ولا على إسرائيل لأنها هي ذراع هذه القوى في الإقليم ولا حتى على إيران لأنه الذراع الثانية تحت الطاولة.

فلم يبق أمامي بمنهجية السبر والتقسيم إلا عدو واحد للأنظمة التي دعت ومولت ونظمت هذا المهرجان الدونكيخوتي لجيوش طراطير العرب خاصة وبعض المسلمين ممن يجارونهم لعلل يعلمها الجميع: إنها الثورة ليس لأن لها قوة عسكرية يريدون منازلتها بل لأن قوتها الشعبية لم تعد تخشى شيئا وينبغي ترهيبها.

لكن ما كان حينها استنتاجا بطريقة السبر والتقسيم أصبح اليوم حقيقة يعلنها أصحابها دون خجل ولا وجل: ضموا إلى هذا الحلف إسرائيل ويوهمون الناس أنهم فعلوا للخطر الإيراني الداهم. وظنوا أن الناس غافلون عن أن إيران نفسها مقوم أساسي من هذا الحلف لأنه مثلهم تخشى يقظة شعبها.

لا شك أن لإيران اجندة موازية لهذا الخوف تسابق الزمن لإنجازها حتى تمكنها من ضرب عصفورين بحجر واحد: إنها تسعى لتحقيق شرط مناعة النظام كقوة إقليمية -من جنس كوريا الشمالية النووي ولو بتجويع الشعب للمحافظة على نظام قروسطي-تتقاسم مع إسرائيل دور الشرطي الإقليمي لعمالقة العالم.

وكنت أفهم أن يكون لأنظمة العرب ممن نظموا هذا المهرجان ويدعون قيادة الإسلام السني يمكن أن يضموا أحد الاعداء لصفهم إذا كان ذلك ناتجا عن تقدير الحاجة إلى تأجيل الحسم معه لحين لأن لهم استراتيجية تحقق مشروعا إيجابيا كما حدث في حالة قبول الغرب الحلف مع ستالين في الحرب الثانية.

لكن مثل هذه الفكرة لا وجود لها حتى في الأحلام. الفكرة الوحيدة التي أصابتهم بالهوس العصابي هي الخوف على أنظمتهم من الثورة أي من يقظة شعوبهم وخاصة منذ أن ثار شعب مصر الذي يمثل لوحده ربع المنتسبين للجامعة العربية. الهلع والخوف من الثورة هو الدافع الوحيد لهذه المسخرة.

ولما صمدت الثورة في سوريا وليبيا وتونس و”خمجت” في مصر وفي سوريا وفي اليمن فلم تحسم لصالح الثورة المضادة رغم كل ما فعلت إيران ومليشياتها بالسيف والقلم وبوتين وعنترياته التي فضحت حدود قوته أسقط في أيديهم: فلم يبق لهم إلا تكرار جنيس صفقة الحرب العالمية الأولى: الصفقة الكبرى.

في الصفقة الأولى-خلال الحرب العالمية الأولى- نفس العرب وإن بممثلين آخرين- قائمون بالصفقة المضاعفة: الحرب على الخلافة رمز الإسلام وتسليم فلسطين رمز مقدساته ثمنا لتكوين دويلات هي إلى الآن محميات وفي الصفقة الثانية: تسليم الإسلام نفسه بتجريم الدفاع عن الأوطان والأعراض والمقدسات.

لم أعد بحاجة لاستدلال طويل لأحدد عدو أصحاب الصفقة الكبرى والحلف الذي صار عربيا بعد أن أحجم الكثير ممن جاروهم في مهرجان استعراض الخردة المستوردة وكانوا يسمونه حينها حلفا إسلاميا: كل من يدافع عن قيم الإسلام وعن ارض أهله وعرضهم ومقدساتهم ليمنع الصفقة الثانية أي تسليم فلسطين كلها.

وحينها نفهم علة الاستعجال في الحسم: ذلك أنهم يعلمون أن الجمع بين محركي الشعوب إذا حصل لن يهزم أصحابه حتى لو اجتمع العالم كله ضدهم: المحرك الروحي: الدفاع عن المرجعية الروحية للجماعة إذا تعين في قضية بين الأمة واعدى أعدائها (إسرائيل) والمحرك المادي: شروط الحرية والكرامة في الدنيا.

فالجمع بين الدافع الروحي والدافع المادي أو بين الدفاع عن المقدسات الروحية إذا تعينت حتى صارت ملموسة (في المرجعية وفي معالمها التاريخية) والدفاع عن الضروريات المعيشية إذا تعينت حتى صارت محسوسة (في الحياة اليومية لغالبية الشعب) استيقظت الأمة بدافعي الفعل الأسمى والأدنى.

واجتماع دافعي الفعل الأسمى (الدفاع عن المقدسات) والأدنى (الدفاع عن الضروريات) في مفهوم هو جوهر ما به وحد الإسلام كيان الإنسان بوصفه معمرا للأرض (لسد حاجاته العضوية) ومستخلفا فيها (لسد حاجاته الروحية) كانت النتيجة مفهومي الحرية والكرامة وجوهر معاني الإنسانية (ابن خلدون).

ولا أعتقد أن الحمير الذين يمولون الثورة المضادة يفهمون هذه الأبعاد. من يفهمها هو من نصحهم بهذه الاستراتيجية (بلار وكوشنار وبعض قوادة العرب ممن يسمون نخبا أو خبراء): ذلك أن ما هو بصدد الحصول ويراد للصفقة تجنبه هو أن الثورة التي كانت فاقدة للقيادة تعينت صفات قيادتها.

فالقومي واليساري والليبرالي والجامية ومليشيات القلم والسيف كلهم توابع لهذه الأنظمة التي تمول الثورة المضادة وتسترشد ببلار وكوشنار كلهم انضموا للثورة المضادة. عادت قيادة الثورة لأحرار من الأمة الذين جمعوا بين الدافعين المتحدين في الإسلام: منزلة الإنسان الدنيوية والأخروية.

وهو جمع يجعل الثورة غاية التأصيل وغاية التحديث في آن: لم يعد الإسلامي محاربا لحقوق الإنسان باسم الخصوصية المغشوشة أو خدعة الاستبداد والفساد في أنظمة العرب القبلية ونخبها ولا محاربا لواجباته الروحية باسم الكونية المغشوشة أو نفس الخدعة لنفس الغاية في أنظمة العرب العسكرية ونخبها.

ومن يدرك أهمية وصول الثورة إلى هذه الوحدة القيادية: حركة اسلامية مستنيرة تجاوزت الفصام المرضي بالجمع بين المدخليين القيميين تأصيل لا يتنكر للتحديث وتحديث لا يتنكر للتأصيل واستراتيجيتها تتجاوز كاريكاتور التأصيل المحارب للتحديث وكاريكاتور التحديث المحارب للتأصيل سبب الحرب الأهلية.

ذلك ما يريد بلار منعه باسم بريطانيا التي “خلقت” هذه الانظمة ولا تزال تحميها وما يريد كوشنار منعه باسم اسرائيل التي تتولى الحماية المباشرة لهذه الانظمة. وهم لا يستحون من الإعلان على ذلك ويوهمون الناس أن العلة هي الخطر الإيراني. نعم إيران خطر على الامة لكنهم هم أيضا خطر عليها.

ومن حيث الخطر على الأمة فهم حلفاء إيران: لا يريدون هذه الوحدة القيادية التي تمثل بداية النهضة الحقيقية في عصر العماليق بل يسعون للإبقاء على ما يسمونه دولا وهي محميات يحكمها بلار وكوشنار وليس لطراطير العرب إلا السمع والطاعة وتمويل الوضاعة والخلاعة في كل بلاد العرب.

هبنا افترضنا كلامهم صحيح: هل يمكن أن يكون من مصلحتهم الحلف مع من يطالبهم بتحقيق اغتصابه لمقدسات الامة بمجرد وعد لا يختلف عن وعد إنجلترا للعرب في حملهم على المشاركة في اسقاط الخلافة؟

ما أدراهم أن ما يجري ليس مثيلا لنفس اللعبة أو لنقل إنه إتمام لنفس اللعبة ولكن لتبعية أكبر؟

تأخذ إسرائيل كل فلسطين بعد أن نصبت السيسي على مصر تنصيب مراهقين في المحميات التي تمول الثورة المضادة فتقضي على القطر الوحيد الذي له حجم دولة وإن كان الآن محمية لتفتته فتجعله “امَيْرَات” تقسمها بين القبائل فتصبح الدولة الإسرائيلية ليس من الفرات إلى النيل فحسب بل كل المشرق العربي

أي إنها تدعي حمايتهم من إيران لكنها في الحقيقة تعد لتصبح محاذية لإيران على ضفة الخليج الغربية ومن أدراني فقد يكون ذلك بتفاهم بينهما: تتركها إسرائيل تحتل الهلال وهي تترك إسرائيل تحتل الجزيرة: فيسودان على ما بين الغرب والشرق في نظام العالم الجديد: الطاقة والموقع الجيوستراتيجي.

وبذلك فإن نفس السذاجة البدوية التي استعملت في الحرب العالمية الثانية لتنظيم الإقليم حسب مصالح قوتي العصر حينها -انجلترا وفرنسا-تستعاد مرة  ثانية -بخطط جنيسة لخطط لاورنس العرب الثاني الذي كان يعمل مع صهاينة العصر سرا (وعد بلفور) وصار جهرا كوشنار (وعود ترومب) لإتمام المشروع.

ما المشروع؟

إنه مشروع واضح المعالم حتى وإن تغافل عنه أدعياء التحليل الاستراتيجي رغم أن أصحابه لم يخفوه ابدا: كيف نحول دون الشعب الذي أسس دولة الإسلام والشعب الذي حماها إلى بداية القرن الماضي أن يستأنفا دورهما في حماية الإقليم واسترجاع دور الامة في نظام العالم المقبل؟

ما يجري حاليا وبنفس الطريقة تقريبا هو عين ما جرى خلال الحرب العالمية الأولى: ألا تلاحظون أن ممولي الثورة المضادة من قبائل العرب لا تتوقف حربهم على ما وصفت من توحد القيادة في إسلام مستنير تجاوز الصراع بين التأصيل والتحديث وعلى تركيا بوصفها بدأت تستعيد هويتها الإسلامية؟

ألا تعجبون من أن أكبر خونة الإسلام والعروبة صاروا إسلاميين وعروبيين ضد تركيا؟

ما العروبي في محميات تسعون في المائة من سكانها غير عرب؟

وما الإسلامي في من ثروته كلها مستمدة مما يتنافى بالجوهر مع قيم الإسلام؟

قيادات تركيا حتى لو كانت لهم نزعة عثمانية فهي لا تفعل إلا بتفتت العرب.

الخطر ليس تركيا ولا إيران ولا حتى إسرائيل: الخطر هو تفتت العرب وفساد قياداتهم التي هي مجرد خواتم في اصابع بلار وكوشنار في المشرق ومن يناظرهم في المغرب. الخطر على العرب مصدره العرب أنفسهم: ولا مخرج للعرب من نكوصهم إلى الجاهلية إلا باستئناف قيم الإسلام المتصالحة مع قيم الحداثة.

ثورة الشباب رغم تعثرها لاتحاد الكل ضدها -تماما كما حدث في الثورة الفرنسية التي صارت ثورة أوروبا كلها رغم هزيمتها العسكرية-لن تتوقف حتى تحرر العرب من كاريكاتور التأصيل الذي يحول دون التحديث وكاريكاتور التحديث الذي يحول دون التأصيل ومن وحدة الكاريكاتورين في الثورة المضادة.

ولهذه العلة فإن الحرب القائمة حاليا والحلف الذي تقوده حامية الثورة المضادة -إسرائيل-علنا ومن ورائها بلار وكوشنار ليست على ثورة الشباب وحده بل هي كذلك على تركيا التي يتخوفون من أن يكون دور التعين الفعلي للمثال الذي يريده الشباب بجنسيه: تأصيل متصالح مع تحديث غير تابع: حرية وكرامة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي