حكومة الشاهد، غير شرعية وتهدد قيم الثورة

**** حكومة الشاهد غير شرعية وتهدد قيم الثورة

تكلمت البارحة على عدم شرعية حكومة الشاهد دستوريا ليس بالاعتماد على حرفية النصوص كما يفعل من يهمل شروط النظام الديموقراطي التي لا تحتاج لأن يخصص لها الدستور فصلا. فلا معنى للتداول على الحكم إذا كان يمكن بين الدورتين للمعارضة أن تصبح هي الحاكمة من دون أن تصولها الانتخابات. وما أظن أحدا يشكك في أن حكومة الشاهد ستحكم بالاستناد إلى كتلتين خرجتا من الحزب الذي ربح الانتخابات -كتلته من دون وكتلة حزب مرزوق-وكتلة لم تربح الانتخابات -كتلة حزب النهضة-ومن ثم فهي لم تمر بما يضفي على اغلبية الأمر الواقع ما يجعلها أغلبية شرعية بالأمر الواجب أي الانتخابات. ومن يناقش في المبدأ فكمن يريد أن ينفي أن الانتخابات تمد رابحها بشرعية تدوم ما لم يقدم تاريخ الانتخابات ويحل المجلس حتى تصبح أغلبية الامر الواقع أغلبية ذات شرعية مستمدة من العودة إلى الشعب. وإذا ناقش في ذلك فمعناه أنه لا يؤمن بشروط الديموقراطية التي هي “سيني كوا نون” ما لا شيء يحصل من دونه. وطبعا قد يعاب علي أني بهذا قد أكون معارضا لموقف الإسلاميين الذين يعلم الجميع أني من أقربائهم بمعنى الخيارات الكبرى. وحتى لو كان الامر مقصورا على الأمور الدستورية فإني لا يمكن أن أؤيد ما اعتبره منافيا لما هو عندي شرط صدق الإسلاميين في احترام الشروط الجوهرية لبناء الديموقراطية بصدق. لكن الأمر أعمق من هذه القضية المبدئية التي أعيد وأكرر حتى بها وحدها كان موقفي سيكون ما عرضته أمس في كلامي على عدم شرعية الحكومة حتى لو حصلت على موافقة المجلس. والأمر الأعمق يتعلق بالاستراتيجية في مستوييها: • كاستراتيجية سياسية لدور الإسلاميين • وكاستراتيجية سياسية لدور تونس عامة.

وسأبدأ بالدور الاول: ولي في ذلك علتان تجعلاني اعتبر ما حصل خطأ استراتيجيا. أولا لو فرضنا أن النهضة تنوي الترشح للرئاسيات فما فعلته سيلغي كل حظ يمكن أن يحلم به من يسعى إلى الرئاسة منها. فالوضع لو تغير بقرطاج 2 كان سيكون دون الوضع الذي سينتج عن الحل الحالي. ولا يمكن أن أصدق أن مرزوق دخل إلى الحلف الحالي لأنه تصالح مع النهضة بل لأنه متفق مع الشاهد على بديل من النداء والبقية التي ما تزال فيه ستلحق بهم. ولما كان الشاهد “فيارج” سياسيا ومرغوب فيه غربيا وأقل صبغة يسارية فالكثير من الدساترة الذين كانوا محجمين من سيطرة اليسار على النداء سيلحقون به. وإذا تحقق له ذلك فسيبادر بالتنصل من الحلف مع النهضة. ذلك أن من شروط تحييد اليسار وما منه ما يزال ذا سلطان في الاتحاد سيساعده على هدنة اجتماعية فضلا عما يعاني منه الاتحاد حاليا من عزلة وفشل وخوف مشترك بينه وبين الأعراف من سقوط البقرة الحلوب الخوف من عجزها عن إرضاعهم إذا أفلست. وقد سبق أن قلت لبعض الاصدقاء إن ترشح الشيخ الغنوشي للانتخابات يعني نجاح مرزوق في الدورة الثانية. لكن ما حصل سيجعل ذلك أكثر رجحانا ولكن ليس لمرزوق بل للشاهد. وطبعا الشاهد لن يرضى بأن يكون له الرئاسة دون الاغلبية النيابية. فتكون النهضة بذلك قد خسرت الفروع الثلاثة من السلطة. وأكاد أجزم بأن هذا السيناريو شبه يقيني لأنه مبني على المحلي والاقليمي حتى القريب جدا والعالمي. ومن ثم فعندي أن النهضة قد وقعت في فخ خطير ولذلك قلت خليها على الله. ولا يمكن أن أكون ملكيا أكثر من الملك. فلها قياداتها وهم أكثر مني تجربة. لكن ذلك لا يمنع من أقول كلمتي ولا “آلو”.

ولأختم بجملة حول الاستراتيجية الأولى: المبدأ العام في كل استراتيجية هي ألا يحالف المرء من يتوقع أن يكون أقوى منه في المستقبل بعد أن يساعده على من هو أضعف منه في الحاضر. وهذا مبدأ لا يجهله أي جنرال في الحروب ولا يجهله أي سياسي في المعارك السياسية الحاسمة. ثم بجملة تتعلق بالاستراتيجية الثانية: من يمده الله بفرصة جعل تونس رائدة ثم يضيعها لعلل حزبية ذاتية لا يمكن أن يكون بحق أهلا للموعد مع التاريخ. ولولا هذين المبدأين ما كتبت في الأمر. لأن الكثير من العجلين سيعتبر ذلك مني وكأنه تغير في الرؤية بخصوص دور الإسلاميين. وهو أيضا خطأ جسيم. فما كنت أبدا من أي حزب إسلامي لكني بالجوهر ذو توجه إسلامي بالمعنى الذي أفهم به الإسلام كما بينته في التفسير: إذا لم يكن الإسلام مؤسسا للقيم الكونية ومتقدما على تقدم في السعي إلى تحقيقها بشروطها فهو ليس ما يتضمنه القرآن بل هو من تحريفاته والنكوص إلى الجاهلية واستخدام شعائره بدل خدمة قيمه. ما كتبت إلا لعلتين: اعتقد أولا أن التاريخ أمد الإسلاميين بإثبات أنهم أكثر حداثة من أدعياء الحداثة بتحقيق قيمها فعلا وليس بالتعجل في استثمار فرصة قد تضيع للأبد. وأعتقد ثانيا أن تونس تستحق أن نعمل بشروط الخروج من الخسر وخاصة الأخيرين منها: التواصي بالحق والتواصي بالصبر. والمعركة المقبلة وهي ستبدأ سريعا لن يفيد فيها سباق التطبيع لأن إسرائيل والغرب سيعتبرانها معركة أجيال أولا ومعركة خيارات إيديولوجية ثانيا ولن يستثمروا في الماضي: فبمقتضى الأجيال كل الذين خرجوا مؤخرا من حزب المرزوقي قد يجدون لهم مكانا في حلف أكثر تشبيبا في قياداته من حركة التوافق السابقة ومثلهم حزب البسكلات. وبمقتضى الايديولوجيا أصحاب “نمط المجتمع”. وهكذا فقد شفعت فرصة البلديات التي ضاعت بـالفرصة المقبلة التي بدأت تضيع تكون الاستراتيجيا التي تحرك الإسلاميين غير مفهومة على الأقل عندي. وآمل مرة وألف مرة أن يكون تحليلي غير صائب. لكني أعتبر ما حصل في هذا الانقلاب، نعم الانقلاب، مصيبة فعلية على تونس.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي