حزوهم – راهم يتعاركوا على رأس الثورة

– راهم يتعاركوا على رأس الثورة –



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تمهيد

أنوي إن شاء الله كتابة نص حول قصتي مع رؤساء جمهورية تونس الخمسة من المرحوم بورقيبة إلى المخلوع ابن علي إلى شاهد الزور إلى المرزوقي إلى السبسي.
فلي مع كل واحد منهم قصة لا بد من قصها للتاريخ. بعض فصولها حلو وبعضه مر.
لكنها جميعا يمكن أن تكون مفيدة لشباب الثورة.
ولي على كل قصة شهود بخصوص المتوفى أو الغائب.
أما الأحياء فبوسعهم أن يكذبوا إذا وجدوا في ما أقول تقويلا لهم بما لم يقولوه.

تمخض الجبل فلم يلد حتى فأرا

سمعت خطاب رئيس الجمهورية أمس ختما لمارتون المشاورات حول ما يسمونه حكومة الوحدة الوطنية وهو عندي حكومة جبهة الإنقاذ الثانية فما الحصيلة؟

باستثناء المقارنة الهزلية بين صحته وصحة سلفه لم يبق إلا الحيرة بين عنوانين:
تمخض الجبل فلم يلد حتى فأرا
أو
بلغة كبش العيد “حزوهم راهم يتعاركوا على رأسي”.

أعني كبش العيد ما بقي ممن يمكن أن يسند بعض افكار الثورة وبالتحديد كل من أعيدت ضده جبهة الانقاذ الثانية تحت اسم الوحدة الوطنية.
وخاصة النهضة يتصورونها كبش العيد.

كلا العنوانين مطابق لحقيقة الحصيلة.
فكما توقعت منذ تأسيس حكومة الصيد أن الهدف هو ما نراه اليوم وأن الصيد سيكون رجل الدولة الوحيد بصموده.
فـي ندوة التوافقات التي نظمها مركز وزير خارجية تونس في حكومة الترويكا الأولى توقعت أن تسمية الصيد غايتها استرجاع سلطان قرطاج وتهميش القصبة كما في عهد ابن علي.
وتوقعت أن ذلك سيؤدي إلى أزمة لأن الصيد الذي أعرفه جيدا لتزاملنا في الفريق الاستشاري لرئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي رغم هدوئه الذي قد يجعله يبدو وكأنه قابل للتطويع شديد الصلابة المبدئية.
فهو يعلم كيف يحافظ على المصلحة العليا للوطن وأهمها تطبيق الدستور.
وهو وطني ونظيف وشديد التواضع ويغلب عليه سماع محدثيه أكثر من الكلام.
والمداخلة منشورة في اليوتيوب.

ولهذه العلة فإني أعتقد أن أهم مخرجات هذه الأزمة هو بروز رجل الدولة الذي يمكن أن يكون رئيسها في المستقبل عن جدارة حقيقية.
ولو كان له نية التقدم للرئاسيات لوجد من الشعب كل التأييد.

أقول ذلك وأنا الوحيد الذي لم يلقه منذ أن غادرت القصبة أي منذ ربيع 2013 إلى اليوم.
ذلك أني كما بينت في استقالتي لا أنوي العودة إلى السياسة لأن ما بقي من العمر آمل أن يكفي لنشر ما كتبته دون نشره.

والسيد حمادي الجبالي هو أصدق سياسي عرفته وأكثرهم إيمانا برسالة من يتولى قيادة ثورة حتى وإن لم يسعفه الحظ.
ولعل أكبر دليل على ما أقول أنه لما علم باستحالة ما يؤمن به حينها قدم استقالته بكل رجولة.

حاولوا تطويع السيد الحبيب الصيد ولما يئسوا لجأوا للكثير من المناورات وآخرتها ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية.
وأرادوا ضرب عصفورين بحجر واحد: جبهة انقاذ ثانية.

لا يريدون عزل الصيد فحسب بل وكذلك جعل ما يمثل ثلث النواب والأول حاليا يصبح كمن لا تمثيل له أصلا في المجلس وفي حكومة يزعمون أنها بلا محاصصة.

وكان من المفروض أن يكون تغير الأغلبية في البرلمان التعليل الوحيد لتغيير الحكومة في اي نظام ديموقراطي وأن يكون من حق النهضة أن تعين رئيس الحكومة.
وهي لم تفعل لعلمها بوضع البلاد والإقليم.

كل ذلك يمكن أن يسكت عنه.
لكن ما لا يسكت عنه وهو الجامع بين الهدفين هو دفن الثورة.
هذا نص لم يرد فيهشيء مفيد فعلا حول أهداف الثورة و شهدائها. والدليل ما استنتجه الرئيس من الورقة في ختام الإمضاء عليها.

بكلمة فالباجي يظن أنه قد أتم مهمته:
أعاد “صنبة” بورقيبة ومافية ابن علي ودفن الثورة
يعني كما قال أول مرة نودي له للحكم “نظف القصبة”من “الراكاي” فضلا عن قصة التارزي الشهيرة.

وفي الحقيقة “طلع غفاص”.
فله خاصية مشتركة مع المرزوقي إذا قسنا حكمتهما السياسية بمصير حزبيهما:
كلاهما انفرط عقد حزبه فصار جذاذا لأن كل المنخرطين فيه زعماء وجنرالات في جيش مكسيكي.

والمثل التونسي يقول “اللي يحسب وحده يفضل له”.

وأعلم أنه سيقال لي بشماتة:
ألست قد عارضت المرزوقي فبدوت وكأنك تؤيد الباجي؟

لكن ذلك من سذاجة الشامت وعدم فهم مفهوم السياسة بعيدة النظر.
لما عارضت المرزوقي ولا زلت لم يكن لتأييد الباجي بل لأنهاء عودة المانيفال على الثورة أو لـحسم ما يسمى بالراستوراسيون بسرعة وبأقل كلفة ممكنة.
وكان الكثير من الأصدقاء يتصورني ضد المرزوقي لذاته ومع السبسي لذاته.
لم أكن ضد الاول ولا مع الثاني بل كنت مع الحساب السياسي الذي يريد التغيير السلمي بأقل كلفة:
كل الثورات حصلت فيها راستوراسيون.
وكلما حدثت بسرعة فشلت بأسرع من حدوثها فعادت قيم الثورة من جديد.

فلو لم تعد الثورة المضادة بمن لا أمل له في الحكم أكثر من دورة ولعلها أقل لكانت قد عادت بعد ذلك بمن يمكن أن يحكم عشرين سنة.
فيزول وهج الثورة وتعود حليمة لعادتها القديمة.

ذلك أنه لو نجح المنصف المرزوقي لاستسلم لمن بيده السلطة التنفيذية أو لاصطدم معه (الحزب الناجح في البرلمان) والأول هو الأقرب إلى الحصول لأنه عاجز عن المقاومة بسبب كونه جنرالا بلا جيش.
فالإسلاميون ليسوا أغبياء ليكونوا حطب حريق واجبهم تجنيب البلاد الوقوع في أتونه :
فكان من الحكمة أن يتركوا الثورة المضادة تحقق الرستوراسيون بأسوأ الشروط.

فالمرزوقي بأصواتهم كان سيمد أعداءهم بفرصة ضربهم بمناسبة نجاحه لو حصل وكنت واثقا من استحالته. لكن توقعا للمفاجآت كنت ضد تأييده حتى تفشل الثورة المضادة عيانا فيعلم الشعب أن وعودها كلها كاذبة.
فكانت عودتها بأفسد ما فيها أي بالجيل الذي أوصل تونس إلى ما هي عليه وبالجيل الذي ربوه على أخلاقهم والذين صاغوا النص التلفيقي الذي أمضي أمس بغياب أصل الازمة وطبيعتها.

تكملوا في كل شيء إلا في اصل الداء: الأزمة الخلقية والروحية التي جعلت القيادات السياسية كالذباب حول كراسي الحكم بالتبعية للتدخلات الاجنبية.

وما كنت لأكتب هذا الكلام لو لم يحزني أن النهضة التي ما تزال غالبية الشعب “عاقدة فيها النوارة” لن تخرج من العملية مرفوعة الرأس بسبب السكوت على ما لا يسكت عنه حتى للتاريخ والمبدأ.

وكان يمكن دون أن تصدع بالحقيقة كاملة -أي ما يقتضيه الوفاء للثورة وللاسس القيمية التي تنبع منها- أن تناور بالاعتماد على حجتين لا جدال فيهما مهما تحايلوا وتشيطنوا.
ولا يزال لذلك مكان.

فأولا لا يوجد رجل عاقل يؤمن بمصلحة الدولة يقدم على مثل هذه العملية في بداية فصل العطل:
الحكومة الجديدة تبدأ بعطلة فكيف ومع من ستعمل؟
وليكن مثال أهم عمل يعد عادة خلال العطلة هو مشروع الميزانية المقبلة:
هل تستطيع حكومة جديدة أن تقوم بذلك دون وقت لجهلها بالملفات؟

أما المحور الثاني للمناورة فهو وضع سؤال اساس شرعية الحكومة:
هل هذه الاتفاقية التي أمضيت أمس تلغي شرعية الانتخابات؟
فإن قالوا نعم فينبغي المطالبة بـانتخابات مبكرة ما دامت شرعية السابقة لم تحترم.
إن قالوا لا بل تؤيدها كان الجواب إذن فلتكن الاتفاقية للإسناد لكن لا بد من احترام الحجوم التمثيلية وإلا فينبغي البقاء خارج هذه الوحدة الزائفة التي هي جبهة انقاذ ثانية تخفي اسمها الحقيقي.

ذلك أن ما يحاك هو ترقيع جبهة الانقاذ الأولى بعد تصفيتها ممن كان موقفه فيها مترددا عندما علم أنها كانت ذات طابع انقلابي أعني حزب الشابي الذي أهانوا قياداته وهمشوها.
فإذا قبل الإسلاميون بهذه اللعبة فإنهم سيصدق عليهم ما قاله بعض زعماء الاتحاد في الجبهة الأولى:
سنذبحهم بسكاكينهم.

هل أنا ضد الوحدة الوطنية؟

من يزعم أني ضد الوحدة الوطنية عليه أن يراجع تاريخ مواقفي:
فقد دعوت إلى حكومة وحدة وطنية منذ حملة الانتخابات الأولى وخاصة بعد أول اغتيال سياسي وصفته بأنه مؤامرة على الثورة وليس على الترويكا.

فالرئيس يعد لحل مشكلتين تعترضانه:
أزمة حزبه
وأزمة الخلافة في صف الاستئصال اللطيف البديل من الاستئصال العنيف الذي فشل.

فعلى الإسلاميين الحذر.

لست ملكيا أكثر من الملك.
لكن مصلحة الوطن وأمنه الجميع فيهما ملك وهو مُقدم على الأحزاب والمتحزبين.

الكلام باسم الوحدة الوطنية مع غياب الكلام الصادق على أهداف الثورة والإلتزام الفعلي بها يعني دفنها.

لكن الكلام عليها بلغة حزب المرزوقي أي بمنطق المراهقين لا يمكن أن ينقذ الثورة حتى ولو أنقذ “الأحوال النفسية” لأصحاب الطهرية الثورية الجوفاء.
فهذه يمكن أن ترضي ضمائر بعض المثاليين لكنها لا تحل مشاكل البلاد التي غرقت في التداين والتفتت المافياوي والفساد
وأصل الكل أزمة خلقية وروحية.

الأزمة الخلقية والروحية وأثرها في النخب

فما بلغته نخب تونس بأصنافها من تدن ووقاحة ورقاعة لم أر لها مثيلا في العالم:

فنخبة الإرادة او الساسة النافذون توابع لمافايات المال الفاسد حتى صارت الأحزاب بعدد شعر الرأس محلات سمسرة.

ونخبة العلم أو نخبة الجامعات وصلت إلى جرأة الحمقى الذين تسكرهم زبيبة فلا يميزون بين الخطاب الأكاديمي والتخريف الإيديولوجي والسخافة المريبة والبلادة العجيبة.

ونخبة القدرة أو الاقتصاد ليسوا في الحقيقة إلا نهابين لثروات البلاد ومحتكري لقمة الشعب مقدمين التهريب والاقتصاد الموازي على خدمة البلاد والعباد.

ونخبة الحياة أو الفنانون الذين يرواحون بين الفلكلور الشعبي احتقارا لشعبهم والفلكلورالغربي اعجابا بالانحطاط الذي يصورونه على أنه تقدم وحرية.

أما النخبة الأخيرة التي عادة ما تكون ممثلة لرؤى العالم سواء بعبارة دينية أو بعبارة فلسفية فهم لم يتجاوزوا الكاريكاتور من قشور الأصالة ومن قشور الحداثة.

لذلك فخوفي الذي بدأ يتأكد هو أن ما قاله لي أحد زملاء الرئيس الحالي:
إنه لا يقدر إلا على ما يؤدي إلى النكبات.
كنت أتصور أنه قد يتدارك ما فات كما فعل بعض الطلقاء في الصدر.
فإذا به لم ينجز إلا أمرين:
أعاد تمثال بورقيبة حتى يعيد إهانته من ثورة محتملة قد تقتلع التمثال من الجذور
وأعاد “طاقم” ابن علي ومافيته.
لا أكثر ولا أقل من الراستوراسيون العقيم.

وقد شكر رجالا شاركوا في المشاورات ولم يمضوا في حصيلتها.
ويعني هذا الطاقم الذي استمع إليه.
ولا يمكن أن يستمع إلى غيره لأنه لا يؤمن بالثورة.

أما مقارنته وضعه الصحي بوضع سلفه فهو أمر لا يليق برئيس دولة يكثر من الكلام على هيبتها فأهانها بريق البلدية: سمى رؤساء الترويكا الثلاثة”امارك”.
واليوم يتكلم على السلامة العقلية.
فمن يحكم على الناس بالافعال لا بالأقوال مثل احداث أزمة حكومية في بداية الصيف لا يمكن أن يعتبره سليم المدارك مهما تذاكى وتباكى.

وما يؤسفي حقا ويؤلمني ألا أحد من الحاضرين احتج على وصفه من يعارض خطته بأنهم عصابة مفسدين وكاد يقول حزب الشيطان في حين أن معارضة خطته أمل.

قد لا يكون معارضو خطته منظمين بقيادة سليمة تميز بين السياسة وأحوال النفس لكن معارضة جبهة الانقاذ الثانية هي جوهر الخط الثوري والمستقبل.

ففريق الرئيس عندما نعلم من فيه نعجب ممن كان يدعي حيازة حزبه لفريق قادر على تسيير أربع دول. فإذا بفريق القصر لا يتضمن إلى النطيحة والعرجاء والمخنانة ومستشاري الهانة ورقود الجبانة.
يجتمعون مدة شهر ليخرجوا بنتيجة لم تحسم شيئا عدا كلام اجوف حول نفس الأغنية التي لا تدل إلا على عقم الخيال وترديد الشعارات الغامضة بقصد.

أما ما لأجله قامت الثورة فهو ما يراد دفنه باسم أوليات زائفة لأن علتها هي المغيبة بل هي المطلوب حمايتها أعني الفساد والاستبداد وسلطان المافيات من جديد.

أما دعوى الاجماع والتنصل من مضمون الورقة إيهاما بأنه ثمرة المشاورات فلعبة لا تنطلي على الأطفال: الغرض من اللعبة هو عزل الصيد وتحجيم النهضة.

وقد تكون النهضة مضطرة للقبول بالوضع لأن الأمر يتجاوز تونس إلى حال الاقليم.
لكن ذلك لا يمنع من”تكركير الرجلين”حتى يحدث الله أمرا يقضيه كان مفعولا.

وعلى كل فما حصل لم يحقق شيئا إلا على الورق.
فصراعات النداء على الكراسي سيكون لوحة النجاة للجميع فهم جنرالات عسكر النداء المكسيكي.

وقد يمر الصيف كله قبل أن يتفقوا على رئيس الحكومة والخريف كله قبل أن يتقاسموا كراسي الحكومة والسنة المقبلة قبل أن يدرسوا الملفات ولن يفيقوا إلى بعد أن يقيدوا فلسة.


– راهم يتعاركوا على رأس الثورة –


يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي