ه
هذا مثل شعبي تونسي ناطق باسم “اضحية العيد” بسبب معركة بين ابناء أسرة على كيفية ذبحها. وهو مناسب جدا لمن يتصورون “شعب النهضة” قطيعا يمكن أن يستعملوه جيشا عديم القيادة ليكونوا هم قادته لأنهم قيادة بلا جيش: كلهم عسكر مكسيكي جنرالته أكثر من جنوده.
ما أراه في الساحة بعد الانتخابات النيابية يمكن وصفه بعبارة شعبية أخرى هو أجماع كل النخبة السياسية أيا كان توجهها على “نصب منداف= فخ” يراد به في النهاية إيصال البلاد إلى وضع يسهل عليهم اصطياد النهضة واخراجها من اللعبة بمجرد الإيهام بأنها حازت على أقطاب السلطة الثلاثة في النظام الدستوري الحالي فتغولت وفشلت ومن ثم فهي مسؤولة على نتائج ستين سنة من الاستبداد والفساد التي تمسح فيها:
- سلطة المجلس لأن لها الكتلة الأكبر.
- رئاسة الحكومة تعود إليها دستوريا.
- دعوى إسلامية الرئيس الذي يريدونها تأييده.
- النتيجة النهضة تغولت واستولت على السلطة كلها.
- وهذا هو “المنداف” البين لكل ذي عقل وعلة التأفف من المشاركة في الحكم معها.
فمن الذين ينصبونه؟
ولماذا يستهدف النهضة؟
أبدأ فأقول:
• لست ناطقا باسم النهضة. ولست حتى عضوا في الحزب.
لكني مع ذلك أعتقد أنه من دونها ستصبح تونس كمصر رغم أن النهضة أقرب إلى مفهوم الحزب السياسي الحديث من الاخوان أعني أن هؤلاء ما زالوا بعيدين جدا عما وصلت إليه في عدم الخلط بين اعتماد قيم الإسلام مرجعية وتحويلها إلى برنامج سياسي في حزب ديني.
• وأثني فأقول إني لا اعتبر قيس سعيد إسلاميا بالمعنى النضالي من أجل استعادة الأمة دورها في التاريخ الكوني ولا يعنيني الكلام على إسلامه والتزامه بالعبادات. فذلك أمر شخصي ولا علاقة له بالدور السياسي.
• وما أظن أحدا على الأقل في تونس يجهل أني لا أعتبره أهلا لرئاسة تونس لعدم الخبرة ولعدم وضوح البرنامج الذي يقدمه.
• وإذا فهمت بعض الشذرات من برنامجه فهو يشبه “قذفنة” تونس و”سفوتتها” كما فهمت ما ظهر من البرنامج الذي عبر عنه هو وصاحبه.
• وكل من يفهم أبعاد البرنامج يستنتج أنه لا ينوي العمل بالمؤسسات الشرعية بل بالعمل الشارعي إذ إن شرطه الانتقال من “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى “الشعب يريد إسقاط الدولة الديموقراطية الحديثة” بخرافة الديموقراطية المباشرة.
وأبدأ الآن الجواب عن سؤالي:
من ينصب الفخ أو المنداف؟
ولماذا الصيد هو النهضة؟
بين أن هذا البرنامج لا يطابق برنامج النهضة كما يتضح مما عرضه مرشحها للرئاسة الأستاذ مورو وحتى مرشحوها للنيابيات. فقد تم في الحالتين عرض برنامج مختلف تماما لأنه يريد تحقيق ما يقتضيه الدستور الحالي بمنطق عمل المؤسسات الشرعية والتقدم في بناء الديموقراطية وتحقيق أهداف الثورة تحقيقا سلميا دون اللجوء إلى عنف الشارع.
صحيح أنها وعدت خلال الحملة النيابية بمساندة سعيد كمرشح لما “اضاف بعض الماء لطاحونته” وصحيح أني عبرت عن تأييدي لهذا الوعد. فقد كان ضروريا لأن وزن النهضة يحول دونها والحياد والمفاضلة تقتضي اختيار الأقل سوءا خاصة بعد أن غير لهجته إزاء المؤسسات الدستورية. لكنه عاد ثانية إلى خرافة “القذفنة والسفوتة” وادعاء أنه غني عن سند أي كان لكأنه نزل من السماء رسولا للإنسانية كلها حسب تصريحه الأخير.
التعبير عن التأييد المبدئي لسعيد لأنه أقل السوءين لا يقتضي الالتزام ببرنامجه ولا حتى القيام بديلا منه بحملته للدفاع عنه رغم مناقضة برنامجه تمام المناقضة لبرنامجها كما قدمه الأستاذ مورو ونوابها في حملتهم.
أين المنداف إذن؟
اضع الأسئلة التالية وفيها قرائن الفخ البين لكل ذي بصيرة:
- لماذا لا ينزل للقيام بحملة سعيد المزايدون على النهضة في مسألة الحرب على الفساد والذين يضعون شروطا للمشاركة في الحكم معها مفادها نحكم بـ”شعبكم” لتحقيق برنامجنا وإلغاء برنامجكم. فهل اتهمهم أحد بالحلف مع الفساد حتى لو أسهم ذلك في سقوط سعيد وصعود القروي؟
- لما لا ينزل القوميون الذي يزعمون أنهم مستعدون للمشاركة في الحكم مع النهضة مع كونهم حلفاء لكل أعداء الثورة وأعداء الأحزاب الإسلامية في الإقليم ويزعمون مع ذلك الانتساب إلى الثورة في تونس لأنها تمكنهم من الحصول على قاعدة من الشباب المغرر به وعلى اساس شبه قبلي بمنطق الجهات؟
- لماذا لا ينزل المزايدون على النهضة في حماية الإسلام والسيادة والثروات الوطنية للقيام بحملة سعيد ويعتبرونه فرضا على النهضة أن تفعل وإلا فهي متحالفة خفية مع القروي ومطبعة مع الفساد حتى وإن كانوا أقل اشتراطا على المشاركة في الحكم مع النهضة؟ ألا يسهمون في نفس الامكانية أعني سقوط سعيد وصعود القروي؟
- لماذا يسكت الشاهد على نفس الإمكانية بل ويذهب إلى المقابلة بين الأسرتين الديموقراطية والإسلامية ويختار المعارضة من الآن وهو يدين بوجوده ذاته في السياسة للمشاركة في الحكم مع الإسلاميين أولا ويعلم أن موقفه هذا يعني مساندة قمة الفساد للوصول إلى الحكم وإذا لم ينجح توريط النهضة بالإيهام أن سعيد مرشحها وينسى أنها رشحت مورو؟
- لماذا تبقى بقية القوى متفرجة رغم أنها تدعي محاربة الفساد مثل “دونكيشوت” البسكلات ومع ذلك لا تفعل شيئا لمنع نجاح القروي بل وتفعل علنا ما يساعده على النجاح مع الإيهام بأنهم بذلك يحاربون سعيد بوصفه ممثلا للإسلاميين؟
لم يبق إلا عبير موسي لأن بعض الأفراد المستقلين يمكن قسمتهم على هذه المواقف الخمسة. وعبير موسي هي الوحيدة الصريحة في الاعلان على ما هو مضمر في مواقفهم جميعا. فهي تعتبر الإسلاميين مجرمين ينبغي محاسبتهم على مؤامرة الإطاحة بابن علي وتسعى لاسترجاع نظامه الذي لا أحد من الأربعة ليس صنيعته بصورة أو بأخرى؟
وإذن فجميع من ذكرت يشاركون في “نصب منداف=الفخ” للإسلاميين البعض بوعي وخطة مدروسة والبعض بمنطق “فخار يكسر فخار ونحن المستفيدون” ولا يدرون أن نهاية النهضة هي نهاية التجربة الديموقراطية والعودة الأكيدة للنظام القديم وليس سياسة المقرونة التي هي ليست جديدة وقد كان عنوانها 26-26. المنداف هو إذن تبرير العودة إلى اقصاء الإسلاميين بعلة واحدة ذات وجهين:
• الوجه الاول صريح هو الدفاع عن النمط التونسي الذي يزعمون تمثيله ويعتبرون الإسلاميين أعداء له.
• الوجه الثاني التخلص من منافس وازن والحاجة إلى شغل موقعه بتغييبه من خلال توريطه في تهمة التغول.
لكن برنامج النهضة على ما فهمت من برنامج مرشحها الأستاذ مورو ومرشحيها في النياببات غير ما يراد فرضه عليها من أفكار سعيد أو من برامج الذين يريدون ان يبقوا متفرجين أو أن يفرضوا على النهضة برامجهم. ثم هم يريدون قاعدتها أي مجرد قوة يرونها من جنس القطيع أو بلغة المرزوقي “شعب النهضة” يستعملونه لتحقيق برامجهم التي ليس لهم عليها أدنى قدرة ثم التضحية بهم في الوقت المناسب دخولا في الربح وخروجا من الخسارة. أي رجولة في دفع الإسلاميين إلى دور الانتحاريين ليفاخروا هم ببطولة الأقوال في الحالتين لأنهم يخلطون بين التدبير والتنبير؟
هدفهم أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد: لهم بطولة الأقوال وعلى النهضة كلفة الافعال ثم بعد ذلك يزايدون عليها بخرافة الأيدي المرتشعة. يا سيدي “ولو صيودة وكولونا”. لذلك فموقفي الشخصي – ومرة أخرى ليست ناطقا باسم النهضة – هو أنه على النهضة كما أسلفت من ثاني يوم بعد وفاة السبسي أن تختار هي بدروها المعارضة ورفض الحكم مع أي من المرشحين للرئاسة إلا إذا حصل توافق على جبهة وحدة وطنية للخروج من المآزق التي يعاني منها الشعب التونسي.
ثم لا ننسى أن الشعب فضل برنامج سيعد وبرنامج القروي على برنامج مرشحها في الرئاسية ومن ثم فهي في حل من مساندة أي منهما ومن المفروض أن تبقى على الحياد وألا تشارك في حكم يكون عليها تحمل عبء مسؤولية تحقيق برامج أخرى غير برنامجها. فليجرب من يدعي محاربة الفساد محاربته من دونها ومن يزايد عليها في الرجولة والسيادة الوطنية وقيم الإسلام أن يقوم بذلك بدونها ومن يريد الفصل بين الاسر السياسية أن يحكم بأسرته التي لا نعلم هل هي ما يطابق جنسية التونسية أم الفرنسية. كل هؤلاء سيرون أنهم من دون العمود الفقري التونسي هباء منثور بل أشبه بالعدم الذي لا يتجاوز الأقوال إلى الافعال.
لذلك فإذا لم يحصل شرط حكومة الوحدة الوطنية دون مزايدات على الممكن في ظرف تونس الحالي فلتترك من ينجح من المرشحين للرئاسة يختار من يريد من القوى السياسية الاخرى يعتبرها مجانسة لبرنامجه في إدارة دفة البلاد لأن كل مآزقها تنتسب إلى مجاله باعتبار أمن البلاد ممتنع من دون إخراجها منها. والمعركة التي علينا خوضها قد تتطلب دروتين انتخابيتين ولا يمكن لشعب يدخل حربا ضد عدم التوازن بين الجهات والبطالة وتعطل مكينة الإنتاج الاقتصادي والعدالة الاجتماعية أن يدخلها بصفوف متصارعة لأنها حرب أخطر من الحرب بالمعنى العسكري للكملة. أما إذا أرادوها حربا بصفوف متصارعة فالأولى تجنب النهضة الوقوع فيها.
ولنر حينها ماذا سيفعل دونكيشوات الثورية والأسر الديموقراطية كيف ستسير البلاد وكيف خاصة ستقاوم الفساد الذي صار شعار من اعتبرهم بهذا الاختيار يعبرون على ما في اعماقهم من توق إلى الفساد فذلك بغير وعي منهم سعي للتبرؤ بالأقوال مما يتمنون بالأفعال.
فالنهضة يكفيها ما قدمت وضحت من أجل نخبة سياسية أكبر خصالها الدناءة ونكران الجميل. فهم لا يعترفون بما يدينون به لصبرها على ابتزاز الباجي مدة خمس سنوات فاعتبروا صبرها لحماية الثورة خيانة لها ويبرئون من كانوا مستعدين للتضحية بـ20 ألف تونسي من أجل ما يسعون هم الآن إلى تحقيقه بدفعها دفعا إلى حكم هو “منداف” غايته أنهاء وجودها.
اللهم إني بلغت:
فلا يمكن للحمقى من السياسيين أن يتذاكوا متصورين أن الإسلاميين قطيع كما قالت رمزهم أغبى صحفية على وجه الأرض.