لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله حرب العرب الأهلية
فينتج عن هذه البنية الآلية ذات الوظيفة الخلقية بداية وغاية: بداية هي تصنع ككل آلة لتحقيق غاية فتكون خلقيتها بالغاية وبنسبة تحقيق صنعها غايتها وهي في هذه الحالة غاية الحماية الداخلية والخارجية والرعاية التكوينية والتموينية وتكون خلقيتها بما تحول دونه وفساد أغلاق المكلفين بإدارتها.
فتكون بنية الدولة الآلية مثل العبارة الرياضية التي تتألف من متغيرات والتي تصبح عبارة فيزيائية بالقيم التي توضع محل المتغيرات لتعطينا حقيقة فعلها العبارة الرياضية التي تعينت في قيم متغيراتها. ومتغيرات الدولة هي المؤسسات والقيم العينية هي من يكلف بإدارتها فتصلح أو تفسد وظيفتها به.
وبهذا المعنى فيمكن أن نجيب عن سؤال علاقة الجماعة بالدولة. لا توجد جماعة بين هذه الوظائف ومن ثم فلا يمكن تصور جماعة من دون دولة. ذلك أن هذه الوظائف من شروط قيام الفرد والأسرة والقبيلة وأي جماعة وخاصة الجماعة الكبرى التي تسمى أمة. صحيح أن ذلك قد لا يصبح ذا وجود منفصل عن الجماعة.
بمعنى أنه قد لا يصبح ذا قيام بذاته في نصوص ومؤسسات من جنس ما نرى في الدول الحديثة. لكن له أشكال مناسبة لعصور التطور الحضاري. ففي المجتمعات البدوية مثلا القانون الذي هو أهم رمز في الدولة يمثله كبار القبيلة الذين يفصلون بين المتنازعين بالعرف. والحماية يمثلها فرسان القبيلة.
المهم هو الوظائف تبقى موجودة حتى وإن كان الأعضاء التي تحققها لم تتعض التعضي البارز الذي يجعلها كيانا قائما بذاته في مؤسسات يديرها قيمون عليها وطبقة سياسية. الدولة المتعضية في نسبتها إلى الدولة كوظائف لم تتعض بعد مثل المعرفة المدونة في نسبتها إلى المعرفة الشفوية حيث الحفظة مكتبة.
وبهذا المعنى فالدولة في نسبتها إلى الجماعة من جنس الجهاز العصبي المركزي في نسبته إلى كيان الفرد فهو جهاز وفيه نوعان من التحكم وتنظيم سلوك الفرد: جهاز الحماية (او المناعة) جهاز الرعاية (أو تحقيق شروط قيامه بسلوك معين في الحفظ على كيانه غذاء وقدرات).
والفرق بينهما في الظاهر هو التعاكس في دور الطبيعي والثقافي فيهما: ففي الدولة الثقافي متقدم على الطبيعي في كيان جهازها المصنوع لكن وظائفها ليست من صنع الإنسان بل هي من شروط قيامه العضوي والروحي ولا يمكن تصورها من دون العلاقة بين الغاية والوسيلة وهو مجال تقييمها التقني والخلقي.
لكن العلاقة بين الطبيعي والثقافي في نظام الكيان الحي للإنسان أي بين الجهاز العصبي المركزي المتحكم في المناعة وفي شروط البقاء يبدو فيه دور العضوي متقدما على الثقافي ويبدو أن الثقافي فيه أي المصنوع إنسانيا قليل الفائدة وهي في نسبة دور الدواء إلى دور المناعة الطبيعية في العلاج.
لكن ذلك مجرد ظاهر: فالتدخل الإنساني أو الثقافي في الدولة لا تختلف عن التدخل في الحياة. فمثلما أن صناعة المؤسسات التي تتألف الدولية ثقافية فإن تربية الإنسان ثقافية. والصناعة تقنية الأداة خلقية الغاية. التربية أيضا مؤسسات ومضامين صناعية مثل الحكم. وهما مقوما السياسة: حكم وتربية.
ومعنى ذلك أن السلطان المادي والرمزي للحماية والرعاية مقوم لاجتماع عناصر أي كيان مركب. وهو ما يمكن أن نسميه اللاحم الناظم لبنية تجعل تلك العناصر متناغمة في حالتها السوية ومتنافرة في حالتها غير السوية ومن ثم فالتعديل والترميم والإصلاح كلها تأتي من نسبة بين الحالتين.
والسياسة والأخلاق هما فن إدارة هذه العلاقة وعلاجها بقيم تميل إلى التعديل والترميم والإصلاح مقابل عكسها وهو أيضا خلقي بمعنى سلبي. ولا يمكن تصور جهاز صناعي أو طبيعي خاليا من هذين الوظيفتين: ففي الصناعي هما شرط الصنع في الطبيعي هم شرط علمه لأن علمه شرطه أن يفترضه وكأنه صناعي.
وهكذا نصل إلى المسائل الفرعية:
وذلك بعد أن بينا الأصل أي “علاقة بنية الدولة بتاريخيتها” فميزنا بين البنية الثابتة لوظائف الدولة والتغير التاريخي لأعضائها التقنية والخلقية.
ولنصغ المسائل بصورة أكثر تجريدا:
مشكل نافي تحديد المرجعية لبنية الدولة هو في تأويله البدائي.
ونافي إمكان الدولة الإسلامية في المستقبل مشكله إطلاق فهمه لشكلها الوسيط.