ه
هي أصل عملاء سايكس بيكو
سمعت مرة أحد الحمقى من جنرالات السعودية- اسمه عشقي وأظنه متقاعدا- يروج للتطبيع مع إسرائيل ولإنشاء كردستان الكبرى مهددا تركيا ومتكلما باسم العرب الذين بتخطيط مساو لحمقه في هذا الكلام جعل مليشيا بدائية تهزمهم وتستنزفهم ما يقرب من السنة الخامسة. في تونس هذا يسمى حمل عنز (عنزة) فبص (ضرط) فقال زيدوني عتروسا (جديا).
ولم أتعجب من ذلك. فالمنتظر من أحفاد من تولوا حكم المحميات بفضل سايكس بيكو الأولى أن يكونوا مثل أجدادهم أدوات سايكس بيكو الثانية ولأجل ذلك استعمل أجدادهم. والمستهدف منها مثل الأولى مباشرة تركيا ولكن خاصة العرب السنة الذين يمثلهم هؤلاء الخونة الذين يحفرون قبور العرب اسم العروبة التي مثلها أحمق عميلين عرفهما تاريخ الإقليم: فالخيانة الموروثة تتراكم.
صحيح أن تركيا خسرت في سايكس بيكو الأولى الامبراطورية لكنها حافظت على قلبها أي قاعدة الاستئناف التركي. وليست الوحيدة التي خسرت امبراطوريتها. فكل امبراطوريات أوروبا تلتها في نفس الخسران لأن البداية في الحرب الأولى لم تستهدفها وحدها بل حتى بريطانيا عادت إلى حجمها الطبيعي وخسرت في النهاية أكثر مما خسرت تركيا: فهذه يمكن أن تستأنف دورها حتى لو اكتفت بتوحيد أتراك العالم لكن بريطانيا صارت ولايات من ولايات أمريكا.
لكن ماذا ربح الخونة العرب الذين تستعملهم أمريكا وإسرائيل حاليا وتضيف إليهم علمانيي الاكراد والأتراك والعرب والأمازيغ لضرب تركيا مباشرة ومعها دولتين عربيتين -العراق والشام-أكثر مما تضرب تركيا لأن هذه أقدر على حماية نفسها الآن مما كانت عليه في الحرب العالمية الأولى. ماذا ربح العرب من الخيانة الأولى؟ صاروا مجرد توابع في محميات هي محتشدات للشعوب التي استمرأت العبودية لسوء الحظ.
صحيح أن تركيا الحالية محاطة بالأعداء من كل صوب وحدب. فحتى روسيا تود تدارك ما فرطت فيه في سايكس بيكو الأولى. لكنها مضطرة لمهادنة تركيا بسبب الحاجة إلى تثبيت وجودها في الأبيض المتوسط وفي سوريا خاصة قبل أن تلتفت إلى تركيا. ومن ثم فلها دور خفي في لعبة إسرائيل وأمريكا والعرب وإيران باستعمال علمانيي أكراد سوريا.
ما يذهلني حقا هو موقف سوريا والعراق وبقية عرب المشرق الهلال والخليج كله هو مشاركتهم في سايكس بيكو الثانية وتمويلها وتمويل قواعد أصحابها للمرحلة الثانية من تفتيت أرض العرب السنة. وبدلا من أن يفهموا أن تركيا لا تستهدف كتركيا فحسب بل لكونها آخر من كان يحمي دار الإسلام السني ولكونهم يتوقعون أنها ستكون أول من سيعود لحمايتها.
وقصدي أن أمريكا وأوروبا كان يمكن أن يحتملوا وجود تركيا في الأناضول وفي الجزء الأوروبي منها -رغم كلمة هيجل الشهيرة في نهاية الفصل الثاني من الباب الرابع من فلسفة التاريخ حول وجود الإسلام فيه-ولو على مضض إذا لم يعد لها الوعي بدورها وبعظمتها فتريد قيادة الأمة من جديد ليستعيد الإسلام عزته بكل اقوامه الذين ينتسبون إليه متعالين على العرقيات والطائفيات والثقافات أعني تنوع الأمة الروحي.
وطبيعي أن يكون للأتراك هذا الطموح فهم بخلاف العرب والاكراد والأمازيغ والافارقة انتبهوا إلى أنهم مدينون بوجودهم في التاريخ الكوني بفضل الإسلام وأنهم من دونه لا يمكن أن يستعيدوا شروط العزة والكرامة التي تمكنهم من المشاركة في بناء نظام العالم من جديد.
ورغم أني أرى من حق الأكراد أن يعترف لهم وكذلك الأمازيغ بهوياتهم الثقافية وشرط ذلك تجاوز الدول ذات القومية الواحدة في دار الإسلام وهي فكرة منافية لرؤية الإسلام -وقد سعى النظام العراقي بعد تردد وقبل غزوه وكذلك الحكم الإسلامي في تركيا لولا غلو العلمانيين-فإني اعتبر الدولة الكردية قصدها تفتيت قلب تركيا لمنع عودتها إلى التاريخ الكوني.
وإذن فليس القصد من الكلام على دولة الأكراد الكبرى إنصاف الأكراد ولا الأمازيغ بل استعمالهم كما استعمل العرب في سايكس بيكو الأولى وكما يستعملون حاليا في الثانية من أجل منع الاستئناف الذي يجعل الضفة الجنوبية والشمالية من المتوسط تصبح ذات قدرة على الندية مع الضفة المشالة التي هي بعد تحت سلطان أمريكا وإسرائيل ومن ثم فحتى أوروبا في وضعنا رغم حقدها علينا.
أوروبا الخاضعة للاحتلال الأمريكي اقتصاديا وعسكريا ولإسرائيل روحيا وأيديولوجيا ما زالت تعادي الضفتين الجنوبية والشمالية لأنها لم تتحرر بعد من الماضي وتتصور نفسها قوة يمكن أن تستعيد استعمارهما ولا تدري أن استقلال الضفة الشمالية مشروط باستقلال الضفتين ا لجنوبية والشرقية وبالتعاون بين الحضارتين الإسلامية والأوروبية لإحياء قلب الحضارة الإنسانية أعني متلقى القارات القديمة الثلاث وتحريرهما مما ينتظرهما عندما يتقاسم العالم المغولان الجديدان الشرقي (الصين) والغربي (أمريكا).
فاستكمال السيطرة على الضفتين الغربية والشرقية من الأبيض المتوسط مع السيطرة على الضفة الشمالية يجعل أمريكا وإسرائيل تسيطران على ما تسعى الصين للسيطرة عليه بقصد خنقها ووأد مشروع طريق الحرير وجعل العالم كله تحت رحمتهما بالسيطرة على كل طاقة الإقليم وعلى العالم قرنا آخر.
والجنرال “عشقي” عاشق نفسه المتلعثم برطانة بإنجليزية لا تفوق انجليزية السيسي بلاغة وفصاحة يتكلم على شرق أوسط جديد سيقوده الغفيران الأحمقان اللذان يمولان الثورة المضادة أي ما اكتشفته الشعوب من طريق لمنع سايكس بيكو الثانية ولا يدريان أنهما يعيدان ما فعله أجدادهم في الاولى ونرى أبرز ما جوزي به أجدادهم.
ولو كانوا على الأقل متواضعين وسلموا مثل الالمان واليابان وكوريا الشمالية ومثل الأوروبيين الذين قبلوا بالاحتلال الأمريكي فاستفادوا منه بما يسمونه سلما ورفاهية من دون سيادة حقيقية لأن عنترياتهم أسخف حتى من عنتريا فرنسا المضحكة لمن يعمل موازين القوى. فروسيا أصبحت رغم فقرها ما تهددهم به أمريكا ليبقوا تحت سلطانها كما تهدد العربان بإيران.
الاستراتيجيا التي تعمل حاليا لا علاقة لها بما يتوهم هذا الـأحمق عشقي ولا وزن لما يتكلم عليه لأنه من جنس الأحلام التي أعطاها الوسيط الحقير السمسار اللبناني الذي أوهمهم بأنه سيوفر لهم سلطان مؤثر على أصحاب القرار في أمريكا ليمتص مع هؤلاء “قوت” شعوب الاقليم من اجل تنصيب صاحب المنشار ودليله الغدار.
ورجائي من الله ذي الجلال والإكرام أن يساعد قيادات تركيا حتى تتمكن من المناورة للخروج مما يحاك لها من الأحلاف التي تسعى لمنعها من التعافي واستئناف دورها. وآمل أن تلتفت إلى توحيد أتراك العالم -وقد بدأت بتحرير معتقلي تركستان-وترك حكام العرب ونخبهم الذين نكصوا إلى الجاهلية وصار يقودهم أحفاد خونة الأمة في سايكس بيكو الأولى ووعد بلفور الخادمين لسايكس بيكو الثانية ووعد ترومب المكمل لوعد بلفور.
فمن هدموا بلادهم -العراق وسوريا-لا يعول عليهم لأنهم في الحقيقة مستعمرات إيرانية. و”غفراء” الخليج لا يعول عليهم لأنهم يتصورون أنفسهم في نعيم وهم تحت رحمة حزب الله اليمني والعراقي وكل خلاياه في كل قطر من أقطار الخليج بلا استثناء كما أن حكام المغرب العربي مثلهم بدليل سخافة تنافس المغرب والجزائر العقيم حول احداث قاعدة إسرائيلية في الصحراء الغربية بدل حسم الأمر بينهما.
وقد صرت مقتنعا بأن الإسلام لن يسترد عزته بنخب العرب وحكامهم الذين أشربوا الذل والعجل. فنخبهم ما زالوا في المرحلة التي مرت بها تركيا قبل أن تبدأ استعادة ذاتها وبالتونسي يسمى ذلك “راكضة بهم فرس” الحداثة المزعومة يعني تلك التي تجعلهم يهدمون سر كيانهم مبدأ حصانتهم الروحية ومناعتهم المادية.
لكن الشعوب في الإقليم وسنته خاصة والعرب منهم بصورة أخص-لأنهم أكثرهم خضوعا للاضطهاد- شرعوا في الثورة على هؤلاء العملاء. وهم السند الحقيقي لعودة الإسلام إلى دوره التاريخي. لذلك فالثورة الجارية حاليا ليست باسم القيم الإنسانية في شكلها الحديث فحسب بل هي كذلك باسم قيم الإسلام التي هي إنسانية في شكلها الأكثر كونية أعني قيم الأخوة البشرية (النساء 1) والتعارف بين البشر معرفة ومعروفا (الحجرات 13).
كتبت هذه التغريدات بعدما سمعت تهديد أمريكا لتركيا إذا هي حالت دون مليشيات العلمانيين الأكراد وتقسيم سوريا لتكوين قاعدة تستعد للمشاركة في تقسيم تركيا وليس لإنصاف الأكراد كشعب ذي هوية ثقافية لا تتنافى مع إسلامهم وهم ممن كان لهم الدور المشرف في تحرير القدس وحماية الخلافة مع اخوتهم.
ومهما قلبت تاريخ الأمم والحضارات لم أر في حياتي مثل النخب الحداثية العربية فهي من أغبى النخب في العالم. ومن أراد أن يدرك ذلك فلينظر إلى ممثليهم الغالبين فهم إما صحافيون يطبقون مبدأ أفصل الاعلام أكذبه او أدباء لم يتجاوز أدبهم أحوال نفوسهم أو مفكرون بروبافيكيا ايديولوجيا هجرها أصحابها.
أما علم الأساسيات التي بها تقوم الأمم أي شروط التعمير بالعلم والعمل على علم وبقيم تحددها منزلة الإنسان سيد نفسه أي الذي يعرفه ابن خلدون بكونه “رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له” فأمر لا يعنيهم لأنهم لا يؤمنون إلا بمعدن العجل وبخواره فهذه هي الحداثة عندهم: حداثة العبيد لا يمكن أن تعبر عن فكر أو عن خلق يمكن أن ينزلهم منزلة النخب التي تقود الأمم الحرة.