حال الأمة – تشخيصها بالتحليل المجرد والمعين


علقت على تحليلات مروان بشارة وفندت كلامه على استرداد إيران عافيتها أو بصورة أدق كما ورد في قوله إنها بعد الرد صارت في حالة أفضل مما كانت قبل اغتيال “زورو” أو “رمبو” لم أكن أمزح: فكل ما توقعته حصل وخاصة بعد اسقاط الطائرة الأوكرانية التي سرعته.
وكدت أيأس من تحليل العرب لولا سماعي مصطفى ابن العلامة فحص من لبنان.
هذا الرجل عرفته شابا منذ أكثر من 15 سنة وكنت من المعجبين بوالده ورايته وسمعته فأعجبت بنباهته وتجاوزه للمذهبيات والطائفيات.
سمعته منذ يومين في تعليق على ما عليه الاحوال في إيران وكأنه يعايشها من الداخل من أعماق أعماقها
شعرت أن الرجل بخلاف ما أقدمه من تحليلات مبنية على طبائع الأشياء بصورة كونية لا يكتفي بها بل يضيف إليها ما ينقصني في قضية الحال من معلومات عينية دقيقة مثله باعتباره صحفيا مستقصيا حول الوضع العيني في إيران الحالية.
فهو قد بين بصورة لا لبس فيها ما يمكن من فهم ما قاله ترومب بأن اغتيال رمبو ليس بداية حرب بل هو نهاية حرب.
بأي معنى؟
كنت واثقا من أن هذه العملية حسمت معركتين:
الاولى بين أمريكا وإيران.
والثانية بين صفين في إيران نفسها.
ومعنى ذلك وبصورة وجيزة أننا لو افترضنا أن مصر تمكنت نخبها من القضاء على عنجهية العسكر فستكون قد حسمت المعركة بين الديموقراطية والاستبداد فيها.
بذلك حسمت المعركة الداخلية في إيران.
فقد الحرس الثوري كل “مهابة” هي سر كل شرعية تحول دون تجاوز الخوف والرهبة منه.
تحرر الشعب الإيراني من أداة الاستبداد الذي كان يتخفى وراء الدين عند المرشد الأعلى الذي هو في الحقيقة رئيس مافية مليشياوية تحميه بدعوى حماية النظام. وهو عين ما كان في تركيا في دكتاتورية أتاتورك العلمانية وما لايزال كذلك في مصر منذ ما يسمى بثورة الضباط الأحرار مستعبدي شعبهم.
ابن العلامة والشاعر فحص رأيته وقد شاب قرناه وكنت قد رايته في لحظة الانتقال من الشباب إلى الكهولة فرأيت هذه المرة رجلا خبيرا حقا في الشأن الإيراني وهو ما مكنني من بيان ما يقرب من التطابق بين التحليل بمقتضى طبائع الاشياء والتحليل الذي يضيف إليها المعلومات الدقيقة عن أعيانها: المعركة الداخلية حسمت.
إذا واصل الحرس السيطرة فسيكون مدينا ببقائه للشوكة لا غير لأن الشرعية انتهت بالكذبتين ليس بذاتهما فحسب بل بوصفهما القطرة التي أفاضت الكأس أو القشة التي قضمت ظهر البعير:
كذبة ضرب القاعدة والقتلى الذين لا يحصون.
وكذبة سقوط الطائرة بعطل فني.
فالشعب الإيراني تأكد له أن الحرس بيت عنكبوت في الأولى ومجرم حرب في الثانية.
وإذن فالعلة ليس اغيال رمبو بل أعمق.
إنها اكتشاف ما استنتجته من طبائع الأشياء وما أثبته مصطفى بأعيانها: فاعلية الصورة الزائفة تنهار بسرعة في لحظة القطرة التي تفيض بها الكأس والقشة التي تقصم ظهر البعير.
فقدان الحرس وخامنئي للمهابة هي نهاية صف المتشددين في بعده الرمزي ولم يبق إلا العنف الأعمى وهو أضعف شيء في السياسة.
وما يعنيني ليس ما يجري في إيران على أهميته لثقل فاعليته في بلاد العرب التي فقدت نخبها المتنفذة كل قدرة على التحليل بمقتضى طبائع الأشياء والخبرة العينية:
لفرط السيطرة شبه المطلقة للإيديولوجيا على البحث الرصين عن الحقيقة ما أمكن منها بفضل التعالي على مواقف مليشيا القلم والصورة.
فصار كلامهم عن الرد المزلزل وحتى على حرب عالمية وعلى اخراج أمريكا من الإقليم كان شبه ملزومة في أفواههم البخراء.
وما يعنيني هو ما ينبغي أن يحصل في مصر خاصة. فكان يمكن أن يحصل فيها ما حصل في إيران حاليا لو تجاوز المصريون بعد هزيمة 67 ما تجاوزه صف التحديثيين في إيران مباشرة بعد هزيمة الكذبتين خاصة والكذب في مصر أكبر والنظام دام أكثر من نظام الملالي.
يوم 5 جوان 67 خرجت من قاعة الامتحان في دار العلمين العليا سنتي الأولى.
تظاهرت ككل الشباب وحوصرت في بيتنا وسمعت الاخبار فانتظرت نهاية إسرائيل.
اعتقد أن الكثير -بعد سماع الاكاذيب وابواق المحللين العرب ورعب الحكام العرب ومحاولاتهم تهدئة إيران-كان يعتقد أن “الرد المزلزل” الإيراني بعد مقتل رمبو سيكون:
• نهاية إسرائيل
• أو بداية الحرب العالمية الثالثة.
• أو نهاية دول الخليج
• أو كل هذه الأكاذيب معا.
طبعا لم أعد شابا ينخدع بالأكاذيب التي تنافي طبائع الأشياء. وكنت أعلم أنها نهاية الأكاذيب الإيرانية وعنتريات أكذب زعيم ناطق باسمها ومروجا لكل ما يخطر ولا يخطر على بال وخاصة حجة “تصديق إسرائيل” له أكثر من تصديقهم لزعمائهم.
أكذب زعيم هو حسن نصر الله الذي هو لا ينصر الله بل الباطنية، كما أن حزبه ليس حزب الله بل حزب الشياطين تجار المخدرات والجنس.
فهو ليس كاذبا في انتصاراته المزعومة بل وخاصة في “مقاومته” المزعومة.
فهو ليس مقاوما لإسرائيل وأمريكا
بل جندي في استراتيجية استرداد دولة الفرس.
أي في الحرب على تحرير العباد من عبادة العباد-رمز الفتح-
والعودة بهم إلى ما قبل محاولة تحرير الإقليم في سلطان فارس وبيزنطة.
ما حصل في إيران في هذا الشهر يمكن اعتباره وإن بصورة غير قصدية مرحلة اساسية في اقتراب الربيع العربي من الحسم في الإقليم كله وخاصة في إيران نفسها.
كنت متفائلا بما حدث في الجزائر التي هي في الحقيقة بداية الربيع العربي منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات. والثورة المضادة كادت تنتصر بنفس الطريقة الجزائرية ضد الثورة.
وهي الطريقة التي أنتجت العشرية السوداء فيها بحلف بين حركيي الجزائر-عملاء فرنسا- وبتمويل سعودي وقيادة فرنسية لم تكن الإمارات حينها قد أصبحت ذيلا إسرائيليا بالقدر الحالي. وقد نصح حسنين هيكل الجيش في مصر وفي سوريا بنفس السيناريو: تجريم الثورة بضخ الدعشنة فيها حتى يسهل ضربها بحلف مع الغرب الذي لا يريد للأمة أن تخرج من الاستثناء فتبقى مستعمرات ومحميات.
ونحن نرى ذلك بالعين المجردة في سوريا وفي اليمن وفي ليبيا خاصة ولكن حتى في تونس. والانتخابات الأخيرة وتعثر تشكيل الحكومة كله يتبع نفس الطريقة التي أفشلت بها الثورة فلي الجزائر في نهاية القرن الماضي. لكن مليشيات الثورة المضادة فقدت سلطانها: داعش والحشد الشعبي وجهان لنفس العملة وهما وضفا لتهديم التراث والمعالم التي من دون تفقد الأمة معاني تاريخها.
هل معنى ذلك أني اعتقد أن أمريكا تسعم في ذلك مساعدة منها للثورة لما لها من دور في ضرب أداتي الثورة المضادة؟
ابدا.
ففي الأمر شيء مكر الله الخير اجبرت عليه أمريكا وإسرائيل. استراتيجيوهما يعتقدون أنهم قد أتموا المرحلة الأولى من سايكس بيكو الأولى ويسارعون الخطى إلى الثانية خوفا من عموم الثورة ونهوض تركيا. لا يريدان التفريط في فرصة توفرها لهما الانظمة العربية التي يحكمها أحفاد سايكس بيكو الثانية إذ هم مستعدون بوصفهم هم أحفاد من أنجزوا الاولى للمشاركة في الثانية بل وتمويلها.
فبعد أن أصبح حكام العرب قابلين لسايكس بيكو الثانية والصفقة الكبرى -مثلما أن جدودهم كانوا أدوات الأولى ووعد بلفور-تريد أمريكا وإسرائيل التوجه إلى ضرب العدو الحقيقي لمشروعهم:
شعوب الإقليم الثائرة
وتركيا التي لم تعد الرجل المريض قبل أن تصل إلى مرحلة اللارجوع.
أرادا بسرع التفرغ لحربهما على استئناف الأمة لدورها بعد التخلص من جرافتيهما أي من داعش والملالي بعد أتما المهمة.
كثير من المحللين ينسون أن إنشاء القاعدة واستقدام الخميني متزامنان. وكلاهما كانا أداتي صد للسوفيات في الإقليم. دولة الملالي ودولة داعش لهما نفس الطبيعة ولكن ليس ضد السوفيات بل ضد الاستئناف الإسلامي. فهم يعتبرون الإسلام عدوا أخطر عليهم من الماركسية متوهمين المعركة من نفس الطبيعة.
لما علقت على مروان بشارة لم يكن هو المقصود بل كل الذين لا يصدقون أن الغرب لا يصارع الأنظمة بل هو يستعملها وهو الذي أنشأ داعش وهو الذي يوظف الملالي لعلمه أن الفرس كانوا منذ اغتيال الفاروق في خدمة أي عدو يحارب الاسلام من المغول إلى امريكا مرورا بالصليبيين والاسترداديين. وما يصارعه الغرب وما يدركه استراتيجيوه هو الشعوب التي لم تتخل أبدا عن الطموح الطبيعي في ثقافتها العميقة للدور الكوني الذي بدأ عربيا وانتهى تركيا وتمثله عزة الامة وكرامتها.
ما يسمى بالاسلاموفوبيا حتى وإن بدا وكأنه مجرد إيديولوجيا لليمين الغربي هو في الحقيقة من اللاوعي العام في ثقافة الغرب ولنا كذلك في ثقافتنا ما يشبهه من عدم نسيان الماضي او من عودته. وما لم نتمكن -نحن وهم-من تجاوزه فإن الحرب السجال بين ضفتي المتوسط ستتواصل فنكون ضحيتها جنوبه قبل شماله والحضارة التي يجمع بنيها أديانه وفلسفاته.
ذلك هو ما يعنيني من الكتابة في هذه المسائل لأنها تابعة لفلسفة التاريخ وفلسفة الدين المتشابكتين والمتشاجنتين وهما المجال الذي ليس عندي غيره انشغل به في حياته الفكرية والعاطفية: مشكلي هو كيف للأمة أن تستعيد دورها الكوني فنكون بحق شاهدين على العالمين ويكون الإسلام محددا لمنزلة الإنسان الخليفة بحق.
فهذا المعنى -الإنسان المستعمر في الأرض بقيم الاستخلاف-تنفرد به حضارة الأديان المنزلة وغاية تمها الإسلام والفلسفات الإنسانية وغاية تمها هذا المعنى هو فهم حقيقة الحضارة لإنسان الخليفة بمنظور القرآن هي التي قد تبتلعها حضارات اخرى لم تصل إلى هذا المقام من منزلة الإنسان بأديان طبيعية الإنسان فيها لا يتعالى عن الإخلاد إلى الأرض.
قد يعاب علي موقفي اليائس من المحللين العرب. لكني ولله الحمد وجدت مثالا يحررني من هذا الحكم ومن ثم من هذه التهمة بأني أعمم حكما علته اليأس من الموجود والتعلق بالمنشود. لكن ابن فحص كان المثال الذي يبين أن التحليل الفلسفي المجرد يمكن أن تثبته التحليلات التي تجمع بينه وبين المعاينة والمعلومات الدقيقة على حقيقة ما يجري في إيران.
وهكذا فإن التحليل المجرد إذا اشفع بالتحليق العياني كلاهما يثبت أننا في فجر جديد: النقلة من الحرب بالوكالة على نهوض الامة بالحمقى من أبنائها إلى الحرب عليها مباشرة من اعدائها التاريخينيين.
ومن ثم فإذا كان يحتمل أن تحدث حرب “عالمية” انطلاقا من اقلمينا الذي يجمع كل أقوام الامة وشعوبها ذات الدور في تاريخها فقد تكون على وشك البداية لأن الأعداء يتصورون الظرف مناسبا.
لكن الغرب بخلاف سايكس بيكو الأولى لم يعد بوسعه أن يحقق ما يريد بمجرد مناورات ومناوشات مع شعوب كما كنا في سايكس بيكو الأولى غارقين في الامية والتخلف والاعتماد على حكام اميين همهم الحكم ولو على جثة الامة. لكن ما حصل وهذا أيضا من مكر الله الخير هو أن الاعداد لسايكس الثانية-الفوضى الخلاقة-أنهى ثمرة الأولى. فقد ألغى الحدود التي وضعها الغرب بين شعوبها.
كل شعوب الاقليم صارت واعية بوحدة المصير فضلا عن وحدة الثقافة والتاريخ والجغرافيا والمرجعية الروحية وحتى الفلسفية. ولا أدل على ذلك أن “عطسة” تونس أصابت جميع أهله “بالأنفلونزا” الخيرة أي النشاط الثوري بشعار ابي القاسم الشابي. والثورة المضادة العربية بشقيها:
• التابع لإيران.
• والتابع لإسرائيل
فشلت فشلا ذريعا في التصدي للثورة
واحتاجت إلى روسا وأمريكا
ومع ذلك فهم لم يستطيعوا إيقاف المد الثوري ولا الحد من تمدده العارم.
ولذلك فإنه لم يبق إلا أحد أمرين:
إما الحل السلمي وترك الأمة تسترد دورها طوعا.
أو هي ستفرضه كرها كما فعلت أول مرة في نشأتها الأولى.
ولما كنت أعتقد أن الغرب سيعاند وسيبادر بالحرب فإن قدرنا أن نستعد لها بصورة أفضل من المرة الأولى.
واستعدادنا هو الذي سيثني الغرب فيردعه ويرهبه مصداقا للأنفال 60.
وحتى يكون للأنفال 60 فاعلية تغني عن الحرب بالردع فلا بد من مرافقتها بعرض الصلح بين الغرب والشرق الإسلامي. فنحن لسنا طالبي حرب لكننا لا نخشاها حتى ونحن في حرب التحرر والتحرير لاستكمال الاستقلال والتخلص من التبعية.
المهم ألا نترك لهم ما غلبونا به سابقا: تشتيت صفنا والاستفراد بنا واحدا بعد آخر. هي حماية شعوبنا لذاتها. والمستهدف هم من كان لهم دور في تاريخ الأمة.
وكل شعوب الامة كان لهم دور. لكن الدور المقصود هنا هو الدور في تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب بمنظور العلاقة بين حضارة الإسلام وحضارة المسيحية من القرون الوسطى إلى الآن. وهؤلاء خمسة وهم:

  1. العرب في مشرق الإسلام ومغربه
  2. فالأتراك
  3. فالأكراد
  4. فالأمازيغ
  5. فأهل افريقيا المسلمة.
    الاستعداد بمنطق الأنفال 60 هو الاستعداد الرادع للحرب وليس الساعي إليها. وهو يجمع بين خمسة عناصر:
  6. القوة بمعناها العلمي التقني
  7. وبمعناها الاقتصادي الثقافي
  8. وبمعناها العسكري (رباط الخيل)
  9. وبمعناها الاستراتيجي (عدوكم وعدو الله وآخرون)
  10. وبمعناها السياسي الجامع بينها أي “وأعدوا”

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي