لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله جهاد المتطوع
أعود لإشكالية الوعي بالذات موضوعا بين الموضوعات وأصلا لكل إدراك يتجاوزه أو يعود إليه وصلته بإدراك الوجدان (الديني) وبإدراك العلم (الفلسفي).
ولأنطلق كالعادة وسعيا لجبر الكسر بين فكرنا المبدع الماضي جبرا اعتبره من شروط الاستئناف مما يقوله ابن خلدون في المسألة: في فصل ابطال الفلسفة.
نجد تعليل للثاني بالأول وتبرير للأول بالثاني.
فقصد ابن خلدون: من لا يعلم الفرق بين بين التعبير والوجدان وبين الإدراك وموضوعه هو منتحل الفلسفة كما كانت في عصر ابن خلدون: القول بالمطابقة.
فتكون كلمة فلسفة دالة على الميتافيزيقا القائلة بنظرية المعرفة المطابقة أو العلم المحيط بالموضوع على ما هو عليه ومن ثم غير الواعية بالفرق.
وإليك حجته. فبعد عرض لمضمون الفلسفة في عصره يقول:” واعلم أن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجهه. فأما اسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله. فالوجود أوسع نطاقا من ذلك (ويخلق ما لا تعلمون) وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المتقصرين على اثبات الأجاسم خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء. وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضونها على معيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض. أما ما كان منها في الموجودات الجمسانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقيني لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونها فيها”
وهذه الحجة لا تقبل في الفلسفة القديمة التي تقصر المعلوم على الكلي والصورة وتستثني الجزئي والمادة. لكنها تلغي نظرية المعرفة القديمة كلها.
فهو يرى أن العلم يتعلق بالجزئي والمادي من الشيء ومن ثم فهولا يعترف إلا بالمشهود حسيا اي بالتجريبي ويرفض القول بالمطابقة التامة في المعرفة ونقده لعدم المطابقة ديني وليس فلسفيا بخلاف نقد ابن تيمية: فهو يعتبر الموجود الخارجي لا يعلم بالمنطق الأرسطي لأن هذا المنطق كلية المقدمة.
ولا توجد مقدمات كلية إلا في المقدرات الذهنية التي لا تتعلق بالموجودات الخارجية ومن ثم فهده لا تعلم إلا بمقدمات جزئية تحتاج إلى الاستقراء.
والاستقراء لا يكون تاما إلا في مجموعة محدودة العناصر ومتناهيتها كما في المقدرات وهو ما لا نعلمه في الموضوعات الخارجية التي هي ليست منها.
ونصل الآن إلى بيت القصد: معرفة ذواتنا التي من عالم خارجي وداخلي في آن والتي هي ليست من عالم الطبيعة حصار فيه. يقول: “أما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العالم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة راسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن في ماهو مدرك لنا. ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدكر لنا في اثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه”(نفس المصدر)
مشكلنا يتعلق بأمرين:
حقيقة النفس وليس أحوال مداركها كما في الرؤيا
ووجدانية إدراكنا لأحوال مداركها (وجدانية لكل أحد اي لا شركة فيها).