لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
عندما تكون الدولة بحق دولة وتكون قيادتها مدركة لشروط المهابة ببعديها المادي والرمزي فإن العبث بنوعي مقوماتها يعتبر من الخيانة وتستحق أشد عقاب في نظامها الجنائي خاصة إذا عبرت عن نية رشوة المثقفين الذين خدموا الأحزاب معتبرين الدولة لتقاسم المغانم وليس لحماية الجماعة ورعايتها:
- وصنف المقومات الأول يتعلق بشروط قيامها المادي أي سياسة المكان وثمرته التي هي الثروة الوطنية.
- وصنف المقومات الثاني يتعلق بشروط قيامها الروحي أي سياسة الزمان وثمرته التي هي التراث الوطني.
- فالصنف الأول هو أساس تنمية الجماعة المادية.
- والصنف الثاني هو اساس تنميتها الروحية.
ومشكل النظام الحالي أنه يجعل أي مواطن مدرك لمعنى الدولة مضطرا للسؤال عما يبدو من علامات المساس الخطير بهذين الصنفين مساسا لا يمكن اعتباره إلا خيانة موصوفة لأمانة المسؤولية على حماية صنفي المقومات التي من دونها لا معنى للدولة:
- وعلامات المساس بالصنف الاول اصبحت ذات عنوان شعبي تمثل في “سؤال وينو البترول” ويمكن أن يعمم على كل الثروات الوطنية التي لا تدار بشفافية.
- وعلامات المساس بالصنف الثاني لم تعنون شعبيا بعد لأنها أقل مباشرة من الأولى لكنها تقبل العنوان “ما السر في مفارقات التسميات الحالية في المجال الثقافي”؟
وبخلاف الفهم المباشر فإن المساس بالصنف الثاني أخطر من المساس بالصنف الأول لعلتين استراتيجيتين يفهمها كل من يحلل السياسات الاستعمارية وخاصة السر في الانتقال من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير المباشر :
- العلة الأولى موضوعية لأنها مستمدة من علاقة الصنفين أحدهما بالآخر : فالصنف الثاني -المقومات الرمزية- هو الذي ينتج الصنف الأول -المقومات المادية- أو على الأقل يساعد على جعله أكثر فاعلية وانتاجية : فالاقتصاد ثمرة أدوات الانتاج وطرايقه وكلتاهما تستمدان من المعرفة أي من الثقافة العلمية والتقنية للجماعة.
- العلة الثانية ذاتية لأنها مستمدة من علاقة موقف الإنسان من الأشياء : ما يحصل في الذهنيات من قيم وتصورات يحدد المواقف من الأشياء المادية والرمزية في آن. ومن ثم فالثقافة ليست مقصورة على العلمي والتقني المؤثر في الصنف الأول فحسب بل هي كذلك ثقافة رمزية وقيمية تؤثر في مواقف المواطنين من الأشياء المادية والرمزية فتحدد خياراتهم بوعي أو بغير.
لذلك فالاستعمار لما فهم أن حضوره المادي والمباشر يمكن أن يستفز المستعمرين أدرك أن الاستعمار غير المباشر من دون حظور ظاهر كلفته أقل وثمرته أكبر :
وهو استعمار الأذهان بالثقافة وتعيين العملاء للقيام بذلك.
ومن ثم فيمكنه الحصول على مصادر الصنف الأول بل والاستحواذ عليها بأيسر الطرق وباقل كلفة لأنه يصبح مطلوبا من الذين جعلهم يدافعون عن مصالحه أكثر منه بسبب ربط مصالحهم بمصالحه وبسبب تحوله إلى مثالهم الاعلى حضاريا.
لذلك فإني سأقدم اليوم الكلام على الصنف الثاني-المقومات الرمزية- خاصة وقد توفرت مناسبة تدعو إلى ذلك :
مناسبة تسمية الأستاذة رجاء بن سلامة مديرة للمكتبة الوطنية.
فهذه التسمية تتعلق بأهم رمز ينتسب إلى الصنف الثاني أعني سياسية الزمان وثمرته.
وأعلن من البداية أني أعتبر تسميتها في هذه المسؤولية -دون حكم على شخصها وخياراتها الذاتية التي هي حرة فيها بل على التناسب بين خياراتها والوظيفة- خيانة وطنية موصوفة كما أبين.
لكن الأمر أوسع وأشمل من المكتبة الوطنية لأنه يشمل سياسة المقوم الثاني كلها أعني سياسة الزمان وثمرته.
فهذه السياسة تقبل في جميع المجتمعات البشرية الرد إلى الوظيفة الرمزية للمحافظة على شروط حماية الجماعة ورعايتها.
ولما كنت لا أريد أن أشخص كلامي وأن أجعله فكريا خالصا فإني سأحاول بيان علل ما أدعيه من خطورة مثل هذه التسميات على كيان الجماعة من خلال بيان دور المؤسسات الرمزية في المحافظة على الكيان وتنميته ماديا ورمزيا.
فالمؤسسات التي تمثل المستوى الرمزي من حماية الجماعة ورعايتها تقبل الرد إلى العناصر التالية :
- مؤسسة الذاكرة الوطنية: الأرشيف الوطني
- مؤسسة الأساس الروحي للجماعة: القيروان والزيتونة.
- مؤسسة علاقة الفكر الوطني بالفكر الإنساني: المكتبة الوطنية
- مؤسسة المشاركة في فاعلية الإنسانية الرمزية: البحث العلمي
- المؤسسة الأصل التي تنتج الأربع السابقة وتتغذى منها لأنها تنتج منتجيها: التربية والتعليم.
لن أطيل الكلام على كل هذه المؤسسات.سأكتفي بملاحظات سريعة قد أعود إليها لاحقا.
- وسأكتفي اليوم بالكلام على تعليل كونها ما هي وتعليل ترتيبها هذا الترتيب.
- وسأمر بعد ذلك إلى ما وضعته في القلب منها أعني المكتبة الوطنية التي هي في آن الوصل بين المستويين الأولين وطنيا إنسانيا والمستويين الثانيين كونيا إنسانيا.
ومعنى ذلك أن المكتبة الوطنية هي الجسر الرمزي بين الإنساني الوطني والإنساني العالمي في جميع الحضارات.
ومن ثم فالكلام عليها وعلى أهميتها والتركيز على أن كل مس بها يعتبر خيانة للوطن وللمواطنين ليس من عبث الكلام :
وأتحمل مسؤولية ما أقوله حتى أمام القضاء إذا أرادوا منازعة في ما أقول
تعيين رجاء بن سلامة مع العلم بخياراتها من تراث الجماعة خيانة موصوفة.
ولعل أول معيار لمعرفة حصول الخيانة من عدمه هو تحقق هذا الشرط.
فلا يمكن لمن يعادي المستويين الأولين أو المستويين الثانيين أن يكون أهلا لإدارتها لأنه بمقتضى هذا الموقف يعتبر مخربا لدورها الجوهري الذي هو عين كونها مكتبة وطنية.
وهذا يعني أن كل من يعادي التراث الحديث باسم التأصيل أو كل من يعادي التراث الأصيل باسم التحديث ينبغي أن يستبعد من المسؤولية الثقيلة لإدارة أي من هذه المؤسسات الخمس التي ذكرت وخاصة وسطاها التي هي اخطرها على الاطلاق.
فالمكتبة الوطنية هي القلب من مؤسسات سياسة الزمان وثمرته (التراث) الشارطة لسياسة المكان وثمرته (الثروة) وصلا بين :
- مؤسستين تتقدمان عليها: مؤسسة الذاكرة ومؤسسة الهوية
- ومؤسستين تتأخران عنها: مؤسسة البحث العلمي ومؤسسة التربية
فالمكتبة الوطنية هي منها جميعا الدورة الدموية للعامل الرمزي ببعديه النظري (العلوم) والعملي (الآداب).
فما من شعب تجاوز المرحلة الشفوية وبلغ مستوى حضاريا صارت فيه ممارساته العملية مبنية على ممارسات نظرية إلا وأصبح ذا مؤسسات جامعة للأحاديث حول أحداثه : التدوين في هذه المستويات الخمس التي تمثل المكتبة الوطنية قلبها.
المؤسستان المتقدمتان على المكتبة الوطنية
تتقدم على المكتبة الوطنية مؤسستان هما بالجوهر القيام الرمزي للذات الوطنية وهما مؤسسة الذاكرة (الأرشيف) ومؤسسة الهوية (القيروان والزيتونة).
فهذان هما عين القيام الرمزي للشعب التونسي.
وكل شعب له ما يناظرهما في هذا الدور.
وقد حاولت بصفتي مستشارا أن أشرح القضية لرئيس الحكومة وخاصة بمناسبة أزمة جامعة منوبة وأزمة جامع الزيتونة.
كما حاولت تطبيق ما أومن به بخصوص مؤسسة بيت الحكمة: تسمية رئيس ليس بالضرورة من صف الحزب الحاكم لأنه علماني لكنه غير معاد لتراث الشعب.
مؤسسة الذاكرة الوطنية:
الأرشيف الوطني
وظيفة الأرشيف الوطني هي الجمع الأمين والموضوعي للوثائق المتعلقة بأحداث تاريخ الجماعة.
وهذه الأحداث تنتسب إلى كل أنشطتها فعلا وانفعالا.
وتقبل الحصر في ما يعبر عن إرادتها (السياسة والقانون) وعن علمها (المعارف والتقنيات) وعن قدرتها (كل الانتاج المادي) وعن حياتها (كل الإنتاج الرمزي وخاصة الفنون) وعن وجودها (كل ما يتعلق برؤاها الوجودية من أخلاق ودين وفلسفة خاصة). وهذه المؤسسة
مؤسسة الأساس الروحي للجماعة: القيروان والزيتونة.
وظيفة القيروان والزيتونة هي وظيفة المعالم الرمزية لاساس الهوية الحية.
وهذه الوظيفة لا تخلو منها جماعة في العالم.
وتتمثل في أن الشعوب رغم تعدد طبقات هويتها تختار بوعي أو بغير وعي بعض المعالم والآثار المادية والرمزية لتكون رمز هويتها. و
من خصائص هذه الرموز أنها لا تنفي ما تقدم عليها ولا ما تلاها بل هي تمثل شبه غربال بمقتضاه يستوعب الشعب كل ما يناسبه من تراثه المتنوع ليوحده في هوية صارت عين أسلوبه في الحياة.
ولذلك فهذه الرموز تشبه إلى حد كبير المشاعر أو أماكن الشعائر الدينية والمدنية والسياسية والعلمية في آن.
فلكأنها “بانتيون” أو محل الرموز الروحية (الإلهية عند الشعوب الوثنية القديمة والإبداعية عند الشعوب العلمانية الحديثة).
وفي تونس فإن القيروان والزيتونة يمثلان مشاعر دينية ووطنية في الأعياد الدينية الرسمية التي تحتفل بها الدولة.
فإذا أهملت المشاعر -الطقوس- التي من هذا النوع فقدت الدولة مهابتها الروحية ولم يبق لها إلا الشوكة المادية.
المؤسستان المتأخرتان عن المكتبة الوطنية
إذا كانت المؤسستان المتقدمتان على المكتبة الوطنية يغلب عليهما الوطني من الإنساني فإن المؤسستين المتأخرتين يغلب عليهما الكوني منه.
لكن ذلك لا يعني
- أن الأولى تخلو من الكوني (لأن كل ما يسجله الارشيف ذو صلة بالعلاقات الدولية ولأن رموز الهوية هي ثمرة تنافس هويات متساوقة ومتوالية)
- أو أن الثانية تخلو من الوطني لأن أبناء الوطن لهم مساهمات في منتوجهما فضلا عن كونهما مضطرين لتعلم كل منتوجهما خلال التكوين الضروري على الأقل في المجتمعات الحديثة.
مؤسسة المشاركة في فاعلية الإنسانية الرمزية: البحث العلمي
كل مؤسسات البحث العلمي والتقني -أي الجامعات والأكاديمات ومعاهد البحث بما فيه الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري- ليست إلا الذراع الرمزية للإبداع الإنساني المشروط في كل الإبداعات الأخرى سواء كانت مادية أو رمزية.
صحيح أن الجامعات عندنا لا تقوم بهذه الوظائف.
فالنخب الفاسدة والعقيمة حولتها إلى مؤسسات إيديولوجية للتحضير المستبد استكمالا لوظيفة الاستعمار الذي يدعي تحضير الانديجان لاستيعابهم حضاريا بقشور حضارته بدلا من لبها أعني تكوين القادرين على سد حاجات الجماعة المادية والرمزية سدا يمكنها من الاستقلال والتحرر من التبعية.
وهذه المؤسسات كلها لها علاقة مزدوجة بالمكتبة الوطنية :
- فهي تغتذي من مخزونها
- وهي تغذيها بمنتوجها.
فمؤسسات البحث العلمي لا تستطيع القيام بوظيفتها إلا بفضل المكتبة.
والمكتبة لا يتجدد زادها إلا بفضل إنتاج هذه المؤسسات إن كانت منتجة أو على الأقل بفضل ما تدعوها للتزود به من الإنتاج العالمي في مجالات اختصاصها.
وطبعا هذا لا يكاد يحصل أو هو يحصل في أدنى الحدود.
وتلك هي علة تخلف الجامعات العربية وليس التونسية وحدها.
لا وجود لتفاعل حقيقي مع الجماعة العلمية العالمية -وهي دائما عالمية منذ التاريخ القديم.
فمن دون علاقة اليونان بمصر وبابل ومن دون علاقة العرب باليونان وعلاقة اللاتين بالعرب والانتفاح الحالي للعالم كله على العالم كله لا معنى للبحث العلمي الكوني.
وهذا كله ينبع من المكتبة الوطنية ويصب فيها.
المؤسسة الأم التي تنتجها وتنتج الإنسان وتتغذى منها:
التربية والتعليم.
ونصل أخيرا إلى أم المؤسسات السابقة وأصلها جميعا أعني النظام التربوي والتعليمي في كل الجماعات التي لها دولة بأتم معنى الكلمة وليس مافيا كالحال عندنا.
فهذه المؤسسة من المفروض أن تكون مؤسسة رعاية الوراثتين وتأهيل الإنسان ليكون إنسانا:
- الوراثة العضوية بالتربية البدنية الصحية العضوية والغذائية المادية للإنسان.
- الوراثة الرمزية بالتربية النفسية والصحية النفسية والغذائية الروحية للإنسان.
وهذين النوعين من التربية وظيفتهما هي تكوين الإنسان :
- الناطق أولا
- والمنتسب إلى تراث معين ثانيا
- والمنتسب إلى جماعة أو وطن معين ثالثا
- والقادر على المشاركة في الإنتاج المادي والرمزي للجماعة رابعا
- وأخيرا الإنسان الذي بوسعه خلال ذلك كله أن يتفرد بما يجعله يضيف إلى الإنتاجين المادي والرمزي للجماعة ما يمكن تسميته بالإبداع. وكل ذلك مشروط بالمستويات الأربعة السابقة وشارط لها. ذلك أن تكوين الإنسان يحتاج إليها أدوات والإنسان المكون هو الذي ينتجها ويحفظها في الغاية.
المكتبة الوطنية وما أدراك ما المكتبة الوطنية
أعتقد أننا الآن صرنا ندرك حقيقة الدور الخطير الذي تؤديه المكتبة الوطنية في الجماعات التي لها بحق دولة تفهم معنى المهابة والوظيفة الروحية التي تجعلها كما يصفها ابن خلدون صورة العمران.
المكتبة الوطنية تؤدي وظيفة المخزون الرمزي بكل أبعاده أي ما يشبه “السوفت وار” للجماعة في تلك الوظائف ومن ثم للدولة التي هي “الهارد وار” إن صح القيس بالحاسوب.
والوظائف الأربع الأخرى تمثل مادة العمران بمعنى المدد في نظرية المادة القرآنية وليس بمعنى الهيولا في نظرية المادة الفلسفية.
ذلك أنها المعين المنتج والمستهلك في آن لكل الرموز العلمية وتطبيقاتها التقينة ولكل الرموز الأدبية وتطبيقاتها الخلقية.
إن من يفهم هذه العلاقات لا يمكن أن يسمى على رأس المكتبة الوطنية إلا من كان حريصا على كل ما ذكرت.
ذلك أن من يفاخر بخياراته الإيديولوجية ضد كل ما هو مقوم من مقومات تراث شعبه سيصبح قلم مراقبة يلغي مثلا كل الكتب والأعمال التي يعتبرها ظلامية فيكون بوليس ثقافي وليس مدير مكتبة وطنية.
فمن لا يتوقف عن التصريح بأنه معاد لكل تراث شعبه ويريد أن يستبدله بتراث من يتصوره مثاله الأعلى من حقه أن يطبقه في حياته الخاصة. لكن لا يمكن أن يعين على راس قلب هذه المؤسسات كما أسلفت إلا إذا كانت الدولة معادية لشعبها ولتراثه ومن ثم إلا إذا كانت أداة استعمارية تعامل شعبها معاملة الاستعمار للأنديجان.
ولا أريد أن أضيف أكثر من هذا :
فهذه التسمية تعني أن تونس ما تزال مستعمرة أو أن من يحكومونها ليسوا إلا نواب الاستعمار الثقافي.
ومن ثم فعلى الشعب أن يقوم بواجبه السلمي فيرفض هذه التسمية بمقاطعة المكتبة الوطنية حتى يسمى عليها من يمثل الحياد العلمي والالتزام الخلقي بقيم شعبه وثقافته دون أن يكون في الاتجاه الثاني الذي ينفي قيم الشعب الأخرى فيمثل المراقبة المقابلة.
نريد مديرا محايدا ثقافيا ولا يستعمل معتقداته السخيفة على أنها حقائق لا بد من تشكيل الوعي التونسي بمقتضاها.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/