لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهثورتا الاسلام بدأتا تصبحان مطلب كل شباب العالم
حددت في محاولات سابقة دلالة الحريتين الروحية (التحرر من الوساطة) والسياسية (الوصاية) وعرفتهما بصورة موجبة لأنهما ليستا قيمتين تعرفان بالسلب فتكونان بعد حل وسطا بين الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا كعادة من يعرف الحقائق بالوسطية: فالإسلام لا يقول التمانع بين القطبين حتى يضطر لكذبتين. والكذبتان لما عرفناهما خلال البحث عن البنية العميقة هما نفس الكذبة المتمثلة في تحول الغاية إلى وسيلة سواء كانت الغاية الله أو الإنسان. ففي الثيوقراطيا صار الله أداة السلطان الروحي والسياسي وي الانثروقراطيا صار الإنسان أداة السلطان الروحي والسياسي فبتين أنهما نفس التحريف. ذلك أن الله لا يصبح أداة إلا للإنسان الذي يدعي التأله بالمعنيين الاستبداديين باسم نفاق تمثيل الله في التربية وفي الحكم لإخفاء بعدي العجل. والإنسان لا يصبح أداة إلا للإنسان الذي يدعي التأله بالمعنيين الاستبداديين باسم نفاق تمثيل الإنسان فهما لإخفاء بعدي العجل. وفي الحالتين فالتربية والحكم يحكمهما بعدا دين العجل أي ما يرمز إليه معدنه (سلطة المال) وما يرمز إليه خواره (سلطة الإيديولوجيا). وذلك عند الوسيط والوصي وعند طالبي الوساطة والوصاية. وفي تجربتنا التاريخية يمثل هتان الظاهرتان أساس الفتنتين الكبرى باسم الله والصغرى باسم الإنسان. ولذلك فالتحريفان في الثيوقراطيا وفي الانثروبوقراطيا المسؤولية مشتركة. فليس المحرفون هم المسؤولين وحدهم بل ومعهم القابلين بالتحريف. فمسؤولية التدين بدين العجل يشترك فيها الجميع الفاعلون والمنفعلون بها. فنحن خاضعون لنفس البنية العميقة للنظامين واجبا في التشيع وأمرا واقعا في التسنن. وهي واجبة في التشيع لأنها من أصول المذهب وعقيدته وهي أمر واقع في التسنن لأن العقيدة السنية تحرمها والامر الواقع يبيحها بقاعدة الضرورات التي تبيح المحظورات وهي تأسيس له أصل في الاسلام لكن الخلاف هو نوع الضرورة التي تبيح المحظور وقد حصرها الإسلام بما ينفي ما فعله بها السنة. فالضرورات التي تبيح المحظورات لا تنطبق في حالتي الحريتين: لا يمكن للمسلم أن يتخلى عن الاجتهاد والجهاد من دون أن يقع في الخسر الذي اشترط الاسلام الاستثناء منه بالشروط الخمسة التي هي مضمون سورة العصر: فالوعي بها أصل وتحقيقه فروعه الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهذه الشروط الخمسة هي جوهر الإسلام ومن ثم فمن يبرر التنازل عنها بالضرورة التي تبيح المحظور يعتبر قد مرق من الاسلام ولم يبق له منه إلا الاسم. فمن يتنازل عن الأيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر غير واع بأن ذلك هو الخسر ومن ثم فهو غارق فيه وتلك حال المسلمين السنة. وهذا الحال يمكن أن تقبل إذا كانت مؤقتة كما يحصل لكل الشعوب التي تمر بحالة طواري فتقبل أن تعطل بعض أحكام دستورها بقوانين استثنائية وهي تعلم أنها استثنائية من جنس من يوجد في الصحراء ولم يجد إلا الميتة ليأكلها أو الخمر ليشربها مؤقتا وتلك هي حالة الضرورة المبيحة للمحظور. أما أن يتحول ذلك إلى نظام دائم في الدستورين الروحي والسياسي (التربية والحكم) فهذا يجعل السنة في نفس الوضعية التي عليها الشيعة وهذا لا علاقة له بالاسلام بل هو نكوص إلى الجاهلية عند السنة وإلى الكسروية عند الشيعة. ذلك ما آل إليه الصراع الناتج عن توظيف الفلسفة والدين إيديولوجيا. وذلك ما حدث فعلا فأنتج العلوم الزائفة التي خصصت لها فصولا ثم الاعمال الزائفة التي خصصت لها مثلها فصولا والحصيلة بين العلوم والأعمال الزائفة هي ما حدث من انحطاط أدى إلى فقدان شروط المناعة المادية والحصانة الروحية فصار وضع الامة دون ما كانت عليه أوروبا في القرون الوسطى. وما يدفعني للمقارنة بين الفتنتين هو خوفي من أن تؤدي الفتنة الصغرى وخاصة تحالف أصحابها مع اصحاب الفتنة الكبرى التي احيتها الخمينية إلى منع الأمة من تحقيق شروط الاستئناف وأهمها استعادة وحدة الأحياز الخمسة التي تآكلت وكادت تزول بمفعول حلفهما. فإحياء الفتنة الكبرى أنتج الحروب الطائفية واستنبات الفتنة الصغرى أنتج الحروب القومية وكلا النوعين من الحروب هو سبب التفتيت وليس الاستعمار: الاستعمار يستغلهما دون شك. لكن الداء هو الجرثومتان الذاتيتان لحضارتنا بسبب ما أصاب النخب الخمسة من “فساد معاني الإنسانية” (ابن خلدون). فمباشرة بعد الدولة الأموية خرج العرب من التاريخ لم يعد لهم دور يذكر وصاروا أشبه بأمراء الطوائف وبأفسد أمراء الخليج مجرد وجود شكلي في محميات ليس لهم عليها سلطان. السياسية بيد الحاميات والعلم بيد الجالين والاقتصاد بيد العبيد والفنون بيد الكدائية ورؤى الوجود بيد الدراويش. وكل من ينكر هذه الحقائق لن يجد تفسيرا لما حدث للأمة التي كانت في البداية قد سيطرت على كل مستعمرات فارس ومستعمرات بيزنطة وحررتها من سيطرة ما قبل الإسلام أعني نظام الوساطة في التربية الروحية ونظام الوصاية في التربية السياسية ولم يبق لثورة الإسلام إلا ما يوجد في الكتب. ولهذه العلة اعتبرت أن الاستئناف لن يكون ممكنا من دون هذا الفحص الدقيق للأدواء التي أصابت في مقتل ثورتي الإسلام الروحية التي حاول ابن تيمية علاجها وفشل (الثورة هى النكوص إلى وثنية الوسطاء) والسياسية التي حاول ابن خلدون علاجها وفشل (الثورة على النكوص لوثنية الأوصياء). وقد حاولت حركة النهوض في أواخر الخلافة العثمانية والبلاد السنية استئناف الإصلاح في المجتمع بفكر ابن تيمية وفي الدولة بفكر ابن خلدون لكن الاستعمار كان قد ابتلع هذه الحركة التي غم عليها فوأدها في البيضة وأعد دماه لتحقيق خطته في السيطرة على الأحياز بصورة تحول دون الاستئناف. والاستراتيجيا لم تكن عمل مبتدئين فهي خطة بريطانيا خاصة ومعها فرنسا أعني أكبر دولتين عرفتا بمعاداة الإسلام منذ الحروب الصليبية ومعهما روسيا التي لم تشارك في الصليبية لكنها مثلت خنجر حرب الاسترداد ضد الخلافة العثمانية منذئذ إلى سايكس بيكو طمعا في استرداد عاصمة الارتودوكسية. وللخطة فرعان أولهما يتعلق بتفتيت الأحياز بأيدي أبناء الاسلام أعني بتكوين جيل لا يؤمن بالأمة ويريد محميات يعين عليها حارسا لمصالحهم لأن الاستعمار المباشر يقوي لحمة الأمة بسبب الوجود المادي للمستعمر والثاني هو استنبات الفتنة رمز الفتنة الصغرى (إسرائيل) وإحياء رمز الكبرى (إيران). وقد كلف بالمهمة الاولى لتثبيت التفتيت النخب التي نصبوها للحكم في المحميات ومعهم النخب الكاريكاتورية التي تتكلم باسم الأصالة والحداثة وكلفوا بالمهمة الثانية مليشيات الفتنتين الكبرى (الطائفية) والصغرى (القومية). فمن فتتت الجغرافيا والتاريخ هم هؤلاء خدمة للاستعمار. إنجلترا وفرنسا قسمتا الجغرافيا ونصبتا عملاءهما عليها والعملاء قسموا التاريخ حتى يوحدوا لهذه المحميات شرعية تاريخية غير مشتركة فبحث العراقي والمصري والشامي والتونسي على شرعية بابلية وفرعونية وفينيقية وبونيقية لتوطد المحمية القطرية وافقاد الأجيال الشعور بالوحدة الروحية والسياسية. ولما تبين لهم أن هذه الخطة مع ذلك لم تنتج لأن الحصانة الروحية المستمدة من الإسلام وعودة الأمة التدريجية إلى قيمها الروحية وهويتها التاريخية ورمزها ما يجري حاليا رمزا لفشلهم أعني ما يحدث في تركيا رمزا لفشل العلمانية ونجاح الإسلام الحديث صار من الضروري التفكير في خطة أخرى. وفي هذه الخطة تعمل العناصر الخمسة معا: الذراعان الممثلان للفتنتين ونظامان العربيين القبلي والعسكري والنخبة التي انقسمت إلى الكاريكاتورين باسم التأصيل لتشويه الإسلام بالسيف وباسم التحديث لتشويه بالقيم وتلك هي المعادلة الجارية حاليا والتي تحارب ثورة الشباب أي بداية الاستئناف. ولا أشك في أن القارئ لبيب: يفهم الآن لماذا كل التركيز على الإسلام السياسي وعلى تركيا وعلى الربيع العرب وعلى القرآن وعلى محمد وخطة الثلاثين سنة لما يسمونه الحرب على داعش: فهم بحاجة إلى الابقاء عليها وليس القضاء عليها مسمار جحا لتحقيق التفتيت التام وتغيير الإسلام. كما أن القارئ لبيب ويفهم أن وهمهم هذا علته وجود مراهقين سذج من جنس من يتحالف اليوم مع إسرائيل أو مع إيران للاحتماء بهما وهم مستعدون للستريبتيز الديني متخلين عن كل ما يتسمد منه السلمون عزتهم وكرامتهم ومنزلتهم الوجودية ودورهم التاريخ: يظنون أن الإسلام يقوده ساذجي الثورة المضادة. نعم لو كان الإسلام يمثله أمراء الإمارات والسعودية الحاليين لكان وهم المخططين للانتصار على الاسلام والمسلمين قيسا على الشيوعية قابلا للتحقق. لكن الإسلام دين الله وله أمة تحميه بدمائها وعرقها وفكرها ولن يهزم أبدا. ونصيحتي لأمريكا والغرب: حربكم ستسقطكم أنت لا نحن ثقوا في ما أقول.