ثورتا الاسلام، بدأتا تصبحان مطلب كل شباب العالم – الفصل الأول

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله ثورتا الاسلام بدأتا تصبحان مطلب كل شباب العالم

لماذا فهمت أخلاق أرسطو التي ظنوها قائلة بالوسطية بين تطرفين بحيث تكون الشجاعة وسطا بين الجبن والتهور الكرم بين البخل والاسراف؟ ولماذا عممت حتى على تعريف الأديان فأصبح الإسلام وسطا بين اليهودية والمسيحية ووسطا بين الاشتراكية والرأسمالية إلخ… من العقم الفكري؟ هل معنى هذا أن أرسطو كان يعتقد أن الشجاعة مؤلفة من جزئين بعض الجبن وبعض التهور أي من عدم الجبن وعدم التهور فتكون مؤلفة من عدمين؟ والكرم من عدم البخل وعدم التبذير؟ وأصحاب هذا الفهم هل يعتقدون أن الإسلام مؤلف من عدم اليهودية وعدم المسيحية ومن عدم الاشتراكية وعدم الرأسمالية؟ تسمع فقهاء عقاب الزمان ومنظري التكوين التقليدي ممن يتجرؤون حتى على ابن تيمية والغزالي حتى يذيعوا في الناس أنهم صاروا حداثيين لأنهم قرأوا بعض المقالات الفلسفية في الجرائد فيدعون في العلم فلسفة وتجدهم في كل المنابر والمعارض يعرضون بضاعة وجودها ضار وعدمها مفيد؟ لذلك فلما درست نوعي الأنظمة المستبدة على الساحة أعني الثيوقراطيا (مثالها التشيع) والانثروبوقراطيا (مثالها علمانية النخب الحداثية العربية وهي يعقوبية) بينت أولا أنهما في العمق شيء واحد وليسا تطرفين فتكون هذه مناقضة لتلك لأن الأولى تستعمل الله والثانية الإنسان لغاية تتنافى معهما. فالله في الثيوقراطيا أداة إيديولوجية وليس الله الذي يقول به الإسلام. والإنسان في الانثروبوقراطية أداة أيديولوجية وليس الإنسان الذي يقول به الإسلام. لكن بنيتهما العميقة شيء واحد حتى وإن تغيرت الأداة كانت الله ثم صارت الإنسان وقد تعود إلى الأداة الاولى إذا فقدت الثانية فاعليتها. وبهذا المعنى لا يمكن أن يعرف الإسلام بالسلبين ليس ثيوقراطيا وليس انثروبوقراطيا فتكون بينته العميقة حصيلة سلبين ويكون مؤلفا من عدمين ويصبح العدم هو الأصل والوجود ليس إلا عدم العدم وهو منطق هيجلي صرف لا يمكن القبول به جنة للعبارة عن الحقيقة التي يبدو مواتيا فضلا عن الحقيقة ذاتها. ولا أنكر أن الفلسفة تداولت على أربعة نماذج غلب منها اثنان هما الأرسطي إلى حدود الثورة التي حدثت عندنا في المدرسة النقدية (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون) وفي المدرسة النقدية الغربية (هيوم وكنط) ثم النموذج الهيجلي بعد هذين الثورتين اللتين لم تعمرا لإنهائهما الخطاب الفلسفي التقليدي. ومعلوم أن أرسطو كان طبيبا وابن طبيب وهو عالم تاريخ طبيعي كبير(بايولوجيا) لكنه مع ذلك اختار النموذج الصناعوي (الهيلومورفية) فاعتبر العالم الطبيعي خاضع لمنطق الحرف والصناعات البدائية (العلل الاربعة) التي فيها الحرفي والمادة والصورة والغاية من الصناعة وفسر بها عالمي الطبيعة والتاريخ والمعلوم أن هيجل خريج مدرسة دينية وإن بتكوين حديث لكنه لم يكن مختصا في أي علم على وجه الدقة بل كان مثقفا بالمضمون التقليدي للتكوين في نظام التعليم الغربي الحديث لكنه مع ذلك اختار نموذج بايولوجي لتفسير كل شيء علما وأن أهم خاصة هي وحدة الغاية والأداة في الظاهرة الحية. وبنفس الطريقة عمم هيجل النموذج البايولوجي تعميم أرسطو النموذج الصناعوي. وكل فلاسفة العرب اتبعوا النموذج الأرسطي الصناعوي: الهيلومورفية اي إن الله كالنجار الذي يصور الخشب يصنع الموجودات الطبيعية وذلك بجهاز آلي هو نظام العالم أو حركات الافلاك. وإذن فهو لا يصنع بنفسه وليس حالا في العالم بل يحرك تحريك غاية وليس تحريك فاعلية لأن الفاعلية ذاتية للمادة التي تشتاق لهذه الغاية أو المثال أو المحرك الذي لا يتحرك. وهذا فيه شيء من الغائية العضوية لكنها تنطبق على نظام العالم الطبيعي بتأثير جاذبية المثال وآلية الحركات الفلكية. وإذن فأرسطو في الحقيقة لم يقتصر على الصناعوية بل أضاف إليها الغاية البايولوجية أو كون الطبيعة شبه صانعة لذاتها بهذا الشوق الذي يحرك المادة لتحاكي تمام المثال وما حركتها إلا هذا السعي الذاتي لتصوير الذات بفضل الحركة الكلية للعالم أو لما في المادة من قوة الانتقال إلى الوجود بالفعل. فيكون الجمع بين النموذجين حاصلا وهو عند التحليل نوع من الانثروبومروفية أي القياس على الإنسان من حيث هو صانع ومن حيث هو كائن حي. وفعلا فأرسطو يعتبر الطبيعة صانع ذاتي كامن في المادة. الطبيعة انصوار ذاتي بشوق للمثال. وهو أول واضع لنظرية التطور بتجاوز التصوير الفاشل نحو الأفضل. وعندما تحصل الصورة الافضل يتوقف التطور وتصبح الصور النوعية ثابتة: فيكون أرسطو قد جمع بين التطور النشوئي والثبات الغائي عندما تحصل الصورة المثلى في الكائن الذي هو حصيلة هذا التطور النشوئي للأنواع والأجناس ونظام العالم: نموذجه خروج من الفوضى إلى النظام. ونفس هذه العملية حدثت عند هيجل ولكن في الاتجاه المقابل: ما كان ضمنيا في الأرسطية ومنطلقا من الطبيعة والبايولوجيا صار صريحا عند هيجل ولكن ليس من الطبيعة والبايولوجيا بل من التاريخ والبايولوجيا. النموذج صار سياسيا بايولوجيا. ومن هنا جاء مفهوم التطور والصراع بين القوى السياسية. وكان ينبغي أن يتقدم على ذلك أمران بدآ في التصوف وتما في الفلسفة: نظرية وحدة الوجود أو إنزال المثال الارسطي أو المحرك الذي لا يتحرك والذي لا يتلفت حتى للعالم الطبيعي والتاريخي أنزلوه إليهما او صعدوهما إليه فأصبح الوجود كله العالم ولله كائنا واحدا ذاتي التعليل: كاوزا سوي. وكان ذلك يقتضي أحد أمرين الأول نفي ما يتميز به الإنسان عن غيره من الموجودات الطبيعية أو العكس تأنيس الطبيعة نفسها وفي الحالتين كان لا بد من نفي التناقض بين الضرورة في الطبيعة والحرية في التاريخ حتى تتحقق الوحدة التي تمكن من اعتبار الوجود واحدا: نفي الفرق بين الربوبية والألوهية وأفضل وصف لهذه العملية بلغة فلسفية شديدة العمق والاقتضاب وضعه ابن تيمية عندما اعتبر وحدة الوجود الصوفية عامة والمطلقة خاصة بنفي الفرق بين الموجود والمنشود بمعنى أن كل ما يسمى قيما وشرائع هو بلغة التصوف مجرد رسوم لا معنى لها بمعيار الحقيقة في ذاتها. وإطلاق هذا النفي هو الذي جعل سبينوزا يقول قولته الشهيرة: ليس الإنسان دولة في الدولة (=الطبيعة) ومن ثم فوحدة الوجود عنده هي تأليه الطبيعة أو تطبيع الإله وليس الفكر إلى صفة من صفاته مثله مثل الامتداد (المصطلحان ديكارتيان). وهنا حدث الانقلاب الهيجلي: تذويت وحدة الوجود السبينوزية. والتذويت هنا يجعل المسار التاريخي لكينونة الوجود الواحد الذي يتجاوز الثنائية بين الضرورة الطبيعية والحرية الخلقية يقتضي تكوينية روحية تعوض فيها فلسفة التاريخ فلسفة الطبيعة والصناعوية العضوانية وفلسفة العقل فلسفة الروح (فلسفة الدين) والوصول إلى الثبات مثل ارسطو ليس طبيعيا بل تاريخي. لذلك فالفكر الفلسفي من أرسطو إلى هيجل عاش على وهم اكتمال النظام الطبيعي ومن هيجل إلى الآن هو يعيش على وهم اكتمال التاريخ. كلاهما يتصور أن النظام الواحد في العالم اكتمل وأن عبارة كماله هي فلسفته الأول نظام العالم الطبيعي والثاني نظام العالم التاريخي. لكني أومن أن الكمال لله وحده. أوردت هذا الملخص الوجيز لمنعرجات الفكر الفلسفي من أرسطو إلى هيجل لأبين علة اهتمامي بما أطلقت عليه اسم المدرسة النقدية العربية (راجع ضميمة المثالية الألمانية) التي أحدثت الثورة على الأرسطية وحققت مشروع تجاوز الفلسفة اليونانية لكنها كانت صيحة في واد. ونفس الداء نعيشه ثانية. فعلاقة “مثقفي” العرب اليوم بالرؤية الهيجيلية يمينها ويسارها لا تختلف في شيء من حيث فقدان روح النقد الفلسفي عن علاقة “مثقفي” العرب في عصر الحضارة الإسلامية التي كانت الفلسفة فيها من أهم عوائق تحقيق شروط الرؤية الجديدة للعالم وللوجود وخاصة لبناء حضارة تحرر الإنسانية من العائقين. وهذان العائقان هو الوساطة الروحية والوصاية السياسية اللتين كان الإسلام ثورة عليهما لتحرير البشرية منهما. وكل من يقرآ عمران بهذا المنظور يفهم كيف أن تحرير الإنسانية من عبادة العبادة وتوعيتها بضرورة التحرر ولا تحرر من دون عبادة رب العباد. لذلك فمستقبل الإنسانية هو الإسلام. ذلك أن عبادة العجل معدنه (سلطة المال) وخواره (سلطة الأيديولوجيا) هما ما يسيطر على من بيدهم السلطان. والشعوب فهمت ذلك. ومن ثم فالثورة على الوساطة (خوار العجل) وعلى الوصاية (معدن العجل) ليست خاصة بنا كمسلمين بل كل شباب العالم فهم اللعبة وبدا يتحرك في نفس الاتجاه. أدرك شباب الغرب وبعض مفكريه أنهم ليسوا كما يوهمونهم أحرار بل هم عبيد البنك والملهيات عن حقيقة الإنسان الحر والكريم. فبدأوا يدركون الاستبداد والفساد اللطيفين اللذين تغطي عنهما إيديولوجية الإخلاد إلى الارض ظنا أن لهيث كلب اللامتناهي الزائف هو السعادة ولو بالقضاء على معنى الحياة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي