لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تمهيد :
انطلقت شرارة الموجة الأولى من ثورة الحرية والكرامة من تونس.
ومن مكر الله الخير ستكون تونس كذلك منطلق الموجة الثانية.
والمكر الإلهي سخر لذلك غباء أدعياء اليسار والحداثة العرب عامة والتونسيين والمصريين منهم خاصة.
وما يعنيني هنا هو بيان هذا المكر الخير كيف تم وما مراحله الأساسية وما مستقبله المتوقع.
ادعى اليساريون والحداثيون العرب في بداية الموجة الأولى للثورة أنهم هم مفجروها.
وكاد الكثير يصدقهم بسبب سيطرتهم على الضجة الإعلامية والمسرح المزعوم ممثلا للمثقفين في بلاتوهات التلفزات والإذعات وكل وسائل التواصل إذ هم عاطلون بالجوهر ومتفرغون للثرثرة ما داموا أولاد مقاهي وحانات وصالونات.
لكن الأحداث بدأت تكذب دعاواهم بالتدريج ليس بالالتفات إلى اساطيرهم حول الموجة الأولى بل بالالتفات إلى المستقبل حول أفاعليهم التي فضحت كل ما كانوا يخفونه ويدعونه والتي ستؤدي إلى الموجة الثانية.
وهي ستكون بخلاف الأولى بينة الرسالة والطبيعة ومحددة القيادات بعد أن يكونوا هم قد تحددت هويتهم السياسية والإيديولوجية الحقيقة التي هي نقيض ما يدعونه بصورة تامة.
افتضاح أدعياء اليسار والحداثة العرب
فهم يدعون أن الثورة ثورتهم وأن الإسلاميين ركبوا عليها وتحالفوا مع العسكر في مصر ومع النظام القديم في تونس.
وكانت هذه الدعاية أساس ما سمي في مصر وتونس بجبهة الانقاذ التي أوقفت كل أنشطة الدولة والمجتمع وعطلت الإنتاج الاقتصادي وافسدت الأمن المدني فكانت ليس موضوعيا فحسب بل وذاتيا أدوات من يتهمون الإسلاميين بالحلف معهم أي العسكر والدولة العميقة في تونس ومصر على حد سواء.
وكانت العلة بينة :
- فنجاح الموجة الأولى أولا
- وما تلاها من فرز للقوى السياسية ثانيا
أظهرت لأدعياء اليسار والحداثة حجمهم الحقيقي.
رفضهم الشعب عندما عبر بحرية عن خياراته ورفض ما يقدمونه من بضاعة سياسية واجتماعية وخاصة ثقافية.
منع الشعب لهم من ركوب الثورة أنهى طموحهم.
ذلك أن الشعب يعلم أنهم لم يكن لهم ناقة ولا جمل في الثورة.
كان الشعب الذي خرج بحماسة للتصويت في الاستحقاقات الانتخابية يعلم أن أوهامهم التي كانوا يثرثرون بها في المقاهي والحانات لا صلة لها بالشعب وهمومه بل هي كانت تعبيرا عن حلم ظنوا أنه تحقق:
أن يرثوا النظام القديم بكل أجهزته وشبكاته لحكم مصر وتونس دون أدنى تغيير يحقق ما لأجله قامت الثورة أي استرداد شروط الحرية والكرامة وأولها وأساسها عدم التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية.
كان همهم أن يصبح دورهم أكبر مع نفس المافيات الحاكمة العسكرية والقبلية في اقطار الوطن:
وهم مثلا في النداء انتقلوا من كونهم أبواق الدعاية وكلاب القوادة في عهد ابن علي إلى قيادات فيه، لكن ذلك لن يدوم.
ولما كانوا يعلمون أن وجودهم رهن تبعيتهم للمافيات التي هي بدورها تابعة للمستعمر وأذرعه باتت الثورة عدوهم الأول رغم خطتهم السياسية التي تتمثل في المزايدة على الإسلاميين بدعوى أنهم أقل ثورية وأنهم ركبوا ثورة لم يقوموا بها.
ويتبين ذلك من أمرين لا يمكن أن يخطئ المرء في فهم دلالتهما مهما حاول أن يتعامى عن الحقائق :
- الأمر الأول بنيوي ويتعلق بالأساس الأيديولوجي الذي جمع مكونات جبهتي الإنقاذ في مصر وتونس وخاصة مموليهم من الدولة القبلية التي تخشى الثورة.
والثورة تخيفهم بسبب جمعها بين جوهر القيم الأصيلة (ضد القبائل التي تمثل انحطاط الماضي لأنها نكوص للجاهلية) والقيم الحديثة ( ضد الانظمة العسكرية التي تمثل انحطاط الحداثة الاستعمارية التي ولت العسكر والمافيات على الأقطار التي كانت تستعمرها استبدالا للاستعمار اللامباشر بالاستعمار المباشر).
كلاهما كان يخشى الديموقراطية الحقيقية ويريد أن يغالط الشعب بمجرد شكل خارجي تكون فيه الدول العربية جمهوريات موز تابعة ويحافظون هم على مزاياهم لسرقة ثروات البلاد ونقلها إلى بنوك الغرب.
لكن الشعب فهم اللعبة وأراد أن يستأنف مسيرة أمة تسترد حريتها وكرامتها وتشرع في البناء المستقل المؤصل والمحدث في آن.
- الأمر الثاني ظرفي ويتعلق بالمواقف من الوضعية السياسية الراهنة الدالة على حقيقة الأساس الإيديولوجي.
فمواقف مكونات الجبهة من الثورة التي تعثرت في ليبيا وسوريا والصف الذي انحازوا إليه يثبتان بصورة لا لبس فيها أنهم يمثلون المافيات التي تمتص دم الشعب وإذن فهم أعداؤه مباشرة وبوصفهم عملاء عدوه الذي يريد الأبقاء على التبعية لنهب الثروات والادعاء بالمساعدة في التنمية بفتات ما يسرقه منها.
فبهذه المواقف المرتبطة بالظرف افتضح كل شيء في بنية الجماعة التي تكونت منها جبهة الانقاذ :
تبين أن انحيازهم إلى
- الدكتاتورية العسكرية (بشار والسيسي وحفتر وصالح وبقايا القذافي)
- والدكتاتورية القبلية (ممولوهم)
هو المستوى الأول من الخيانة التي لها مستويان أعمق هما
- الانحياز للملالي ومليشياتهم العربية
- والانحياز للمسيحية الصهيونية ومليشياتها العربية.
المؤامرة موجودة لكنها لصالح الثورة المضادة
وهنا افتضحت آخر حجة بدأوا في التغريد بها عندما أبعدهم الشعب من قيادة ثورته الحجة التي تتهم الثورة بكونها مؤامرة غربية ضد الممانعة والدولة الوطنية وتتهم من اختارهم الشعب بحرية لقيادة المسيرة نحو تحقيق أهداف الثورة بكونهم أدوات هذه المؤامرة وعملاء أمريكا.
ذلك أن انحيازهم بمستوياته الثلاثة -المحلي والإقليمي والدولي- بين أن المؤامرة فعلا موجودة لكنها لصالحهم وليس ضدهم :
فهي ليست لصالح الثورة بل هي لصالح الثورة المضادة التي تمثلها جبهة الانقاذ وبأحلافها الثلاثة : العربية والإيرانية والإسرائيلة بقيادة غربية أصبحت بينة المعالم في الهلال الخصيب وفي المغرب العربي وفي الخليج.
لكن ذلك كله لم يوصلنا بعد إلى بيت القصيد من قصة الغباء اليساري والحداثي بين النخب العميلة.
فبيت القصيد يبين دلالة اللحظة الراهنة عامة وثورة المساجد خاصة.
ما يجري الآن بين الموجة الأولى وبداية الموجة الثانية من الثورة ذلك هو بيت القصيد.
فقد أراد المكر الألهي أن يجعل عودة النظام القديم وأدعياء اليسار والحداثة إلى الحكم في تونس ومصر بسرعة الطريق التي تعيد المعركة إلى حقيقتها التي زيفت منذ ما يسمى بالاستقلال الشكلي.
فالانتقال من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير المباشر تم بأداوت هي هؤلاء الذين عادوا بالانقلابات والمؤامرات بعد الموجة الأولى من الثورة:
- بنفس العملية الاستعمارية أحبط ثورة التحرير بتنصيب عملائه
- ويحاول إحباط الثورة بتنصيب عملائه مرة أخرى.
لكن لعودتهم السريعة فضل كبير لأنها تعيد المعركة إلى مطلبها الاساسي الأول الذي فقدته بسبب حيلة الاستقلالات الوهمية.
بات مطلب الثورة المحدد والجامع لفرعيه أي الحرية والكرامة هو:
كيف نجعل الاستقلال استقلالا حقيقيا لأمة ذات رسالة بمرجعية روحية وقيمية غير تابعة لبناء شروط القوة المادية والروحية وتحقيق شروط التحديث الأصيل المتحرر الانحطاطين الذاتي والمستورد؟
ينبغي أن نعترف لأدعياء اليسار والحداثة -ومستعمليهم المباشرين وغير المباشرين- بأن لهم فضلا كبيرا بسبب غباواتهم التي أفقدتهم كل حيل التخفي :
تبينت طبيعتهم المليشاوية بأصنافهم الخمسة :
- الباطنية والصليبية أداتي إيران
- والعلمانية والليبرالية أداتي إسرائيل
- والقومية الفاشية المظلة الجامعة والتي تستمد بقاءها من العمالة الفعلية والمقاومة القولية لذراعي الغرب إيران وإسرائيل.
غباؤهم من مكر الله الخير
إننا ندين لغبائهم بإعادة المعركة إلى أصلها لأنهم فهموا أن هذا الاصل هو الذي كان سبب فشلهم في مواصلة لعب دور أدوات الاستعمار غير المباشر كما كان سبب فشل الاستعمار المباشر سابقا.
الشعب رفضهم رفضه للاستعمار المباشر.
فاضطروا للكشف عن حقيقتهم وكان الحلف ذي المستويات الثلاثة :
- مع الدكتاتورية العسكرية والقبلية داخليا
- ومع الملالي والمسيحية الصهيونية خارجيا
- ومع محرك الحلفين أي المؤامرة الأمريكية لمنع الأمة من استئناف دورها.
لكن الثوار كانوا مدركين لهذه الحقيقة قبلهم.
فلم تنطل عليهم دعايتهم بمقاومة الامبريالية والسعي للديموقراطية.
ذلك أن الثوار يعملون -كما تبين شعارات الثورة حتى وإن لم يكن ذلك بوعي كامل الشفيف- أن هذه المليشيات الخمس طوابير خامسة تخفي عداوتها لسر قوة هذه الأمة ومبدأ صمودها وشرط استئناف دورها فابعدتهم واعتبرتهم أذيال الأعداء وهم فعلوا كل شيء ليثبتوا صحة هذا الحكم بما وصفنا .
لذلك فبمجرد عودتهم السريعة إلى الحكم وبعد افتضاح أمرهم بهذه الأحلاف صار ما كانوا يخفونه علنيا ومستعجلا الحسم باستئناف سياسة تجفيف المنابع ناسين أن الاستعمار مارسها طيلة قرن إلا ربع في تونس وقرن ونصف في الجزائر وفشل.
فأصبحت الحرب على المرجعية الروحية شعارهم الصريح الذي هو عين الهدف الذي فشل فيه الاستعمار المباشر.
وهذا هو المقتل الحاسم لهم جميعا:
لم تعد المعركة مع حزب إسلامي معين يمكن أن يجمعوا عليه العالم بدعوى محاربة الارهاب بل هي معركة مع شعب مسلم عامة .
والرمز الذي فضحهم نهائيا في تونس ومصر هو الحرب على مؤسسات المرجعية الإسلامية وليس على حزب معين:
الكتاتيب والمساجد والجمعيات الخيرية وخاصة على اللغة والتاريخ والقيم التي يعتبرها الشعب أساس استقلاله الذي هو بداية كل عمل تحرري
- ماديا (التنمية الاقتصادية والاجتماعية)
- وروحيا (التنمية العلمية والتقنية والخلقية).
غباؤهم من نعم الله على الأمة
لذلك فيمكن القول إن غباء أدعياء اليسار والحداثة يمثلان البعد السلبي من شروط تحقيق مقومات الموجة الثانية من الثورة التي هي البعد الإيجابي من مسار التاريخ العربي الإسلامي الحديث وقد استأنف مسيرته التي عطلتها عمليات الانتقال من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير المباشر باستقلالات زائفة عمقت التبعية بدل تحقيق التحرر والتحرير.
فالبعد السلبي مكن من التعيين الدقيق لشرطين كانا خفيين في الموجة الأولى وأصبحا الآن علنيين برمزيها البينين رمزيها اللذين نقلا المعركة من مقابلة بين إسلامي علماني إلى المعركة بين جماعة مؤمنة بذاتها حرة مستقلة هي الأمة كلها دون انتساب حزبي ومليشيات عميلة للاستعمار وذراعيه في المحل والإقليم بقيادة من يريد أن يسيطر على العالم من خلال الاستحواذ على بلاد المسلمين
- جغرافيا سياسيا (لانها سيدة كل البحار السخنة في المعمورة)
- واقتصاديا (لأن جل طاقة العالم فيها فضلا عن الخيرات الأخرى)
والرمزان هما:
- الرمز الأول هو ثورة المساجد التي تمثل في الثقافة العربية الإسلامية الدين والعلم والوعي السياسي والمدني كما ترمز إلى ذلك الجمعة التي هي المؤسسة الجامعة لأبعاد الثورة القرآنية :
- حياة التعالي على الإخلاد إلى الأرض (الدين)
- وحياة الاستعمار في الارض (السياسة)
شرطين في الأهلية للاستخلاف أي للكرامة الإنسانية التي هي الحرية المطلقة ورمزها الا معبود للإنسان غير الله.
- الرمز الثاني هو أن هذه الثورة ليست لحزب معين يوصف بكونه إسلاميا بل هي لشعب يريد أن ينهض دون أن يفقد مرجعياته التي يعتبرها اساس نهوضه الروحي المشروط في نهوضه المادي. ومن ثم فهو يتدارك ما فقده في معركة الاستقلال الأول.
لن يترك الشعب مصيره بيد عملاء الاستعمار الذين كادوا يحققون ما عجز عنه :
- سلب الشعب شروط قيامه الذاتي لجعله تابعا روحيا
- وليس ماديا فحسب.
إن الدلالة الحقيقة لهذين الرمزين دلالة جوهرية وهي محددة لصورة الموجة الثانية من الثورة ولمادتها.
إنها دلالة مضاعفة:
- فرعها الأول يتعلق باسترداد المعنى الحقيقي لمسار النهوض العربي الإسلامي بوصل الحاضر بالماضي مسارها منذ قرنين من حيث هو
- ثورة تحرر داخلية على الاستبداد والفساد (ويمثله سلوك الأنظمة العسكرية والقبلية والنخب العميلة التي ترفض التحديث المستقل الذي لا يقطع مع الأصول)
- وثورة تحرير خارجية ضد الاستضعاف والاستتباع (ويمثله استناد هذه الأنظمة والنخب العميلة على السند الأجنبي بديلا من الشرعية المفقودة).
- وفرعها الثاني يتعلق بمسار النهوض العربي الأسلامي بوصل الحاضر بالمستقبل مسارها من حيث جعل هذه الثورة ببعديها التحرري والتحريري مضمون الموجة الثانية من الثورة الحالية بعد أن تحدد الهدف الموحد لكل مطالبها وتعينت قياداته في السلم والحرب على حد سواء:
- قياداته هي قيادات ثورة المساجد. ولا أقصد بقيادات ثورة المساجد الأيمة المخلصين لقيم الثورة الجامعة بين الأصالة الروحية (المرجعية الذاتية) والحداثة السياسية (الديموقراطية) فحسب
- بل وكذلك من فهم أن المعركة ليست بين الدين والدولة بل هي بين تصورين للدولة:
- دولة مخلصة لشعبها وحضارتها يكون فيها المواطن حرا وكريما مع المحافظة على استقلاله الروحي والمادي وحكم نفسه بنفسه.
- ودولة لقيطة لا تقوم إلا على التبعية والذيلية للاستعمار مباشرة ولذراعيه ومليشياتهما في المحل والإقليم والعالم
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/