ثورة الاسلام، مفارقاتها وحقيقتها الكونية

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

سؤال محير سلبا وإيجابا:1-ما الذي حصل لتعطيل ثورة الإسلام حتى فقدت الأمة دورها الكوني؟ 2-فيم تتمثل ثورة الإسلام التي تعطلت ففقدت الدور؟

وكيف يمكنني شرح ذلك للشباب الذي يمثل أمل الاستئناف لأنه تمكن من الجمع بين الحلم باستعادة مجد الامة والقدرات التي حصلها من الثقافة الحديثة؟

وما أسميه ثورة الإسلام حددته عديد المرات. بل أستطيع القول إن جل عملي مداره هذا التحديد. لكن غرابته تجعله يبقى من جنس التحليق خارج السرب.

وإذا كان لي أن أشكر الله على ما يعتبره الكثير حرمانا، فهو هذا الاستثناء من السرب الذي جعلني أستفيد من البقاء على هامش نجومية النخب الزائفة.

من الله علي بالاستغناء عن المشي في ظل أحد، حزبا أو منظمة أو أميرا أو دولة. بل بقيت سيد نفسي وكأني من صعاليك العرب وذلك من فضل الله علي أحمده.

أبدا بثورة الإسلام وأثني بما حال دونها والوصول إلى غايتها التي هي شرط الاستئناف المنتظر أولا لأنها وعد لا يتخلف ولأن قطافها بشروط حان.

القصد بالوعد ايماني بأن مفهوم الشهادة على العالمين يعني وعد بمهمة كونية وبأوان القطاف تحقق الشروط المادية والروحية المتدرج للدور الكوني.

فبالقياس إلى ما كانت عليه أمة محمد في بداية النشأة الأولى وما تحقق إلى بداية الاستئناف، لوجدنا حصيلة الأربعة عشر قرنا الماضية انجازا عظيما لشروطه.

وشروطه بخلاف المحقرين من الحصيلة ليس كميا فحسب-خمس الإنسانية منتشر في المعمورة كلها-بل هو كيفي: فما من أنشطة الإنسان وإلا للإسلام فيه ثورة.

وسأحصي هذه الثورات بأسلوب برقي، معتمدا معيار تصنيف الأنشطة الإنسانية الأساسية، وهو في آن معيار تصنيف النخب القائدة لهذه الأنشطة في كل جماعة.

وترد ثورة الإسلام بفروعها الخمسة-بمعيار الأنشطة الإنسانية في التاريخ-التخليص في كلمتين: الرسالة الخاتمة أو حقيقة هذه الأنشطة مقومة للاستخلاف.

فما الختم في السياسة والعلم والاقتصاد والفن والرؤى ختما جعلها تكون ممثلة لمضمون رسالة الإسلام الجامعة للأسلوبين الديني والفلسفي في آن؟

الجواب عن هذا السؤال هو علة تعريف الزمان التاريخي بخمسية الأبعاد بدل ثالوثيتها: فالرسالة الخاتمة هي حدث الماضي وحديثه، وحديث المستقبل وحدثه.

وهي خلال فعلها الدائم حاضر دائم ومن حوله قبله حدث الماضي وحديثه وحديث المستقبل وحدثه، ومن ثم فهي خاتمة. أي إنها نهائية مع صيرورة لا تتوقف.

ما معنى جمع أسلوبي الفكر الديني والفلسفي الفلسفي في آن؟ إنها تعتمد أسلوب التحليل الفلسفي تحديدا وتدليلا، وأسلوب التأويل الديني ترميزا وتمثيلا.

والأول سميته الطرد المنطقي ومنهج الفكر الفلسفي، والثاني السرد التاريخي ومنهج الفكر الديني: الجمع بين البنية المنطقية والصيرورة التاريخية.

ولهما قبلتان كالإسلام نفسه: أولى تلتفت إلى ماضي الإنسانية حدثه وحديثه لتفكيكهما النقدي تحريرا لها من تحريف الأديان ومن جاهلية الأخلاق.

والقبلة الثانية تلتفت إلى المستقبل بحصيلة النقد التفكيكي لاستئناف تاريخ الإنسانية من رمز التوحيد، أي بيت الله التي بناها نبي التوحيد المطلق.

فيكون محمد إبراهيم الثاني مؤسس الحنفية المحدثة التي هي الدين عند الله، أو الإسلام المصحح لما شاب الفطرة من تحريف وجاهلية: الرسالة الخاتمة.

وقبل بيان الختم في السياسة والعلم والاقتصاد والفن والرؤى، فلأعلل معنى الجمع بين البنية والمنطق من جهة أولى، والتاريخ والصيرورة من جهة ثانية.

وهذا التعليل هو بيان لدلالة مفارقات الإسلام الذي ليس هو دينا ككل الأديان، بل هو الديني فيها جميعا وهو في آن تفسير لعجز هيجل عن فهم منزلته بينها.

وقد بينت في تقديمي لترجمة دروسه في فلسفة التاريخ بجزئيها حيرته امام منزلة الإسلام: فهو يذكره في أصنافها الإحدى عشر دون أن يجعله أحد الأصناف.

وفي الحقيقة، فقد اضطر فكر الغرب الحديث بعد التخلص من تعصب الكنيسة إلى اعتبار الإسلام دينا طبيعيا وعقلانيا وليس دينا منزلا وقائلا بالمعجزات.

وهيجل نفسه لما اراد أن يصنف “روحانية” الإسلام اعتبرها “تنوير الشرق” وأقرب إلى “إيديولوجية” الثورة الفرنسية منه للأديان التوراتية والانجيلية.

والتعصب الكنسي اعتبر الإسلام تحريفا للدين بمعيار النموذج الانجيلي عكسا لموقف الإسلام الذي اعتبر التوراة والإنجيل تحريفا للإسلام الفطري.

وليس تبادل التهم هو ما يعنينا، بل ما يفيده من أن رؤية الإسلام لمفهوم التحريف بالقياس إلى الفطرة هو الذي يؤسس لما سميناه الجمع بين الأسلوبين.

وهو ما جعل فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر يعتبرون الإسلام دينا عقلانيا وطبيعيا بالمقارنة مع تخاريف المسيحية التي تركز نقدهم عليها.

لكن ينبغي لكل مسلم أن يعترف بأن هذه الصورة المثلى للإسلام والتي يراها الأعمى في القرآن إذا كان ذا بصيرة، أضاعها المفسرون بالعلوم الزائفة.

فالتفسير بالأثر أفسد جل معاني القرآن بالإسرائيليات والخضوع للموجود والتخلي عن المنشود والتفسير “بالعقل” أفسدها بـ”الهلنستيات” وبنفس الخضوع.

وبصورة أوضح، فالتحريف الديني والتحريف الفلسفي الذين كانا مسيطرين على الشرق، واللذين اراد القرآن تحرير البشرية منهما، عادا فسيطرا على التفسير.

والتفسير هو العلم الرئيس أو الارشيتاكتونيكي لذلك كان مصدر مصفوفة العلوم الزائفة التي سيطرت على ثورة الإسلام، فردمتها في متردم الانحطاط.

ولولا ما في الإسلام من حيوية روحية لا تغلب، لكانت الرسالة وثوراتها قد ضاعت ولما تمكنت دولة الإسلام وعقيدته من الانتشار والعنفوان الجارف.

مفارقات الإسلام كلها ترد إلى هذا الجمع بين الأسلوبين، ومن ثم إلى عسر مقارنته بالأديان الأخرى بما فيها ما يعتبره منها اسرته: الإبراهيمية.

ذلك أنه لا يعتبر إبراهيميا فيها إلا ما أبقاه منها بعد تفكيكها ونقدها ليحررها من التحريف والجاهلية بمنطق التصديق والهيمنة لإظهار الديني فيها.

والديني هو بالذات الجمع بين الديني والفلسفي، أو بين حدي الإنسان من حيث هو المخاطب بالرسالة مستعمرا في الأرض بالعقل، ومستخلفا فيها بالأخلاق.

الديني وغايته الاستخلاف في الأرض، والفلسفي وغايته الاستعمار في الأرض، هما قطبا الإسلام نزولا من الله إلى الإنسان وصعودا من الإنسان إلى الله.

جوهر كل فروع الثورة الإسلامية هو المعادلة: الله الطبيعة التاريخ والإنسان والوصل بين القطبين الله والإنسان مباشرة أو بتوسط الطبيعة والتاريخ.

والوصل هو التراسل بين الله والإنسان: فالنازل من الله رسالتان، القرآن والوجود الطبيعي. والصاعد من الإنسان رسالتان الفلسفة والوجود التاريخي.

فالدين يكون خاتما إذا كان في آن فلسفة صاعدة من الإنسان إلى الله. والفلسفة تكون خاتمة إذا كانت قراءة للنازل من الله إلى الإنسان نصه ووجوده.

فالقرآن قراءة فلسفية للنازل من الله إلى الإنسان حديثا وحدثا، وهو بذلك صاعد من الإنسان إلى الله حدثا وحديثا حوارا دائما بين الله وخليفته.

لذلك فهو بالجوهر دين كوني: والكونية فيه ذات صيغتين: لكل أمة رسول بلسانها والرسالة الخاتمة لجميع الأمم بلسان قابل للترجمة لأنه نصي ودرامي.

فالقرآن ليس مكتوبا بالعربية وحدها قد لا تغني ترجمته، بل هي مشاهد شبه سينمائية يفهمها الإنسان من حيث هو إنسان لمثول الأحداث في مشاهد درامية.

وهذا يغري الجاهل بأساليب القرآن فيظنه تشبيهيا في حين أنه درامي يعرض الأفكار في شكل شخوص كما في المسرح والسينما حية تغني عن تملك العربية.

القرآن نص. وهو في آن سيناريو لدراما مسرحية وسينمائية تجعل مضمون القول فعلا فيراه المتلقي في مشاهد قابلة للترجمة الفعلية المغنية عن اللسانية.

لذلك فهو يقال بكل الألسن دون خوف من خيانة الترجمة. ذلك أن حضور الحدث في المشهد يغني عن الحديث إلا بالنسبة للمختص الذي يريد شرح الحدث.

وتلك هي علة قول بعض المجتهدين -مع تفضيلهم المحافظة على لسان القرآن-أن ترجمته جائزة وأن الشعائر ممكنة بأي لغة بل وحتى المعنى دون المبنى.

حيوية القرآن: لغته ثابتة ومنتشرة بين المؤمنين غير العرب، ربما أكثر منها بين العرب الذين صاروا أميين دون أن تموت موت لغة الكتابين الآخرين.

بقيت خمسة فصول لثورة الإسلام في الأنشطة:1-الإرادة أو السياسة 2-المعرفة أو العلم 3-القدرة أو الاقتصاد 4- الحياة أو الفن 5-الوجود أو الرؤى وفصل خاتم.

وحينئذ سيرى الشباب أن الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي ليس منهم من هو مؤهل للكلام في ثورة الإسلام لأنهم يتصورونه مثل غيره من الأديان.

الإسلام ليس دينا بين الأديان، بل هو الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات. أي شروط الاستخلاف الخلقية وشروط الاستعمار المعرفية بأسلوبيهما.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي