ثوار الاقوال، هم أعداء الثورة بالأفعال

ه

عاب علي البعض وصف من يدعون الانتساب إلى صف الثورة بأنهم “أمراء حرب سياسية” قياسا على أمراء الحرب في ما يسمى بحركات المقاومة إذا ما استثنينا مليشيات الملالي الذين يوحدهم قائد جوقة اسمه الولي الفقيه في علاقتهم بمستعبدهم لكنهم من حيث العلاقة بالأوطان من نفس القبيل.
ولأبدأ فأذكر بتكوينية هذا النوع من أمراء الحرب السياسية في تونس وهي تكوينية أشبه بأمراء الحرب في حركة التحرير الفلسطينية سابقا وفي الثورة السورية والليبية واليمنية حاليا. والفرق الوحيد هو أنهم ليسوا مسلحين لا غير وإلا لأدخلوا البلاد في حرب أهلية مماثلة. ووجه الشبه ليس في التفتت فحسب بل في علل التفتت. وهي في الغالب ذات مصدرين مباشر وغير مباشر:
• المصدر الأول مباشر:
هو ثقافة زعماء أغلبهم يعاني من تضخم الذات خرجوا من أحزاب تكونت على عجل للمشاركة في الانتخابات الاولى والثانية ثم انفرط عقد تلك الأحزاب وهي خمسة:

  1. حزب المرزوقي.
  2. وحزب الشابي.
  3. وحزب ابن جعفر.
  4. وحزب السبسي.
  5. وقبلها جميعا حزب ابن علي او التجمع لأن جل المنتسبين إلى الاحزاب الاربعة السابقة هم من بقاياه أو ممن تنكروا في الانتساب إليه.
    والظاهرة أوضح في حزب السبسي وهو لا يعنينا هنا لأن المنتسبين إليه لا يدعون تأييد الثورة كالبقية. وهم أقرب إلى استعادة الوحدة منهم لأن التوحيد حول الحكم أيسر من التوحيد حول المعارضة.
    • المصدر الثاني غير مباشر:
    وهو إما الإيديولوجيات الغربية التي أكل الدهر عليها وشرب مثل اليسار والعلمانية والليبرالية أو نفس هذا الإيديولوجيات بإضافة دوزة من الفاشيات الغربية أعني اصناف الأحزاب القومية العربية مثل الناصرية و القذافية والبعثية العراقية والسورية وحتى الصفوية.
    تلك هي المليشيات التي لها أمراء حرب كل واحد منها أشبه بالبغدادي من حيث انتفاخ الذات إذ هو ادعى أنه سيكون فاتحا للعالم بدولة داعش وهم يريدون تغيير العالم وسنن السياسة بصبيانيات لا تدل إلا على الأمراض النفسية عند من يتصور نفسه ولد ليكون رئيسا أو لا يكون.
    لذلك فمن السخف انتظار أن يخرج منهم شيء يمكن من المحافظة على ما تحقق إلى حد الآن أعني على الأقل منع الصف المعادي للثورة من استرداد كل قوته التي كانت له قبل الثورة كما حدث في مصر وكما نراه يحدث في سوريا وليبيا. وأغلب هذه المليشيات أمراء حرب سياسية ميالون للحلف مع هذين النظامين المصري والسوري مهما اختلفت الشعارات في الداخل. فغلوهم المزعوم ثوريا ليس إلا من علامات طبعهم الاستبدادي. وترى ذلك حتى في تعبيرهم الجسدي وعنترياتهم الخطابية.
    وإذا ما استثنينا قيس سعيد -الذي أرى ألا معنى لوجوده أصلا في الساحة السياسية- فإن البقية كلها من جنس ما وصفت وليس فيهم من يمكن أن يثبت حتى ما يمكن أن يعتقد المرء أنه من صفات سعيد من حيث “النفس المؤمنة”.
    فكلهم يمثلون الوجه الأقبح من السياسة أعني طلب النجاح السريع في تحمل مسؤولية لا شيء يثبت أنه أهل لها لأن المسؤولية السياسية إذا كانت لخدمة الجماعة وليس لاستخدامها من أعسر الأمور تقنيا وخلقيا.
    فمجرد ادعاء المثالية في السياسة إذا لم يكن من جنس السذاجة التي يمثلها من يتصور معرفة القانون كافية أو الشرعية الانتخابية كافية لتغيير بلد صار كله محكوما بالمافيات والفساد هو إما “إنسان طيب وساذج مثل الاستاذ سعيد” يعيش في جمهورية أفلاطون أو “إنسان خبيث” أعني نقيضه يخادع الشعب ولا يخدع إلا نفسه.
    فالشعب جله صار من أخبث ما عرف تاريخ البلاد والأمة وليس بسبب شيء آخر غير الثقافة التمعشية التي سيطرت على مجتمع كله مبني على اللصوصية والتطفيف والرشوة واعتبار السياسة طريقا سيارة لملء الجيوب والحسابات في بنوك الغرب أو في دبي. وفي ذلك هم لا يبدعون شيئا من عندهم فهم يريدون محاكاة من حكم البلاد منذ استقلالها المزعوم.
    صحيح أن بورقيبة لم يسرق مباشرة. لكن نظامه مبني على تكوين المافيات التي استعملته لتسرق وتنهب كل المناطق من أجل المناطق التي تسندها في صعود السلم السياسي طريقا لما وصفت. وعندما حكم ابن علي صار ذلك سياسة رسمية وعلنية بدليل قولته الشهيرة لما خاطبه أحد في أصهاره فقال: “احسبوهم أمراء مثل أمراء الخليج”.
    وهو محق فهؤلاء هم رمز الظاهرة في كل بلاد العرب التي حولوا بعض دولها الفقيرة باسم السياحة إلى “مواخير” عمومية وملأوا بنوك الغرب بثروات أوطانهم وتجويع شعوبهم فضلا عن الجزية التي يدفعونها نقدا وعينا لحماتهم. ولا تختلف الاحزاب الذرية التي نشأت في تونس عن ذلك لأنها تدفع عينا من ثروات البلاد حتى تمولها المافيات والاستعمار والثورة المضادة لعلهم يصلون إلى “ميزاب” الثروة ويتحولوا إلى “أمراء” كما طلب ابن علي منزلة لأصهاره والمنتفعين معهم في تبديد ثروات تونس وترذيل تربيتها وافساد ناشئتها حتى صار بعض “أمراء الحرب السياسية” يعتبر الحل في تحويل زراعة تونس إلى فلاحة المخدرات.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي