تونس، هل من أمل في علاج مخمس المافيات؟


لست أدري الأمر ناتج عن أسقاط الثورة رأس المافيات في تونس أم لجبن السلطة السياسية بعده وصلت العربدة إلى ما رأينا من تهريج نقابي بلغ ما لا يمكن السكوت عليه وخاصة بعد الوصول إلى السيطرة العنيفة على كل وظائف الدولة أو ما بقي منها.

ولا ينبغي أن يستنتج من كلامي عن المافيات الخمس وتعدادها وسلطانها على جل طبقات الشعب أنها كلها صارت مافياوية بل معناه أن المستبدين بهذه القطاعات الخمسة هم المافيات وأنهم يسيطرون بمنطق المافية أي بالخوف والطمع أداتي كل استبداد.

لذلك فشيوع الداء لا يعني استحالة الإصلاح.
ذلك أن الشعب يبقى فيه كل الخير إذا تحرر من الخوف والطمع.
والطمع هو العامل الأول لكن الخوف هو الذي يضطر الناس إلى الرضا بالفساد المجزي (الطمع) على الفساد المصحوب بالعقاب (الخوف).

• مافية اتحاد العمال:

أذكر أن المرحوم السبسي حد من التغول النقابي عندما فرض بشكل ذكي التعدد النقابي لما عمم طريقة الاقتطاع الذي كان الاتحاد ينفرد به. لكن الترويكا تخلت عن هذا الخيار فازداد التجرؤ على الحكم وصار الاتحاد مشارك مشاركية فعلية في الحكم.

فالكل يعلم كيف أن التغول جعله يتدخل في كل شيء حتى في تعيين الوزراء وعزلهم وفي السلط الجهوية وخاصة في المؤسسات الكبرى مثل النقل والتربية ليس في ما يتعلق بحقوق العمال والامور المهنية بل في سياستها وخياراتها.

وقد كتبت للتحذير من خطر الأمر ونصحت بفرض التعدد النقابي كما فعل السبسي بدلا من العدول عنه.
ثم استأذنت من رئيس الحكومة وقابلت الأمين العام لمناقشة الأمر معه سائلا عن كيفية التوفيق بين الزعم بأن الاتحاد هو الذي قام بالثورة وعمل كل شيء لإفشالها بتخريب الاقتصاد والتدخل في الحكم.

• مافية اتحاد الأعراف:

ويمكن أن أقول إن المافية الثانية هي اتحاد أرباب العمل.
فهو مثل الاتحاد العام الرضيع الثاني للدولة. كلاهما يمتص دمها لأن جل تمويله منها ليس بالقروض والتعويض كلما حدثت أزمة -ومن أبرز الأمثلة قروض ارباب العمل التي تموت ولا تسترد وهي بلا حساب.

وقد بلغ بي الأمر إلى القول للجماعة الخائفة عن سقوط ما بقي من الدولة بأن يهنأوا لأن النقابتين نقابة العمال ونقابة أرباب العمل لن يذبحوا الدجاجة التي تبيض الذهب ولن يقتلوا البقرة التي يرضعونها. وتلك هي علة ما يسمى بالوساطة في الأزمة السياسية: الرباعي المشؤوم.

• مافية الإدارة:

والمافية الثالثة هي الإدارة نفسها الداخلية والخارجية (الدبلوماسية). فما فيها الإدارة من الموظفين كلنا يعلم أنهم على الأقل ضعف ما تحتاج إليه تونس. ولما كان التوظيف فيها ليس كما يقال شكلا بأنه بالمناظرات فهو في الحقيقة لا يختلف عما أنسبه إلى النقابتين من رضاع “الكبير”: المناظرات لإخفاء التعيين بالأكتاف والوساطة.

• مافية الشركات الوطنية:

والمافية الرابعة هي شركات الدولة التي هي جميعا مفلسفة لأنها تجمع الأدواء الثلاثة السابقة. فهي مورد النهب النسقي لثروة البلاد من النقابتين ومن الإدارة. ولعل أفضل مثال هو شركات النقل وخاصة شركة الطيران وشركة الملاحة والنقل البري.

• مافية المهربين:

أما المافية الخامسة فهي الجامعة بين الأربعة السابقة وهي أصل الاقتصاد الموازي الذي يعدل نصف الاقتصاد الخارج عن سلطة الدولة والذي لا يدفع ضرائب ولا يسهم في الجهد الوطني الحقيقي. وهي التي يمكن اعتبارها المافية بالمعنى الحرفي للكلمة:
 ففيها مافية النقابي العمالي
 وفيها مافية نقابة الـأعراف
 وفيها مافية الموظف الإداري
 وفيها مافية الموظف في الشركات الوطنية
 وفيها طبعا أدواتهم السياسية.

وكل ذلك يمر بمسالك التهريب المتعددة وتواطؤ الجميع بغض الطرف عنه لأنه لا يمكن -كما قال ابن خلدون في الحرابة -أن تقع من دون تواطؤ الحكام. والتواطؤ له مقابل: فلهم سهم ما في ما يدره الاقتصاد الموازي لا ريب فيه.

 الأدوات المشتركة التي تغطي على المافيات الخمس:

فليس التكالب على المشاركة السياسية لوجه الله أو حبا في الأوطان إذ إن السياسية صارت أيسر الطرق للإثراء السريع. فالتهريب الممنهج لكل ما يتأسس عليه الاقتصاد الموازي القاتل للاقتصاد الوطني لا ينزل من السماء بل هو يمر بمداخل البلاد على “أعين” من يحمونها. ولا يمكن أن يكون سكوتهم بدون مقابل.

ولن أتكلم على الأحزاب لأن السياسيين بوصفهم مافية إلا من الدرجة الثانية فلا يصح عليهم وصف المافية إلا بمعنى ثان أي بكونهم أدوات المافيات السابقة وليسوا مافية من الدرجة الأولى مثلها. فجلهم في الحقيقة شبه موظفين عند المافيات الخمسة التي ذكرت للتغطية على الطابع المافياوي بالسلطة السياسية التي تبدو شرعية.

وأختم بما يسمى منظمات المجتمع المدني فهم يشاركون الاحزاب السياسية في نفس الخصائص مع عدم اخفاء العامل الثاني الذي يتعلق بالتمويل وعمل التغطية. فكلاهما يأتيهم تمويل من المافيات الداخلية ومن المافيات الخارجية.

وكل ذلك بدعوى تمويل أنشطة المجتمع المدني علنا باسم تشجيع تمكين المرأة أو تشجيع المعرفة والديموقراطية وحوار الحضارات إلخ… من العناوين التي تمثل دارقات المخابرات الاستعمارية.

لكن هذه المافيات تسيبت بعد سقوط رئيسها -ابن علي- وأصبحت تابعة مباشرة لعدد كبير من المسؤولين الكبار ممثلين بمقيمين عامين أو سفراء الدول التالية:

  1. المستعمر القديم
  2. المستعمر الجديد لمقاسمته السيطرة كما في لبنان
  3. الثورة المضادة العربية التابعة لهما
  4. الثورة المضادة العربية التابعة لإسرائيل
  5. “سيد الأسياد” أو رئيس الجوقة للأهم أمريكا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي