****،
كنت أتصور أن من تحمل مسؤولية في ادارة الاقتصاد التونسي وفي الإدارة التونسية منذ الثمانينات -وقد كان ممثلا للدولة في مجلس بيت الحكمة- لا بد أن يكون كلامه مفيدا للتشخيص أولا وللعلاج ثانيا.
لكني لما قرأت ما كتبه مؤخرا في -ويزيدك بالزايد بالفرنسية- لكأن الازمة تهم شعبا فرنسيا وليس شعبا تونسيا أو لكأنها لا تعني إلا القلة المثقفة التي قرأت ما يقرأ ماكغون فقدم كلاما أي عامي يمكن أن يقول أفضل منه.
فكلامه تنقصه الدقة العلمية بل وهو خال من التشخيص. والأهم أنه دليل فقدان صاحبه للأمانة الخلقية في التعليل وحصر الأزمة في ما بعد الثورة وخاصة بداية من السنة الثانية منها أي عندما جاءت الترويكا مستثنيا السنة الأولى لأن الحكم كان فيها راشدا.
فعلميا كلامه كلام عام ليس فيه تشخيص دقيق من مختص في الاقتصاد ولا تعليل عميق يفيد في الإصلاح لأن الكلام على الأزمة بصورة عامة ليس علما ولا خاصة علاجا لمرض تم تشخيصه.
كلامه لا يختلف عما تسمعه من كل عامي يشكو من ضيق الحال وغضب رجال الأعمال ونقابات الحمق والسؤال.
أما الامانة الخلقية فهي آخر ما يتصف به الرجل. فلكأن تونس كانت من نمور آسيا قبل الثورة لأنه غيب التعليل العميق والتشخيص الدقيق واكتفى بذكر بداية متخيلة للازمة هي من 2012 اي منذ بداية حكومة الترويكا:
- نسي أولا أن يذكر أن تونس منذ أكثر من عشرين سنة قبل الثورة صارت تعتمد على اقتصاد مافيات خاضعة لرئيس هو رئيس الدولة ومن معه من اسرته وأسرة زوجته.
كانت مافية بأتم معنى الكلمة تتمعش من تبييض الأموال وتجارة المخدرات وكان نصف الاقتصاد خارج الدورة الرسمية للدولة. فالتهريب سواء عن طريق الجنوب أو عن طريق المطارات والموانئ كان ضارب أطنابه. - ونسي ثانيا أن كل الاقتصاد التونسي هدمته المافيات التي حالت دون حماية ما تحقق في المراحل الأولى من تكوين الدولة بعد الاستقلال. فهدم كل النسيج الصناعي وغاب تأسيس اقتصاد المعرفة لأن المرحوم نويرة تصور القانون الذي عالج به البطالة يمكن أن يؤسس لتنمية فعلية،
- ونسي أن السياحة تكلف أكثر من مدخولها إذا حسبنا ما ننفقه عينا عليها (الماء والكهرباء والمحروقات على حساب الزراعة والعقار الذي يحصل عليه أصحاب الفنادق فضلا عن القروض التي لا تسترد) وما لا نحصله نقدا منها.
فجل العملة لا تدخل لتونس فضلا عن الاستهانة بالعملة التونسية لأن السائح الذي يقضي أسبوع بمائتي يورو يعني أننا اشترينا منه اليورو بعشرة دينارات إذ إنه لا يمكن أن يعيش اسبوع مع الرحلة والتجوال في تونس بأقل من ألفين دينار تونس أكلا وشربا واقامة وسباحة وأشياء أخرى (,,,) لها الأثر السيء على قيم البلاد.
والمعلوم أن معدل ما ينفقه السائح في العالم ألف وخمسمائة دولار وفي تونس 350 دولار أقصى تقدير. وهذه من فضائح المشروع السياحي كله الذي لا يتجاوز استضافة متقاعدي أوروبا الذين يتسوحون ويدخرون لأن عيش اسبوع في بلادهم يكلفهم أكثر. - بذخ ذوي النفوذ ومن والاهم من المقربين وسرقات الحكام والاقرباء والباندية ممن يستغلون النفوذ ويحصلون على قروض دون ضمانة وهو كان “عرف” البنوك ويعلم ذلك علم اليقين.
- وأخيرا فالبطالة المقنعة في كل المؤسسات الاقتصادية التي تملكها الدولة هي التي جعلتها تستعمل ثلاثة أضعاف ما تحتاج إليه من عملة وموظفين ومثلها الإدارة. وطبعا كل هؤلاء ليسوا مؤهلين بل هم من المقربين ومن المافية الحاكمة أو من النقابة.
والحصيلة أن كلام الرجل يدل على أنه ما يزال شاهد زور كما كان سابقا لما كان لا يجرؤ على الكلام أمام مافية ابن علي وليلاه وأسرتهما وهو الآن مزيف الحقيقة حتى يرشح نفسه ربما لمسؤولية جديدة بدعوى انقاذ الاقتصاد الذي هو أحد أسباب ما هو عليه.
ولو كان حقا يفهم في الاقتصاد لما وصل الاقتصاد إلى ما أدى إلى ثورة أولا ولما صار اقتصاد مافية نصفه خارج الدورة الاقتصادية الرسمية ولكان طبق قوانين الفاعلية الاقتصادية لما كان مسؤولا كبيرا عليه.
وإذن فالقول إن مشاكل الاقتصاد التونسي بدأت بعد 2012 أي منذ ما بعد حكومة السبسي دليل على أنه إما يكذب أو يشهد شهادة زور أو يحلم بأن يستدعى ليكون في خدمة من يتصورهم راجعين قريبا.
وهذا عدم أمانة وتزييف للحقائق وإذا لم يكن ذلك فهو عدم كفاءة لأن القسم الاول أي التشخيص عام ويمكن أن يقوله أي تونسي حتى لو لم يدرس الاقتصاد أصلا.
كفى ادعاء للاختصاص والكذب على الشعب.
فالقول إن تونس في أزمة لا يحتاج لعلم لدني لكن العلم لو كان حقا موجودا لبدأ في التشخيص وفي اقتراح العلاج.
ولا شيء من ذلك مفيد إذا كان صاحب الكلام ليس أمينا في عرض الحقائق وله شجاعة النقد الذاتي لأن تونس كانت خاربة لما كان هو مسؤولا كبيرا على اقتصادها.