توريط تركيا، أمريكا أرادته خطفا والأحمق جعله اغتيالا

****

توريط تركيا أمريكا أرادته خطفا والأحمق جعله اغتيالا

أستطيع الآن أن أقول إن صورة السيناريو الذي تم بمقتضاه اغتيال الشهيد خاشقجي قد اكتملت ويمكن استنتاجه مما توفر من معلومات ليست التركية وحدها، بل مع الأمريكية ولا أعني المعلومات التي سرباها بل المعلومات المستمدة من كيفية التسريب وخصائص التسريبات أعني الشكل والتواقيت وليس المضامين.
وهذا يعني قلب الترتيب أي البدء من الغاية إلى البداية.
وسأضع الاسئلة التي أريد أن أجيب عنها حتى أيسر على القارئ فهم استنتاج السيناريو من الشكل والتواقيت وليس من المعلومات التي وفرتها تركيا واضطرت أمريكا للتفوه بما كان لابد أن تتفوه به لاستحالة اخفائه بسبب ما لم يسرب إلى العموم.
فكل ما سرب من تركيا ومن أمريكا قبل التسريب الأخير الذي اضطرت إليه مخابرات أمريكا لم يكن كافيا لجبرها على هذا الاعتراف.
كان يمكن أن يقال إن الأعوان تجاوزا للأوامر وتقربا من الأمير “بار اكسي دو زال” أي بالمبالغة في الولاء وبتحقيق ما يتوهمون أنه يتمناه لكنه لم يأمر به لعلمه بنتائجه.
وهو مضمون المحاولة الأولى التي جربها ترومب بنفسه لإنقاذ الأمير، ما يعني أن الفكرة لم تكن مرتجلة بل كانت معدة للاستعمال في حالة فشل العملية.
أمريكا فهمت أن تركيا عندها أكثر.
لكن هذا وحده علما وأن تركيا تعلم عن الأمر أن أمريكا تخفي ليس هذا فحسب بل أكثر.
فإذا جمعنا هذا التسريب وما لم تسربه بعد واعتبرنا تركيا تعلمه فقد نفهم علة تودد ترومب لأردوغان المفاجئ.
وإذا كانت أمريكا تعلم أشياء كثيرة وليس الآن فحسب بل قبل حصول الجريمة فإنها كانت موافقه على شيء ما.
فما هو؟
وهنا سأعتمد فرضية عمل لأثبت بها ما حصل بالفعل إن أيدته تأويلات سلوك التسريب في الحالتين شكله وتوقيته وليس مضمونه.
وأبدأ بالقول إن المستهدف لم يكن خاشقجي وحده، بل تركيا أيضا، ومن ثم اختيار القنصلية في تركيا وليس في مكان آخر.
فالمخابرات الأمريكية تعلمه قبل بداية العملية كلها: وتسريب المكالمة دليل.
كان الأمريكان موافقين على الخطف وليس على الاغتيال، وإلا فالمكالمة كانت كافية للتوجس لأنه لا شيء يمنع من تمكين خاشقجي من الوثائق في أمريكا.
لا بد أنهم شكوا في التوجيه إلى تركيا حتى لو لم يكونوا موافقين حتى على الخطف. لكنهم لم يدر بخلدهم أن الأمير كان يريد القتل وليس الخطف: وبهذه الطريقة الحمقاء في الإنجاز والتستر.
وفرضيتي هذه تقتضي دائما على سبيل الفرض أن تركيا أيضا كانت على علم مسبق ولم يدر بخلدها أن الأمر يتعلق بالقتل بل بالخطف وكانت تخطط لجعلهم يخطفونه والإمساك بهم بالجرم المشهود “اليد في الشنطة” (لا مان دون لو ساك) وهو ما كان يحمي خاشقجي ويفضح الفريق الذي يمسك خارج القنصلية في المطار مثلا: ولولا ذلك لما فهمنا التسريب الأخير أي ما جرى ربع ساعة قبل الاغتيال.
ولم يكن بالوسع حينها التدخل لمنع الجريمة، إما لأنها لم تكن متوقعة ويعسر أن يتوقع الإنسان السلوك الغبي لأن التوقعات تتعلق دائما بالسلوك الذي ينبني على منطق.
وإذن فالفرضية الأولى كانت مؤامرة ضد تركيا بخطف خاشقجي وليس بقتله في رأي أمريكا وكانت مؤامرة بقتله وإخفاء جثته في رأي الأمير الاحمق لتوريط تركيا:

  1. الأمريكيون كانوا يريدون الخطف واسكات خاشقجي مع توريط تركيا ببيان ثغرات أمنها المتوقعة في تصورهم.
    فخاشقجي لا يمكن أن يكون صديقا لترومب مثله مثل الصحيفة التي يعمل بها وهو يفضح سياسته وسياسة ناتن ياهو في الاقليم مع تعاطف مع الثورة وتركيا.
  2. الحمار السعودي أراد توريطا أكبر بالقتل وتحميل تركيا ما هو أشنع لأن تذويب البدن يؤدي بقاء الاختفاء الذي تتحمل تركيا مسؤوليته. ومن هنا الزعم بأنه خرج. وتصور أن فريقه يمكن أن ينجز أكثر وأن حمايته متوفرة من صهر ترومب ومن ناتن ياهو وحتى من ترومب الذي كان أول من قدم فرضية لتبرئته.
    وما يؤيد السيناريو المضاعف:
    • أولهما لأمريكا فيه يد
    • والثاني لغباء الأمير فيه يد ومن ثم فهو لم يعلم الأمريكان إلا بالقسم الأول الذي وافقوا عليه لعلمهم به من خلال المكالمة التي لم يترتب عليها أي إجراء واستعداد الأتراك لمتابعة العملية التي توقعوا مستواها الأول ليمسكوهم بالجرم المشهود وما كان بوسع أحد توقع مستواها الثاني. وحتى لو توقعته تركيا فهي لا يمكن أن تتدخل لأنها لن تستطيع اثبات شيء حينها وتكون قد وقعت في خطأ دبلوماسي دون مبرر إذ لا يمكن اتهام الفريق ما لم يكن بعد قد أجرم فعلا لا بمقتضى ما يكون حينها مجرد حكم على توقع نوايا.
    ولو لم يتوقعوا المستوى الأول لما تركوا المجرمين يدخلون ولما راقبوهم قبل حصول الجريمة كما هو بين من آخر تسريب ولهم غيره.
    وحتى لو توقعوا الثاني لما استطاعوا منعه إذ لا أحد يصدق أن النية كانت الجريمة بل كان سيناريو أردنا اقناعه بالعودة مقبولا لتبرير دعوته إلى السفارة وليفسروا حضور الفريق للسياحة كما زعموا.
    وإذن فمكر الله الخير الذي لا يمكن توقعه علته الفرق بين ما وافق عليه الأمريكيون وما نواه الأمير الأحمق.
    كيف اثبت فرضيتي التي أعلل بها سلوك الأمريكان وسلوك الأتراك؟
    • أولا ما كان الأمريكان يحاولون انقاذ الأمير الأحمق لو كانوا دارين بما تدري به تركيا.
    لكن ذلك لا يكفي حتى لو كانوا دارين ببعضه مما اطلعت عليه مديرة مخابراتهم فإن ذلك ينبغي ألا يدفعهم للتسريب الأخير قبل الاستعداد له استعدادا يحافظ على مصالح أمريكا وشرطه المحافظة على استقرار السعودية.
    لذلك فالاستعداد له بدأ منذ أن فرضوا عودة عم الأمير الاحمق. والتأجيل كان بسبب ما أتوقعه بعد تسريب اليوم وبعد أن ضمنوا التغيير السلس في السعودية دون خوف من:
  3. تحقيق التغيير بأقل كلفة في السعودية وما كانوا ليعلنوا عما أعلنوا عنه أول أمس لولا ذلك ولماطلوا.
  4. وضمنوا بقاء نفس المصالح مع البديل الذي قد يكون تعين ولم يبق إلا الإخراج ليكون وكأنه قرار سعودي حر.
    ولكن لتحقيق ما كان ينتظر من الأمير الأحمق تحقيقه حتى وإن طلبوا من البديل بعض الماكياج حتى يوطد شبه شرعية على أنقاض أخطاء الاحمق مثل تحرير السجناء وبعض الانفتاح.
    لماذا قلت ما قدمته تركيا لأمريكا لم يكن كافيا لأن يفرض عليها ما فعلت اليوم لو لم يصبح الأمريكيون يتوجسون من أن لتركيا أوراق أخرى لم تظهرها بعد لأن آخر ورقة اظهرتها أذهلتهم وجعلتهم يخافون من أن تثبت تركيا أنهم كانوا “دو ماش” أي مشاركين على الاقل في المستوى الأول: الخطف.
    ولولا ذلك لكان تودد ترومب اليوم لأردوغان عديم المعنى.
    كلنا يعلم أنه لا يعتبره صديقا وأنه يتمنى له أكثر مما فعل سلفه معه.
    • والعلامة الثانية التي تؤيد الفرضية التي وضعتها لفهم السيناريو هو خفوت صوت الشفعاء أعني ناتن ياهو ودميته المصرية.
    فلو كان الأول يعتقد في نجاح شفاعته لواصلها أما الثاني فهو أهبل ولا أحد يولي أهمية لشفاعته.
    يقظة المخابرات التركية وحكمة إدارة الملف السياسية وصرامة القضاء التركي كل ذلك مع “مكر الله” ساعد تركيا على ربح المعركة.
    ولسوء الحظ كان خاشقجي ضحية المؤامرتين الأمريكية والسعودية ولا ذنب لتركيا لأن تدخلها قبل حصول الجريمة جريمة دبلوماسية بل أكثر من ذلك هي لم تتدخل حتى بعدها وبقيت تراقب من بعيد لتوثق حصول الجريمة التي لم يكن بوسعها منعها.
    ولا أعتقد أنه يمكن لأحد بعد الآن أن ينقذ الأمير الأحمق وسنديه المحليين اللذين لا يقلان عنه حمقا أعني قطبي الثورة المضادة اللذين غررا به.
    وأتصور أن مكالمة الأمس بين أردوغان وترومب كانت حاسمة لأني لا اعتقد أن المخابرات الأمريكية سربت ما سربته دون تشاور مع ترومب لأن السيدة التي اختارها لرئاستها من المقربين له. ولا يمكن أن تتجرأ على مثل هذه الفعلة دون إعلامه. لكنه يربح الوقت حتى تستكمل اجهزة أمريكا ترتيب اللمسات الأخيرة للتغيير في السعودية.
    ذلك أنهم رغم ما لديهم من اختراق لكل الأجهزة في السعودية وفي بقية بلاد العرب فهم يقرأون ألف حساب بعد أن حصل ما حصل.
    وكما أسلفت فالعقل يتوقع المعقول ولا يستطيع أن يتوقع اللامعقول في السلوك الغبي: فكل شيء ممكن.
    وهم إذن حذرون. لكن التغيير حاصل حتما لأن بقاء هذا الغبي صار مستحيلا حتى لو فقد سلطانه.

بعبارة أوجز:
أمريكا على علم بنية الخطف ولم تمنعه وتوهمت أنه سينجح فيطعن في مناعة تركيا الأمنية التي تصبح مطالبة بالجواب عن سؤال أين خاشقجي الذي خرج من القنصلية: هي إذن مشاركة في النصف الأول من ا لجريمة.
لكن الأمير الأحمق أراد أكثر من ذلك بالقضاء علـى خاشقجي وإذابته ومطالبة تركيا به مواطنا سعوديا اختفى في تركيا.
تركيا لم تكن نائمة على أذنيها وأرادت أن يحصل الخطف وأن تسمكهم بالجرم المشهود.
لكن الله جعل مكر الأمير الأحمق يرتد عليه لأن مكر الله خير وأجل خاشقجي لا يقرره غيره.
ويمكن أن نعتبر هذا الاجل والشاهد أكبر زلزال سيزيح من تاريخ المسلمين والعرب فيحررهم من علة استثنائهم من قيم العصر.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي