تعيين مجدد القرن – ذيل من أذيال الحرب الأهلية العربية

– ذيل من أذيال الحرب الأهلية العربية –



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تمهيد:

يتداول البعض قضية تحديد مجدد القرن الخامس عشر في سياق حرب أهلية تعينت بين جماعتين ممن يسمون علماء الدين جماعتين تتنافسان في ترضية إمارتين عربيتين كلتاهما تحاول جمع من تتصورهم أفضل ممثلين للثقافة الدينية التابعة لسياستها.

وهدف هذه المحاولة تخليص هذه القضية السامية من التسييس وبيان حقيقتها كما يحددها مفهوم التجديد عامة والتجديد الديني خاصة وتاريخ الإشكالية في حضارتنا.
فتبعية العلماء للأمراء هي أهم أدواء حضارتنا وعلة عللها كلها بل وهي سبب الانحطاط.
ومهما كان الأمراء متنورين فإن تنورهم ليس إلا ماكياج لسياستهم التي لا تعبر بالضرورة عن إرادة الأمة فضلا عن طموحاتها السامية.
ذلك أنه لا يمكن لدول تنقصها شروط السيادة الموضوعية -القدرة على الحماية والرعاية الذاتيتين- أن يكون لها بحق مشروع لتجديد مستقل وغير تابع.

وفي المحاولة قسمان:
الأول يستنتج معايير وصف شخص ما بكونه مجدد القرن وشروطه.
والثاني يبين طبيعة الوضع الخلقي العام للأمة: وضع الحرب الأهلية.

وهذه الحرب الأهلية هي حرب بين صفين كاريكاتوريين في كل نخبة من النخب الخمس التي يتعين فيها حال الامم :
1-نخبة الوجود أو نخبة رؤى العالم
2-ونخبة الحياة أو نخبة الفنون
3-ونخبة القدرة أو نخبة الاقتصاد
4-ونخبة العلم أو نخبة المعرفة
5-ونخبة الإرادة أو نخبة السياسة.

وكل هذه النخب تتصارع على ألقاب لا يمكن أن تتجاوز الاسماء إلى المسميات لأنها كاريكاتور مما ينبغي أن تكون فيغلب فيها ظاهرها على حقيقتها:
وذلك بسبب الانحطاطين الذاتي والموروث عن الاستعمار.

القسم الأول: تحديد المعايير

عجبت شديد العجب لما سمعت الكلام المتردد أخيرا حول تعيين مجدد الإسلام في القرن الخامس عشر دون أن يتقدم على ذلك الكلام في معايير تحديده.

فالشيخ القرضاوي صديق عزيز.
ووصفه بمجدد القرن دون تقديم الكلام على المعايير التي تخول خلع هذه الصفة عليه أو على غيره ليس فيه تكريم له بل هو ربما فتح لباب تنافس غير مشروع في كاريكاتور طرفي الحرب الأهلية.
والدليل أن غالب من نسب إليهم الكلام في الموضوع ليسوا مؤهلين لذلك لنقص في الأهلية العلمية إما النقلي منها أو العقلي.
فلا يكفي خاصة حفظ المرويات والذاكرة لتحديد معايير الوصف ثم خلع الصفة دون معايير.

لست أدري هل المعايير التي يحددها المفهوم والتاريخ تنطبق على الشيخ القرضاوي أو لا تنطبق لعدم درايتي التامة بمنتجه العلمي النقلي والعقلي .

لكني أعلم أن هذا الوصف غالبا ما لا يتم خلعه على من يستحقه في حياته أمد الله في أنفاسه.

ولتحديد المعايير التي تخول خلع الصفة على من نظنها متعينة فيه صنفان : مفهومي وتاريخي.
والأول يقبل التحديد الموضوعي ككل أمر مفهومي
والثاني يكفي فيه إجماع أهل الاختصاص.

المعايير المشتقة من المفهوم

ولنبدأ بأصل التحديد الأول أي المفهوم.
وهو أصل عام لا يخص التجديد الديني وحده بل كل تجديد في فن جامع بين النظر والعمل مثل الدين والفلسفة.

فالمجدد في هذه الحالة هو الذي يحدث تغيرا كيفيا في أحد الفنون نظرا وممارسة بالقياس إلى ما كان عليه الفن قبله فتعتبر ثمرة عمله لتجديده تكوينية للفن المعني بالتجديد.

ولأمثل لذلك بالفلسفة التي أعرفها أكثر مما أعرف علوم الدين دون أن أدعي أن علمي بها يتجاوز المعتاد.
فأرسطو مجدد للفلسفة لما تقدم عليه حتى بالقياس إلى أفلاطون.
والغزالي مجدد للفلسفة بالقياس إلى الكندي والفارابي وابن سينا لأنه تخلص من وهم الفارابي الذي واصله ابن رشد تجميدا للعلم والفلسفة . فالفارابي يطلق علم أرسطو ويدعي أنه لم يبق للعلم إلا أن يتعلم ويعلم.
ذلك أنه أدخل أهم ثورة عرفتها الفلسفة في عصره:
معايير التمييز بين العلمي والميتافيزيقي في مقدمات التهافت ومن ثم فهو مجدد السؤال الفلسفي عامة وبه كان مؤسسا لمرحلة فلسفية جديدة.

فهل تجديده كان في النظر فحسب أم هو مارسه؟

نعم مارسه على الاقل في نقد نضالي لفلسفة السياسة والدين التي كتب فيها أهم كتاب فضائح الباطنية.

وقد بدأت بالغزالي بوصفه مجددا للفلسفة مع علمي أنه يعتبر مجددا للدين كذلك بإجماع الكثير من علماء الدين السنة على الأقل.
وهذا الوجه الثاني هو الذي سينقلني إلى البعد الثاني من المفهوم.

والبعد الثاني من المفهوم أهميته أنه مفهومي ومعد للتاريخي.

نتائج المعنى الأول من مفهوم التجديد

ذلك أن تجديد أي فن ينبغي أن يكون متعلقا بالمضمون أو بالمنهج أو بهما معا مع البقاء ضمن جوهره.
و”البقاء ضمن جوهره” يعني -لو أخذنا مثال الشعر العربي- أن ما يسمى بالشعر العربي الحديث ليس تجديدا للشعر بل هو تهديم له لأنه لم يبق ضمن جوهر الشعر الذي يحدده مقوما الشعرية.
فجوهر الشعر عامة والعربي خاصة ليس أمرا تحكميا بل هو مستمد من سر العبارة الرمزية باللسان.
وهي تكون شعرية إذا جمعت بين جمالية الصوت والصورة الدالين.
ومرجع الدلالة في الإبداع ليس من جنس الموجود -وإلا لكان محاكاة- بل هو من جنس المنشود حتما لأن الإبداع الأدبي عامة والشعري خاصة أول خاصية له هي أنه يبدع مرجعه بأداتي التعبير أي بالموسيقى والرسم.

فالإبداع لا يقول الموجود بل هو يوجده بالقول ليتعامل معه وكأنه موضوع موجود.
وهو بهذا المعنى مكمل للطبيعة.
إنه يبدع ما لا تبدعه إلا الحرية.
لذلك فالإبداع كما يقول شِلّر مشروط بالفعل الخلقي باعتباره الإبداع الحر لما ليس موجودا بل للمنشود الذي يتحقق موجودا ليكون موضوعا للتعيين الشعري الذي يسويه ويصوره وينفخ فيه فيصبح كائنا ذا قيام ذاتي.

فـجمالية الصوت في الشعر موسيقى وجمالية الصورة فيه رسم.
والشعر العربي الحديث ليس فيه موسيقى ولا رسم ولا يوجد ما يَنشُد.
لذلك فهو خال من القصة والحبكة.
ومن ثم فهو كلام غيبوبة صاحبه في أحوال نفسه البدائية.

لذلك فلا شعر من دون إلقاء ولا شعر من دون تعبير جسدي هو رسم راقص للعبارة الناطقة:
الشعر منغومة راقصة أو لا شيء.
وشعر المحدثين لا نغم فيه ولا رقص بل هو لا يتجاوز تلعثم السكارى وتمايل الحيارى.

ولأضرب مثالا وحيدا يظنه الكثير دالا على قوة خيال وتجريد وهو ناتج عن الجهل بآليات عمل الحواس. وهو مسروق من الشعر الغربي لأن أصحابه غير واعين بعلة فاعليته.
فاستبدال مفعول حاسة بأخرى يجهل مستعمله سره ولا يعلم صلته بالتداعي الموصول بالزمان والمكان ودور الذاكرة السمعية والبصرية في التواصل الحيوي.
ولولاه لما أمكن للأعمى أن يبصر بالسمع واللمس وللأبكم أن يسمع بالبصر واللمس.
واللمس شرطها جميعا لأن البشرة هي عين ما به يكون البشر بشرا وما بتخطيه يصبح إنسانا.

وابن خلدون رغم كونه ليس شاعرا جمع في عنوان مقدمته التي ختمها بنظرية الذوق الشعري جمع بين العمران والبشر (علم العمران البشري) وبين الاجتماع والإنسان (والاجتماع الإنساني).
فالمرء يمكن أن يشم بأذنه وأن يسمع بأنفه وأن يرى بأصابعه وأن يذوق بعينه.
وفي ذلك تتعاوض الحواس فيقوم حس بدلا من غيره بما ليس من عادته بمفعول ذاكرته.
والسر في ذلك -هنا أيضا- سبق إليه الغزالي عندما درس التداعي في كتاب المستصفى سابقا بقرون داود هيوم ومبينا دور المكان (الوصل بالرسم والذاكرة البصرية) والزمان (الوصل بالموسيقي والذاكرة السمعية) في الوصل بالتداعي بين المدارك.
فالمرء يشم رائحة حبيبته بسماع صوتها ويرى تضاريس جسمها باللمس والسبب أن الزمان يصل بين مدارك الحاستين بالذاكرة فتقوم إحداهما مقام الثانية.

والشعراء المحدثون يستعملون بعض ذلك أحيانا ولكن بغفلة لأنهم لا يدرون أن ذلك من الآليات البسيطة للوصل الزماني والمكاني بين المدارك وأنه يحتاج إلى الموسيقى والرسم :
وتلك هي أكبر مميزات الشعر الجاهلي.

فإذا غابت الموسيقى والرسم وهما غائبان في الشعر الحديث بخلاف شعرنا القديم فإن مثل هذه الآليات تخريف عديم المعنى لما يفيده من جهل بالطبيعة والتاريخ مَعِين كل مواد العبارة الشعرية رغم كونها إنشائية.
فجل الشعراء المحدثين يمضغون تقريبا نفس الجمل الشعرية وليكن مثالنا كلامهم على الورود فهي عندهم لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة للجهل بها وباسمائها.
فمجرد السرقة البتراء من الشعر الغربي يخفونها بما يزعمونه تناصا وهو في الحقيقة “تقاصا وتلاصقا” بمنطق “إبداع” القريحة الجدباء والفنون البلهاء لجل البلداء من رواد الحانات وقوادة المخابرات.
ومن جنسه السرقة في العمارة وفي كل الأنظمة التي لا تحافظ على أسلوب معين لتنظيم الزمان والمكان تنظيما هو جوهر روح الحضارة وبه تتميز وتتطور.

نتائج المعنى الثاني من مفهوم التجديد

نعود إلى البعد الثاني من مفهوم التجديد أعني “التغير الكيفي مع المحافظة على الجوهر”
ماذا يمكن أن يكون إذا طبقناه على دين الإسلام مفهوميا وتاريخيا؟

فجوهر دين الإسلام ليس أمرا نحدده بتحكمنا.
والـمحدده هنا هو القرآن الكريم نفسه وتفسيره الأصلي أو السنة الشريفة.
فما التغير الكيفي المحافظ على جوهرهما؟

ينبغي أن يكون بالذات من جنس تجديدهما للديني في الأديان السابقة حفظا لـجوهره وإحداثا للتغير الكيفي فيه :
ذلك هو التجديد المطلوب عندما نقصد مجدد القرن.

وهذا يعني أمرين:
الأول هو فرز مقومات الجوهر لحفظها
والثاني هو علاج ما طرأ عليها من تحريف يبعدها عن جوهرها فيكون التجديد بالجوهر قفزة نوعية في الإصلاح الدائم بمنطق التاريخ.

ما يعني أن التجديد القرآني للديني في الأديان كان فلسفة دين تراجع فلسفة تاريخ:
فـمن يقرأ القرآن يعلم أنه انطلاقا من فلسفة تقول بوحدة الديني في كل الأديان يعالج ما شابهُ من تحريف لـجوهره.

فما هو هذا الجوهر الذي هو الديني في كل الأديان والذي هو عين الإسلام الفطري؟
إنه علوم الأصول الفرعية الأربعة وعلم أصلها الذي تفرعت عنه نظاما للحياة.

فالإسلام يعتبر الكتاب وتربية البشر به (السنة) أصل الأصول ويعتبر فروعه الأصولية هي علم وعمل بأصول العقد وبأصول الشرع وبأصول النظر وبأصول العمل.
وأصل الأصول (التفسير والسنة) وفروعه أي أصول العقد وأصول الشرع واصول النظر وأصول العمل تنحط فلا يكون العمل بها على علم.
وذلك هو مجال التجديد.

فيكون التجديد ذا بعدين مثل الطب حصيلة فعلين متلازمين:
علم علل الموت
وعلم أسباب الحياة.

وظيفة المجدد في الدين اخراج الميت من الحي ليحفظه.

تبينت الآن معايير تحديد المجدد من تحليل مفهوم التجديد ببعديه فتكون بما بتوفره في المعني المعين الحجج التي يستند إليها الوصف بها وهي خمسة.

ينبغي أن يكون المجدد قد شخص ما حل بأصل الأصول ثم بفروعه الأربعة من أدواء وتجاوز ذلك فقدم العلاج الشافي لهذه الأدواء بممارسة تثبت كفاءتها.

بعبارة أوضح:
لا بد أن يكون قد نظّر للتفسير والسنة التي هي تفسير النبي للقرآن بالأقوال والأفعال ثم لفروعه الأصولية عقدا وشرعا ونظرا وعملا.

وهذه الأمور ليست بالهينة ولا باليسيرة.
ففيها ما يمكن أن نسميه علوم دين خالصة (الأولان: أصول العقد وأصول الشرع)
وفيها ما يمكن أن نسميه فلسفة خالصة (الثانيان : أصول النظر وأصول العمل).

أما أصل الأصول أي تفسير القرآن والسنة فله الوجهان
إنه دين وفلسفة في آن
ومن لم يكن مثل الغزالي وابن تيمية وابن خلدون جامعا بين الوجهين فلا يصح وصفه بمجدد القرن.
ولما كنت لست على معرفة دقيقة بعمل الشيخ القرضاوي فلن أحكم له أو عليه في الوصف بمجدد القرن.
وهو ما أود أن يثبته غيري الأدرى بعمله ورصيده الفلسفي.

المعايير المستمدة من التاريخ

ما قول التاريخ؟

لن أهتم بالمداحين الذين يخلعون هذا اللقب على كل من هب ودب.
أنا شخصيا لا اعترف إلى حد الآن إلا بثلاثة مجددين بمعنى التجديد القرآني المضاعف.
فـمعنى التجديد القرآني ذو وجهين كما أسلفت:
الأول سلبي يسعى لتحرير الديني في كل دين مما يشوّه جوهره أي مـما يشوّه ما فُطر عليه الإنسان ليُستعمر في الأرض وليُستخلف فيها.
والثاني إيجابي يسعى لتربية البشرية وسياستها بالقيم والأخلاق القرآنية التي هي جوهر الديني في كل دين

ومن ثم فالقرآن هو الرسالة الخاتمة
وهو كتاب في الأخلاق والسياسة.

وهذه الأصول الخلقية والسياسية تستند إلى الأصول الفرعية الأربعة:
أصول العقد
وأصول الشرع
وأصول النظر
وأصول العمل.

وكلها مستمدة من أصل الأصول أي القرآن والسنة التي هي تفسيره النبوي.
وبهذا المعنى يكون المجدد وريث النبي في تعليم هذه الأصول:
أي إنه يعيد بما يناسب العصر نفس العمل الذي يجد مثاله الأعلى ونموذجه في سعي النبي في التربية والسياسة فيحتذيهما.

ومن ثم فالتجديد الديني يعني
إصلاحا ثوريا للتربية بفلسفة العقد (دين) وفلسفة النظر (فلسفة)
وإصلاحا ثوريا للعمل بثمراتهما أي بفلسفة الشرع (دين) وفلسفة العمل (فلسفة).

ذلك هو شرط التجديد :
تحقيق شروط الاستثناء من الخسر أي مضمون سورة العصر.

وهذه الشروط لا أراها تنطبق بعد الرسول احتذاء به في إحياء التجديد القرآني إلا في ثلاثة رجال:
الغزالي
وابن تيمية
وابن خلدون.

وكل من عداهم في تاريخ فكرنا مقلد بمن فيهم -على حد ما أعلم دون جزم نهائي لأني لم انظر في أعماله كلها- الشيخ القرضاوي الذي ما أظنه تجاوزهم في شيء لأن مجرد الكلام في فقه “الواقع” فيه عكس مفهوم الدين:.
فالواقع لا يمكن أن يكون معيارا للواجب.
وذلك هو الفرق بين الأخلاق والعلم:
فالعلم يخضع للتجربة الطبيعية
الأخلاق تخضع لما يتعالى عليها أو التجربة الخلقية والروحية.

التجديد يغوص إلى ما وراء الواقع لطلب ما يجعله يقع كما يقع.

الآن يمكن أن نسأل
هل يوجد مجدد للإسلام بهذا المعنى في عصرنا؟
وإذا وجد فمن هو؟

ذلك ما لا يمكن الجواب عنه من دون طلب ما وصفنا من المعايير.
ذلك اجتهادي والله ورسوله أعلم.

ومن يتجاوز شروط التحديد لمفهوم التجديد وتاريخه ظالم لمن يصفه بالمجدد ومغرر بالأمة لأنه يفسد عليها وعيها.

القسم الثاني: الحرب الأهلية العربية

وطبعا لم يكن قصدي الكلام في هذه المسألة الاقتصار عليها بل اعتبرها جسرا أمر عليه إلى ما هو أهم منها بكثير:
تعليل الحرب الأهلية العربية.

فالمعركة الدائرة حول هذا اللقب هي في الحقيقة أحد أذيال “معركةٌ-عَرض” للحرب الأهلية العربية بلغت ذروة الحمى في خصومة قطبين أو تجمعين لما يسمى بالعلماء.
وأحد القطبين مستقر من مدة في قطر
والثاني تكون حديثا منافسا له في الإمارات.

وهما تعين لهذه الحرب التي ليس فيها للبلدين إلا التمويل والتطبيل.
وإذن فلا فرق بين العلماء ولاعبي الكرة :
كلاهما أجير لدى الأمير ليس للإبداع والانتاج بل لزينة البلاط والرضا بظاهر الوجود بدل حقيقته.

ولا معنى للقياس بلجوء أمريكا لمثل هذا الصنيع.
فصحيح أنها تستقطب العلماء من الخارج.
لكنهم ليسوا فيها للزينة والتوظيف الإيديولوجي فضلا عن أن يكونوا بدائل من البنية الذاتية للإنتاج المعرفي.

فالعلماء الاجانب في امريكا من مكملاتها وإثرائها بتجارب غيرها من الشعوب لئلا تفقد أمريكا الريادة في شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها.

ومهما حسنت النوايا وصدقت العزائم من بعض حكام العرب فإن للبحث العلمي شروطا موضوعية لا يعوضها شيء شروط أدركتها الأمم التي سعت لتحقيق شرط الشوط قبلها وقبل المشروط.
فالحجم والمشروع التاريخي لأمة عظيمة ليسا في متناول إمارة صغيرة حتى لو وضعت كل ما تملك للبحث.
فمن لا يسعى لتحقيق التكامل العربي لا يمكن أن يكون بجد مريدا للإبداع المعرفي.

والحرب الأهلية تحول دون التفكير الجدي في التكامل العربي خاصة إذا اقتصرت على الايديولوجيا وفي مجال معرفي التنافس فيه لا يقدم ولا يؤخر الأمم ولعله يؤخر خاصة.
فالإبداع المعرفي رهنُ أساسَي نظرِياته وسامي تطبيقاتِه.
وما يحدث عندنا ليس كافيا حتى لأدناها.

فالتطبيقات تحقق شروط استعمار الإنسان في الأرض وشروط استخلافه فيها.
وهذه الشروط هي عينها شروط السيادة والكرامة لأن الأولى هي شروط الحرية السياسية والثانية هي شروط الحرية الروحية :
ومجموعهما يسميه ابن خلدون معاني الإنسانية ويعتبرهما هدف التربية والسياسة.

صراع النخب العربية

وسأتوسل تصنيفي للنخب طريقا وتبيانا للمتردم الذي غرق فيه من يسمونهم بالعلماء المتنافسين أمام الإغراء المالي لإمارتين عربيتين تتنافسان بقشور التأصيل والتحديث غرقا فاق غرق الشعراء الذي وصفه عنترة.
غايتي توصيف صفي هذه الحرب وبه أختم المحاولة لأني فعلا اتقزز من الكاريـكـاتور الذي يحول دون الكلام على التجديد في جماعة لم تغادر المتردم إلا بما يفوقه تردما.

فما لم يبدعه فكرك وتبنيه سواعدك هو أكثر تردما مما تصورت نفسك تجاوزته لأنه كان على الأقل ثمرة عمل جدودك بفكرهم وأيديهم:
حياة بين متردمين كلاهما عارية.

سبق أن صنفنا النخب في خمسة أصناف:
نخبة الوجود
ونخبة الحياة
ونخبة القدرة
ونخبة العلم
ونخبة الإرادة.

وبينا أن كل أمراض الأمم مصدرها فساد هذه النخب أو لهوها بما لا فاعلية له في تحقيق شروط سيادتها.

وسأبدأ بالنخبة الأعم أي نخبة الوجود.
ففيها حرب أهلية بين الدعاة المتكلمين باسم قشور التأصيل والنقل المنحطَّين والدعاة المتكلمين باسم قشور التحديث والعقل المنحطيْن.

يليهم بعد رؤى العالم نخبة الحياة أي الفنون.
فهذه يتقابل فيها بلا إبداع ولا ذوق ممثلو الفلكلورالشعبي العربي وممثلو الفلكلور الشعبي الغربي. كاريكاتور ثقافتين منحطتين.

يليهم نخبة القدرة.
هنا أيضا لا وجود لقدرة بل هي العجز لأن المقابلة هي بين الصناعات التقليدية الجامدة والروبافيكا الأروبية أو الصينية البالية مع عدم اقتصاد مبدع يحقق مناعة الأمة وأمنها.

ونأتي إلى نخبة العلم.
لا علم ولا هم يحزنون.
مقابلة بين تخريف بالأساطير القروسطية وتخريف بايدلوجيات قرن الفاشيات الغربية:
صراع دراويش الصفين رمزي كاريكاتور الأصالة والحداثة.

وأخيرا نأتي إلى نخبة الإرادة أو السياسة:
لا وجود لإرادة ذاتية التشريع.
صراع مافيات قبلية ومافيات عسكرية في محميات عديمة السيادة والكرامة لعلل تاريخية موضوعية.

كيف في هذه الحالة نتكلم على تجديد ديني ومجددين دينيين أو فلاسفة ونحن لم نصل بعد إلى التشخيص السوي والصادق لغرقنا في المتردم والحرب الأهلية؟

الخاتمة

اكتفيت بالوصف والتشخيص دون أن أحدد موقفي احتراما للشيخ القرضاوي الذي أعلم أن تواضعه لايسمح له بأن يدعي أمرا لا يقضي فيه دائما إلا حكم التاريخ الموالي.
وقد شرفني بأن طلب مني شخصيا أن أكتب شيئا في عمل يُهدى له لعله تحت الطبع الآن فكتبت رأيي محاورا بكامل الصراحة ولم أتطرق للأمر لأنه من حكم التاريخ في المستقبل.
لذلك فلا ينبغي أن يُفهم من عملي هذا أني أرفض وصفه بمجدد العصر مبدئيا.

لكني اعتبر الحكم قبل تحديد معايير الاحتكام خطأ منهجيا أردت علاجه.
لا أكثر ولا أقل.

أعلم أن الكثير سيعتبر حكمي في النخب بأصنافهم شديد القسوة خاصة إذا ظن أني استثني نفسي منه.
فالمشخص ليس حتما معافى فقد يكون طبيبا ومريضا.
لعل المرضى كما قال نيتشة اقرب الناس لوصف الداء بما في الوجدان من معاناة وما في الفرقان من صفاء.

وأعلم كذلك خاصة أن حكمي في الشعراء هو الأكثر تطرفا.
ولا عجب.
فنحن أمة الشعر.
كتابنا الأعظم هو القرآن وهو معجزة بيان.
وشعرنا الحديث معجزة عُجمة.
وليتها كانت عجمة فحسب.
فهي عجمة عديمة الذوق.
قبل أن أتعلم لغة أجنبية تكون عندي شعرا بموسيقاها وحتى برسم كتابتها وإشارات متكلميها.
والشعر من دونهما حال نفس.
وحال النفس قد تكون ذات معنى إذا تنوعت بتنوع أحوالها العفوية أما إذا اقتصرت على حال لا تعدو فقدان البصيرة الناتجة عن التخديرة فهي حقيرة.

معين المعرفة الكلية: العلوم المساعدة

صحيح أن الكثير سيعيب علي الكلام في هذه الفنون بمنطق الموسوعية التي شبعَت موتا منذ بداية العصر الحديث وسيطرة التخصص الدقيق.
وهو كلام مصيب.

لكن مهما تعددت الاختصاصات فإن الجامع بينها اختصاص واحد لا يخلو منه أي اختصاص مهما اختلف على الأخرى:
إنه أدوات المعرفة العلمية بصنفيها.

فأدوات المعرفة العلمية تنقسم إلى صنفين عام وخاص.
والعام يتعلق بعلوم الطبيعيات بكل أنواعها أي بقوانين الضرورة وهي في جلها تحليلية منطقية رياضية.
والخاص يضيف إليها ما ينتج عن تعقيد إضافي لقوانين الطبائع هو قوانين الشرائع أو الإنسانيات عامة وهي شرائع لأنها تنتج عن الحرية مع الضرورة.
وهذه يغلب عليها التأويل لا التحليل ومن ثم فأداتها التاريخ واللسانيات.

فتكون الأدوات في كل العلوم هي المنطق والرياضيات والتاريخ واللسانيات.
وهذه الأدوات الأربع يجمعها علم أصل هو الوسيمات أو السيميوتكس التي هي نظرية الترميز عامة والتي هي جوهر حد الإنسان فلسفيا ناطق ودينيا مبين.
والوسميات هي ما يصفه القرآن الكريم بمجال الرؤية رؤية حقيقتِه في آيات الآفاق والأنفس (فصلت 53).
فحقيقة ما يبلغه القرآن للإنسان هو علم آيات الشاهد.
فمن منّ الله عليه ببصيرة تدبر القرآن الكريم يمكنه أن ينفذ بقدر الإمكان لمعاني الرسالة الخاتمة فيتمكن من الكلام في هذه الموضوعات بلا دعوى موسوعية.


– ذيل من أذيال الحرب الأهلية العربية –


يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي