تعثر الثورة بمناسبة ذكراها في مصر


بمناسبة ذكرى ثورة الشباب المصري الذي لم يتخلف عن أخوته من الشباب التونسي، يمكن القول إن ما نكاد نقع فيه في تونس لا يختلف كثيرا عما وقعت فيه مصر قبلنا.
تقدم شبابنا على شباب مصر في صعود الثورة وتأخره في صعود الثورة المضادة وحان أوان فهم ما يجري فيهما معا لعل في ذلك فائدة للشعبين.

عودة الثورة المضادة بفرعيها المتذيل لإسرائيل في الخليج والمتذيل لإيران في الهلال يبدو وكأنه المنتصر لأن الأولين يسيطرون حاليا على الاحداث في ليبيا والثانين على الأحداث في الهلال.
لكن ذلك من الظاهر الخداع الذي قد يثبط عزائم من لا يغوص إلى أعماق ما يجري فعلا. ورمزه صمودان ثابتان وانتصار الشعوب للثورة ولو بالقلب فحسب خوفا من طغيان الانظمة لم يتحرروا منه بعد.

ففي المشرق عاد الأمل بفضل ثورة شباب العراق عامة وأحفاد ثورة العشرين خاصة دلالة على تجاوز أقوى أسلحة إيران فيه وفي الاقليم: تجاوز ما أججته للاحتراب الاهلي العراقي بين سنة العراق وشيعته العربية وكذلك في بقية الاقطار.
فخسرت الثورة المضادة المتذيلة لإيران أقوى أسلحتها الحرب الطائفية.
ولا يغترن أحد بخرافة اخراج أمريكا من عملاء إيران.

فعملاء إيران في الهلال أحرص الناس على بقاء الأمريكان لأن قياداتهم جاءت على ظهر الدبابة الامريكية وبقيت بحماية الطيران الامريكي وما إن تخرج أمريكا حتى تأخذهم معها ومن يبقى منهم لا يصمد أمام عودة الوحدة لشباب العراق بعد تخلصه من الطائفية وهو ما تعنيه ثورته الحالية: الامر محسوم حتما.
وكلنا يعلم أن مليشيات الحشد الشعبي أجبن ما يوجد في شباب الامة.

ويمكن القول إن ثورة شباب لبنان وخاصة شاباته رغم حجم لبنان بالقياس إلى حجم العراق تعتبر أكثر رمزية لأن بؤرة الباطنية منذ نشأة الصفوية توجد في جبل لبنان ولا تزال.
وحزب الله ليس شيئا آخر غير بقايا الباطنية التي شيعت إيران في القرن السادس عشر وتحالفت مع بقايا الصليبية في مسيحيي لبنان غير الاصليين ليحاربوا عروبته بدينيها الإسلامي والمسيحي غير الصليبي: الحلف بين حزب الله وحزب بقايا الصليبية معلوم للجميع (وهم ليسوا كل المسيحيين).

من ثار من شباب لبنان بجنسيه هم -بوعي أو بغير وعي-من يحاول تحرير لبنان من عدويه الأكثر كفرا به أعني بقايا الباطنية وبقايا الصليبية فيه. وهما متحالفان مع الصفوية تارة ومع الصهيونية طورا لأنهم لا يعتبرون أنفسهم من ثقافة الإقليم الإسلامية بل من ثقافة متقدمة عليه أو متأخرة بسبب الغزو.
ومن ثم فلبنان محتل حاليا من فرنسا وإيران.
والأولى تحمي بقايا الصليبية الثانية بقايا الباطنية.

والثقافتان المنافيتان للإسلام الذي هو ثقافة عربه مسلمين كانوا أو مسيحيين هما الصفوية والصهيونية.
ثورة شباب لبنان بجنسيه ثورة على الصفوية وعلى الصهيونية إذ إن بقايا الباطنية صفويون وبقايا الصليبية صهيونيون: حماية إيران وحماية إسرائيل هي أساس وجودهما وقد جعلا لبنان قاعدة لأعدائه.

وما حدث في لبنان وبدا يندثر بفضل ثورة شبابه الحالية أشعر بأن مثيله قد بدأ ينشأ في تونس التي يريدونها لبنان ثانية في المغرب نظير لبنان الاولى في المشرق وبتحالف بات واضحا الآن بين عملاء فرنسا وعملاء إيران ومعهما إسرائيل دائما.
فما تعاني منه الثورة اليوم في تونس وما يبدو نكوصا خطيرا هو ما يترتب على الاختراقين الصفوي والصهيوني مع ثمالة فرنسية مستفيدة منهما وبتأييد إسرائيلي لا يخفى عن أحد.

وبذلك يتضح ما يجري في ليبيا: فحضور الإمارات ومصر ومن ورائهما روسيا وإذن إيران وإسرائيل يعني أن حفتر ومرتزقته يؤديان تقريبا الدور الذي قام به عميل إسرائيل في جنوب لبنان عندما جعله حكرا على علاقة بينها وبين حزب الله الذي أنهى مقاومة الشعب اللبناني التي كان يشارك فيه كل طوائفه ليعوضها بلعبة الصفوية والصهيونية.

قد يعاب علي تقديم الرمزيات على غيرها من المعطيات لفهم الاحداث: العسكريان الخائنان في جنوب لبنان وفي ليبيا كلاهما من صنع أمريكا والصهيونية وكلاهما هدفه تحقيق هذا التلامس بينهما وبين الصهيونية في تنافسهم على تقاسم ارض العرب والكرد والأمازيغ والتركمان والافارقة شمال المتوسط وجنوبه.

وإذا كان ذلك يحصل عسكريا في ليبيا فمثله يحدث سياسيا في تونس وفي مصر. وبذلك أعود إلى بداية هذه المحاولة: ذكرى الثورة المصرية وعلل تعثر الثورة.
فإذا فهم شباب مصر بجنسيه هذه العلاقات ذات الدلالة الرمزية أمكن لهم استئناف ثورتهم لأن ما حصل في العراق له مثيل في مصر: أعني تجاوز الفتنتين الكبرى في بداية تاريخنا القديم والصغرى في بداية تاريخنا الحديث.

شباب العراق وشباب لبنان تجاوز أذيال الفتنة الكبرى أي المقابلة القديمة “سنة -تشيع” التي هي أداة إيران الأقوى وتستفيد منها أمريكا وإسرائيل في تفتيت الإقليم.
وشباب مصر وتونس لم يتجاوزوا بعد أذيال الفتنة الصغرى اي المقابلة الحديثة “إسلام-علمانية” وهي أداة إسرائيل الاقوى وتستفيد منها روسيا وإيران.

قيادات الجيش الخائنة في مصر وقيادات المافيات الخائنة في تونس كلتاهما تعطل الثورة بمعركة بين أدعياء العلمانية والاسلاميين ليس خدمة لمصر وتونس بل لأن ذلك يخدم ذيول إسرائيل وإيران من الثورة المضادة العربية التي تمول هذين المحركين الحربين لمنع نجاح الثورة فيهما. ومن هنا رمزية العراق ولبنان.
وليس في ذلك قول بالمؤامرة لأن الحرب جارية بالفعل وهما يقودان اذيالهما العربية فيها.

فثورة شباب العراق ولبنان ستنهي الفتنة الكبرى (المقابلة بين الشيعة والسنة أو بين الثيوقراطيا والانثربوقراطيا) أو ستوقف تأثيرها في تاريخنا المقبل. وقياسا عليها ينبغي أن يتخلص شباب تونس ومصر من الفتنة الصغرى (المقابلة بين علمانيين واسلاميين): وهذا آت لا ريب فيه بفضل صمود شباب ليبيا وسوريا وتونس ومصر والعراق ولبنان مؤخرا؟

وهنا يأتي مكر الله الخير: فما يبدو مجرد صدفة هي تدخل تركيا في سوريا وفي ليبيا ليس من الصدفة في شيء.
فهو دليل أمرين عظيمين عند من يفهم رموز التاريخ عندما ينبعث فيحيي ما أراد اعداؤه قتله.
فالإقليم فتت بسايكس بيكو الأولى.
لكن سعي الأعداء لسايكس بيكو الثانية ألغت التفتيت السابق لأن الفوضى الخلاقة التي ارادوها تمهيدا للثانية ألغت الحدود التي فرضتها الأولى.

والرهان هو تحديد طبيعة الدور التركي الذي ينبغي إبداعه من جديد لأن الماضي لن يعود. وإبداعه هو ضرورة السعي لتكوين نوع جديد من التجمع غير شكل الخلافة في حوض الأبيض المتوسط شرقه وجنوبه يكون جنيسا لما حصل في شماله أي في الوحدة ألأوروبية فيكون في توحيد الإقليم المسلم دور تركيا مثل دور لمانيا ودور العرب مثل دور فرنسا في توحيد أوروبا.

فلا مانع من محاكاة من ينازعنا حقوقنا فنقاومه بما صار له من قوة تجعله قادرا على استعادة حلم الاسترداد هذه المرة لنا كمستعمرات كما فعل سابقا في حرب الاسترداد السابقة عندما أراد شارل الخامس استرداد المتوسط كله وأخرجته منه تركيا بأساطيلها بخلاف ما يدعيه أحفاد عملاء سايكس بيكو الأولى وعملاء الساعين لسايكس بيكو الثانية.

ينبغي لقادة تركيا أن يزيلوا ما يخيف العرب منهم بسبب الماضي وليس بسبب تركيبتهم ولا بسبب خلافتهم بل كان لعلتين هما طبيعة انظمة الماضي وهي ظاهرة عالمية واستيراد نخب المسلمين فكرة الدولة وحيدة القومية التي خربت كل شيء بين المسلمين فكانت سر العداوات التي لم تكن موجودة بين شعوب الأمة.

وينبغي لقادة العرب أن يتخلوا عن وهم بناء قومية عربية بالمعنى العرقي في حين أن جل العرب عرب بالثقافة وليس بالعرق.
ولو واصل العرب الكلام على قومية عربية عرقية فإنهم سيفتتون الكثير من أقطارهم.
ما يسمى بالجامعة العربية ليست جامعة شعوب عربية بالعرق ومن ثم فلا بد من الاعتراف بالقوميات الأخرى وضمان حقوقها كاملة حتى يمكن اللقاء بين كل شعوب الإقليم في ثقافته.

لكن الأمة بخلاف أوروبا التي ليس لها وحدة ثقافية والتي لم يدخلها التعدد إلا حديثا نحن أمة ذات ثقافة مزدوجة فهي واحدة بالإسلام ومتعددة في آن بالثقافات الجزئية التي لشعوبها منذ نشأتها لأن الإسلام لم يلغ الخصوصيات الثقافية التي لا تناقض الوحدة الروحية: فلا توجد حضارة في العالم حافظت على كل الأديان وكل اللغات التي لشعوبها مثل ثقافة الإسلام.
ويكفي العراق ولبنان دليلين على أننا أثرى ثقافة في العالم تنوعا وتعددا وتسامحا واعتدالا.

وما ذلك إلا لأن الإسلام يعترف بكل الاديان منزلها وطبيعيها من حيث هي أمر واقع حتى وإن كان يقول بأنها واحدة من حيث كان الدين عند الله أمرا واجبا. لكن هذه الوحدة الواجبة هي حقيقة الدين التي لا تعلم إلا يوم الدين عندما يفصل الله في ما تختلف فيه الاديان من حيث هي أمر واقع (البقرة 62 والمائدة 69 والحج 17).
وطبعا يوجد من لا يعترف بهذا الفرق وهو علة التعصب عند الجاهلين منا بالإسلام.

وحتى نفهم هذه الحقيقة يكفي أن نقارن فتح المسلمين للعالم وبقاء شعوب البلاد المفتوحة فيها بل وصيرورتها من حملة قيم الإسلام وحضارته دون فقدان خصوصياتها الثقافية مثل اللغة والعادات غير الوثنية وبين غزو الاستعمار الأوروبي لأمريكا واستراليا مثلا وما فعلوه بشعوبيهم الذين لم يبقوا منهم إلا “سبيسيمان” للتندر في أفلامهم العنصرية الساخرة منهم.

وقد تغنيني منزلة مسيحيي الإقليم عن ذكر مثال أمريكا: فالأديان الخمسة التي ذكرها القرآن (2 منزلان و2 طبيعيان و1 ملحد أو مشرك الحج 17) بقيت موجودة في كل بلاد الإسلام بل هي لم تبق بحق إلا فيها (فكثير من المذاهب المسيحية واليهودية انقرضت في غير دار الإسلام) ولم يمسسهم أحد في حين أن حرب الاسترداد المسيحية أفنت من لم يهاجر من المسلمين في أوروبا وحتى اليهود وإن بدرجة أقل.

وبهذا المعنى فإن المسيحيين في الاقليم قد خسروا الكثير عندما فعلوا مع فعله يهوده إذ فضلوا التحالف مع الغزاة بدلا من التحالف مع شعوبه التي حمتهم ورعتهم ولم تمسس خصوصياتهم بأمر من القرآن حتى إن تعليل الجهاد الهجومي بخلاف الدفاعي جعل من حماية الأديان من مهام دولة الإسلام. فكل يهود المغرب الكبير مثلا تجنسوا بالجنسية الفرنسية فكانوا حلفاء الاستعمار.

فقد أشار القران إلى وجوب حماية الصوامع (مسيحية) والبيع (يهودية) والصلوات (كل الاديان الاخرى) ولم يقتصر على ما يخص الإسلام (المساجد) واعتبر ذلك النوع الثاني من دفع الله الناس بعضهم ببعض فرضا على دولة الإسلام حتى يكون التعايش بين الأديان مضمونا.
وهو شرط التسابق في الخيرات.

وبذلك أصل إلى غاية البحث: لماذا يحاربون الإسلام الذي يصفونه بكونه سياسيا؟
وبصورة أدق من يحاربه داخليا في دار الإسلام عامة وفي بلاد العرب خاصة وخارجيا في دولتين تتأسسان على الدين الأكثر عنصرية بين الأديان (إيران على دين الاسرة المختارة وإسرائيل على دين الشعب المختار) والدولتين اللتين تسندانهما فضلا عن اليمين الأوروبي متدينا كان أو يعقوبيا.

وقد بدأت بالذيلين في تصنيف محاربي الإسلام الذي يسمونه سياسيا أعي أذيال إيران وروسيا من العرب (أنظمة الثورة المضادة في الهلال) وأذيال إسرائيل وأمريكا من العرب (أنظمة الثورة المضادة في الخليج). ولهذه الأذيال توابع من أنظمة عربية وغير عربية محتاجة إليهم لأنها أنظمة متسولة إما للمال أو “لشرعية رمزية”.

ومن أمثلة التوابع من الدرجة الثانية للأنظمة العربية توابع مسلمين من غير العرب وتوابع من العرب. والمثال الصارخ الأخير كان علة أفشال ملتقى كوالالمبور الذي كان سيكون خماسيا فصار ثلاثيا بسبب ما حال دون باكستان واندونيسيا اللذين هددهما الذيلان الخليجيان بطرد عمالتهم وحجب مساعدتهما إن أسهما في اللقاء الذي كان هدفه حماية الامة.

ومعنى ذلك أن الأنظمة العربية المتذيلة لإيران وروسيا والمتذيلة لإسرائيل وأمريكا لم يكفهما خوض المعركة في الداخل بل هما يستعملان رزق شعوبهم وثروة أوطانهم لمساعدة أعداء الامة في العالم كله على التنكيل بها في كل أصقاع الأرض فيحالفون الهند ضد باكستان وفرنسا ضد مسلمي افريقيا وكل أعداء الإسلام في قارات العالم الخمس.

وأقول كل أعداء الإسلام في العالم لأن “الاخوان” أو ما جعلوه علما على الإسلام السياسي لا علاقة له بما يجري بين باكستان والهند ولا بين مسلمي افريقيا وفرنسا ولا بين الاقليات المسلمة في الغرب والعنصرية الاسلاموفوبية. هم إذن مجرد أدوات يستعملها أعداء الاسلام في ذاته وليس وظيفته في المنافسة السياسية: هم يمولون الحرب على الاسلام في كل مكان.

ولهذه العلة فهما معلومان ليس بمقتضى ما يجري حاليا فحسب بل أحد النوعين من الاذيال-توابع إيران وروسيا-معلوم منذ فجر التاريخ الإسلامي. وثانيهما معلوم منذ الجيل الذي ساعد في تحقيق سايكس بيكو الأولى وساهم في اسقاط الخلافة ليس لأنها ظالمة وليس بسبب فيروس القومية بل لنفس العلة الحالية أعني أحفاد عملاء الأمس وسايكس بيكو الأولى هم عملاء اليوم مشروع سايكس بيكو الثاني.

فأحفاد المشاركين في سايكس بيكو الأولى بفرعيها -الاول هو تفتيت مركز دار الإسلام والثاني وعد بلفور لتأسيس الامبراطورية الصهيونية-بعملهم الحالي المشارك في مشروع سايكس بيكو الثانية واستكمال امبراطورية الصهيونية أو الصفقة الكبرى -يفهمون من يجاهل التاريخ حقيقة الأولى ومشروع الثانية.

فمن قوانين الاستراتيجيا-سواء برؤية سن تسو أو برؤية كلاوسفيتز-محاربة العدو بالخونة منه قبل محاربته بنفسك. ذلك أنك لا يمكن أن تفهم تأييد الصين في حربها على الايجور من دون هذه الرؤية المشتركة بين فيلسوفي الحرب. وما أقوله عن الثورة المضادة العربية يقال خاصة عن إيران وأذيالها.

وظاهرة الباطنية وتوظيف التشيع والتصوف المزعوم عرفانيا-انظر ابن خلدون في كلامه على العلاقة بين الباطينة والإمامية-وظيفتهما الأساسية تحريف الإسلام واستعمال الفتنة الكبرى للانتقام من اسلام القرآن والسنة بإسلام محرف يقولونه أكاذيبهم بوحي متصل مزيف ينسبونه لكذبة آل البيت.

فوصية الغدير قلبوها. الرسول أوصى خيرا بعلي وأمهات المؤمنين خوفا عليهم من نكوص العرب إلى العصبيات لأنه كان يعلم أن الإسلام لم يصبح بروحه ثقافة العرب بعد فعكسوا الوصية وجعلوا عليا وبنيه أوصياء على الأمة رغم علم الجميع أنه كان أضعف الصحابة الكبار ولا حول له ولا قوة إذ من شروط الحكم الجمع بين الشرعية والشوكة وإلا لما خاض الرسول حروبا.

ولا وجود لأثر جدي يثبت أن عليا كان من القادة السياسيين الكبار في حياة الرسول مثل أبي بكر وعمر وعثمان ولا من القادة العسكريين الكبار مثل خالد والجراح بل كان يستمد منزلته من قرابته وعطف الرسول عليه وليست له منزلة تتجاوز ذلك.
من هنا وصية الغدير. والقوى الذاتية برزت بعد وفاة الرسول ولذلك فرضت عليه البيعة رغم تلكؤه وحتى مضخمي دوره يعترفون بضعفه عندما يبالغون في قوة من يزعمونهم قد اعتدوا عليه وعلى حقه في الخلافة وخاصة عندما يزعمون أنه لم يحم زوجته.

ومن ثم فالغدر بعمر كانت بداية ثانية بعد فشل البداية الأولى التي نتجت عن الخطوة الأولى لتأسيس نظام الخلافة الذي تردد فيه المسلمون بين حلين النكوص إلى الجاهلية (منا أمير ومنكم أمير) أو النكوص إلى نظام تشترك في فارس وبيزنطة أي وراثة الحكم بالحق الإلهي.
ومن رفض الحلين كان الفاورق.

وقد أثبت ذلك الغزالي ذلك في فضائح الباطنية عندما بين أن الحسم كان لأن الفاروق مد يده ليبايع أبا بكر فتبعه الحاضرون وحسم الأمر لصالح نظام الخلافة بل وغيره عمر فسماه إمارة المؤمنين حتى يبين مصدر الشرعية: فهو ليس خلافة الرسول بل خلافة الأمة أي إمارة المؤمنين.
فالأمير يستمد شرعيته منهم.

وهو تطبيق حرفي للآية 38 من الشورى: “الذين استجابوا لربهم” هم أصحاب الامر وهم الذين يديرونه بالشورى. فيكون أمير المؤمنين هو من أمرته الأمة فكان ولي الامر منهم أي من تأميرهم إياه ليطبق الشريعة التي هي معنى الاستجابة لربهم أي الخضوع لشرعه والعمل بمقتضاه في شوراهم: جمهورية ديموقراطية.

وبذلك نرى التعارض المطلق بين ثيوقراطيا تزعم أن آل البيت وسطاء بين الله وعبيده بوحي متواصل وأوصياء بحق إلهي في حكم المسلمين وليسوا تابعين لإرادتهم ونابعين من تنويب حر لمن يرونه صالحا لتمثيل إرادتهم في العيش بمقتضى ما يؤمنون به فيكون الحاكم أمير المؤمنين وليس وارثا لحق في الحكم.

وكل المتحالفين مع أعداء الإسلام سواء كانوا متشيعين أو متعلمنين أو متوهبين أو متعسكرين في بلاد الإسلام هم في حرب على الآية 38 من الشورى التي حددت طبيعة نظام الحكم جمهورية (راس بوبليكا = أمر الجماعة أو أمر المؤمنين كما فهمه الفاروق ولهذا اغتيل) وأسلوبه (شورى بينهم=ديموقراطي).

وهكذا نفهم أن الحرب ليست على الإسلام السياسي بل على رؤية سياسية معارضة لرؤية الإسلام للسياسة: هو يراها أمر الجماعة الحرة التي لا وسيط بينها وبين ربها ويرى الشرعية فيها هي ما تأمر به في شوراها المتواصية بالحق والمتواصية بالصبر بفضل الإيمان من أجل العمل الصالح: مضمون سورة العصر.

ومما يثبت نفي الإسلام القطعي للوساطة بين المؤمن وربه والوصاية بين المؤمن وأمره آيتان من الغاشية يتوجه بهما رب العباد لرسوله الخاتم بصورة قطيعة لا لبس فيها بأنه ليس وسيطا وليس وصيا: “فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر”.
والمذكر يوقظ ما في الفطرة من منسي وإذن فلا هو وسط ولا هو وصي ولا هو حتى معلم لما لا يعلمه المؤمنون بل هو يذكرهم بما رسمه الله في ما فطرهم عليه.

فإذا كان هذا حكم الرسول الخاتم فكيف بمن يزعمون الانتساب إلى آل بيته؟
هل صار على أولى من الرسول في هذين الوظيفتين فضلا عن ابنائه وأدعياء الانتساب إلى آل بيته وهم ليسوا عربا أصلا بل لا أحد يعلم أصلهم وفصلهم إن كان لهم أصل لأن أغلبهم عديم الأصل والفصل والذمة والدين وحتى الإنسانية؟

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي