تشكيل الحكومة، هل يعالج المرض بتشخيص فاسد؟

ه

إلى اليوم لم أقل شيئا حول تشكيل الحكومة غير ما أعلنت عنه في اليوم الثاني لوفاة السبسي.
أعلنت يومها بأن مشاركة النهضة في الحكم باتت مستحيلة، وأن كل التكتيك بلغ أقصاه ولم يبق إلا أحد حلين:

  1. إما فهم قيادات النهضة أنه عليهم
    • العودة إلى قاعدة الحزب
    • واستئناف التكوين على قاعدة صحيحة من أجل المستقبل
    • واختيار المعارضة، على الأقل في الدورة الحالية لمدة خمس سنوات حتى يتبين للشعب عجز معارضيها ممن يزعمون الطهرية والثورية ولا يقدرون ما ضحت به النهضة للحفاظ على المسار وحماية الديموقراطية ومطالب الثورة قدر المستطاع لأن حضورها في الحكم كان رمزيا.
  2. أو إذا أصروا على الحكم،
    فسيكون بشكل أكثر اذلالا وتنازلا مما كان مع السبسي لأن ما كان يدفعه هو لإشراكهم بسبب
    شيخوخته وخوفه على صورته.
    وحتى ممن جمعهم للوصول إلى الحكم لم يعد ضروريا لقيادات شابة ليست في عجلة من أمرها، بل هي تستثمر في الممارسة السياسية للمستقبل ولا يعنيها الحكم بل المعارضة والمعارضة خاصة لمن يعارضه العالم كله كما يتبين في الحرب على ما يسمونه الإسلام السياسي.

لكن،
كان كلامي صيحة في واد
ليس لعدم اليقين من صوابه
بل لأن المرضى بالكرسي يتشبثون به
وهو جوهر المعركة داخل النهضة نفسها.

فتشبث القيادة، التي لست أدري ما دهاها حتى صارت تريد مآل من سبقها مثل
▪︎ بورقيبة
▪︎ والسبسي
أي السقوط كالثمرة الخامجة عند الوصول إلى أرذل العمر مع عدم فهم ضرورة تجديد الأجيال لتبقى الحركة حية فأصبحت تحول دون الشباب وأخذ المشعل، إذا ما استثنينا المقربين واللحاسين، وهم أقل شباب النهضة
▪︎ كفاءة
▪︎ واخلاصا لخدمة الشعب والبلاد.

وقد أيد حدسي هذا ما أعلنه أحد أعضاء الائتلاف لما تكلم على استعداد هذه القيادة تولية الشيطان رئاسة الحكومة لمنع شباب النهضة توليها.

《التشخيص الفاسد》

أمر الآن إلى التشخيص الفاسد.
وهو مضاعف:
▪︎ قراءة ما نتج عن الانتخابات محليا
▪︎ وقراءة ما يجري في الإقليم دوليا.

ولذلك فلم أكن انتظر غير ما أراه حاليا، وهو عين ما توقعته وتوقعه لم يكن بحاجة لذكاء خارق أو لتنبؤ.
فنفس العلل تؤدي إلى نفس النتائج.

ولما نصحت
▪︎ بعدم التفكير في الحكم
▪︎ واختيار المعارضة
إلا في حالة واحدة، هي قيادة حكومة وحدة وطنية لا تستثني من استثنوهم أعني:
▪︎ القروي
▪︎ وموسي (رغم أن هذه هي التي استثنت نفسها)
بسبب ما اعتبرته تشخيصا فاسدا وما أريد شرحه الآن:
1-قراءة حصيلة الانتخابات أولا.
2-قراءة الوضع الاقليمي ثانيا.

《قراءة حصيلة الانتخابات》

ولأبدأ فأقول إن حصيلتها علتها الأساسية مناورات قيادات النهضة بنوعيها،
بحيث إن براقش هي التي جنت على نفسها:

1- أولا التلاعب بالشيخ مورو.
وكلنا لاحظنا ذلك. ولم يخف بعض القيادات ذلك لأنه لم يكن سرا.
ولا يمكن أن يكون لنقص في الامكانيات.
ثم إن الشيخ مورو لم يخف ذلك بل هو شكا، ولو بصوت خافت، لكل من يعرفه بأن حملته أهملت بقصد لأن القيادة ما زالت متوهمة أن عصفورها النادر هو من تحالفت معه قبل وفاة السبسي، والذي أوهمهم بأنه متحالف معهم، في حين أنه ركبهم، حتى يصبح ذا وجود سياسي مستقل عمن أوجده، فخانه غدرا.

وكل من يفهم في السياسة، حتى لو كان “بوجادي” مثلي، يعلم أن المرحلة الثانية في خطته، هي الغدر بالنهضة كذلك.

وهو ما حصل، حتى وإن لم يوصله ذلك إلى شيء.

ولعله الآن يحاول تكرار نفس اللعبة مع قيس سعيد.
لكأنه يريد أن يحبو تحت من “يمرد”.
وللحقيقة فإني لم اطمئن إلى الشاهد لعلتين:
• أولا بعد أن ممن تتكون البطانة التي تحيط به، فهو “ابن علي” صغير مهما انتفخت أوداجه.
• وما يشككني في نواياه ثانيا مثله مثل “جماعة البسكلات”، هو كثرة الكلام على محاربة الفساد.
فغالبا ما تكون الأقوال، كما قال تاليران وزير خارجية نابليون، دالة على عكسها في الأفعال، لأنها تخفي أكثر مما تعلن.

2-التلاعب بالحملة الانتخابية النيابية بدعوى العودة إلى الثورية في خطاب الشيخ بخطاب إسلامي، وحتى اسلاموي زائد عن اللزوم، بعد التخلي عنه سعيا إلى ما يسمونه الفصل
▪︎ بين الدعوي
▪︎ والسياسي.

ولهذه العلة، فالتمييز الحاد بين المرشحين اللذين بقيا للدور الثاني تمييزا
▪︎ بين الخير المطلق ممثلا بقيس سعيد
▪︎ والشر المطلق ممثلا بالقروي
صار العلة الرئيسية للمأزق الحالي في تكوين الحكومة.

والمعلوم أني اعتبرت القروي (الذي ليس لي به معرفة ولا معه علاقة) بدليل أني ما قبلت يوما الظهور في تلفزته، أفضل ألف مرة من قيس سعيد لأني أفضل “الفاسد” الصادق على “الصالح” المنافق.
فهو لا يخفي حقيقته وليس وراءه إلا ما نعلمه، بخلاف الثاني.

ثم هو بذكاء لم نلحظه عند غيره، اكتشف طريقا جديدة للاقتراب من داء المناطق المحرومة حتى وإن عالجها العلاج الأدنى.

وهو اخيرا ذو فضل
▪︎ على الثورة
▪︎ وعلى البلاد
لمساهمته في إيقاف ما كان يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، قدر أصحابها أن التضحية بعشرين الفا من التونسيين، ليس كلفة كبيرة عندهم لابعاد الاسلاميين تقليدا للسيسي.

وأخيرا فهو لم يعلن الحرب على الإسلاميين ولا على الإسلام، مثل من يعتبرونهم ثوريين وهم أكثر عداء للثورة وللإسلام حتى من اليمين الفرنسي.

وكنت اعتقد أن الحكمة السياسية كان يمكن
أولا ألا يشيطن الرجل على الأقل من أجل الوضوح
وهذه المعاني التي ذكرتها
وأن يقع التمييز على الاقل
▪︎ بينه
▪︎ وبين قاعدة حزبه وقياداته الذين لا يمكن أن تشملهم الشيطنة
بحجة محاربة الفساد التي استعملها الشاهد لإبعاد منافس، يعلم أنه أقدر منه على أداء دور سياسي
مناسب للوضعية الاجتماعية المتردية.

ولم أفهم إلى الآن متابعة النهضة للشاهد في هذا الموقف، رغم أنها تعلم أن الشاهد أو على الاقل الكثير من تابعيه إن لم يكن هو بالذات، لا يقلون فسادا من القروي، وسكوته عنهم ليس فسادا فحسب، بل خيانة للأمانة، لأن العجز عن مقاومة الفساد ليس حجة وبين يديه كل سلطات الدولة.

لكن الاخطر من ذلك هو خرافة الأحزاب الثورية.
وهو خطأ وقع فيه حتى شباب ائتلاف الكرامة.
قد يكون الائتلاف ثوريا وصادقا، لكن من يصفهم بالثورية هم من أعدى أعداء الثورة والإسلام.
فأن يعتبروا التيار وخاصة القوميين ثوريين، وأن يزعم الناطق باسمهم أن الفاصل بينهم وبينهم لا يعدو واحد من عشرة، ذلك ما أجدني عاجزا عن فهمه.

فإذا كان مثلا تأييد السيسي وحفتر وبشار لا يمثل إلا واحد في المائة، فإني قد أشك في صدق ثورية الائتلاف
لأن من لا يميز بين العدو والصديق إزاء الثورة لا يمكن أن يكون ثوريا.
ورأيي أن هذين الحزبين
▪︎ التيار
الذي يستعمل نفس شعار الشاهد، أي الحرب على الفساد
▪︎ والقوميين
الذين يزعمون الانتساب على الثورة في تونس، وهم بوضوح مع الثورة المضادة في بقية الاقليم
إذا قورنوا بالقروي، فهم أكثر عداء
▪︎ للثورة
▪︎ وللديموقراطية
▪︎ وحتى للإسلام أكثر من مارلين لوبان
▪︎ وخاصة عداوتهم للصلح
▪︎ ▪︎ بين الأصالة أي ثقافة الشعب الإسلامية
▪︎ ▪︎ والحداثة
لأن القروي مهما قيل فيه لا يعتبر الحرب على الإسلام من أولوياته بخلافهما.

《قراءة ما يجري في الإقليم》

أمر الآن إلى المستوى الثاني من فساد التشخيص.
فما يجري في الإقليم، لو قرئ قراءة عميقة، كان ينبغي أن يدعو النهضة والائتلاف إلى فهم الوضع الداخلي فهما أعمق، يلغي شيطنة حزب القروي، وحتى لو أبقى على شيطنة القروي، يقدم ما كان ينبغي تقديمه.
ذلك أن محاولة التعامل مع الاختراق الباطني، الذي هو أخطر ألف مرة من الاختراق الإسرائيلي تسليما جدليا بأن القروي صهيوني.

هل معنى ذلك أني أفضل أحد الاختراقين؟
طبعا لست مع أي من الاختراقين
▪︎ سواء كان إسرائيليا
▪︎ أو إيرانيا.

لكن الاختراق الاسرائيلي لم ينتظر القروي ليحصل.
فليس هو من عين وزيرا صهيونيا.
وليس هو أول من تعامل مع اللوبي الصهيوني في أمريكا. والعلاقة بإسرائيل قديمة قبل الثورة، لأنها جوهر سياسة ابن علي، وهو ما يحيرني في خطاب قيس سعيد الذي يدعي أنه في حرب مع إسرائيل ولم يحط نفسه في بلاطه إلا
▪︎ بمن كانوا من خدم ابن علي
▪︎ أو من هادنوا استبداده وإرهابه
كلاهما كانت إسرائيل هي الحامية له فيهما
وتلك علة فتح الباب لجعلهم يصولون ويجولون في تونس كما يشاءون، فيغتالون من يريدون بمشاركة من مصالح استعلاماته.
ولذلك فهذه الحجة لا معنى لها.
ولست هنا أستهين بهذا الاختراق
لكني أبين أنه ليس الحجة الحقيقة للموقف من القروي.

أما الاختراق الصفوي بدعوى
▪︎ اليسار الاسلامي وعلم الكلام المزعوم جديدا
ولا جديد فيه إلا جهل أصحابه بقدمه
▪︎ وأن لا فرق بين سني وشيعي
▪︎ وأن الإسلام واحد
فهو أخطر من الصهيونية ألف مرة وذلك لعلتين:

1-أولا
لأن الصهيونية ليس من اليسير أن تفرض اليهودية على التونسي ومن لهم عبادة اليهود لا ينتظرون الاختراق، فهم من عبيد المافية التي تتحكم في
▪︎ الاقتصاد التونسي
▪︎ والسياحة خاصة.
ثم إن الصهيونية تريد مصالح دنيوية.
وهذه قابلة للرجع بمجرد تغير موازين القوى.
ومن ثم فإسرائيل
▪︎ لا تبشر بدينها
▪︎ ولا تفرضه على الشعوب الأخرى
بل هي تعتبر المحافظة على
▪︎ فرادة دينها
▪︎ وطابعه الاقلي
شرط قوتها.

2-لكن الباطنية الصفوية
تريد فرض رؤيتها الدينية
والتبشير بها بالطرق اللطيفة والعنيفة.
فمثلما فرضت الباطنية
▪︎ على إيران أولا
▪︎ وعلى العراق ثانيا
▪︎ وعلى سوريا ثالثا
▪︎ وعلى لبنان رابعا
▪︎ وعلى اليمن خامسا
فإنها تنوي بالاختراق الحالي لتونس
جعلها مثل لبنان قاعدة لاختراق المغرب الكبير كله.

وهذا الاختراق إذا تحقق لن يزول أبدا
لأنه احتلال للأرواح قبل الارض.
احتلال الأرض قابل للرجع، عندما يتغير ميزان القوى كما حدث
▪︎ في الصليبيات
▪︎ والاستعماريات
إذ تمكنت الأمة من اخراج الاولين والثانيين
▪︎ لما تغير ميزان القوى
▪وتحركت الشعوب
▪︎ واتحدت في المقاومة المؤمنة بحماية الذات والهوية.

لكن احتلال الارواح لا رجعة فيه.

《خاتمة》

وأخيرا
▪︎ فإن سطيحة التشخيص
▪︎ وقلة الخبرة في فهم ما يجري
هو الأصل في المأزق الحالي .
وإذا تواصل التعثر وهو سيتواصل، لأن حكم النهضة صار مرفوضا داخليا واقليميا وعالميا، فإن ما أتوقعه هو لا قدر الله، حرب أهلية لن تبقي ولن تذر.

قيس سعيد
▪︎ ومن معه
▪︎ ومن يطبل له من النخب التي ذاقت ما تغريهم به الباطنية
سيكون حصان طروادة الذي تحاول به ايران السيطرة على البلاد
▪︎ بمليشيات
▪︎ أو تجمعات شبابية
فيضطر الجيش الوطني للتدخل لحماية الوطن، فيجري الدم.

وإذا جرى الدم، فسيسيل:
▪︎ في العراق
▪︎ وفي سوريا
▪︎ وفي لبنان
▪︎ وفي اليمن.

اللهم احم البلاد والعباد، لأن النخب السياسية التونسية، صارت عمياء وصماء وبكماء، لا تعقل.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي