1-تشبيب القيادات وآثاره على أوان الاستئناف بقيادة عربية تمثل حضارة الإسلام الشاملة لكل شعوبه والمنفتحة على البشرية بمعنى الأية 1 من النساء: ما دلالته في ثورتي التحرر والتحرير العربيين والإسلاميين؟
2-وكيف يكتمل التشبيب ليصبح مؤثرا بحق فيؤسس للاستئناف الذي ينطلق من بلد الحرمين عودة على بدء ثوري كما تأسست دولة الإسلام الأولى؟ هذه محاولة للجواب الأكثر قابلية للتصديق عقلا.
3-ولست بمعلق ناقد يبين ما ينبغي بل محلل ناصح يستقرئ ما يبدو بديهيا عندما تؤول القيادة لشباب مثقف وواع بالأخطار المحيطة ببلده وبرسالتها: فتشبيب القيادة وتغيير الوجهة أخرج شعوب الأمة من اليأس من دور الحرمين بسبب ما بدا من تأييد للانقلابيين.
4-فهذا الخروج المفاجئ من اليأس للشعوب العربية التي استبشرت به علقت عليه آمالا كبيرة ثقة منها بأن الله يرسل ثانية نور الإسلام من منبته الأول. فقد أيدت هذه الآمال أفعال وليست أقوالا: عاصفة الحزم التي بينت أن الأمة بخير وأن فزتها ليست مجرد رد فعل بل هي فعل استراتيجي.
5-ثم اكتمل هذا الفعل الاستراتيجي بقرارات عاصفة الفجر التي رتبت سر كل صمود -متانة القيادة واستقرارها- بعد عاصفة الحزم وعاصفة إعادة الأمل ليس لليمن وحده بل للعرب الذين انتهكت سيادتهم وحتى أعراضهم من شرطي الغرب ومساعده ومليشياتهم العربية قلما وسيفا.
6-ومن هنا تأتي ضرورة الكلام على مدعمات ضرورية لهذا التغيير حتى يصبح ذا أساطين لا يمكن أن تزعزعها الأحداث مهما كان هولها وهي بحق ذات هول بسبب أهمية الرهانات. ومن ثم فلا بد من تحديد شروط القوة القادرة على تحقيق الإرادة.
7-وبعبارة أدق: كيف يكون التغيير ثابتا وغير خاضع لقرارات قابلة للرجع إذا لا قدر الله ركز الأعداء على بلد الحرمين والاستفراد به خاصة والخذلان من مفاجئات الأحلاف غير الثابتة بهدف إخضاعه لما يتجاوز طاقته؟
8-ويخطيء من يتصور الأعداء تاركين الأمور تجري دون محاولة إثارة كل الزوابع الممكنة لمنع ذهاب التغيير إلى غايته حتى لا يحصل الاستئناف العربي السني لقيادة الامة.
9-ومع أني شبه متأكد من أن الشباب الذين أصبحوا في موقع القيادة ليسوا بحاجة إلى من يدلهم على ما ينبغي فعله لإفشال كل مناورات الأعداء المنتظرة فإني أرى من واجبي أن أقدم ما يمليه علي ضميري الوطني والديني.
10-فالذكرى تنفع المؤمنين ولا ضررمن مزيد التحوط: وما يهمنى التذكير به هو أن تشبيب القيادة له معنيان. تشبيب أشخاصها (وهذا حصل) وتشبيب مؤسساتها التي هي أحكام القيادة الرشيدة (وهذا يتطلب جهدا أكبر ونأمل أن يحصل بسرعة لأن المتآمرين كثر).
11-وبصورة أوضح: كيف يكون الحكم في بلاد الحرمين أصيلا وحديثا في آن أي حكما جامعا بين دستوره القرآني ومتحررا فهمه من آثار الانحطاطين المتصارعين اللذين لسوء الحظ وصلت لوثهما لكل أقطار الأمة ونخبها التي تدعي الكلام باسم الإسلام والتي تدعي الكلام باسم الحداثة.
12-فكيف نحرر أحكام القيادة من صدام الحضارات الذي هو مرض النخب العربية المتصدرتين لمعركة الديكة الحضارية بسبب ما شاب قيمنا الأصيلة وقيم الحداثة من الانحطاطين والكاريكاتورين؟
13-فقيم الأصالة الإسلامية محررة من الانحطاط الذاتي هي ما يمكن الإنسان من الاستعمار في الأرض بأحكام الاستخلاف الذي يكرم الإنسان ويعطيه حقوقه وحريته شرط تكليفه.
14-وقيم الحداثة عندما نحررها مما شابها من توظيف إستعماري أو الانحطاط المستورد هي عين القيم التي سبق إليها الإسلام أعني كرامة الإنسان وحريته شرط مسؤوليته.
15-فيكون الحل: وضع أسس الدولة الأصيلة والحديثة في آن بوضع أحكام الحكم الرشيد بمعناه القرآني المستند إلى شرعية إرادة الشعب ورسالة الاسلام دون أن يكون لذلك ضرر على طبيعة نظام الحكم بل هو يدعمه لأنه يكتفي بتحسين أسلوبه.
16-ولا بد هنا من دحض حكم مسبق فرضته الحكومات الانقلابية ونخبها الفاسدة منذ ستة عقود: اعتبروا الإصلاح متعلق بطبيعة نظام الحكم لا بأحكامه وأسلوبه.
17-فأطاحوا بالملكية بدعوى تأسيس الجمهورية. فكانت النتيجة أن ستة عقود من الجمهورية هي في الحقيقة عقود الاستبداد والفساد والفاشية والتخلف في البلاد التي غيرت طبيعة النظام فآل الأمر بالأسلوب والأحكام إلى الأسوأ. وحتى في أوروبا فإن الملكيات حققت مطالب الإنسان بصورة أفضل من الجمهوريات لعلتين: رأس الدولة مستقر والشرعية تغني عن عنف حكم فاقد لها.
18-ففي تونس مثلا أو في مصر أو في العراق: تجارب سني تسمح لي بالمقارنة بينها لما كانت ملكية ولما أصبحت جمهورية: التغير نزول وتخلف وليس صعودا وتقدما.
19-لذلك فإني مطمئن إلى أن شعوب الخليج لن يغريها تكرار التجربة: لن تستبدل بأنظمة ذات شرعية تاريخية أنظمة مخابراتية عنيفة ومستبدة وفاسدة.
20-وإذن فالإصلاح سيكون عقلانيا في الخليج أكثر من البلاد العربية الأخرى. لن يحتاج إلى الوصول إلى مرحلة يكون فيها التغيير مقتضيا ما قد يؤدي إلى الفوضى: تحقيق شروط الحكم الرشيد هو الذي سيستكمل التشبيب القيادي ليجعل من الدولة قوة لا يزعزعها طارئ.
21-ولعل من أهم علامات هذا التوجه السعيد في بلد الحرمين: أن بعض أبناء الشعب من غير الأمراء كلف بشرف الإشراف على بعض وزارات السيادة. فهذه ثورة حقيقية.
22-لست غافلا على أن نفس الحكم المسبق سيعيب علي عقد الأمل على من يتهمونهم بالعربان البدو: وهذه هذه المعزوفة التي تغلب خاصة على اليساريين والقوميين الاستئصاليين للإسلام.
23-فأغلب الاستئصاليين يعيشون على تخريف الأنظمة العسكرية التي قدمت الحرب الأهلية بين القومية والإسلام بدل توحيد الأمة بدعوى تقدمية تسحق المواطن وتستبعده.
24-لم يفهموا أن “فترينة = شباك العرض” أنظمة الفاشية العربية فضحت خداعها الثورة وأن الخليج وإن لم يصبح متقدما بما يكفي فقد حقق في العقود الستة الكثير مما جعله في الكثير من الجوانب يتفوق على بلاد هذه النخب المتعصبة التي تتصورها سرة العالم أو أم الدنيا.
25-وسأكتفي بأمرين:1-فالخليج وظف إمكاناته المادية في تكوين الإنسان بصورة مُرضية 2-وهو منفتح على الشرق والغرب في آن في حين أن أنظمة العسكر ريفت المدن وأفسدت كل ما يمكن أن يعتبر مقوما من مقومات الوجود السوي.
26-وليس معنى ذلك أني غافل عن أن الخليج لو آمن بتوظيف إمكاناته لتنمية المنطقة العربية وحقق سوقا موحدة لأصبح هو والعرب قوة يحسب لها ألف حساب.
27-وإذا كان استكمال الرشد القيادي بتشبيب الأشخاص والمؤسسات أساس المتانة الداخلية والشرعية فإن استكمال المتانة الخارجية والمناعة لن يكون إلا بالسوق العربية الموحدة.
28-ودون أن اعتبر ذلك معايير الحكم لعمق التغيير أو عليه إذ لست مطلعا على الكثير من أمور الخليج فإن هذين المشروعين-الإصلاح المؤسسي والسوق العربية- هماعلامتا بعد النظر القيادي والطموح الريادي.
29-ولما كان ولي العهد ووليه شابين مثقفين ومجربين في إدارة الدولة فهما أعلم مني بشروط سيادة الدول التي ليست مجرد علم ونشيد رسمي: لا بد من الشرعية الداخلية ومن القوة التي هي الاقتصاد والعلوم والدفاع وكلها مشروطة بالحجم عامة وحجم السوق خاصة.
30-فبلد الحرمين المكلف بمقتضى كونه بلد الحرمين برسالة تتجاوز حجمه المادي لا يمكن ان ينتصر على الخبث الإسرائيلي والإيراني إلا بتوحيد العرب حول مشروع تنموي يصنع أدوات القوة الاقتصادية للحماية والرعاية
31-وما سعت إليه إيران هو فوق طاقتها رغم عنترياتها التي لا تخدع بها إلا شعبها وبعض الجبناء من العرب ليس لها ما يمكنها من أن تكون قوة في حين أن الخليج بتوحيد قوة العرب يصبح من عمالقة العالم الحالي.
32-ولما كانت دول الخليج كلها تقريبا قد تشببت قياداتها وبدأت تتسابق في الخيرات فإن أول عمل يمكن أن يجعلهم بحق روادا هو بناء جامعة الشعوب العربية.
33-فالجامعة العربية اليوم هي جامعة الدول وهي قائمة على تمويل خليجي بالأساس. فلو ارادت القيادات الشابة جعلها جامعة الشعوب لتحقق ذلك ولكانت قوة العرب في مركز العالم قادرة على ما تريد.
34-فيكون بوسع العرب أن يستغنوا في إنتاج شروط الحماية (التنمية والدفاع) وشروط الرعاية (التربية والإبداع العلمي والتقني): وتلك هي شروط السيادة الحقيقية المغنية عن الحماية الأجنبية.
35-وما أظن شابا مؤمنا بعروبته وإسلامه وأمده الله بشرطي العظمة -القوة المادية والقوة الروحية- مثل قادة بلد الحرمين أقل طموحا من بناة ألمانيا التي أصبحت قاطرة أوروبا رغم هزيمتيها في الحربين العالميتين ورغم كونها ليست قبلة خمس البشرية.
36-وهل يعقل أن يضيع شباب طموح فرصة قد تجعلهم من بناة مستقبل أمة عظيمة يخلد دورهم ويبقون راضين بقيادة دول محمية بقوى أجنبية تستتبعها فتقبل أن “يتعنتر” عليها الأقزام من حولها ؟
37-ولولا خوف الغرب وشرطييه وعملائهما من مليشيات القلم والسيف العربية من إمكانية الاستئناف بقيادة سنية عربية لما حصل ما نراه من تآمر علينا ومن أخطار تحدق بنا.
38-فعندما يخوف السيسي الغرب بالخلافة وتعتبر ممثلة أوروبا أن فشله يؤسس للخلافة فهم يعلمون أنها لن تكون خلافة بمعناها في القرون الوسطى.
39-فخلافة قروسطية لا تخيفهم. ما يخيفهم هو أمة عربية (نصف مليار) بتكوين حديث وقيم قرآنية يمكن أن تصبح قطبا عالميا تنافسهم بأدوات حديثة.
40-وأولى هذه الأدوات الحديثة هي السوق العربية الواحدة والتكامل الاقتصادي والتربوي والدفاعي ما يعني أن جل البحار السخنة تصبح تحت سلطاننا.
41-ذلك هو الأمر الذي يجعل إسرائيل وإيران والغرب يفعلون كل ما يستطيعون ليحاربوا وحدتنا شرط نهضتنا وليشوهوا إسلامنا شرط قوتنا الروحية والمادية.

تشبيب القيادات السعودية ودلالته في التحرر والتحرير – أبو يعرب المرزوقي