تشارط الثورتين واستراتيجية النصر – الجزء الأول



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



1-سبق فبينت أن أسباب نصر المسلمين في نشأة دولتهم الكونية الأولى لم يكن كما يتوهم بعض المشائخ بالإيمان وحده أو بالصدف كما يتصور اصحاب المسلسلات التاريخية من أميي السينما العربية. فذلك شرط ضروري لكنه غير كاف.
2-وكلامي ثانية علته ظني حصر الحرب في الإيمان والشجاعة واحتقار الموت والصدف على أهميتها يمكن أن يصبح سببا في خسرانها إذا أهملنا بقية الشروط.
3-وهذه الشروط الأخرى هي التي بغيابها قد نفقد شروط الاستئناف والنشأة الثانية التي هي مهمة سنة العرب بعد أن تحالف عليها أصحاب الفتنتين.
4-ولحسن الحظ فإن هذه الشروط تتحدد بفهم دوافع أصحاب الفتنتين: الفتنة الكبرى ونشر التشيع والفتنة الصغرى ونشر العلمنة بسند توظيفي من الغرب.
5-وقبل ذلك فتحديد الشروط المكملة للإيمان والشجاعة والإقدام على الموت في سبيل الله وحتى الصدف مصدره الأول والإيجابي دوافعنا الخيرة لاستئناف الرسالة وخططنا القصدية لتحقيقها.
6-وهذه الشروط المكملة حددتها ما تحددت به الثورتان منفصلتين: فالأولى كانت ثورة على الاستبداد والفساد والثانية كانت ثورة على الاستضعاف والاستتباع. واتحداهما الذي لم يتحقق بعد هو شرط كمالهما لتلازم شروط نجاحهما.
7-فالإنسان الحر والكريم هو ثمرة التحرر من الاستبداد والفساد في الداخل لذلك فهو لا يقبل أن يكون مستضعفا ومستتبعا من الخارج إذا أدرك أن السيادة هي الشرط الضروري للحرية والكرامة.
8-والحلف بين ذراعي الغرب في استضعافنا واستتباعنا والمستبدين والفاسدين هذا الحلف هو الذي يسرع الوعي الشعبي بهذه العلاقة حتى وإن عطله لدى الحكام.
9-فالحكام بسبب استبدادهم وفسادهم -بسبب استعباد متعهم لهم واستخفافهم بشعوبهم-يحتمون بمن يستضعفها ويستتبعها حماية ورعاية: ابتزاز الاستعمار للشعوب بحمايتهم ورعايتهم مما يخلقه لهم من إرهاب وحاجة.
10-والأمة اليوم في وضع لا مخرج منه إلا بالثورة التامة الجامعة بين التحرر والتحرير وجهي كرامة الإنسان: من الاستبداد والفساد داخليا ومن الاستضعاف والاستتباع خارجيا.
11-وهذه الثورة-بخلاف الظاهر-شرعت في الوجود أو هي على الأقل حددت إطار مجراها: فهي ثورة متجاوزة لحدود الأقطار تجاوزا بالأفعال بدأته الثورة المضادة للرد على تجاوزها بالافكار الذي بدأته الثورة: كلتاهما ألغت الحدود فحددت حيز الثورتين.
12-وبذلك يتبين أن الخطوة التي سنتكلم على استراتيجيتها هي التي تجعل الثورة تحقق التجاوز بالأفعال ولا تكتفي بعدوى الأفكار الحاصلة بذاتها: الوطن العربي كله هو مسرح المعركتين الداخلية والخارجية.
13-بعبارة وجيزة: ما لم تقدم الثورات الجارية في الأقطار قطرا قطرا على جعل الثورة شاملة فإن القائمين عليها ليسوا ثوارا بحق بل هم يريدون الحكم بنفس الشروط التابعة التي لن تمكنهم من تحقيق الحرية والكرامة.
14-ومعنى ذلك أنهم حتى لو كانوا أطهارا بإطلاق ومعصومين عن الاستبداد والفساد فإن من فرض الجغرافيا والتاريخ لن يتركهم يحكمون من دون الخضوع لشروط الابتزاز حماية ورعاية: سيخلقون لهم إرهابا ويجوعون الشعب ليستجيبوا لرغباتهم.
15-سيضطرونهم للاستبداد والفساد ليخدموا بهم مصالح الحامي والراعي المزعوم. وإذن فلا مفر من ثورة تامة تكون في آن ضد الفساد والاستبداد داخليا وضد الاستضعاف والاستتباع خارجيا.
16-وشرط نجاحها أن تكون شاملة لكل الوطن حتى لا يستفرد الأعداء بأي منها في قطرها كما تفعل الثورة المضادة التي تعمل جماعيا لإيقاف الثورة: تعاضد الثورات في الحيز العربي كله يجعلها عصية على الثورة المضادة.
17-وهذه هي المعركة التي اريد أن أتكلم في استراتيجيتها السياسية والعسكرية وكيفية توحيد القائمين بها. والاستراتيجية العسكرية لا معنى لها من دون الاستراتيجية السياسية. ولا بد إذن من وحدة الثورتين الداخلية والخارجية.
18-لم اسم ذراعي الغرب إذ هما معلومان: إسرائيل وإيران. ولكل منهما مليشياته المشتركة في الهدف الذي هو هدف الاستعمار أعني منع استئناف سنة العرب دورهم. لكن هذين الذراعين وجودهما نعمة.
19-كيف أسمي الأعداء نعمة؟العدو بصورة عامة نعمة لتحريك شعب يغط في نوم عميق وخاصة إذا توفرت فيه صفات معينة كالحال في إسرائيل وإيران. فلا تحتاج لإقناع شعبك بعدواتهما ولا بتحفيزه للاستيقاظ لتاريخية العداوة.
20-ذلك أن العدو نعمة لعلتين: فأولا التحدي ينشط قوى الشعب الحيوية وثانيا فالعدو يحدد بالندية مستوى طموحك. فما عاداك الغرب بهذين الذراعين إلا اعترافا بسر قوتك وخوفا من استئنافك دورك.
21-ما كان الغرب يجند لسنة العرب ذراعين بخمس مليشيات: اثنتين تابعتين لإيران (مليشيات التشيع والشعوبية) واثنتين تابعتين لإسرائيل(مليشيات العلمانية والليبرالية) وواحدة هي القومييين الفاشيين في الحكم وفي المعارضة وهم توابع التوابع وبرقع تنكر بقية المليشيات.
22-فهذا التجنيد فيه اعتراف بهزيمة تاريخية قديمة وحديثة: فبعد هزائم القرون الوسطى جرب الغرب حديثا في الحقبة الاستعمارية الأولى ثم تلته الولايات المتحدة بعد الاستقلالات الصورية جرب حربنا مرات عدة فوهزم فيها جميعا.
23-لـذلك فهو لا يستطيع محاربتنا الآن إلا بالوكالة: إسرائيل وإيران ومليشياتهما واختراق حركات المقاومة السنية والعملاء من الأنظمة العربية أي بـالثورة المضادة أنظمة ونخبا عميلة.
24-وبتحديدنا للأعداء ودرجات العداوة مباشرها ولا مباشرها حققنا الخطوة الأولى نحو تحديد الاستراتيجية المناسبة بدءا بتحديد ما ينقصنا وبوضع خطة العمل.
25-وقبل ذلك كله لا بد من أن يدرك أصحاب القرار في الثورتين القاعدة الذهبية في كل عمل سلميا كان أو حربيا: تحليل علاقة المشروط بالشارط في الاتجاهين في خطة الفعل وخطة رد الفعل.
26-ففي الفعل الموجب يكون التحليل من المشروط إلى الشارط لأن بداية العمل هي غاية الفكرة. أما في الفعل السالب ردا على العدو ردا استباقيا فينبغي عكس الاتجاه لضرب الأصل.
27-ولنضرب مثالا: كان يمكن بكلفة أقل ضرب مشروع إيران في سوريا. ويكفي لذلك توحيد المعارضة وتسليحها بما يحسم المعارك مع ما يتفوق به العدو (الطيران). ذلك كاف لإسقاط كل تدخلات إيران الأخرى. وذلك لو تم لأغنى عن معركة اليمن.
28-لكن التراخي في أصل المغامرة الإيرانية (الهلال) ومحاربة الثورة (في مصر وتونس وليبيا) جعل الأمور تصل إلى اليمن والخليج كله. والنصر في اليمن حتى لو حصل لن يوقف مشروع إيران لفرعيته وثانويته ما لم تهزم في سوريا والعراق ومصر (ومصر هي بؤرة كل الدمل العربي لأنها قاعدة الذراعين فضلا عن الصليبية القبطية).
29-فمن يريد أن يطيح بعمارة لا يبدؤها من السقف إلى الأساس بل البدء من الأساس يغنيه عن إضاعة الوقت في علاج السقف الذي يقع بذاته بعد تهديم الأساس. والأساس هنا هو احتلال إيران مباشرة وإسرائيل بصورة غير مباشرة للعراق وسوريا ومصر والباقي سقف وفروع.
30-الخليج من حيث لا يعلم -ولعل بعضه يعلم-ساعد إيران على العراق-عندما دفعه للتهور أمام نكران تضحياته من أجل حماية الخليج ومنع انتشار ثورة الخميني بعد حرب الثماني سنوات- وساعد إسرائيل على مصر (لكونه أيد إنقلاب عميلها) متظاهرا برفض آلام سوريا بعد فوات الفوت ولا يدري أنه بذلك قد أعد لخرابه.
31-صحيح أن عاصفة الحزم في اليمن بداية أفضل من عدمها لذلك رحبت بها وكتبت الكثير لصالحها. لكنها بداية بفرع وليس بأصل: الأصل هو الهلال الشيعي (العراق والشام بمعناه الشامل) والهلال الصهيوني (أي مصر والمغرب العربي). وكان يمكن التدارك في سوريا.
32-بدلا من ذلك اسقطوا مصر في يد أكبر خائن عرفه تاريخ العرب خوفا من الثورة ولم يدركوا إلا أخيرا أنهم سلموها لإسرائيل كما سلموا العراق لإيران سابقا. وكان يمكن مساعدة الثورة في مصر بإلهائها في علاج قضاياها المادية والاجتماعية وتوقي انتشار الثورة بـالإصلاحات الضرورية في الأنظمة لكنهم فضلوا نهج الثورة المضادة. وسيكتشفون أن كلفتها أكبر وأنها ستسرع انتشار الثورة بدل إيقافها.
33-وسأمر على ذلك مر الكرام: فاللوم بعد القضاء بدعة. ما يعنيني الآن وقد حصلت استفاقة في السعودية -بفضل الملك الصالح والقيادة الشابة-حتى وإن كانت متأخرة لكنها خير من “بلاش” فإن المهم هو ما سبيل لتدارك خاصة والخطر على الخليج لم يعد ممكنا بل صار فعليا؟
34-كيف يتدارك من نزع كل أسحلته وألقى كل درقاته (العراق وسوريا ومصر واليمن وجل المغرب العربي) فبقى شبه عار من الموانع التي تعطل الصائلين؟ إذا حصلت الاستفاقة وكانت صادقة فالتدارك ما يزال ممكنا خاصة والسعودية وقطر تبدوان عازمتين وحازمتين ولهما شروط الفعل المادية (الثورة) والروحية (الحرم).
35-تلك هي الوضعية التي نريد أن نستبنط لها استراتيجية تدارك مع حقيقة يقينية على أهل الخليج تدبرها: أنتم هدف التنافس بين ذراعي الغرب. ويكفي أن تصدق السعودية قيادة وشعبا حتى يتم التدارك.
36-والغرب الآن مهتم بالصلح بين المتنافسين (إيران وإسرائيل) ليؤديا دور الشرطي ومساعده فيحرسا مصالحه في المنطقة أي خاصة استعمار الخليج دون اغفال بقية الوطن على الأقل بسبب الموقع الجيوستراتيجي.
37-صحيح أن العرب كلهم هدف. لكن المصلحة الرئيسية في الهلال والخليج بسبب الطاقة والموقع الجيوستراتيجي كذلك. مغرب العرب لا يعينهم كثيرا مؤقتا لاقتصار الرهان على أمن أوروبا وكلابهم فيه كافية.
38-هذا مع الاطئمنان إلى أن الحرب الباردة بين الجزائر والمغرب تلهي شعوب المغرب العربي وحكامه عن أي بناء يحقق الندية مع الضفة الشمالية للأبيض المتوسط فيمكن من حماية ذاته وحماية الباقي.
39-لذلك فالاستراتيجية التي سنبحث في مقوماتها تنطلق من هذه المعطيات الموضوعية وتعلم طبيعة الخطر وصفات الأنظمة العربية الأشبه بطوائف الأندلس. ولا تقل المقاومة عن الأنظمة تشرذما وتناحرا.
40-فأخطر ما يتهدد العرب هو مؤامرات العرب بعضهم ضد البعض سواء كانوا حاكمين أو مقاومين. هم اشبه بدويلات الشرق في عصر الصليبيين. ونأمل أن يكون ما يعوض صلاح الدين شباب الثورة المقاوم بعد أن ينتظم عمله باستراتيجية فعالة.
41-بعبارة أوضح لا أومن لا بالدولة القائدة (لشكي في إقدامها على الإصلاحات الضرورية حتى تؤدي الدور بالمثال والأفعال) ولا بالزعيم القائد (لأن العصر لم يعد عصر زعماء) بل أومن بشباب مؤمن وطموح يتعالى على جغرافية الاستعمار وتاريخه بوعيه بشروط دور أمته في تحقيق رسالتها بعزم الاجتهاد والجهاد.
42-لكن المأساة هي أن هذا العوض-الشباب بجنسيه-هو بدروه مشتت وغير متحد لا من حيث الأهداف ولا من حيث الوسائل فضلا عن المناهج والاستراتيجية. لكن الانقسامات في الثورات طبيعية في البداية وفي الغاية.
43-ففي البداية تقع التصفيات كما في لعبة الكرة وفي الغاية يقع التنافس على الاستفراد بالثمرة. لكن ذلك يقتضي بين البداية الغاية الوصول إلى وحدة عملية تحقق النقلة والنصر. لذلك فالمخاطب بالاستراتيجية التي نطلبها هو الشباب بجنسيه ولا أحد غيره الشباب المؤمن برسالة أمته مع التمكن التام من الثقافة الحديثة النابعة من قيم العقل والنقل الكلية.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي