**** تركيا قامت بواجبها وحق خاشقجي في رقبة كل شرفاء العالم
لما قرأت ما قاله مستشار ترومب -صاحب الشنب-للتشكيك في إثبات مسؤولية صاحب المنشار تأكدت أن ما توقعته هو ما سيحصل. فإذا لم يكن لتركيا دليل مادي على أن صاحب المنشار هو الآمر بنشر الشهيد خاشقجي فسيبرأ قاتله حتى بحجة الشك الذي يستعمل في الجنائي هو دائما لصالح المتهم. وليس من شك في أن الجميع يعلم أنه هو الآمر. لكن العلم بذلك شيء وإثباته جنائيا شيء آخر. لذلك اعتبرت من مصلحة تركيا أن تكتفي بالنصر المعنوي لأن النصر المادي شبه مستحيل لهذه العلة ما لم يكن لتركيا كما أسلفت دليل مادي على أنه هو الذي أمر بما حصل. لكن السلطة السعودية تعرف الحقيقة. فإذا قبلت تخريب السعودية لإنجاء مجرم -لأن ترومب وصهره وخاصة ناتن ياهو والسيسي والمدبر لصاحب المنشار من دمى إسرائيل في الخليج-لا يريدون الدفاع عنه لزرقة عينيه بل لأن لهم عليه شروطا هي في الحقيقة ما سيخرب السعودية تخريبا لا مثيل له. لذلك فالوحيد الذي يمكن أن يقدم الدليل المادي هو الأسرة الحاكمة إن أرادت المحافظة على السعودية. ويمكنها أن تعزله دون أن يحاكم محاكمة تؤدي إلى الحد. فيكفي أن يعترف أنه أمر باستجلابه ولم يأمر بقتله وتشريحه. وهذه جريمة لكنها لا تؤدي إلى الحد في القل غيلة. وبذلك يمكن للملك سلمان حماية الدولة دون إضاعة ابنه وسيحسب له اخراج الأسرة الحاكمة من الورطة والعار الأبدي. لكن تركيا ليست مطالبة بأن تكون سعودية أكثر من السعوديين: هي حاولت أن “تستر” ما ستر الله وحاولت مساعدتهم لكنهم تنكروا لها ولم يساعدوها حتى تصل إلى الحل الوحيد الذي يسمح للدولتين ببداية حقيقة تحميهما وتحمي الاقليم كله. إذا هم فضلوا الدفاع عن مجرم وجعلوه ملكا فذلك خراب السعودية. وفي هذه الحالة ليست الأسرة الحاكمة وحدها هي المسؤولة بل نخب السعودية بأصنافها الخمسة أعني النخبة السياسية والنخبة العلمية والنخبة الاقتصادية والنخبة الفنية ونخبة الرؤى الوجودين من مثقفين ورجال فكر ديني وعلماني له معرفة بالشروط الاستراتيجية لسيادة الدول حماية ورعاية لشعبهم. وأعتقد أن الأتراك سيفهمون أن مواصلة طلب العدالة لمواطن سعودي لا ينبغي أن يكون همهم الأول حتى وإن كان ذلك من الاخلاق والإنسانية وأن سيادة تركيا لم يمسها ضرر بعد أن حققت النصر المعنوي الساحق في القضية. لكن النصر المادي إذا عارضته أمريكا وأذرعها في الإقليم فمطلب ليس في المتناول. وحتى روسيا وأذرعها لن تسمح لتركيا أن تحقق نصرا كاملا. فالجميع يرى من الفائدة الإبقاء على أحمق في قيادة آخر بلد عربي كبير له قوة مادية ورمزية قادرة إذا قادتها نخبة صالحة أن تخرج الأمة بحلفها مع تركيا من التردي الحالي. الجميع يريد الإبقاء على التردي الحالي بل والزيادة فيه: لذلك فتركيا مستهدفة. يكفيها تحقيق نصر بالنقاط في المجالات التي تعنيها والتي قد يفرض الظرف على أمريكا الاستجابة فيها إلى مطالب تركيا إذ إن امريكا وأذرعها مهما كانت قوتهم فهم بحاجة إلى الحد من الفضيحة بترضيات قد تجعل تركيا تقلل من مواصلة المعركة بنفس الزخم الحالي حتى لو كان لها أدلة أقوى مما أظهرت. وطبعا فما أقوله هنا ليس نصائح أوجهها لقيادات تركيا فهم أدرى مني بمصالح دولتهم وما أظنهم غافلين عن هذه المعطيات. لكن لا بأس من أن أبدي رأيي لأن مستقبل تركيا بات اليوم أمرا لا يقتصر على الشعب التركي بل هو وإلى حد كبير من شروط بقاء دور السنة في الإقليم وحماية شروط الاستئناف. ولهذه العلة أكتب في الأمر دون حرج وأعلم أن الأتراك لن يقولوا كما يقول السفهاء من الذابين على صاحب المنشار: اهتم ببلدك ولا تتدخل في شؤوننا. فهم يعلمون أنه العصر لم يبق فيه الشأن الداخلي والشأن الخارجي منفصلين عامة فضلا عنهما في نفس الأمة التي تعاني من نفس العدوان ويراد لها أن تبقى ممنوعة من تحقيق شروط السياسة أعني شروط الحماية والرعاية الذاتين.