****
ترامب بمعزل عن المدح والذم أصدق رئيس عرفته أمريكا منذ أن صارت قوة عظمى
يكاد الاجماع يحصل على أن ترومب رجل كذاب.
واعتقد أن أكبر كذبة هي هذا الاجماع.
فهو أصدق حاكم عرفته الولايات المتحدة منذ نشأتها إلى اليوم.
كل ما في الأمر هو أن المجمعين على اعتباره كذابا يخلطون بين النفاق السياسي والصدق.
هو أقل حكام أمريكا نفاقا وإذن فهو أصدقهم: يقول ما ينوي فعله ويفعله.
وحتى أكون دقيقا سأضرب أمثلة:
- فهو أول حاكم أمريكي يقول للحكام العرب أنتم تدينون بوجودكم لحماية الولايات المتحدة ولشفاعة إسرائيل في المستبدين بأمر شعوبكم.
هل يمكن تكذيبه في ذلك؟ - هو يرهن الموقف من قضية خاشقجي بمصلحة أمريكا وإسرائيل وشرطها المحافظة على استقرار السعودية.
من يمكن أن يكذبه في ذلك وفي أنه من الحكمة السياسية من منظوره لأنه حاكم أمريكا ويدين للوبيات إسرائيل ومافية روسيا للوصول إلى هذه المسؤولية؟ - هو ينوي الإطاحة بنظام الملالي بعد أن أتم المهمة المنتظرة منه اعتمادا على توهمه أنه يمكن أن يسترد امبراطورية فارس فيواصل الحلف مع كل عدو لسنة الإقليم ليس من اليوم بل في كل تاريخ الباطنية بحيث إن ما تقدم وما سيلي هو في خدمة مشروع إسرائيل في الإقليم.
هل يمكن تكذيبه؟ - هو ينوي نزع سلاح كوريا الشمالية وسيفعل. ويستطيع ذلك ليس لأن أمريكا صارت أقوى معه بل لأنه فهم أن الصين صارت عاجزة عن إيجاد حل آخر لمواصلة سعيها للوصول إلى الندية وهو ما يقتضي تلهية جديدة لأمريكا بعد أن تبين أن كوريا الشمالية قد تفسد عليها خطة تلهية أمريكا بها فتنازلت عن حمايتها.
- وهو يخاطب أوروبا بما يخاطب به الشرق الأوسط بمعنى أنه يذكرهم بأن دولهم بعد الحربين الأولى والثانية فقدت طبعها الامبراطوري إذ فقدت مستعمراتها وصارت هي بدورها مستعمرات تحت حماية أمريكا وحدها لحمايتها من السوفيات في وجودهم وبعده.
فهل يكذب في ذلك؟
ولأعد الآن إلى موقفه من اغتيال خاشقجي التي يبالغ المحللون في التركيز على البعد الخلقي نفاقا منهم لأن الأهم بالنسبة إلى أي سياسي عامة وسياسي أمريكي خاصة أمر آخر حتى وإن لم يتخل عن التبرير الخلقي لمناوراته.
فالثابت أن ترومب يفكر مثل المخابرات الأمريكية ليس لأن هذه فعلت ذلك بدافع خلقي أو طلبا للحقيقة بل لأنها مثله وصلت إلى ما ضرورة البديل.
وهو يفكر مثلها ويجمع بين موقفها وما يجعل تحقيق ثمرته السياسية أعني أن يطمئن الأمير الأحمق حتى لا يفسد عليه خطته المبنية على حصيلتين:
- كيف يحافظ على نفس الاستراتيجية في الاقليم
- مع استحالة مواصلة العمل مع هذا الغبي
- ومن ثم فلا بد من استبداله بأقل ضرر ممكن على استقرار السعودية
- ليس حبا فيها بل لتقليل الكلفة على أمريكا (ماليا وبتروليا)
- وتحقيق الاستراتيجية التي تحقق أهداف إسرائيل لما نبين من العلل
وهذه الاستحالة ليست ناتجة عن الجريمة في حد ذاتها بل عن عجزه عن التستر الذكي عليها.
العلة ليست غباءه فحسب بل ذكاء الأتراك.
وغباؤه يفسد علـى ترومب وإسرائيل تحقيق أهدافهما بأمير له شرعية حقيقية بين شباب السعودية ونسائها وسخفاء ليبراليينا وعلمانييها وملحديها بما يعدهم به ويقوي في فاعلية ذكاء تركيا.
لذلك فلا بد من ترتيب الأمر لاستبداله بمن يحافظ على نفس الاستراتيجية ببديل أقل غباء مع الحرص على طمأنة الأمير لئلا يقوم بفعل يحول دون ذلك خلال عملية الترتيب.
ولذلك فلا بد من تعدد الأصوات والتأويلات بعضها لطمأنته وبعضها لتشجيع البديل الممكن وهو قد أرسل بعد من بريطانيا ومعه حام: عم الأمير المرشح المرجح كبديل.
والحامي بالإضافة إلى ضمان أمن عم الأمير الاحمق الذي أعيد من لندن لهذه المهمة هو أبي زيد سفيرا جديدا للولايات المتحدة حتى يكون الضامن والحاكم الفعلي للسعودية ككل سفرائها الغرب في كل بلاد العرب. وهذا حسب رأيي يكذب خرافة أن ترومب كذاب وكذلك خرافة أنه أحمق: لا توجد سياسة أفضل له.
وأختم بملاحظتين:
• تخص المعلقين العرب
• وتخص سياسة ترومب التي اوصلته لرئاسة أمريكا:
الأولى:
فـما لا أفهمه حقا هو طبيعة التحليل لدى المعلقين العرب.
متى كانت السياسة يحكمها أخذ الخطاب السياسي على معناه الاول وليس على معنى معناه؟
وكيف يمكن أن يجري التأويل من دون تحديد قاعدة تأويل لا تجعله جزئيا من دون وضعه في إطار استراتيجية يتبعها صاحبه؟
فالجميع ينسى أن ترومب وإدارته لا ينظرون إلى السعودية أو إلى حادثة خاشقجي وحدهما.
فالمشكل هو ليس كيف يحقق العدل بل كيف يحول دون أمرين:
• أن يفسد استراتيجيته في استعمال العرب ضد إيران بعد أن استعملوا إيران ضد العرب لصالح إسرائيل.
• وكيف يعزل تركيا بعد الفشل في اسقاط أردوغان بالانقلاب وبالحرب على العملة التركية؟
والهدف الأول يقتضي المحافظة على استقرار السعودية والحلف العربي الذي تقوده لصالح إسرائيل.
والهدف الثاني منع تركيا من تحقيق نصر في هذه الحادثة لأن نصرها يعني نهاية الحلف العربي مع إسرائيل وتغيير خارطة الاقليم كله فتعزل إسرائيل ومعها إيران ونأي روسيا بنفسها في المعادلة الجديدة.
لا أدعي خبرة تفوق خبرة غيري بل أومن بأن التحليل السياسي هو قبل كل شيء تحليل استراتيجيات من حيث نسقية أفعالها وليس من حيث تعدد مستويات خطاب أصحابها.
وبصورة أدق فالمعيار الذي يميز بين التحليل العلمي والتحليل الصحفي هو أن الأول نسقي والثاني ضربة بضربة دون نسقية منطقية.
فلا يوجد تأويل من دون قاعدة تأويلية: والقاعدة التأويلية هي نسقية الاستراتيجية.
أمريكا ليست نظاما من جنس الانظمة التي تحكمها نزوات فرد مستبد مثل الأمير الاحمق أو مثل صدام إلخ…مثل أي حاكم عربي بل هي نظام ما كان ليصبح أول قوة في العالم لو يكن يحكمه التدبير العقلي الرصين.
والتدبير العقلي الرصين يحكمه منطقان:
- منطق المجرى الفعلي للأشياء وهذا له إيقاع لا يمكن التعامل معه من دون العلم بقوانينه وأهمها اعطاء الوقت للوقت
- ومنطق الخطاب المساوق له والذي ينبغي أن يؤدي وظيفتين
• الأولى التمويه على العدو
• والثاني التوجيه للأصدقاء وخاصة للمصالح التي تتابعه.
ومعنى ذلك أني لا أفصل بين التحليل السياسي والتحليل الاستراتيجي وأرد الثاني إلى التحليل العلمي في علاقة معكوسة: بدلا من الذهاب من النظرية العامة إلى تطبيقاتها في البحث العلمي الاستراتيجي مثل التقني يذهب من الممارسة إلى النظرية ويحاول الوصل بين التجربة والنظرية ليطبقها بنجاح.
والثانية:
وما أعتقد أن ترومب في سياسته قبل أن يصبح رئيسا وبعد أن صار رئيسا شديد التناسق.
فهو نجح في الانتخابات الأمريكية باستعمال فنياتها التي كانت متسترة فجعلها جلية أعني كل ما ينبغي استعماله من الوسائل دون كذب الطهورية والنظافة الذي يمثل نفاق سياسة الأحزاب هو عين ما يستعمله اليوم في سياسته دون تستر الدبلوماسيات التي لا تقول للحكام العرب ما قاله لهم: أنتم خدم عند أمريكا وبقاؤكم تدينون به إليها وعليهم أن تدفعوا الجزية.
ثم هو عمم ذلك إلى كل الذين يحتمون بأمريكا مطالبا منهم دفع الجزية وهو صاغرون.
قال ذلك لأوروبا،
وقال ذلك لمن ماثلهم في الشرق الأقصى.
ومعنى ذلك أنه لم يغير سياسة أمريكا التي كانت تقول نفس الشيء في السر فصار هو يقوله جهرا ويطالب بالتعديل المتناسب مع الكلفة لأن أمريكا لا يمكن أن تنفق على حماية المهزومين في الحرب الثانية وهم يحاولون اللحاق بها دون كلفة دفاعية تقلل من قدرتهم التنافسية مع الاقتصاد الامريكي الذي بدأ يفقد فاعليته بالمقارنة مع الصين المنافس المقبل في نظام العالم الجديد.
واخيرا ما أظن أحدا لم ينتبه إلى مهزلة التهديد الموجه إلى تركيا أمس في عناية ترامب بالطير الذي يسمى تركي بالإنجليزية والذي يذبح في هذا العيد عندهم في نفس الوقت الذي يجري الحوار بين وزير خارجية أمريكا ووزير الخارجية “التركي”.
معنى المعنى واضح.
تحذير من تمادي تركيا في ما قد يفضح ترومب وصهره بمصير الديك الرومي في أعيادهم لكان القول يكفيكم راس الأمير الأحمق ولا تمسوا بي أو بصهري.