▫️
▫️
مستويات انتخاب الفاعلين
▫️
▫️
وهذه المستويات تتحدد بمقتضى مجالات الفعل الذي يؤديه الناخب والمنتخب في وظائف الجماعة وفي المؤسسات التي لا يخلو منها عمران بشري واجتماع إنساني.
▫️
ومعنى ذلك أن هذا الانتخاب من المقومات الأساسية للصلاح أو للطلاح في كل سياسة إنسانية لعالم الشهادة من حيث إن الإنسان
مستعمر في الأرض يستمد من تعميرها شروط قيامه العضوي (العمران البشري)
ومستخلف فيها يستمد من استخلافه فيها شروط قيامه الروحي(الاجتماع الإنساني):
▫️
والمطلوب هنا تحديد علاقتها بما لا يكون من دون انتخاب سواء كان واعيا أو غير واع لأنه سر تقسيم العمل والتمايز بين أصنافها تمايزا يترتب عليه تمايز الاختصاصات في تقسيم العمل في التعاون على ساد الحاجات والتبادل والتعاوض.
▫️
➖ ويكون الانتخاب في مستوى أول بقانون أول
يصل كيان الإنسان العضوي بكيان المحيط الطبيعي:
وهو القانون الأول المتحكم في انتخاب الإنسان
ليلائم هذه الوظائف التي تمد الإنسان بشروط البقاء:
1️⃣- لوظائف الرعاية الخمسة ولقوامتها
2️⃣ ولوظائف الحماية الخمسة ولقوامتها
▫️
➖ كما يكون في مستوى ثان بقانون ثان
يصل كيان الإنسان الروحي بكيان المحيط التاريخي:
وهو القانون الثاني المتحكم في انتخاب الإنسان
ليلائم نفس الوظائف ملاءمة
تضبط قوانين العيش المشترك
خلال تحقيق شروط البقاء:
3️⃣- لوظائف الرعاية الخمسة ولقوامتها
4️⃣- لوظائف الحماية الخمسة ولقوامتها.
▫️
5️⃣- وما يوحد بين هذه الأنواع الأربعة من الانتخاب هو وظائف البحث العلمي الذي هو استعلام واعلام حول ما يحصل عليه الإنسان من خبرة
بقوانين الطبيعة
وسنن التاريخ خلال درسه قوانين الطبيعة
وسنن التاريخ ومن خبرة بقوانين الكيان الإنساني العضوي
وسنن الكيان الإنساني الروحي
ليحقق شروط القدرة المتسجيبة
لما تطلبه الإرادة باعتبار
شروط البقاء وشروط العيش المشترك.
▫️
▫️
فيكون البحث والأعلام العلميين في هذين المستويين
هما المحددين لأدوات العلة الفاعلة لكل ما ينتجه الإنسان لسد حاجاته المادية والروحية.
لكن الذوق هو المحدد للأهداف العلة الغائية في سد الحاجات المادية والروحية.
▫️
ومن ثم فالبحث والإعلام العلميان يعتبران شرطا ضروريا لسياسة عالم الشهادة الطبيعي من اجل تحقيق شروط القيام العضوي والتاريخي من اجل تحقيق شروط القيام الروحي.
▫️
▫️
وتلك هي فلسفة الحضارة من حيث هي المنظور الذي منه تدرس كل الموضوعات التي تترتب على العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والأفقية بين الإنسان والإنسان.
▫️
وهذه تتعلق خاصة بسياسة العيش المشترك.
وهي تقتضي أن يكون الوجود الفردي والجمعي أهم موضوعات هذا البحث والإعلام العلميين لتكون سياسة عالم الشهادة داخليا وخارجيا عملا على علم
▫️
وتلك هي مهمة الاستعلام والإعلام السياسيين حتى تكون سياسة عالم الشهادة عملا على علم في كل هذه المجالات لمنع ما قد يفسدها في الداخل وما قد يحاربها من الخارج.
▫️
▫️
وإذا كان القانون الأول من الأرث العضوي في كيان الإنسان فإن القانون الثاني من التراث الروحي الذي تكون به الجماعة أجيالها في مؤسسات لا تخلو منها جماعة وحضارة في كل تاريخها
وهي لتكوين الأجيال ولتموينها حتى تتمكن من تصنيفها في توزيعها بحسب مجالات تقسيم العمل فيها بحسب ما تتأهل له من هذه الوظائف بما حصل لها من كفاءة فنية وجدارة خلقية.
▫️
▫️
وكل الإشكال هو في ما قد يشوب هذا التأهيل والتوزيع من خرق للمعايير التي تمكن من وضع الإنسان المناسب في الوظيفة المناسبة حتى تكون الجماعة كما وصفناها أشبه بفرقة موسيقية أو فريق كرة قدم أو فرق جيش في الأداء المتناغم لهذه المهام شرطا في تحقيق الحصيلة التي شرطها أن يكون الكل مؤديا دوره دون نشاز أو بالحد الأدنى منه.
▫️
وهذا التأهيل له مؤسسات لا تخلو منها جماعة مهما كانت بدائية لأن التأهيل العضوي والروحي للأجيال هو ما من دونه لا تبقى الجماعة.
▫️
▫️
فأهم مقومات البقاء وشروطه
تقبل الرد إلى هذا التأهيل في:
▫️
1️⃣ و2️⃣- مجالين لرعاية القيام
أحدهما يعالج علاقة الإنسان بالطبيعة مصدر قيامه العضوي
والثاني يعالج علاقة الإنسان بالتاريخ مصدر تنظيم العلاقة الأولى.
➖ وسنصطلح على المجال الأول
بمجال التعاون والتبادل والتعاوض العادل (الاقتصاد السياسي).
➖ وسنصطلح على المجال الثاني
بمجال التفاهم والتواصل والتراحم الصادق (الثقافة السياسية).
▫️
3️⃣ و4️⃣- مجالين لحماية القيام.
أولهما للحماية الداخلية وهو يعالج علاقة الإنسان بالإنسان في نفس الجماعة من حيث خضوع دوره في المجالين السابقين باحترام شروط العيش المشترك أو بعدمه.
والثاني للحماية الخارجية وهو يعالج علاقة الإنسان بالإنسان بين الجماعات المتنافسة على المجالين السابقين باحترام شروط العيش المشترك أو بعدمه.
▫️
ولا يمكن للحماية الثانية أن تكون ناجحة من دون نجاعة الحماية الأولى. ذلك أن التظالم الداخلي يؤدي إلى البحث عن الاحتماء بالاعداء لأن التظالم يؤدي إلى التحاقد وقد يصل إلى الحرب الأهلية. ولهذه العلة فقد اعتبر ابن خلدون الظلم مؤذنا بخراب العمران.
▫️
▫️
وأخطر أنواع الظلم ليس ما بين الإنسان والإنسان من نفس المستوي الانتخابي بل بينه إنسانين من مستويين انخابين مختلفين. وأهم هذه الانواع هو ظلم من كلف بالقوامة ليكون حكما فيصبح طرفا في النزاعات بين الناس حول المنازل بمقتضى الثروة أو حول المنازل بمقتضى التراث.
▫️
ذلك أن المكلف بالقوامة والحكم بين الناس يستعمل قوة الدولة التي وظيفتها تحقيق العدل بينهم ليحولها إلى أداة قهر وظلم.
▫️
وما يقال عن دور فساد الانتخاب في القوامة ينطبق في الحكم انطباقه في التربية.
لذلك اعتبر ابن خلدون فاسد معاني الإنسانية ناتجا عن الظلم والعنف في التربية وفي الحكم.
▫️
وفساد معاني الإنسانية يعني أن الإنسان ينتقل من الحرية والعبودية لله وحده إلى العبودي لغير الله أي لما بيده
الأرزاق المادية (الثروة والاقتصاد)
والأرزاق الروحي (التراث والثقافة)
أعني تحريف السلطتين الروحية للمربين والمادية للحكام.
▫️
▫️
وكل هذه المجالات لها أصل واحد هو الرؤية الوجودية لمنزلة الإنسان في الوجود كما تتحدد في الانثروبولوجيا
الدينية أولا
والفلسفية ثانية
وما بينهما من تضاد أو تناغم
وهنا يبرز ما يتميز به القرآن في ما سيمته غاية الواحد في الديني والفلسفي أي الانثروبولوجيا التي تؤمن
بالأخوة البشرية (النساء 1)
والمساواة بين البشر (الحجرات 13).
▫️
وهذه المؤسسات خمسة وهي كالتالي:
الأسرة والمعبد والمدرسة والمؤسسة الانتاجية لشروط البقاء العضوي والروحي والجماعة التي تحكم نفسها
أو الدولة ذات السيادة.
▫️
1️⃣- المؤسسة الأولى والأساسية هي الأسرة
وأهم مقوم تكويني فيها هو التربية العاطفية والسلوكية البدنية واللسانية لشروط التعايش والتبادل والتواصل.
وهي المزرعة المطلقة لكل ما يأتي بعدها لأنها تتضمن كل العلاقات الموالية باعتبارها معين الحياة من حيث هي محل تأسيس العلاقة السوية بين الاحياز الخارجية أي للطبيعة والتاريخ والثروة والتراث وأثر المرجعية الروحية في الجماعة خارج الذات والاحياز الذاتية في الذات نفسها أي البدن والروح والزاد العضوي في كيان البدن والزاد الروحي في النفس وأثر المرجعية الروحية في الفرد.
▫️
2️⃣-المؤسسة الثانية هي المعبد الديني
وهو الذي يبني الجماعة الروحية التي تطور ثمرات المؤسس الأولى بتوسيع الجماعة من منطلق العالم الروحي والتماثل في عالم متعال على عالم الشهادة.
البحث عمليا بالانجاز الفعلي وهو العبادات البدنية ونظريا بالصوغ الرمزي وهو العبادات الروحية في ما وراء العلاقة بالطبيعة والعلاقة بالتاريخ أي ما وراء الإنسان في علاقتيه من حيث هما من عالم الشهادة إلى الإنسان الذي يرى أن عالم الشهادة لا يكتفي بنفسه وذلك هو منطلق التفكر الديني والتفكر الفلسفي.
▫️
3️⃣- المؤسسة المركزية هي المدرسة التعليمية
وهي تجمع بين مقومات
المؤسستين الأولين
والمؤسستين الأخيرتين:
الصفات الخمس
بدراسة نماذج تاريخية منها
وتعلم محاكاتها ونقدها لتجاوزها.
وإذن فالمادة هي بالاساس تاريخ الأفعال البدنية والفكرية التي تعبر عنها والقيام بها بدنيا وفكريا في الممارسة الفعلية للعمل والنظر.
والمعلم وظيفته المساعدة على تنمية الخصائص التالية عند المتعلم بممارسة الافعال وليس بترديد الأقوال:
1-امتحان المثابرة في طلب شيء وتحمل كل المتاعب حتى تحقيق المطلوب:
انتخاب أصحاب الإرادة.
2-الملاحظة والفهم في مستوى الأشياء وفي مستوى صياغتها الرمزية:
انتخاب أصحاب العلم.
3- الإنتاج والتملك سواء تعلق الأمر بشيء مادي أو بشيء رمزي:
انتخاب اصحاب القدرة
4-الذوق التشكيلي والموسيقي متعينة في الكيان العضوي والروحي وفي الطبيعة وفي الإنتاج الإنساني:
انتخاب اصحاب الذوق.
5-وأخيرا تحليل الرؤى الدينية والفلسفية التي توحد بين كل ما تقدم فهما ونقدا:
انتخاب اصحاب الرؤى بوصفهم ذوي القدرة على العودة التأملية على ما تقدم لفهم علاقاتها ونظام فعلها وتفاعلها ومحاولة الوصل بين العالمين عالم الأمر الواقع وعالم الأمر الواجب أو عالم الشهادة وعالم الغيب.
▫️
والهدف من التربية تكوين الإنسان بمستويات وجوده الخمسة مع التركيز على ما نتأ في شخصيته من ميل إلى أحد المجالات المتقدمة:
أولا سلطانه على بدنه وظائفه وخاصة التعبير به
ثانيا سلطانه على لسانه ووظائفه وخاصة التعبير به
ثالثا السلطان على مشروع معين يثابر عليه ليحقق ثمرته والتعبير به
رابعا السلطان على ذوقه التشكيلي والصوتي والتعبير به
وخامسا وأخيرا صوغ ذلك كله في رؤية تفهم الرؤى الدينية والفلسفية وتنقدها.
▫️
4️⃣- المؤسسة الرابعة وهي مؤسسة الانتاج
المادي (الاقتصاد)
والروحي (الثقافة)
بالتبادل والتواصل.
المؤسسة الانتاجية اقتصادية كانت أو ثقافية
وهي الانتخاب الفعلي الذي يمكن من استكمال الانتخاب الحاصل في الأسرة والمعبد وخاصة في المدرسة التي هي قلب التكوين بين الأسرة والمعبد.
بحيث إن الانتخاب الفعلي يقع في المؤسسة الانتاجية للتموين مؤسسة التبادل ومؤسسة التواصل في الجماعة.
▫️
5️⃣- المؤسسة الأصل والغاية
هي الجماعة من حيث هي سائسة لنفسها
وهو ما يجعلها دولة.
وسياستها لذاتها هي عين سياستها
لهذه المؤسسات الأربعة:
➖ سياسة لقوامة الرعاية:
1- يترتب على إشكالية التموين المادي (الاقتصاد):
علة كل النزاعات بين البشر في الداخل وفي الخارج.
2- ويترتب على إشكالية التموين الروحي (الثقافة):
محاولة حل النزاعات بين البشر في الداخل وفي الخارج.
➖ وسياسة لقوامة الحماية:
3- والسلطة من حيث هي شرعية مستمدة من الوزع الذاتي:
4- والسلطة من حيث هي شوكة مستمدة من الوزع الأجنبي:
➖ و
5- السياسة الشاملة للوجود الإنساني الحر.
▫️
وتلك هي وظيفة قوامة الجماعة لذاتها أو الحكم مباشرة وبانتخاب من تنوبه باختيارها وتحت مراقبتها وتلك هي مقومات الدولة المعبرة عن إرادة الجماعة والضامنة لحريتها وكرامتها رعاية وحماية أي الجماعة السيدة.
▫️
▫️
الانتخابات الصريحة والانتخابات الضمنية
▫️
▫️
الانتخابات الصريحة وهي قد توجد في شكل نصوص دستورية وقانونية لكنها لا تكون ذات فاعلية إلا إذا طابقت السلوك الفعلي لئلا تبقى حبرا على ورق.
وهي موجودة دائما في شكل عرف وغالبا ما يكون الوجود العرفي أقرب للمارسة من الوجود النصي لأن احترام النصوص هو بدوره من الأعراف:
1️⃣- في التأهيل التربوي
2️⃣- في التأهيل المهني
3️⃣- في قوامة التأهيل التربوي:
سلطة المعلم التربوية في النظام المدرسي
وهي سلطة روحية.
4️⃣- في قوامة التأهيل المهني:
سلطة المعلم التربوية في نظام تقسيم العمل
وهي سلطة مادية.
5️⃣- السلطتان الاجتماعيتان
وبصلاحهما تصلح الجماعة
وبفسادهما تفسد.
▫️
▫️
أما الانتخابات المسكوت عنها فهي موجودة دائما لكنها ضمنية لأن القوامة فيها تحدث بصورة غير رسمية وكانها أمر واقع لنوع من ديناميات القيادة في الجماعة.
وقد تكون للرجل أو للمرأة دون أن يكون ذلك عين السلطان الرسمي بل هو السلطان الفعلي الذي له أثر أقوى لأنه يتحول إلى سلطان فعلي على صاحب السلطان الرسمي:
1️⃣- في الأسرة:
انتخاب مسكوت عنه يرتب الأبناء بعملية يعسر فهمها
لأن المساواة بين الأبناء مستحيلة.
2️⃣- في المعبد:
ترتيب المؤمنين بعملية يعسر فهمها
لأن السرائر لا يعلمها إلى الله.
3️⃣- في قوامة الأسرة:
رسميا للرجل لكنها فعليا للمرأة.
4️⃣- في قوامة المعبد:
رسميا للمعينين لكنها فعليا لبعض المصلين.
5️⃣- السلطتان السياسيتان الجزئية في الأسرة وفي الجماعة:
وهما موازيتان لسلط القوامة في المؤسسات الرسمية
وفيها الجذور التي ينبغ منها التغير السياسي والاجتماعي لما لها من أثر على الرعاية والحماية.
وقد يؤدي التوازي بينهما إلى الخيارات المفيدة أو إلى الخيارات الضارة إذا كانت تأثير الضمني معدلا لما في تأثير الرسمي نحو الخير.
▫️
▫️
يمكن القول إن هذه المحاولة في حصر الانتخابات التي لا يخلو منها عمران بشري واجتماع إنساني هي المجالات التي يدور حول التشريع الإسلامي وبمقتضاها يمكن فهم كل المبادي الخلقية والقانونية التي يقدم منها القرآن الكريم بعض النماذج بمنطق الإشارة إلى ما ينبغي طلبه بالبحث العلمي في علاقة الإنسان بالطبيعة وفي علاقته بالتاريخ حتى يسد حاجاته بوصفه مستعمرا في الأرض بقيم الاستخلاف عليها.
▫️
لكن كل الخطأ المنهجي الذي يطلب هذه القوانين والسنن من نص القرآن تمثل في قلب
دلالة آل عمران 7
ودلالة فصلت 53.
▫️
1️⃣- فدلالة آل عمران 7 تنهي عن تأويل المتشابه.
لكن علماء الملة تحيلوا وجعلوا جل فكره في تأويله بحجة الرسوخ في العلم
وكانت النتيجة أن ما حصل هو فعلا ما حددته الآية أي زيغ القلوب وابتغاء الفتنة.
فكل المحاولات التفسيرية والكلامية والفلسفية والفقهية والصوفية تعتمد على تأويل يفترض قيس الغيب على الشهادة.
▫️
2️⃣- ودلالة فصلت 53 تأمر برؤية آيات الله في الآفاق وفي الأنفس أي بالبحث عنها في عالم الشهادة بمنهج الاجتهاد الذي لا يدعي المطابقة المعرفية ولا المطابقة القيمية
وهو عين منهج القرآن أي بالجمع بين بعدي التفكر والتدبر والاحتكام إلى التجربة والتجريب احتكاما يمكن من المفاضلة بين تأويلات النظرية في ضوء التجربة والتجريب.
وما كان ذلك ليحصل فيحرف النهي القرآني عن تأويل المتشابه بادعاء قدرة الراسخين في العلم على تأويل محيط لأن ذلك هو معنى العطف على القول الصريح بأن الله وحده هو الذي يستطيع تأويله والأمر القرآني بطلب حقيقة القرآن من الآيات التي يريها الله للإنسان في الآفاق وفي الأنفس.
وهي إذن ليست موجودة في نص القرآن الذي يقتصر على توجيه الاجتهاد والجهاد إلى مضانهما ويحدد قيمهما دون أن يعين نتائجهما التي هي حصيلة جهد الإنسان إيمانا وعملا صالحا بوصفة فردا وتوصيا بالحق وتواصيا بالصبر باعتباره عضوا في جماعة.
▫️
▫️
وإذن فالتأويل برد الغيب إلى الغائب وقيسه على الشاهد هما أساس كل تحريف لأنهما يستندان إلى القول الضمني بالمطابقتين المعرفية بين المعرفة وموضوعها (Epsitémologie) والقيمية بين التقييم والشيء المقيم (Axiologie).
▫️
ويمكن رد ذلك إلى تأثر غير واع بما كان سائدا في علم الكلام المسيحي واليهودي المتقدمين في حضارة الإقليم المركزي في دار الإسلام وهما بدورهما متأثران برؤية الفلسفة اليونانية التي تقول بوحدة العقل العقل والوجود ومن ثم برد الموجود إلى المعقول الإنساني. وقد اعتبر ابن خلدون ذلك من أوهام الفلاسفة والمتكلمين لأن الوجود لا يرد إلى الإدراك الإنساني.
▫️
▫️
ولا يمكن الخروج من هذا المأزق من دون اعتبار ما نتلقاه من الوجود الخارجي فندركه منه لا يتجاوز منظور الإنسان وإدراكه من الموجود ما يعني أن للإنسان تجهيزا يمكنه من ذلك دون الإحاطة. ومن ثم فما يدركه ويعبر عنه لا يصف الشيء في ذاته أو كما كانوا يقولون “على ما هو عليه” بل هو يصفه على ما يبدو عليه لمدركه.
▫️
فما يبدو عليه لمدركه تعريف لما يدركه ويعبر عنه وليس عن مقومات الشيء على ما هو عليه. فيكون كل تقدم في الإدراك تعميق للإدراك وليس تحديدا لمقومات الشيء الذي ندركه بدليل أننا نغيره ونجوده. وهذا يعني أن ما نعمقه ونجوده هو إدراكنا لما يبدو عليه الشيء لمدراكنا.
▫️
والفرق بين غاية ما يمكن أن ندكره وبين ما لا يمكن أن ندركه هو الفرق بين عالم الشهادة وعالم الغيب. وهو ما يعني أن العلم إدراك مضاعف لما يبدو لنا من الموجود ولما يبدو لنا منشودا ممكنا من الإدراك وحدا لا يمكن تجاوزه هو الغيب الذي هو الممكن المطلق الذي يجعل الأشياء موجودة أولا وعلى ما هي عليه ثانيا وكلاهما مما يستحيل معرفته:
ولذلك فهو موضوع الإيمان والعمل الصالح فرديا
وموضوع التواصي بالحق اجتهادا جماعيا والتواصي بالصبر جهادا جماعيا.
▫️
▫️
ولم أتمكن من فهم ثورة ابن تيمية وابن خلدون إلا خلال محاولة فهم الاستراتيجية التي يشير إليها القرآن لكي يمكن الإنسان من استعمال تجهيزيه للاستعمار في الارض والاستخلاف فيها.
▫️
1️⃣- جهاز النظر والعقد المعرفي
في علاقة بالطبيعة والكيان العضوي
للعلم بقوانيهما شرطا في الاستعمار.
وهذا الجهاز يعتمد على المقدرات الذهنية نظرية لغة يقول بها المدركات الحسية التي تمده بها التجربة الحسية العادية والتجريب العلمي الذي يبدعه الجهاز النظري والعقدي: سياسة التعامل مع الطبائع الخارجية والذاتية في الإنسان.
▫️
2️⃣- جهاز العمل والشرع القيمي
في علاقة بالاخيرين والكيان الروحي
للعمل بسننها شرطا في الاستخلاف:
وهذا الجهاز يعتمد على المقدرات الذهنية العملية لغة يقول بها المدركات الذوقية التي تمده بها التجربة الحدسية العادية والتجريب العملي الذي يبدعه الجهاز العملي الشرعي:
سياسة التعامل مع الشرائع الخارجية والذاتية في الإنسان.
▫️
▫️
والمحرك في كل هذه الحالات و ما وصفته في المعادلة الوجودية التي اختم الفصل بالتذكير بها:
ففي القلب من المعادلة نجد الإنسان وقبله نجد الطبيعة وكيانه العضوي وبعده نجد التاريخ وكيانه الروحي.
▫️
لكن الطبيعة والكيان العضوي يحيلان إلى ما بعد يجيب عن سؤال الوجود وكيفه والتاريخ والكيان الروحي يحيلا إلى ما بعد يجيب عن سؤال القيمة وكيفها.
▫️
وهذان الجوابان يفرضان وضع ما يرد إليه الوراء
أي الخالق (للوجود بديلا من العدم)
والآمر (بالكيف المعين من بين ما لا يتناهي من الكيفيات).
▫️
ويناظر على الخلق والأمر في الوجود والقيمة النظرية الشرع في المنشود والقيمة العملية.
▫️
وبذلك يشعر الإنسان بأنه ليس السلطة الأعلى في الوجود فيؤمن برب فوقه ويعتبر نفسه مستخلفا في الوجود الطبيعي والتاريخي وليس خالقا ولا آمرا إلا في حدود ما يمكنه منه تجهيزاه في النظر والعقد وفي العمل والشرع وما يناسبهما في الطبيعة والكيان العضوي وفي التاريخ والكيان الروحي.
▫️
وبذلك يصل إلى قناعة دينية وفلسفية بأنه “صانع” شروط بقائه و”محدد” لعقلانية إرادته باستعمال تجهيزيه حتى يصل إلى عقلانية عمله وعمله.