بيجيداPegida
________________
تنبيه مدير الصفحة :
رأينا من المفيد أن نشير إلى العلاقة بين هذا النص وما كتبه أحد الصحفيين بعنوان “انعزالية المثقف العربي وادعاء المعرفة” نشره في عدة صحف محلية ومهاجرة. ولما كان أبو يعرب ليس من عادته أن يرد على منتقديه إلا إذا وجد في كلامهم مناسبة لعلاج قضايا مهمة فإننا قد أطلعناه على الرد الذي يدافع فيه صاحبه عن صاحبه المدافع عن حرية التعبير اللامحدودة في قضية أبدو.
لكن أبا يعرب لم يعر الرد اهتماما رغم أن شرح مفهوم التعالم لدى صاحبه ومن يدافع عنه يمكن أن يكون الداعي للتركيز هنا على ما يغيب عن المتعالمين من صحفيينا. لذلك أشرنا إلى العلاقة بين النص والجدل حول قضية أبدو. فالأستاذ يعالج هنا قضية أعم منها وأعم من تعالم بعض الصحفيين : إنها هي قضية يرمز إليها هذا الاسم “بيجيدا”Pegida.
النص إذن علاج معمق لظاهرة مرضية يعاني منها الغرب عامة وأوروبا خاصة من منطلق القيم التي تدعيها الدولة العلمانية إذا فرضناها غير متناقضة ومطبقة على الجميع بنفس المعايير.
إنه علاج ينتسب إلى تاريخ العلاقة بين الحضاريتن العربية الإسلامية واللاتينية الجرمانية المسيحية وفقه القضاء الوضعي. إنه علاج يحلل قضية أشمل تعتبر قضية “أبدو” فيها مجرد جزئية.
القضية الأم هي مآزق الغرب الذاتية وأدواته في الحرب النفسية التي توجه إلى المسلمين. والعلاج يعتمد التاريخ وفقه القانون الوضعي مطبقين على المواقف الغربية المتناقضة في التعامل مع مواطني الغرب بمعيار معتقدهم الديني.
إنه علاج تاريخي وقانوني للقضية التي ترمز إليها بيجيدا مع بيان ما وراءها من حيل الحرب النفسية التي تغيب عن بال المتعالمين لمسعاهم الظهور بمظهر الحداثي والتقدمي ولو على حساب القانون والعدل والدين. ولا يلامون : فالإناء لا يرشح إلا بما فيه.
________________ القضية العامة
“بيجيدا” أو “الأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب” Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes منظمة عنصرية أسسها في ألمانيا ويقودها لوتز باخمن ذو العقيدة النازية منذ شهر أكتوبر من السنة الماضية2014. وهي منظمة تفيد بمجرد اسمها طبيعة ما تمر به أوروبا حاليا من نكوص إلى ذكريات القرون الوسطى في تصور العلاقة بين الحضارتين العربية الإسلامية والجرمانية المسيحية. كما أن انتساب قائدها إلى النازية يصلها بالمقابلة غرب شرق عامة وصلا يمثله الجمع بين معاداة السامية والإسلام.
وجمعها بينهما يجعلها فاشلة من البداية وفاقدة للفاعلية لأنها ستحارب رسميا بسبب معاداة السامية حتى وإن غضوا الطرف فلم يقاوموها بسبب معاداة الإسلام. لذلك فنحن لا نعتبرها إلا مجرد عرض نحلل من خلاله الموقف الغربي الحالي من مواطنيهم ذوي العقيدة الإسلامية بحيث هي لا تعد عندنا إلا من أعراض أحادية النظرة الغربية التي لم تترقى حضاريا بحيث تفهم معنى التعدد العرقي والثقافي الذي تتميز به حضارتنا وتسمو به على الغرب:
1-ففي القسم الثاني من اسم هذه الحركة العنصرية “ضد أسلمة الغرب” إشارة في الظاهر إلى موقف دفاعي أمام غزو إسلامي يستهدف الغرب. وفي ذلك تذكير بعلاقة ماضية بين ضفتي الأبيض المتوسط قيسا لأمرين مطلقي الاختلاف : ففي القرون الوسطى كان الإسلام حركة فاتحة وغريبة عن أوروبا. وهو الآن جزء لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية ولا يمثل أي نزعة فاتحة. وقد يكون مشكل أوروبا الديموغرافي والخوف على الهوية الحضارية بوعي أو بغير وعي من أهم دوافع هذا الموقف.
2-وفي القسم الأول من اسمها “الأوروبيون الوطنيون” دعوة تتضمن موقفين عدوانيين : أولهما تعريف الوطنية بالتضاد مع الأسلمة والثاني تعميم الموقف على أوروبا. فتكون المنظمة تكرارا لمنطق الحروب الصليبية وإن بصورة تدعي العلمانية : فمفهوم “الوطنية الأوروبية” يعوض مفهوم “المسيحية الأوروبية » دون اقتصار على أوروبا لأن ما يريد منع أسملته لا يقتصر على أوروبا بل هو يشمل الغرب كله. ومن ثم فهو تسمية جديدة لصدام الحضارات.
ولما كان صدام الحضارات حربا باردة يتساوق فيها فرعا الحرب أعني الفرع المستعمل للوسائل العسكرية والفرع المستعمل للتقنيات النفسية فإن كل وسائل الاستفزاز التي يلجأ إليها الإعلام والدعاية هدفها تجييش الرأي العام الغربي لإقناع الشعوب الغربية بالأخطار الوهمية التي يمثلها الإسلام والمسلمون فيصورون على أنهم هم الغزاة في حين أن الوضع هو العكس تماما. فالحرب الفعلية بأداتيها تجري في دار الإسلام عامة وفي الوطن العربي الذي هو قلبها خاصة.
وكل محاولات المقاومة تصبح بدعاية التشويه النسقي إرهابا إسلاميا في حين أنها مجرد مقاومة تحررية لا تتميز عن غيرها من المقاومات رغم كل محاولات التشويه الصادرة عن الاستعمار وعملائه : فالغرب نفسه عرف المقاومة إما في ما يسميه حروب الاسترداد التي فاقت كل التصورات من حيث الوحشية واللاإنسانية أو في ما حصل بين دوله من حروب واحتلال.
ومعنى ذلك أن المسلمين يتهمون بالإرهاب لأنهم يقاومون احتلال أرضهم إما مباشرة من قبل جيوش الغرب أو بصورة غير مباشرة بمقاومة الاستبداد والفساد الذي يحكمهم به من نصبه من العملاء خدمة لمصالح الاستعمار الغربي.
ولما كانت المقاومة والصمود يتأسسان على الحقوق عامة بصرف النظر عن المعتقدات الدينية ويتغذيان في آن بقيم الإسلام الذي يرفض العبودية لغير الله ويدعو لمجاهدة المعتدين والمفسدين فإن الحرب النفسية أصبحت مركزة على الإسلام ورسوله لما فيهما من سند روحي لثورة حقوقية يحاولون تجاهلها حتى يرجعوا القضية كلها إلى حرب على ما يتصورونه تخلفا في العقائد للحصول على تأييد رأيهم العام وخيانة النخب العميلة لدينا.
وبذلك فكل ما تقوم به وسائل الإعلام الغربية هو من جنس”بيجيدا” عامة حتى وإن لم تعلن عن نفسها بهذا الاسم. لكنها جميعها تنطلق من نفس الموقف مهما حاولت أن تبرر حربها النفسية المساندة للحرب العسكرية الجارية على أرضنا بما تدعيه من حرية التعبير كما في حالة « ابدو ». وينبغي هنا أن نميز بين حالتين سنقتصر في هذه المحاولة على أولاهما:
فأولاهما تتعلق بما يجري بين الأوروبيين أنفسهم في أوطانهم أي بين الأوروبيين المسلمين والأوروبيين غير المسلمين الذين من جنس أعضاء بيجيدا.
والثانية تتعلق بما يجري بين الغزاة الغربيين في دار الإسلام والمقاومين المسلمين للغزو العسكري والثقافي والحرب العسكرية والنفسية.
وللحرب في الحالتين مظهران يحددان كيف يتم الجمع بين العنفين المادي والرمزي أو الحرب العسكرية والحرب النفسية جمعا يجعل الحربين تتساندان وتحققان نفس الهدف :
1-فالعدوان المادي مثل تدنيس المقابر والمساجد والعدوان الرمزي ومنه منع الخيار الهندامي ومنها كاريكاتور “ابدو” ومسألة الفلم المعادي للرسول الأكرم وكل الإعلام المؤيد للحرب على المسلمين وللإجرام الإسرائيلي في فلسطين.
2-وكلتا الحربين المادية والرمزية أي العسكرية والنفسية تستعملان بالتوازي لكي تساند الواحدة منهما الأخرى في جعل الحرب الأهلية في الغرب نفسه بين المسلم وغير المسلم من مواطنيه تصلح لتغذية الحرب خارج الغرب على المسلمين في أرضهم والعكس بالعكس.
فحتى يميعوا الحالة الأولى التي تتعلق بحقوق مواطنين أوروبيين يردوها إلى الحالة الثانية التي تتعلق بتغذية حرب استعمارية في دار الإسلام بهدف إخفاء قضية الحقوق المدنية لمواطنيهم المسلمين بحجة أنهم غزاة أجانب بسبب اشتراكهم في الدين مع من يعتبروه العدو الخارجي الذي يحاربونه لعلل استعماريه على أرضه.
وهذا الخلط يقوي الدافع لدى مواطنيهم من غير المسلمين لتأييد الحرب الاستعمارية. والطريقة بسيطة وبدائية : يستفزون مواطنيهم المسلمين فيؤججوا رد الفعل لدى شبابهم وفي نفس الوقت الحقد والغضب الرافض لهم لدى المواطنين من غير المسلمين. فيضربوا عصفورين بحجر واحد : الدافع للحرب على المسلمين في الداخل والخارج.
وسأكتفي بقضية الوصف القانوني للحالة الأولى المتعلقة بالمسألة من حيث هي داخلية في الغرب نفسه وليست خارجية في علاقته بنا.
الوصف القانوني لحادثة “ابدو”.
وهذا التمييع يؤدي إلى تغيير الوصف القانوني لمعطيات القضية ولطرفي الخصومة في الغرب نفسه. ذلك أن الوصف القانوني المناسب والمطابق لا يمكن أن يؤدي الوظيفة المطلوبة في الحرب النفسية التي يخوضونها. لذلك يغيرون الوصف القانوني حتى ييسروا التشويه والشيطنة.
لذلك فنحن نعيد النظر في الوصف القانوني من منطلق المعطيات الموضوعية : فلما كان المستهدف بهذه الحرب النفسية لا يقتصر على المسلمين خارج الغرب بل هو يتوجه بالجوهر إلى مواطنين غربيين لهم نفس الحقوق والواجبات حتى وإن اختلفت عقائدهم -في بلاد تدعي العلمانية ومن ثم لا تدخل الاعتبار الديني في مسألة الحقوق والواجبات التي للمواطن وعليه-فإن المشكل أصبح منتسبا إلى معركة قيمية في الغرب نفسه توظف من أجل أهداف مضاعفة داخله وخارجه.
وهذه المعركة -على الأقل في الداخل-تدل على تناقض مطلق بين القول بالعلمانية والتمييز بين المواطنين على أساس ديني تمييزا يصل إلى جعلهم مواطنين من درجة ثانية. فالمعركة بالمعنى العلماني تتعلق بصراع بين حقين من حقوق الإنسان في نفس المجال القانوني الذي من المفروض أن يعامل المواطنين على قدم المساواة:
1-حق حرية التعبير للجميع بحد ينطبق على كل الحقوق وهو التناظر بين الحقوق والواجبات لدى الجميع.
2-حق حرية العبادة للجميع بحد ينطبق على كل الحقوق وهو عين التناظر بين الحقوق والواجبات لدى الجميع.
وهذا التناظر هو مفهوم كلية القانون الوطني في أفق المواطنة الواحدة للجميع وهو المعنى الحقيقي لمفهوم دولة القانون. ذلك أن مطالبة المسلمين الأوروبيين بأن يخضعوا عقائدهم لنظرة مواطنيهم ممن لهم دين آخر (المسيحية) أو لا دين لهم (الإلحاد) أو المحايد (العلمانية) فيه عدوان صريح على حرية المعتقد والعبادة لهذه الفئة من المواطنين الأوروبيين (مثل منع ما يسمى بالرموز الدينية باسم علمانية غبية مرتين إذا عمت وخاصة إذا اقتصرت على جماعة دون البقية).
لكن أصحاب هذا العدوان تجنبا للاعتراف به عدوانا يغلفونه بحق حرية التعبير مدعين كذبا بأنه غير محدود خاصة والمواطن الأوروبي مسلما كان أو غير مسلم يرى أنه محدود بما أصبح يعد أقدس من كل المقدسات : اللاسامية. ولما كان هذا الحق محكوما بقوانين وله بعض الاستثناءات تجعله ككل الحريات محدودا بحريات الآخرين فإن من حق كل من يشعر بأن هذا الحق قد تعدى على حق آخر أن يلجأ إلى القضاء ليكون الفيصل بين المتخاصمين.
وما أظن حق حرية التعبير مستثنى من هذه القاعدة العامة فيكون سامحا بحق العدوان على معتقدات الغير والتحقير منها خاصة إذا تركز هذا العدوان بصورة نسقية على دين معين وجماعة معينة أصبحت الوطنية تعرف بالضد معها كما في مضمون منظمة “بيجيدا” التي حللنا دلالة اسمها.
فبهذا المنطق يصبح بعض المواطنين بسبب دينهم يعدون جسما دخيلا وليسوا مواطنين مثل غيرهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
لذلك فالأمر في مسألة “أبدو” ينبغي توصيفه قانونيا التوصيف المناسب له انطلاقا من هذه المعطيات. فالحادثة لا يناسبها الوصف برد إرهابي على فعل مسالم بل هي تتعلق بجريمة ثأر مباشر بدل لجوء طالب الثأر إلى القانون لإيقاف عدوان على أحد حقوقه.
ودون شك فهذا الرد يتضمن جرمين هما ما كان يمكن أن يوصف بهما قانونيا جرم آي مواطن آخر إذا كان من غير المسلمين وصفا لن يستعمل كلمة إرهاب إطلاقا:
1-الأول أخذ الحق بغير طرق أخذه (القضاء) : حيث يكون الخصم قاضيا ومتقاضيا في آن وهو ما يعد جرما في حق دولة القانون.
2-الثاني عدم التناسب بين العدوان والرد عليه : حيث يكون آخذ الثأر قد رد على عدوان رمزي (الكاريكتاتور من مقدسه) بعدوان مادي (قتل المعتدي).
لكن هذا الجرم المضاعف يمكن أن يعالج ليس مباشرة باعتبار صاحب الجرم الرمزي ملاكا بريئا من البداية دون بحث في دوافع فعله المحركة والغائية واعتبار صاحب الجرم المادي شيطانا لا فائدة من النظر في دوافع فعله بل يكفي وصفه بالإرهابي وإنما بفهم العلل التي تجعل الأول يقدم على ما أقدم عليه وينسبه إلى قيمة لا تبرره إلا إذا خرجت عن مفهوم المساواة بين المواطنين في الحريات التي يحد كل منها بحق الأخرى وتجعل الثاني يقدم على ما أقدم عليه وينسبه إلى قيمة لا تبرره إلا إذا خرجت عن مفهوم العدل بتوسط القضاء وليس بالثأر الذاتي.
وحينئذ فينبغي أن يطرح مشكل أساسي تعاني منه الحضارة الأوروبية نفسها وسبق أن تحررت منه الحضارة الأمريكية في علاقة بيضانها بسودانها : هل حقا أوروبا تؤمن بالمساواة بين مواطنيها بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية وهل حقا تؤمن أوروبا بحرية العبادة للمسلمين؟
فكيف تسوي بين مواطنيها وهي لا تتهم المجرم المسيحي أو اليهودي أو العلماني برد جرمه إلى عقيدته تفسيرا لسلوكه فتطلب دافعه المعين وليس دينه. وفي هذه الحالة : هل رد الفعل الذي دفع من قام بمن ينسب إليه جرم “أبدو” علته أنه مسلم أم علته أنه يرد على إهانة له بتوسط التعدي على مقدساته أيا كانت إسلامية أو غير اسلامية. هناك خلط بين دافع الرد ومناسبة الحاجة إلى الرد : لا دخل للإسلام في المسألة.
ولنضرب مثالا للتوضيح حتى يفهم المتعالمون الذين يريدون أن يظهروا بمظهر الحداثي والتقدمي على حساب أهم القيم المدنية فضلا عن القيم الدينية (الإسلام ينهى عن سب حتى الأوثان احتراما لعقائد الوثني) رغم أن معرفتهم بالحضارة التي يتزينون بقيمها معرفة صحفية أو صحافية: فلو اعتدى أحد على شرف رجل باغتصاب ابنته أو زوجته ورد الرجل الفعل بعنف ضد المغتصب في فورة غضب بدل اللجوء إلى القانون لعقاب الجاني فهل يفسر رده بابنته أو بزوجته أم بمنزلة الشرف عنده وبالموقف الانفعالي (أو حتى بعدم اطمئنانه لانصاف القانون له حتى لو تصورناه مترويا وليس بذي اندفاع عاطفي)؟
وفي حالتنا فإن رد الشابين على ابدو لا يفسر بالإسلام لا من حيث الدافع ولا من حيث العقيدة لو كان الحكم عليهما منصفا إذ كان يمكن أن يكون هذا الرد بأي دافع آخر يجعلهما يشعران بأن شرفهما وكرامتهما قد مستا أي أنهما يفسران سلوك المعتدي على أنه عدوان عليهما بتوسط أي شيء عزيز لديهما.
وإذن فسلوكهما لا يفسر بالمقدس بل هو يفسر بمنزلة المقدس عندهما وبشعورهما أن اللجوء إلى القانون لا جدوى منه لأنه لا يحمي مقدسهما لأنه بات يبرر العدوان عليه باسم حرية التعبير: وشتان بين الأمرين .
ومن ثم فالقانون بدلا من حماية الحقوق بالتساوي بين الحقوق والواجبات بالنسبة إلى كل المواطنين بات يشجع عدوان البعض على البعض الآخر باسم تراتب بين الحقوق لا يقره قانون وضعي ولا شرعي. وهذا الوصف القانوني لا يعني تبريرا لسلوكهما بل هو وصف للعلل العميقة للداء فضلا عن كوننا اعتبرناه جرما مضاعفا :
1-فأخذ الحقوق لا يكون مباشرة من المجني عليه بل لا بد فيه من تدخل القضاء : وفي التعامل بالثأر عدوان على دولة القانون.
2-والجرم مهما كان من جنس الجرم الانفعالي Crime passionnel فإنه يبقى جرما خاصة ولا نسبة بين الجرمين الأصلي والرد عليه.
ويبقى المشكل في الثقافة الغربية نفسها: المواطنة من الدرجة الثانية وإطلاق إحدى الحريات ضد الحريات الأخرى (حرية التعبير ضد حرية المعتقد) هما الداء الذي لا بد من علاجه. ومهرب شيطنة بعض المواطنين واعتبار الآخرين ملائكة هو الذي سيزيد الأمر تفاقما.
فمن يحترم حرية التعبير ينبغي كذلك أن يحترم حرية غيره في الشعور بأن العدوان على مقدساته فيه مس بكرامته الشخصية ومن ثم فهو يطلب تطبيق قانون يساوي بين المواطنين باحترام مبدأ حرية أحد المواطنيين تقف في الحد الذي يضمن حرية الجميع وكرامتهم.
وعندما يؤمن الغرب بالتعددية الثقافية والدينية فيطبق الجيل الثالث من حقوق الإنسان عندها لن تجد من يلجأ لأخذ حقه بنفسه لأنه لا يشعر بالحاجة إلى الثأر ما دام القانون يحمي حقوقه. فغاية القانون والشرائع هي تخليص البشر من الثأر والقصاص المباشر بالاعتماد على الفيصل بين الناس: القانون العادل.
قضية الغرب الأوروبي أنه من حيث لا يعلم أو يعلم يريد أن يحافظ على التمييز العنصري الذي بدأت أمريكا تتخلص منه ويزعمون أنهم خلصوا منه جنوب افريقيا. لكنهم يدعمونه في فلسطين وفي العالم الإسلامي ثم يتهمون الإسلام ورسوله بما يشوه حق المسلمين في الدفاع عن حرياتهم وحقوقهم في أوطانهم سواء كانوا غربيين أو خارج الغرب.
أبو يعرب المرزوقي