****
باري القوس في الفرق بين الشورى والمشورة
ليس من عادتي نشر ردودي القليلة على القراء.
لكن أحد القراء الأفاضل علق بصورة عجيبة على تعليق سابق لي على مقالة الدكتور حكيم لما فيها من عداء للديموقراطية قال مناديا إياي: “يا استاذ محمد” أعتقد أن الاسلام قد أمر بالشورى قبل الديموقراطية. ولذلك كان الرسول يستشير الصحابة وأزواجه في شأن المسلمين. ولكن الديموقراطية تعني الفوضى العارمة في المجتمعات والشعوب فلا توافق بين الاسلام والديموقراطية “يا عزيزي”.
ولما كان جوابه قد بدئ بنداء فيه شبه تقريع معلم لتلميذ دون “رحمة” وخُتم بـ”يا عزيزي” فيها شبه تعالم فهمت أنه يعلق بنبرة «تودد» له عدة دلالات.
ومن الواجب أن أرد التحية بما يليق بها ولكن فيها الاحترام اللازم مني لكل قارئ على افتراض حسن النية. لكن الرجل يبدو من فقهاء السلاطين هذا إن لم يكن من طباليهم لأني لا أفهم علة ربطه بين الديموقراطية والفوضى لكأن عدمها يعطي للمحكومين به الاستقرار الذي يليق بالبشر وليس العبودية في سجن الاستبداد والفساد.
الخلط بين الشورى والمشورة.
هذا النوع من الشورى-الذي جاء وصفه في ردك سيدي باري القوس هو ما يسمى حاليا حتى في الدول العلمانية الاعتماد على أهل الخبرة وهو مشورة وليس شورى. والشورى الواردة في القرآن لا تتعلق بالمشورة بل بالشورى وهي مختلفة تماما. إنها تتعلق بإدارة أصحاب الأمر أي الجماعة كلها أو الأمة “أمرهم شورى بينهم” أي الذين استجابوا لربهم وهم المؤمنون أو المواطنون في مرحلة نزول القرآن. والفقهاء خلطوا بين الأمرين بين الشورى والمشورة وهو خطأ جسيم.
فاستشارة الخبراء مشورة وهي من فروض الكفاية أي إن الحاكم يختار خبراء يستشيرهم ولا يستشير كل الناس. لكن الشورى من فروض عين وهي إدارة الجماعة أمرها بالشورى وأول عناصرها واجب البيعة الحرة لاختيار من يكلف بالإدارة اليومية وكيلا أو نائبا عن الأمة بمبدأ الأمانة والعدل ثم مراقبته -الحسبة السياسية-بين الانتخابين خلال مدة نيابته للأمة.
والفرق بين ا لنوعين أن المشورة فيها اختيار الحاكم لمن يستشيره في التسيير اليومي للدولة وهو حر في ذلك يختار من يراه كفؤا في مجال القرارات التي ينوي اتخاذها. أما الثانية فليس له حق اختيار من يستشير لأن تعيينه نفسه هو موضوع الشورى التي هي فرض عين على كل المؤمنين وكذلك مراقبته والقدرة على تغييره إذا لم يكن أمينا وعادلا.
فهل فهمت الفرق الآن؟
تلك هي الـديموقراطية التي يأبها المستبدون والفسدة من الحكام الذين يخوفون المسلمين من الفوضى وحكمهم هو عين الفوضى أو سجن الأحرار.
والفقهاء حرفوا الشورى وجعلوها مشورة اختيارية وغير ملزمة بل وفي السر وليس في العلن لأن حقيقتها القرآنية لا تبقي لهم التفرد بالمشورة الخجولة التي جعلتهم جلهم يصبحون “فقهاء سلاطين” خلطا بين الأمرين أعني مشورة الخبراء التي هي فرض كفاية وشورى الجماعة لإدارة شأنها تعيينا لمن ينوبها ومراقبة له وعزلا إن لم يكن أمينا وعادلا (النساء 58) لغاية في نفس يعقوب.
فهل فهمت “يا عزيزي”؟
أما خرافة الفوضى فهي التي جعلتهم يشرعنون المتغلب فأصبح الحكم بالعنف ولا ينتقل من زيد العنيف إلا إلى عمرو الأعنف منه لأنه يفتكه منه بالدم ولا يأتي باختيار الجماعة بالبيعة الحرة. وهذا هو عين التحريف للآية 38 من الشورى وهو حيلة فقهية واضح أنها صادرة عن سوء نية وليست خطأ معرفيا فحسب.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.