اليمن، وجب تحريره لئلا يكون مآله مآل العراق

لست مختصا في شؤون اليمن لكني بت متأكدا أن وضع رئيس اليمن في السعودية مثله مثل وضع بشار في سوريا يعتبر مجرد ورقة دبلوماسية لتبرير التدخلات بما يسمى دعوة السلطة الشرعية. والغريب أن المعتدي الذي يستعمل هذه الحجة ينتسب إلى طرفي الصراع المطلوب لاحتلال سوريا واليمن. ورغم أن دعوة التدخل الاجنبي في اليمن كانت من الشرعية التي كانت ضحية انقلاب حلف بين مليشيا تابعة لإيران والحاكم الذي ثار عليه شباب الربيع ودعوة التدخل في سوريا بعكسها كانت من اللاشرعية لأنها ما يشبهها كان يمكن أن يكون ما يحصل لصالح بعد الربيع لو لم يسقطه الربيع. ولا أحد يمكن أن يطالبني بدليل على أن بشار ليس إلا ورقة ولم يعد يمثل أدنى شرعية إلا بوصفه ما يحتاج إليه الروس والإيرانيين ليضفوا الشرعية على تدخلهم مدعين أن السلطة الشرعية دعتهم لأن الجميع يرى أن من يتكلم باسم سوريا ويفاوض في كل المناسبات هم الروس والإيرانيين وليس بشار ونظامه. وكانت محاولة المقارنة بين رئيس اليمن الشرعي وبشار اللاشرعي يكون شبه ممتنع لو لم تأتي الاستقالات المتوالية من زعماء اليمن في حكومته لتثبن وجاهة المقارنة. لكني أريد دليلا أقوى لأن الاستقالات قابلة للتأويلات إما احتجاجا على هذه المنزلة أو ربما لغاية أخرى ليست معلومة بعد. ذلك أني لا أريد أن أرجم بالغيب ولا أدعي علم السرائر. لذلك فسأبحث في حجتين اعتبرهما غير قابلتين للدحض وهما: 1. سلوك المتدخلين في اليمن أعني الإمارات والسعودية خاصة لأن البقية يخضعون لهذين الممولين للحرب. 2. الانقلاب نفسه بقيادة الحوثي وصالح كان بقصد تيسير التدخل باسم الشرعية. وسأبدأ بالحجة الثانية التي تبدو غير قابلة للتصديق: فهل انقلاب الحوثي وصالح كان بتشجيع من السعودية والإمارات من أجل التدخل في اليمن بمعنى أن ما يجري في الحجة الاولى كان هو العامل الرئيس في كل العملية التي لا معنى لها من دون الحرب على الربيع العربي في اليمن وعلى الإصلاح بالذات؟ ولأزد سؤالي توضيحا هل ما يجري في اليمن هو عين ما يجري في مصر وما يجري في ليبيا وما يجري في سوريا وما يريدون ألحاق تونس به أم إن التدخل كان بحق بسبب دعوى السلطة الشرعية في اليمن؟ هذه الحجة التي تبدو قليلة التصديق لبعدها عن التصور المباشر هي التي يثبتها أمران بينان للعين المجردة. فأهم مدينة يمنية حيث يوجد أقوى حزب إسلامي إصلاحي المدينة التي أدت أكبر دور في الربيع اليمني هي التي أراد المتدخلان أن يجعلاها مجال الدرس الذي يطبق في سوريا وليبيا خاصة حتى ييأس الشباب اليمني بجنسيه من كل ما طلبوه في ربيعهم. تركوها لكل جرائم صالح والحوثي إلى اليوم. وذلك على الرغم من أن خطتهم في استعمال الحوثي وصالح ضد الربيع لم تخدم إلا خطة إيران التي أتمت ما تريد وهو إنشاء شبيه لحزب الله على الحدود السعودية وما حول الخطة كلها بسبب غباء المخططين في السعودية خاصة إلى دفاع عن الحدود وليست مساندة لشرعية كلنا يعلم أنها لا تعنيهم. ذلك أن النظامين اللذين يزعمان الدفاع عن الشرعية في اليمن كانت قياداتهم تعلم أنها غير شرعية وأنها لو تركت الربيع ينجح في اليمن لأصبحت ثورة شبابهم وشعوبهم على الأبواب وهم إذن يعتبرون الشرعية التي يمثل شرطها ثورة الربيع أخطر عليهم من إيران خاصة وإذا حالفوا إسرائيل كما فعل السيسي. وشاءت الأقدار أن أتى ترومب إلى أمريكا. فكان المستفيد الثاني بعد إيران بل وبفضل الربيع وإيران: أصبحوا محميات مباشرة لإسرائيل لظنهم أنها ستحميهم أولا عسكريا وأنها ستحميهم ثانيا دبلوماسيا بوصفها المحامي لدى اللوبيات المسيطرة على القرار في أمريكا والغرب. وهذا ما يمكن ترومب من حلب الابقار العربية حتى يجف ضرعها. فيسخرون الحرب على الربيع في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا وفي تونس وفي مصر خاصة بعد أن تفرغ صناديقهم وجيوب شعوبهم فيصبح الربيع المطلب الاول لهذه الشعوب الكريمة التي يهان نخبها المخلصة ويصعد أحقر من نراهم يتراقصون. والغريب أن الكثير من هؤلاء الدنيئين من يلومني على كلامي في ما يجري في الخليج وينسون أن البادئ أظلم حتى لو سلمنا بأنه يمكن فصل الخليج أو غيره من مناطق الوطن بعضها عن البعض عند من هو مثلي لا يؤمن بالجغرافيا السياسية التي فرضها الاستعمار ونصب عليها العملاء أمثالهم. فالشباب العربي بجنسيه لما ثار لم يحارب أحدا من الخليج لكن الخليج الذي خافت قياداته من تحرر شبابها مثل بقية الشباب العربي هي التي بدأت بالحرب على الربيع في مصر وفي سوريا وفي اليمن وفي ليبيا وفي تونس متصورة أن نصائح بلار وكل أنذال العرب من “الخبراء” المزعومين ستغير طبائع الأشياء. فحتى لو جمعوا خزائن الدنيا واستعانوا بكل أنذال العالم فالقيادة في دار الإسلام لن تبقى بيد القبائل والعسكر لأن الشباب بجنسيه في كل دار الإسلام وفي عقر دارهم لم يعد غرا فيقبل بأن يقوده المراهقون من أغبى خلق الله الذين يفرطون في ثروات بلادهم وكرامة شعوبهم من اجل الاستبداد والفساد. أفشلوا ثورة الشعب الجزائري بالتعاون مع الجيش وفرنسا وأفسدوا ثورة فلسطين قبلها وأفسدوا ثورة الشعب المصري والشعب السوري ويحاولون افساد ثورة الشعب الليبي واليمني وحتى التونسي ثم يزعمون أن أبا يعرب يتدخل في شؤونهم لكأنهم هم قد اقتصروا على شؤونهم متوهمين البترول أغلى من دم الشعوب. والامر الثاني هو السعي لتقسيم اليمن بأن جعلوه خاضعا لتعدد المليشيات مستعملين نفس الاستراتيجيا التي استعملوها لإفساد ثورة الشباب في سوريا. والغريب أنهم يتصورون ذلك جنيس سياسة إيران. لكنهم لا يرون أن إيران سياستها لخدمة استراتيجيتها وأن سياستهم هي لخدمة استراتيجية إيران كذلك. ولا شيء أدل على الغباء من كونك تدعي التخطيط بمحاكاة العدو فيكون تخطيطك لصالحه وليس لصالحك. والأغرب أنهم كرروا ذلك في العراق وفي سوريا وفي اليمن وإن شاء الله سيكون ما يخططون له من الآن فصاعدا ليس لصالح ولا لصالح إيران بل لصالح الثورة: سيفلسون وسيثور شبابهم في ربيع الخليج. وأقول ذلك بثقة لا تتزحزح لأن ربيع الخليج بدأ في ضفة الخليج الشرقية (إيران) وإذا كان قد هدأ فناره ما تزال متوقدة وإن تحت رماد أكاذيب الملالي التي آن زوالها بدليل تصريحات كلبهم في الضفة: فكلها محاولة لإقناع الشباب الشيعي بأن جرائم للدفاع عن التشيع لكأن أحدا حاربه في سوريا. ولأمر للحجة الثانية. ماذا يفعلون؟ وقبل ذلك ما الدافع لما يفعلون؟ الربيع في اليمن بخلاف الربيع في بقية بلاد العرب أخطر على انظمتهم بما لا يقدر. فأولا اليمن بمفرده يساوي كل الخليج عددا وعدة وإمكانات بشرية وخاصة شروط تنمية سريعة ليس لهم منها أدنى قدر: خوفهم منه نظير خوفهم من العراق. هذا هو الدافع الاول بشرط وصله بالربيع. ذلك أن اليمن الذي كانوا يسيطرون عليه بالفاسد والمستبد صالح الطالح أزاحه الربيع وكان سيأتي بقيادات جديدة تستفيد من هذا العامل الذي يجعل اليمن قائدا للجزيرة كلها لما له من فضل على العروبة والإسلام ولما له من إمكانات أهدرها الاستبداد والفساد. وإذن فما يفعلونه في اليمن لنا منه مثال: هو ما فعلوه في العراق الذي كان يخيفهم ويخشون إن نجحت الثورة في اليمن أن يصبح عراقا جديدا يخيفهم أكثر من العراق الذي هدموه وأعطوه لإيران. والذي “نشهم” على العراق هو نفسه الذي “ينشهم” على اليمن. لكنه الآن يوهم المراهقين أنهم يمكن أن يحتلوه وهنا سأسمح لنفسي بأن أقدم نصيحة للأخوة اليمنيين: لا تقعوا في ما وقع فيه العراق. فهؤلاء المراهقين من حيث لا يدرون سيسلمون اليمن لإيران على طبق من بلادة بدوية لبعض الاغرار الذي يتبعون الخبث الإنجليزي والاسرائيلي في سياسة الجزيرة العربية. “فلا تهربوا من القطرة بالوقوف تحت الميزاب”. هذا مثل تونسي يعني ألا تهرب من العدو الأصغر فتحتمي بالعدو الأكبر. فلا ينبغي أن تجعلوا التحرر من التدخل السعودي والإماراتي بعملاء إيران وإسرائيل. ينبغي أن يستعيد اليمن ثورته وأن يحرر نفسه بنفسه. وآمل أن يكون ذلك مشروع المستقيلين من الحكومة وقد تركت رأيي فيهم معلقا. وأعتقد أن أول خطوة سياسية ذكية وقوية هي قلب خطة المتدخلين: فاحتجازهم للرئيس الشرعي علته حاجتهم لغطاء دبلوماسي يتمثل في دعوى الدعوة من السلطة الشرعية. وهم يخافون من فقدان هذا الغطاء. يكفي أن يهدد رئيس اليمن بإزاحة هذا الغطاء حتى يسترد دور الشرعية ويكون جبهة التحرير الحقيقي. سيقال: لكن ذلك يقتضي إمكانات مادية حتى يستطيع الإمساك بالبلاد. وهذا اعتراض يبدو وجيها لكنه سطحي. ذلك أن مجرد استرداد المبادرة سيحقق امرين كافيين للجواب: أولا سيسترد إمكانات اليمن المادية وهي كثيرة وثانيا سيجد في تركيا وقطر وبعض البلاد الأوروبية من يساعده على مساعدة فعلية. ولما كان المتدخلان يعلمان أن ذلك ممكن فهم سيضطرون للخضوع لهذا الموقف لأنهم من دون الشرعية سيفقدون كل ما حققوه إلى حد الآن وخاصة فرصة التراجع الذي يحفظ ماء الوجه وإلا فإنهم سيدخلون في حرب عنوانها تحرير الشعب اليمني منهم ومن عملاء إيران وإسرائيل. والله الموفق.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي